عرض مشاركة واحدة
قديم 10-28-2016, 10:12 PM
المشاركة 43
عبد اللطيف السباعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
قراءة الاستاذ توفيق الخطيب في هذه القصيدة...

وصالٌ في حديقةِ الحَواس
عبد اللطيف السباعي (غسري)

هذا البياضُ الذي أرْقى فَأفْرِشُهُ
مُعَتَّقٌ، ماءُ وَجهِي ليسَ يَخدِشُهُ

أعلوهُ.. أسْكُبُ فِي ياقاتِهِ عَرَقًا
بِريشَةِ الوَهَجِ المكنونِ أنقُشُهُ

آهاتُ رُوحِيَ نَخْلاتٌ تُظَلِّلُهُ
تحْنُو عليهِ ولا تَنفَكُّ تُنْعِشُهُ

يُرَفْرِفُ الغُصْنُ في جَيبِي ... سأَغْرِسُهُ
هُنا لَعَلَّ نسِيمَ الذَّاتِ يُرْعِشُهُ

هَا نَبْضُهُ.. أُرْجُوَانِيَّ السِّماتِ بدَا
هَا دِفئُهُ.. بِرُؤًى حَمْرَاءَ أنْبِشُهُ

هَذا النتوءُ حُصُونٌ غَيرُ مُشْرَعَةٍ
مُزَخْرَفُ البابِ مَمْشاهَا مُرَقَّشُهُ

لكِنَّنِي بِجُنودِ القلبِ أفتَحُهَا
لَيسَ الشُّعُورُ سِوَى جَيْشٍ أُجَيِّشُهُ

أطِيرُ فِي لَذَّةِ المَعْنَى بِأجْنِحَةٍ
رِيشُ الدَّلالاتِ فِيهَا الجَهْدُ يَنْفِشُهُ

مَسَافَةُ الألْفِ حَرفٍ ليسَ تُعْجِزُنِي
وَمَنبَعُ البوحِ غَوْرٌ لستُ أنكُشُهُ

فِي البَدْءِ كُنتُ وَفِي عَيْنَيَّ خاطِرَةٌ
تَبُزُّ أيَّ كلامٍ قدْ أُوَشْوِشُه



, إن ذات الشاعر المفعمة بالأحاسيس , المشبعة بنفحات الإبداع , تريد أن تتفجر شعراً يملأ فضاء الأدب بحيث يسقي الأرواح العطشى لسحر الكلمة , المتلهفة لتلقي أمواج السحر التي تمثلها الحروف والكلمات المنتقاة بعناية .
هذا النص لوحة سريالية تصف هذا التفاعل الانشطاري النووي الذي يسكن في جوف شمس الشعر التي تسكن الشاعر , وهذه اللوحة تتمثل في صور شعرية ساحرة مبنية على وصف خيالي لايجيده إلا من غاص في بحر الإبداع وامتلك أدوات الصيد الضرورية لالتقاط درر الشعر البديع .
هذا البياضُ الذي أرْقى فَأفْرِشُهُ
مُعَتَّقٌ، ماءُ وَجهِي ليسَ يَخدِشُهُ

إنه بياض صافٍ يخرج من نبع زلال معين سائغ للشاربين .
آهاتُ رُوحِيَ نَخْلاتٌ تُظَلِّلُهُ
تحْنُو عليهِ ولا تَنفَكُّ تُنْعِشُهُ
هنا يسبغ الشاعر على كلماته روحه التي تحنو على الحروف والكلمات لتمنحها عمقا وتأثيرا وتجعلها غذاء طيباً للنفس الممثلة بالذائقة الشعرية , وللروح التي تتقبل المعنى وتعتنقه .
إن استعمال كلمات وعبارات تحمل معنى روحيا عميقا مثل ( آهات الروح – نسيم الذات – والنبض والدفء وجنود القلب ) قد ساهمت في شخصنة النص وإعطائه بعدا نفسيا عميقا .
مَسَافَةُ الألْفِ حَرفٍ ليسَ تُعْجِزُنِي
وَمَنبَعُ البوحِ غَوْرٌ لستُ أنكُشُهُ

هذا البيت البديع يدل على همة الشاعر العالية وطموحه وإبداعه الذي لا تحده الكلمات, وعلى عمق النبع الذي يستقي منه إبداعه .
إن تكثيف الصور الشعرية محبذ في مثل هذه النصوص الإبداعية , وخاصة عندما تصف أحاسيس ومشاعر لاحدود لها تنطلق من أعمق مكان في ذات الشاعر .