عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
10

المشاهدات
5815
 
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي


أحمد فؤاد صوفي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,731

+التقييم
0.31

تاريخ التسجيل
Feb 2009

الاقامة

رقم العضوية
6386
02-11-2011, 03:09 PM
المشاركة 1
02-11-2011, 03:09 PM
المشاركة 1
افتراضي ++ قد يكون للسعادة أسباب خفية ++
++ قد يكون للسعادة أسباب خفية ++



يشعر بالضيق في صدره . . يركبه الهم . . ينشغل باله بكل شيء . لسبب أو بدون سبب . . يخاف دوماً من غده . .
تزوج حامد منذ ما يربو على عشرين سنة . . زوجته مضرب المثل في جمالها وتدبيرها . . تحبها حماتها كإحدى بناتها . . بل وتطلب مشورتها في كل صغيرة وكبيرة . .
رزقهما الله من الأبناء ثلاثة . . والبيت مستقر . . لا ينقصه شيء . .
بدأ حامد حياته العملية كمهندس مساعد في شركة كبيرة . . وبسبب جده وتفانيه في عمله . . فقد صار مديراً لأكبر قسم فيها . . بمدخول مرتفع . . ومزايا عديدة له ولعائلته . .
ولكن . . ومنذ أن تزوج . . فقد ركبه الهم والضيق . . وصار هذا الشعور ملازماً لحياته منذ أن يصحو من نومه . . وحتى يعود مساء لفراشه . . ولم يستطع خلال تلك السنوات الطويلة أن يغير من طبيعته . . ولم يقبل برأي زوجته ولا رأي والدته ونصائحها . . يكاد كل يوم أن يبكي من الضيق . . وزوجته ما تفتأ تنصحه وتذكره . .

**إننا بألف خير . . لا ينقصنا شيء . . المستقبل أمامنا مشرق . . اشكر ربك وتوكل عليه . .

ومع أنه كان ملتزماً ومواظباً على واجباته الدينية . . فإن شعور الضيق تلبسه تماماً . . ولم ينفك عنه أبداً. .
في أحد الأيام العادية . . وكان يسكن في الدور الثالث في عمارة كبيرة . . كاد شعور الهم والضيق أن يخنقه . . وقد تعود أهلوه على ذلك فتركوه لنفسه . . ولكنه اندفع بعد قليل وهو يصيح . .

** ألن ننتهي من الصياح والضجيج. . هؤلاء الجيران ليـس لديهم حس ولا ذوق . . إنهم لا يسـكتون أبـداً . . كيف أرتاح . . هل كتبت علي التعاسة الأبدية . .

وانطلق متوجهاً إلى شقة جيرانه في الدور العلوي . . وطرق الباب وهو متحفز للصياح وإعطاء العبر . .
فتح الباب وأطل منه طفل لا يجاوز التاسعة من عمره . . في عينيه بؤس شديد وحاجة . . يتطلع بفضول . .


**أين والدك . . !
**-------- . . !
**ألا يوجد أحد غيرك . . !
**... والدتي في الداخل . . !
**من هناك يا جمال . .
**إنه جــــارنا . . !
**دعه يتفضل . . !

وبين متمنع وموافق رغماً عنه . . دخل حامد الدار . . يتطلع حواليه والطفل أمامه . . البيت يحتاج إلى صيانة شاملة . . الأثاث قديم ويشكو من قلة النظافة . . أغلب مصابيح الإنارة مطفأة . . لا يدري لماذا . . يكاد الداخل إلى البيت أن يصطدم بأشياء متناثرة دون ترتيب . .
ووصلا إلى الغرفة الداخلية . . هنالك إمرأة ملتفة بحجاب أغبر . . تحمل في حضنها طفلة . . وتحت قدميها طفلة أخرى . . ويظهر على الجميع الضعف والمرض . .

**السلام عليكم . . !
**وعليكم السلام . . ! !
ثم نظرت نظرة فضول . . أن ماذا تريد . . !
*أنا جاركم في الدور الثالث . .
**----------- . . !!!
**أين جارنا . . !
**لقد مات بحادث سيارة منذ عامين . . !
** ... ! ! .. ؟ ؟ .... ! حسناً اسمحوا لي . . سوف أعود . .

لم يحر حامد جواباً . . بل أحس هذه المرة باختناق حقيقي . . واحتاج لاستنشاق الهواء بأي ثمن . . فخرج من الغرفة مسرعاً . . ولكنه لم يتجه إلى بيته . . بل خرج إلى الشارع وأخذ نفساً عميقاً . . حتى تهدأ نفسه . . ثم اتصل بصديقه وهو طبيب في نفس الحي . . عيادته قريبة . .

**دكتور مروان . . أنت تعرف بيتي . . جيراننا في الدور الأعلى يشـكون من المرض . . أرجـوك . . إذهب الآن وخذ ما يلزم من عقاقير . . افعل ما بوسعك . . ومهما تكون التكلفة . . لا تشغل بالك . . سأسدد كل التكاليف . . أرجوك لاتتأخر . . وستجدني وراءك . .

أسرع حامد إلى مركز التسوق . . واشترى لوازم وطعاماً . . وفي طريق عودته اتصل بزوجته . .

**ضعي عليك ثياباً مناسبة ولاقيني عند عائلة أبي جمال. .
**من هم عائلة أبي جمال . . ! !
**إنهم جيراننا في الدور الرابع . . أسرعي أكاد أن أصل . .

وفي خلال دقائق معدودة . . التقى حامد مع زوجته أمام باب شقة الجيران . . وكان لدى الزوجة فضول كبير أن تعرف ماذا يحصل . . ولكن الانفعال الواضح الذي وجدت زوجها فيه منعها تماماً عن سؤاله أو التكلم معه . .
دلف الزوجان إلى الشقة وبدآ العمل . . وأدركت الزوجة شيئاً فشيئاً ما تراه أمامها . . أما العائلة فقد تحلق الأولاد حول والدتهم . . يأكلون مما أحضره حامد لهم . .
في البدء كان أبو رشاد يكفكف دموعه تهمي على وجهه ولا تتوقف . . ولكنه انشغل بعد ذلك بالعمل وتركها تهمي على سجيتها . .
رأت زوجته ما يحصل وفهمت . . فتأثرت وفرحت وفعلت مثله دون إرادة منها . .
كان المنظر بديعاً . . يفرح القلب . . ويحيي الروح . .
استغرق العمل ساعات طوالاً . . وخرج الزوجان مجهدان . . ولكنهما يسبحان في سعادة قل نظيرها . . لم يتبادلا كلمة واحدة . . أحس كل منهما بالآخر . . ولم يرغبا أن يقطعا على نفسيهما هذا الشعور الطاغي بالألفة والقرب . .
ومن حينها . . لم يشعر أبو رشاد بالهم ولا انشغل باله . . لم يعبس . . لم يتأفف . . لم يسيء إلى أولاده . . لم يعتكف في غرفته . . فجأة صارت الحياة عنده جميلة . .
وبادر أبو رشاد زوجته . .

**أيتها الحبيبة . . لقد أنعم الله علينا بكل شيء . . أرجوك . . ابدئي منذ الصباح بتفقد أهل عمارتنا . . وأهلنا . . واحداً واحداً . . ثم ابحثي في الحي . . ثم ابحثي في أي مكان . .
هذا هو عملنا الآن . .
أرجوك . .
لا يحق لنا أن نقصر في ذلك أبداً . .


** أحمد فؤاد صوفي **