عرض مشاركة واحدة
قديم 02-16-2016, 01:55 AM
المشاركة 28
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رسائل من الماضي

هل قلت كلمتي ؟ اشك في ذلك فلا أزال أطوف حولها ، أدندن بعيدا علّني أصل إلى جوهرها ، أبتعد عن ذاتي طمعا في التقرب منها ، أقفز عن آلامي عساها تخفّ ، أتجاهل حقيقتي طمعا في سأم يطالها فتتغير إلى إشراقة من نوع ما ، سوف لن أكتب هنا اعترافات فقد اعترفت لنفسي بقصورها ، بجحودها بكبريائها بتسامحها بجبروتها بجمالها ، بكل تلك المفاهيم التي بها نحاول معرفة ذواتنا بكل المتناقضات التي تتنازعنا .
هل أنا راض تمام الرضا عن الذات هذا وهم لا يغتفر ، هل أنا كاره لذاتي و ناقم عليها ، هذا سخط وحقارة ، هل أنا ميال إلى الوسطية هذه طوبوية و مثالية ، أنا بين هذه وتلك يتنازعني الخير حينا و الشر حينا و أقف لا مباليا حينا .
حين استرجع ما مضى بتفاصيله الدقيقة أجدني غير قادر على الحكم على ذاتي إن كانت ناجحة أو فاشلة ، و لكن حقيقة واحدة ماثلة أمامي لا تتزحزح قيد أنملة ، هي أنّني لست سعيدا ، دون أن أعترف بأنني شقي لأنني لم أتوقف يوما عن البحث عن السعادة ، قد يكون الكدّ من أجل الشعور بالأمن على المدى المنظور هو ما يحول بيننا وبين تذوق السعادة و نستمر في تأجيل المتعة و الاحتفال ، قد تكون الانعطافات المفاجئة ما نمّى سلوك الحذر فينا ، لكن هذا كله ليس مبرّرا لعدم الشعور بالسعادة .
الآخر كفرد في حقيقة الأمر لا يكاد يهمّني بعمق رغم أنني أتأثر بسهولة وربما أضحّي من أجل الآخرين أكثر ممّا اعتنيت بنفسي في الماضي كما الحاضر ، حقيقة مرة ليس سهلا أن يعترف بها الإنسان . فأكاد أحس أن تأثري قشري لا أكثر ، قد يكون في الأمر أنانية من نوع خاص قد تصل إلى السلبية أحيانا ، لكن هذا لا يمنع أنني أشتغل بالصالح العام أكثر من الذين يظنون أنهم يهتمّون بالآخرين . هو مجرد طبع لا أكثر ، استغربت الفكرة يوما حين حدثني زميل أنه لا يستشعر دفئا في علاقاته و أن كل صداقاته عابرة وظرفية و لا يسعى ليدخرها ، كنت على عكسه تماما أحظى بصداقات فعلية و لا أزال ، لكن حقيقة الأمر هي كما نطقها تماما و إن عبر عنها بأسلوب شرس .
ربما سقطت في فخ الاعتراف بغير قصد لكن كلّما جرّدنا الحقيقة جعلناها أكثر سطحية ، فالموضوعية المطلقة تؤدي إلى التشييئ ، و الحقيقة الإنسانية ذاتية أكثر ، والرسالة نابعة من الذات ومتى سعيت إلى تجريدها أصبحت جافة جرداء .
زميل آخر قال لي ذات يوم قد لا أملك إلا هذه الورقة النقدية لكن قد أعطيها لأول متسوّل أو معدوم أصادفه ، ليس لأني كريم ، و ليس لأنني أهتم بحياته ، لكن مجرد طبع و ممارسة عفوية ، ضحك في نفسه كثيرا في صباح عيد من الأعياد ، حين قدمت منزله محتاجة و وضع في يدها ورقة نقدية عالية القيمة ، فاجأها الأمر فانبرت تدعوا له ، وضع سبابته على شفتيه عساها تسكت ، فظنت أنه خائف من زوجته و لمّحت له بذلك ، فاستحسن ظنها ضاحكا من أعماقه .