عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-2010, 08:39 PM
المشاركة 64
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (1)



أعراسُ تشرين



أصغتْ إليكِ العُلى واختاركِ القدرُ
ورفَّ في ساحتيكِ النصرُ والظفرُ

وأزهرَ الحلْمُ في عينيكِ وائتلفتْ
على مُحيَّاكِ في ساحِ الوغى السورُ

وخاطبتكِ الأماني البيضُ راقصةً
بين الجوانحِ سَكرى نفحُها عَطِرُ

يا أمَّةً في سماءِ المجدِ ما برحتْ
كالشمسِ في أفْقِ هذا الكونِ تزدهرُ

كم قارعتكِ الليالي السود مُزجيةً
جيشَ الظلامِ وعند الفجرِ يندحرُ

وعشتِ في فلكِ التاريخِ سيدةً
لا تنطفي الشمسُ مهما طالتِ العُصُرُ

* * *
هذي سراياكِ فوقَ الماءِ عابرةً
بجُنحِ داجٍ إلى سيناء تنحدرُ

جلَّتْ عن الوصفِ فالأجواءُ راعدةٌ
والأرضُ هادرةٌ والماءُ مستعرُ

بحرٌ يموجُ من الفولاذِ يحمله
بحرٌ من الدمِ والأشلاءِ تنتشرُ

فلا ترى العينُ إلا الزاحفينَ إلى
دكِّ الحصونِ وما في الساحِ مستترُ

تحدو مسيرتهم في الشامِ أغنيةٌ
بشراك بالنصر جند الحق قد نفروا

من كلِّ أسمر يغلي الثأرُ في دمه
يوري الجحيم ومن أحداقه الشررُ

علا بروجَ دروع الزحف فاقتحمتْ
به المنون وفرَّ الموت يعتذرُ

لم يثنهم عن لقاء الله ذو حذرٍ
الله أكبر مات الموتُ والحذرُ

* * *
ولاح في الأفْقِ نصر الله وارتسمتْ
على جبين العلى آياته الغررُ

فكبَّر المسجد المحزون وانتفضتْ
أستار منبره واهتزت الجُدُرُ

وهلَّلتْ صخرة المعراج حاليةً
وأشرق المهدُ فالظلماء تنتحرُ

فديتُ " تشرين " يذكي الثأر في دمنا
فديتُ " تشرين " لا يبقي ولا يذَرُ

فديتُ " تشرين " أعراساً نزفُّ بها
روح الشهيد بثوبِ النصرِ تأتزرُ

فديتُ " تشرين " سيلاً عارماً ولظىً
ووحدةً وجسوراً فوقها عبروا

ورايةً في ذُرا الجولان خافقةً
ورايةً في حمى سيناء تنتشرُ

* * *
نفضتُ عن مقلتيَّ الوهم فائتلقتْ
في شهر تشرين من سفرٍ مضى صورُ

ورحتُ أشهد جيش الحق مندفعاً
ودولةَ الرومِ في " اليرموك " تندحرُ

وجند كسرى على الأسوار يحصدهمْ
سيفٌ بأمر رسولِ الله يأتمرُ

فاخضوضرتْ واحةُ الآلامِ وانتعشتْ
وازهوهرتْ تربةُ الآمالِ والشجرُ

ورجَّعتْ في رياض القدس صادحةٌ
وردَّد الناي لحن الأمسِ والوترُ

كأنما دارت الأيام دورتها
وعاد للدار ذاك الأنس والسمرُ

* * *
لكنني ودم الأبرار يهتف بي
يا شاعراً من كرومِ المجدِ يعتصرُ

سدَّتْ ينابيع أنهاري وما رويتْ
مساكب الفل لكن أينع الخطرُ

إني جريتُ لأروي الثأر وا أسفي
إن ضمَّكم وعدو الله مؤتمرُ

أقولُ والدمع من عيني منسكبٌ
وفي الجوانحِ قلبٌ كاد ينفطرُ

الله أكبرُ لم تغمدْ صوارُمنا
الله أكبرُ لا عجزٌ ولا خَوَرُ

حتى نسطِّر للتاريخ ملحمةً
من عهد آدم لم يسمع بها بشرُ

حروفها من دماءِ الخالدين على
مرِّ العصورِ ومن أكبادهم صورُ

الواهبين فما ضنُّوا بأنفسهم
على الحتوفِ وهم في شعبِنا كُثُرُ

والمانعينَ فما جادوا بعزَّتهم
على الدخيلِ وما هانوا ولا صغروا

تأرَّجَ الكونُ من أنفاسِهم وعلى
مدارجِ النصرِ ماجَ العطرُ والزَّهَرُ

ونضَّرتها على حبٍّ مقابرُهم
فكلِّ حبةِ رملٍ ريحُها عطرُ

* * *
يا حاملينَ لواءَ السلمِ لا سلِمتْ
يدٌ تُمَدُّ وخلفَ السهلِ منحَدرُ

تيقَّظوا واستعِدوا إنَّ شانئكمْ
يغريكُمُ بالوعودِ الخضرِ فاعتبِروا

لا تركنوا خلفَ أسوارٍ مؤرّقةٍ
والخصمُ دونَكُمُ كالنَّارِ يستعِرُ

تقاذفتْه يدُ الأهواءِ من هلعٍ
والخطبُ مزدحمٌ والجوُّ معتكِرُ

فاستلَّ تحت جناحِ الليلِ خنجرَهُ
واليأسُ يدفعُه والجبنُ والحذرُ

وانسابَ كالصِّلِّ مذعوراً وفي دمهِ
سمٌّ وخلف جدار الزَّيفِ يستترُ

وراحَ يطلبُ صلحاً في مساومةٍ
يندى لها خجلاً يا أمتي الحجرُ

كأنَّ " تشرينَ " لم يكتبْ ملاحمَه
شعبٌ أبيٌّ عريقُ المجدِ مختَبرُ

كأنَّ " تشرينَ " حلْمٌ ضاعَ آخرهُ
وباتَ تأويله كالحقِّ يحتضرُ

* * *
" كلا " سنكتبُها بالسيفِ من دمنِا
على ضريحِ شهيدٍ تربه عطِرُ

ونعقدُ الغارَ إكليلاً لأمتنا
غداةَ يرقصُ في آفاقِها القمرُ

فليس كالسيف تأويلاً لما حلمتْ
به العروبة إمَّا استفحلَ الخطرُ



حماة 24/12/1973