الموضوع: خلوة أديب
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2013, 03:55 PM
المشاركة 16
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
كيف نجح ياسر علي في اسر المتلقي في قصة "خلوة أديب"؟



لا شك أن، الأستاذ القاص ياسر على، قد نجح نجاحا مبهرا في اسر المتلقي من خلال قصته هذه " خلوة أديب" ويتضح ذلك من ردود الفعل والتعليقات التي أعبقت النشر..لكن السؤال هو ما سر هذا الأثر السحري الذي تركه النص في المتلقي؟

طبعا هناك مجموعة هائلة من العناصر التي أدت إلى سحرية النص ووقعه الهائل، حتى لتكاد تكون كل كلمة فيها شيء من السحرية ...


فاستخدام كلمة ( خلوة ) ضمن العنوان يوحي بعالم الخلوات وهو عالم التصوف الذي هو مقرون في ذهن المتلقي بعالم القوة الخارقة والسحرية.

أما كملة (أديب) في العنوان فتجعل النص يعني ويثير اهتمام كل متلقي يرتبط بعالم الكتابة والأدب حيث يقرأ النص وكأنه يقرأ عن عالمه الخاص به وخلوته هو أيضا وانفعالاته ...فالمتلقي يتوحد في مشاعره مع الأديب الذي هو في تلك الخلوة لأنهما يشتركان في طبيعة المهنة وما يرتبط بها.

ثم نجد القاص قد لجأ في مطلع نصه لاستخدام كلمة سحرية وهي إحدى مفردات لغة الكون الرياضيات (خمسة اشهر) وباستخدام الأرقام يختطف القاص انتباه المتلقي إلى عالم سحري مبهر سره يكمن في الأثر الكودي للأرقام على الدماغ وذلك الأثر يحدث بطريقة لا واعية.

ثم نجد القاص وقد ضمن نصه بمفردات تشي بالحركة وهي التي تبعث الحياة في النص (مضت، اكتسحت، تستقبله، الأسفار، يلملم ، يعيد بناء ).

وأيضا نجده وقد ابرز عدة أشكال من الصراع وهو الذي يجعل النص يحاكي الحياة في صراعاتها المتعددة... فكما نعرف هناك من يعتقد أن الحياة تقوم على الصراع بين الخير والشر وهناك من يرى بأن الصراع طبقي، وآخر يرى بأن الصراع هو من اجل البقاء وآخر يظن بان الصراع ذهني يقع بين الفرد والمجتمع كنتيجة للضغط الذي يضعه المجتمع على الفرد..المهم أن بروز حدة الصراع في النص يجعله سحريا لأنه يمنحه الحياة فيكون وقعه على المتلقي كبير..( تتنافس، أصابه عياء الأسفار، أتعبه افتعال المجاملات، يريد لحظة لنفسه،يلملم أشلاء نفسه يعيد توازنها) .

أيضا يوظف القاص مجموعة من الكلمات الدالة والتي توقظ حواس المتلقي.

كما يبرز بعض الأمور من خلال استخدام نقيضها والأشياء تبرز في حالة وجود ما يوحي بضدها.

ولكن السحرية الأشد تكمن في عملية بناء النص والتي هي اقرب في جزئها الأخير من التصوير السينمائي وكأننا نشاهد حلقة من حلقات هيشكوك فيه الكثير من الغموض وهو ما جعل النص بالغ التشويق والشد.

ونجد القاص وقد تدرج في عملية البناء حيث تبدو الحبكة تعالج مجموعة من الأفكار المختلفة والأبعاد لكنه جعل كل جزئية من الحبكة تحتوي على نوع خاص من السحرية أو الأثر وهي بالغة الوقع على عقل المتلقي:

- فنجده ابتدأ بوصف الحالة النفسية للأديب واثر النجاح المفاجئ والشهرة النفسي عليه وكأن لديه دراية بهذا الجانب من علم النفس الذي يعالج اثر الشهرة في نفس الشخص الذي يحقق النجاح.

- حياة العزلة والخلوة وما يمكن أن ينتج عنهما وبما هو معروف في عالم التصوف..ونجد أن الأستاذ ياسر جعله مكان يسكن فيه الوحي.

- وصف مذهل لجمال الريف والطبيعة مقارنة بصخب المدينة...وهو اقرب إلى أسلوب همنجوي في الوصف السحري في روايته الشيخ والبحر.

- وصف لعملية ولادة النص الإبداعي وكيف أن هدوء وسكون المكان تكون باعثا على استيقاظ عوالم الكاتب الصاخبة.

- وصف لما يمكن أن يصيب الكاتب من عجز عن الكتابة ثم الحديث عن آليات انسياب الفكرة وكأنها من عالم سحري عالم الوحي.

- نجح القاص في خداع المتلقي بإيهامه وتعزيز احتمالية أن ما يسمعه الأديب ربما يكون مجرد حلم ولكنه قد يكون واقع أيضا.

- وصف لأثر الشعور بالوحدة وما يمكن أن يصيب الإنسان من تخيلات في حالة العزلة بحيث يصبح على حافة الجنون وكأن الدماغ صار قادرا لخلق شخصية تؤنسه في وحدته.

- إدخال عنصر المرأة وحديث على شاكلة أحاديث ألف ليلة وليلة السحري ( مولاي)..

- وصف ما يمكن أن يقع للإنسان من حالة نفسية في حالة العزلة ( هل بدأت نفسي تخلق عالمها الجديد بعيدا عن المألوف؟ ).

- جعل القاص الأديب يفكر في الذهاب إلى الطبيب يورط المتلقي في جدية الأزمة النفسية التي يمر بها الأديب.

- ظهور الفتاة من خلف الدوحة وهي بهيئة بطلة آخر رواياته التي حققت له الشهرة يكرس فيه حالة الجنون. حيث يختلط عليه عالم الواقع بعالم الوحي السحري.

- تصرف الفتاة (الأزهار والسجود وطريقة الكلام) كأنه من عالم آلف ليلة وليلة السحري، حتى انه وعلى الرغم من استخدامه لكلمات ( مقلبي الصغير ) وهو ما يشير إلى أننا بصدد مقلب يعد للأديب على شاكلة مقالب الكاميرا الخفية ، إلا أن المتلقي لا يأخذ بالا لها ويتابع القراءة وهو واقع تحت تأثير العالم السحري لألف ليله وليلة .

- ثم يلجأ القاص إلى الحوار والذي يورط المتلقي أن الفتاة من عالم الواقع وهي ليست من عالم الخيال..فيكون لوجود مثل تلك الفتاة معاني وأبعاد أخرى.

- لكن الحديث عن عالم الوحي يعيد المتلقي إلى عالم سحري من جديد.

- في ظل تلك الخلوة والشعور بالوحدة ثم سماع الأصوات وبروز فتاة من عالم ألف ليلة وليلة ثم مطابقة مواصفاتها لمواصفات إحدى شخوص روايته الأخيرة يوقع الأديب في وهم أنها قد تكون من اختراع ذهنه وكذلك يقع المتلقي في وهم مشابهه .

- وفي وصفه للبيت الخلوة بأنه مقدس ورغبة الفتاة في الصلاة فيه إمعان في توريط المتلقي في سحرية مبهرة.

- ثم تأتي النهاية التي تمثل لحظة انقلاب حادة حيث تنتهي القصة بمعرفة أن كل ما كان يجري هو من ترتيب وكيل أعمال الأديب وهو مجرد مقلب من مقالب الكاميرا الخفية لكن بطل الملقب الرئيسي يتم استحضاره مع عالم الوحي فيتم إلباس فتاة بنفس صفات بطلة روايته الأخيرة التي حققت له الشهرة لتقوم بدور الفتاة التي تطرق بابه في حالة السكون الرهيب تلك..


تنتهي القصة لكن الأسئلة في ذهن المتلقي لا تنتهي :

- هل القصة تصور واقع الأدباء وما يمكن أن يصيبهم في حالة النجاح وتحقيق الشهرة؟

- أم هي وصف لما يمكن أن يحدث للمعتزل؟

- أم هي تصوير لعالم الوحي عالم الكتابة؟

- وهل القصة عبارة عن تصوير سحري خيالي؟ أي أن القصة تنتمي لادب الخيال السحري وعلى عكس الواقعية السحرية؟ على الرغم أنها في جوانب كثيرة تعالج موضوع واقعي هو عالم الأديب ؟
قصة رائعة بحق