عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2015, 02:04 PM
المشاركة 63
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قبل أن أجيب عن سؤال الأستاذ محمد جاد الزغبي الذي كرره أيضا الأستاذ عمرو مصطفى . أود أن أضع تعريفا مبسطا حول الفكر و التفكير و الأفكار .

فالتفكير هو نشاط عقلي واع فيه حركية المعرفة ، فعندما نقول يفكر فهو بحث عن حل لمشكل معين فهو بالضرورة تحريك للمعرفة ، و هذه القدرة على تحريك المعرفة قد تكون بطيئة عند البعض و سريعة عند الآخر ، وهنا تأتي قيمة الذكاء ، وهي قدرة على تسريع التفكير المنطقي ،" تركيب متواليات لغوية مستجدة باستعمال الرصيد المعجمي الموجود في الذاكرة على سبيل المثال" ، و يختلف التفكير عن الاسترجاع المرتبط أساسا بالذاكرة ، أو المعرفة في حد ذاتها ، فالذاكرة هي حفظ معلومة و القدرة على استرجاعها ، والتفكير هو قدرة توظيف المعلومة للوصل بها إلى نتيجة معينة .
العقل يشمل هذه القدرات مجتمعة وأخرى كالحدس الذي هو قدرة على توجيه الفكر نحو السبيل الأمثل ، المؤدي إلى استعادة التوازن النفسي إثر القلق الذي تحدثه المشكلة العارضة ، فالعقل هو القادر على إعطاء الإشارة على تحقق الهدف من الفكر و انسجامه مع باقي مكونات مكونات النفس . وهي معادلة مستمرة لا تتوقف . فالنتيجة تصبح مرة أخرى معرفة و تتجدد عملية الفكر في مشكل آخر وهكذا ...

هل الأفكار الإنسانية مطلقة أو هي معرفة يقينية طبعا لا ... هل تحمل صوابا مطلقا طبعا لا ... و هل يجب أن تكون للفرد معرفة يقينية نعم و إلا أضحى وجوده فارغا و يحوم حول متاهة .

الله تعالى زودنا بالمعرفة اليقينية التي تعد صلبة قوية تتمثل في الوحي قرآنا و سنة . فكلما تم استحضارهما بالشكل الأمثل جاءت مخرجات العقل سالمة و أصبحت كل العمليات الذهنية التي يقوم بها العقل منسجمة إلى درجة قصوى ، و سهل الوعي بها والمتمثل في استبصار البنية الكلية ، أو الفهم و الإدراك ، وكلما تم إغفالها كانت المخرجات بعيدة عن الحقيقة الإيمانية ، فتحدث الأخطاء ، وهذا ما يجعل العقل الغربي في بعض الحقول الفلسفية يصل إلى نتائج غير عاقلة بخصوص الوجود وحتى بعض القيم ، لأنهم يبحثون خارج المعرفة اليقينية و ليس هناك بعد الهدى إلا الضلال ، لكن في علوم التسيير و التدبير و تطوير أساليب التفكير و تطوير أساليب التربية و الاعتماد على علوم الإحصاء و الفضول المعرفي و تنشيط العقل فهم أكثر منا بسنوات .

لماذا لأننا اكتفينا بالمعرفة اليقينية ، و ما يحوم حولها من أثر الأولين الذين لن ننفي عنهم أنهم صاغوا اجتهاداتهم باستعمال عقولهم المجتهدة ، وأصبحنا بعدهم غارقين في الحفظ و التخزين في الذاكرة ، فأصبح حتى الشعر كما اجتهد فيه الأولون هو الشعر و فقط و نفينا على أقوامنا أي صياغة أخرى في التعبير عن المشاعر بلغة راقية أن نسميه شعرا ، فهذا التشبث باجتهادات الأولين و وضعه في خانة المعرفة اليقينية ، هو ما شكل سياجا حقيقيا أمام الإبداع و تطوير الأنساق الفكرية و تطوير تجويد المخرجات الإبداعية ، و كلما ازدادت مساحة المعرفة اليقينية يتم حصر مجال الإبداع فتنشط ملكات الذاكرة و الاسترجاع بصفة أكبر ، فتقتصر مهمة العقل على التطبيق ، أي تطبيق للمعرفة السابقة على الوضع الراهن بأي طريقة من الطرق . فعندما نتحدث عن النصوص الإبداعية مثلا ، فهي تشكل متواليات لغوية في أساليب جديدة و في إيقاعات جديدة ، فلو أخذنا القصة القصيرة جدا أو حتى القصة القصيرة ، فهي تعبيرعن تطور في السياق السردي أي ضغط النص السردي الذي كان يمتد صفحات عدة ، والإكتفاء بعدد محدود من الكلمات التي توحي كل كلمة منها بموضوع شاسع ، فلا يعمل الكاتب إلا على حشد مجموعة من الكلمات الدالة على حقول معرفية معينة أو دالة على أحداث تاريخية و غيرها ليعطي في الأخير في جمل قليلة موضوعا واسعا جدا ، فالاختزال هنا و التكثيف أو الضغط ، لم يقتصر على التوظيف اللغوي ، فحتى الخزانة الكبيرة والضخمة أصبحت مضغوطة في أقراص صغيرة ، و حتى الرسالة التي كانت تمد صفحات أصبحت رسالة قصيرة في الهاتف ، يعني بالضرورة هناك نزوع معين إلى تطوير أساليب و طرق التواصل وهذه حصيلة طبيعية للمجتمع المعرفي و المدني .

يتبع