عرض مشاركة واحدة
قديم 11-03-2010, 09:46 PM
المشاركة 63
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (53)




التَّوأمان



في تكريم الشاعر عدنان قيطاز

غِناؤكِ للزمانِ وللمكانِ *
ومُعجزةُ القريضِ على لساني

ونهرٌ طائعٌ عاصٍ تغنَّى
به الشعراءُ يجري في المَغاني

وأنفاسُ البَنفسجِ والخُزامى
وأنغامُ المَثالثِ والمَثاني

وترجيعُ الطيورِ على غُصونٍ
وأصحابُ البلاغةِ والبيانِ

تنادَوا للقاءِ بمِهرجانٍ
وتكريمِ المُغرِّدِ في الجنانِ

تُغرِّدُ بالبيانِ فكانَ أهلاً
لإجلالٍ وإعلاءٍ لشانِ

فيا ناعورةَ العاصي رُويْداً
ورِفْقاً بالمُتيَّمِ والمُعاني

رَضَعنا الشعرَ منكِ ومن كريمٍ
تباركَ في حِمانا المُرضِعانِ

وألهَمَنا البيانَ هواكِ شِعراً
فأبدعَ في هواكِ المُلهِمانِ

فصوتُكِ حين تختنِقُ السواقي
وصوتُ الشعرِ قَهْراً يَغفُوانِ

ونصحو في الربيعِ على نَماءٍ
يراوِدُنا فنصْدحُ بالأغاني

كلانا ساحِرُ النغماتِ وجْداً
تَحِنُّ إليه أعصابُ الكمانِ

ولستُ مُغالياً إنْ قلتُ جهْراً
بأنَّا يا حبيبةُ توأمانِ

قَبسْنا الحرفَ من ألقِ الدراري
كأنَّا في المجرةِ فرقدانِ

ويُنكِرنا الذي احترَفَ المَعالي
ويَزعُمُ أنَّه فرسُ الرهانِ

* * *
أخي عدنانُ : يا سيْفَ التحدي
وحِصنَ الضادِ والدرعَ اليماني

لهيبُكَ أخضرُ الصفحاتِ سهلٌ *
وممتنِعٌ على مرِّ الزمانِ

وذا ملكوتُ حبِّكَ خيرُ عِقدٍ *
فريدٍ بالفريدِ من المعاني

وأسفارُ ابنِ أيوبٍ عذارى *
تَبخْتَرُ في قلائدِ من جُمانِ

ووجهكِ مستَبِدٌ لا يُجارى
ولو سَرَحَ الخيالُ بلا عِنانِ

فخمرُكَ من كُرومِ الشعرِ أصفى
من العنَبِ المُعتَّقِ في الدِّنانِ

* * *
أخي عدنانُ : دُنيانا صِراعٌ
وقد عانيتَ قَبْلاً ما أُعاني

أتسمعُ أو ترى القَنَواتِ تُخفي
أموراً بادياتٍ للعَيانِ

هنالكَ من يرى صُوراً ويُصغي
لمغرورٍ يَروغُ كثُعلبانِ

أرى قَدَري كوجهي مكْفَهِرَّاً
أُدغدغُه ويُمْعنُ باحتقانِ

فأَرجِعُ غاضباً أَسِفاً حزيناً
أُعاتبُ من بلا ذنبٍ جَفاني

* * *
صديقَ العُمْرِ : يا فجراً مُطلّاً
بدنيا الشعرِ نحن النيِّرانِ

أَتذكُرُ في الطفولةِ كم رَتعنا
بأحضانِ " المُغيلةِ "* في أمانِ ؟

نُسابقُ ظِلَّنا نعدو خِفافاً
ونرجِعُ مُتعبيْنِ إلى المكانِ

لَهونا قَدْرَ ما نسطيعُ حتَّى
كبِرنا والعيونُ لنا روانِ

ولمَّا أنْ وَعَيْنا مُبتغانا
هجرنا اللهوَ سعياً للأماني

وسِرنا نحمِلُ الراياتِ حُمراً
على الأشلاءِ في ساحِ الطِّعانِ

إلى أن أقلعتْ عنَّا فَرنسا
فيا نيسانُ أقبِلْ بالتهاني *

* * *
وفاجأَنا الشبابُ وكان حتماً
علينا أن نَحِنَّ إلى الحِسانِ

نُصَرِّفُ كلَّ فعلٍ فيه شوقٌ
ونحن على المقاعدِ طالبانِ

وإنْ جمحَ القريضُ بنا أويْنا
إلى رُكنٍ به ناعورتانِ

تعانِقُنا الظلالُ بكلِّ غُصنٍ
وريفٍ من غُصونِ البيلسانِ

فكم لاحَ السرابُ وكان وهماً
تصوُّرُنا بأنَّا عاشقانِ

وكم من غادةٍ عبثتْ بقلبي
وقلبِكَ في التباعدِ والتداني

وكم صَدقتْ نَبوءتُنا بحبٍّ
غنيٍّ بالمودةِ والحنانِ

فتُسمِعُني قصيدةَ حبِّ ليلى
وأُسمِعُك المُتيَّمَ في "رزانِ "

تدغدغُنا تحيَّاتُ العَذارى
بأجفانٍ تبوحُ كتُرجُمانِ

إلى أنْ دارتِ الدنيا ودُرنا
وفوجئنا بأنَّا والدانِ

وداهَمَنا المشيبُ ومرَّ عهدٌ
قضى ألَّا أراكَ ولا تراني

قبعْنا في زوايا البيتِ كُرْهاً
وليس لنا بما يجري يدانِ

* * *
صديقَ العُمْرِ : حسبُك أنَّ بيني
وبينَكَ ما ينوءُ به بياني

على أنِّي أرى التكريمَ باباً
تَزاحمَ فيه هدَّامٌ وبان

فناعقةٌ تُولوِلُ في خرابٍ
تُشيرُ لها الأصابعُ بافتتانِ

وتُغرِقُها الألوفُ بلا حسابٍ
فتنعِقُ بالسخيفِ من الأغاني

وشاعرُ أُمَّةٍ يقضي فقيراً
وتطويهِ الدقائقُ والثواني

ونوْدعُه الترابَ وتَعتليهِ
حوافرُ أتقنتْ وأدَ الأماني

فليس له على الأسماعِ ذِكرٌ
وليس له صدىً في مِهرجانِ

يميناً يا أخي عدنانُ إنِّي
أقولُ وفي فؤاديَ حسْرتانِ

فواحدةٌ تَملْمَلُ في ضميري
وواحدةٌ تَغلْغَلُ في كِياني

هنالكَ في العراقِ ينِزُّ جُرحٌ
نُضمَّدُه بإصدارِ البيانِ

وفي الأقصى نُواحٌ مستمرٌّ
جرى الناقوسُ فيه مع الأذانِ

يمزِّقُ أضلعي نوْحُ الثكالى
وصمتُ النائمينَ على الهوانِ

فكم أَرهفْتَ يا وجعي صقيلاً
أُقاتل فيه مرتعِشَ البَنانِ

أخافُ إذا تزلَّفَ أو تمادى
بتدليسٍ يعاقبُني جَناني

وإنْ أقحمتُه بسدادِ رأيٍ
يطاردُني فحيحُ الأُفعوانِ

* * *
نديَّ الحرْفِ في كَبِدي حريقٌ
يُذوِّبُها ويخنُقُني دُخاني

كلانا جرحُه في الصدرِ باقٍ
يُحِسُّ لهيبَه في كلِّ آنِ

نَذْرنا الروحَ للأجيالِ شرْحاً
وإيضاحاً ونحن معلِّمانِ

ومرَّ الجيلُ إثْرَ الجيلِ يسعى
على أشلائِنا كالعُقْرُبانِ

ورُحنا نشربُ الكدرَ المُدمَّى
وسرُّ الصمتِ أنَّا شاعرانِ

نُكلِّمُ باليَراعِ الصمَّ منهم
ونحن لكلِّ همسٍ مُصغيانِ

ونظمأُ تارةً ونجوعُ أخرى
وأحياناً نثورُ بعُنفوانِ

فنمتشِقُ اليَراعَ ولا نبالي
وتصطبِغُ الحروفُ بأُرجوانِ

* * *
أَبيَّ الحرفِ لستُ أُذيعُ سرَّاً
إذا ما قلتُ دهري قد عصاني

تنكَّرَ لي وخلَّفَني طريداً
أُعاني في التشرُّدِ ما أُعاني

لقد أَطلقتُ صوتي حين ضاقتْ
بيَ الدنيا وغادرَني اتِّزاني

وقد أسمعتُ لو ناديتُ حيَّاً
ولكن لا حياةَ لمن قلاني

فآلامي وأحزاني كِبارٌ
على قدميَّ وهْناً يحمِلاني

إذا عزفتْ قوافي الشعرِ همِّي
يُعربدُ كلُّ موتورٍ وجانِ

فلا صحوي على الآمالِ فجراً
ولا أَرقي بليلي يَشفياني

يغالبُ مرضعاتِ السهدِ جَفني
فتغلِبُه ويشمخُ ناهدانِ

ويولدُ موجَعٌ ويموتُ شافٍ
وفي الحالينِ أكتمُ ما عراني

فلا تعتِبْ عليَّ لقد دعاني
إلى إفشاءِ سرِّي داعيانِ

نقاءُ سريرتي وجموحُ فكري
هما في قصرِ عدلِكَ شاهدانِ

* * *
فيا نَسراً يحلِّقُ باقتدارٍ
جناحاكَ الترفعُ والتفاني

أُحبُّكَ بل أُجلُّكَ يا صديقي
فلا تسمعْ لهاجٍ إنْ هجاني

فكم من حاسدٍ بالمَيْنِ يسعى
ونحن له بصِدقٍ ناصحانِ

نكذِّبُ كلَّ أفاكٍ أَثيمٍ
ونتركُه على خجلٍ يعاني

* * *
أخي يا صاحبَ العَطِراتِ إنِّي
سأُسرجُ للعُلى أبداً حِصاني

أَخوضُ به غِمارَ الشعرِ عُجْباً
وأتركُه يُغيرُ بلا عِنانِ

وأَرجِعُ غانماً دُرَرَ القوافي
لأنثُرَها بأقدسِ مِهرجانِ

لقد أسكرْتَنا شِعراً ونثراً
وفي الكأسينِ طابَ المُسكِرانِ

لكَ القلمُ المُجنَّحُ هامَ حبَّاً
به الثقَلانِ من من قاصٍ ودانِ

غزوتَ به فضاءاتِ المعاني
فطافَ بها وعادَ بصَولجانِ

أدِرْ صَهباءَه صِرفاً حَلالاً
على السُّمارِ وانعمْ بالتهاني


24/11/2004
* يخاطب الشعر الناعورة
* الديوان الأول للشاعر عدنان قيطاز(اللهب الأخضر)
* الديوان الثاني له (في ملكوت الحب)
* الديوان الثالث له (أسفار ابن أيوب الحموي)
* المُغيلة ... من أحياء حماة القديمة
* نيسان ... ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي