عرض مشاركة واحدة
قديم 02-22-2015, 11:59 PM
المشاركة 166
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته

لاشك أن العلوم تدرس الظواهر الموجودة على إطلاقها . فأحيانا يبدو للبعض أن كل شيء غيب ، حتى دوران الأرض حول الشمس و ربما حالة الطقس ، و ربما أن تقول إني فاعل ذلك غدا فهو رجم بالغيب ، و حتى العلوم المستقبلية التي تدرس التطور الإطرادي للاقتصاد مثلا أو تموجات المجتمع و الأفكار التي تسيطر عليه و مآلات فكرة معينة قياسا إلى حواملها والإمكانات المرصودة لها و درجة الاستقطاب التي تحظى بها . كل هذا رجم بالغيب ، هذه النظرة المغلقة إلى الأمور ليس من السهل تجاوزها ، و ليس من السهولة بمكان فتح أقفالها التي ضاعت مفاتيحها ، جراء تكاسل الهمم والجنوح إلى التواكلية ، واستهلاك الجاهز ، هذا النكوص المريب و هذا الخوف الرهيب من انتشار ثقافة التطلع إلى تجاوز هذه السياجات الواهية المحيطة بأمتنا ، هذا التغول المفرط لتقديس الذات الخاطئة و اعتبارها النبراس المنير و النجم الوضيء ، و هذا الحض الغليظ على قمع مشكاة النور ، و صد كل من له بعض رغبة في الاستكشاف ، و فك القيود الصارمة الخانقة لحرية التحري و البحث .

كم لا تفعل ، لا تقترب ، إياك أن ، و كم من حذار و كم من الأوصاف الجاهزة الثقليلة ، مجدن و مغرب و منبهر و متعال و متكبر و عقلي بلا نقل ، و وثني ....

إن لله و إنا إليه راجعون من هذه الغلظة التي حولت دين الرحمة و منبع الهدي و النور و السراج المنير و الذي رفع ريات القراءة و شعار القلم و أطلق التحدي الواضح للإنس والجن أن يستكشفوا ماهم قادرون عليه في الكون ، و أوصاهم في التفكر في آيات الله التي خلقها . و يأتي قائل ليقول برحابة صدر و لا أريكم إلا ما أرى ، و ما بعده ليس إلا عماية ، يعتقد هؤلاء أن الناس ينتظرون منهم تصريحا أو ترخيصا . قل ماشئت و افعل ما شئت فمشيئة الرحمن نافدة ، فلا تتميز نفسك غيظا و لا تتجرع الحسرات ، فالعالم تجاوز هذه الوصاية المدمرة ، و كل ذلك بإذن من كل شيء عنده بين الكاف والنون . اعلم حفظك الله أن العالم اليوم مجتمع معرفة ، و لم يعد ذلك الذي كنت و مازلت تحسبه ، و أن الحس النقدي قوي جدا ، ذلك الذي يشك حتى في الصورة عندما يشاهدها إن كانت مزيفة أو مركبة أو مجرد تمثيلية هزلية ، لا أحد يثق إلا في الله و نعم المولى ونعم النصير .

الباراسيكولوجيا و حتى علم النفس المعرفي ، هو ردة عن المنهج العلمي الصارم الذي انتهجته المدرسة السلوكية ، ذلك المنهج الامبريقي والوضعاني و المخبري المحسوس ، لسببين أساسين أولا لانتشار الثقافة المادية الموغلة في التطرف التي جنحت بالمجتمعات إلى فراغ روحي مهول أدى إلى فقدان التوازن ، وانتشار مظاهر غير أخلاقية تنذر بانهيار المجتمعات الغربية ، كالتفكك الأسري ، و ضعف الالتزام الأخلاقي غير المرتبط بالجانب القانوني ، و ثقافة الانتحار عند انسداد الآفاق ، فهذا الموقف نحا بالسياسات العلمية إلى محاولة استعادة التوازن للمجتمع ، والسبب الثاني هو ظهور النسبية التي كانت أعظم ضربة قاصمة تلقتها المدارس المؤمنة بالحقيقة العلمية ، وكذا عدم تكمن نظرية التطور من إعطاء تفسير منطقي للطفرة الوراثية .

فهناك إذن سببان وجيهان ، الأول مجتمعي والثاني علمي ، فهل هناك حقيقة باراسيكولوجية ، بالمجمل هناك ظواهر تبدو غير منطقية في التصرف الإنساني على الأقل استنادا لما وصلت إليه العلوم ، فالمنطق دائما أيضا نسبي بالمجمل علميا فهو رهين المعطيات اليقينية التي وصلت إليها مختلف العلوم .
لذلك هناك تيارات تؤمن بالحقيقة الباراسيكولوجية و أظن أنها هي الفئة الأقرب من الصواب ، و هناك من يجعلها في خانة الأمراض النفسية أو الأمراض العقلية .

ما موقع الباراسيكولوجيا من الدين ، إذا كانت الباراسيكولوجيا تبحث عن قدرات عقلية ما تجنح نحو الكرامات و الرؤيا الصالحة ، فهي بدون تردد ستصل إلى براهين قاطعة على وجود تأييد من الله لأوليائه كما في الحقيقة الدينية ، و إذا كانت تبحث في ميكانيزمات الإبداع و القدرة الاستشرافية فربما وجدت بعضا من الحقائق العلمية في مجالات لا غيبية ، و إذا كانت تبحث لجعل العقل هو مصدر التأثير الوحيد أو أنه له قدرة لذاته على التأثير في الحقائق الكونية ، فهي لن تصل إلا لتخبط ، لكن أيا كانت جهة البحث فهي من صميم العلم الذي مافتئ يثبت كل الحقائق الدينية .

و شكرا للأستاذين أيوب صابر و الأستاذ عمرو مصطفى .