عرض مشاركة واحدة
قديم 05-09-2015, 04:33 AM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ومثال التسطيح أيضا ما اشتهر عن مسمى القبط الذى يتم إطلاقه على المسيحيين فى مصر على أنه مرادف للمسيحية بينما كلمة القبط لفظ شامل يجمع أصول كافة المصريين أى أنها وكان هو مسمى مصر قبل أن يأتى إليها مصرايم بن سام بن نوح عليه السلام الذى تنسب إليه التسمية الجديدة أى أن اسم مصر كان بعد طوفان نوح عليه السلام أما مصر ما قبل الطوفان فكانت هى القبط أو جبت وهى التى حـُرّفت فيما ذلك واتخذ منها مسمى " ايجيبت " المعروفة به مصر حتى الآن فى العالم
بالإضافة إلى آفة الثقافات ودائها وهى ثقافة الإتكالية الغير مقبولة بأى منطق حول بعض الأدعية المأثورة وبغض النظر عن صحتها وعما هو غير حقيقي فيها فان الكارثة تكمن فى اعتبار تلك الأدعية المأثورة ضامنة لإجابة الدعوة أو النجاة من النار بمجرد القراءة وهو تسطيح لدعوة الإسلام وفكره الذى ينص أول ما ينص على مصادقة القلب للقول بالعمل
وأيضا فى المعارف العادية نجد الكثير من أصحاب القلم ـــ وهم أهل التدقيق ــ كما يفترض مسلمين أنفسهم وعقولهم لبعض المعارف التى سقطت أو التى لا تعد من قبيل المعرفة وكأنى بأهل الثقافة يقتربون حثيثا من مستوى العامة الذين يرضون بأقل المعرفة مما هو لازم لحياتهم وفقط ..
مثال ذلك ما انتشر عن نظرية التطور التى ابتكرها تشارلز داروين واشتهر عنها أن داروين يقول بأن الإنسان أصله قرد وهى السمعة الصحفية التى نشأت كنادرة أو طرفة ثم انتشرت على أنها محتوى النظرية كله ..
مع أن داروين لم يقل بهذا والطريف أن محتوى النظرية الحقيقي أكثر طرافة ومدعاة للضحك من مقولة انتماء الإنسان للقرود فى أصله البعيد .. فالنظرية تقول بأن الأنواع والمخلوقات منشؤها خلق واحد تفرعت منه أنواع المخلوقات حسب التكيف الطبيعى عبر آلاف السنين وهو ما سقط بالطبع عندما جاء علم التصنيف ليكتشف أن بعض أنواع الزهور والتى تعد نوعا واحدا من النبات له أنواع مختلفة فى شكله وغذائه يربو عددها على ثلاثين ألف نوع مما يجزم بالطبع بأن كل نوع وكل عائلة وفصيلة لها منشأ مستقل تماما "[1]"
ومنها ما يتم تدريسه عن عمد أو عن جهل بحقائق التاريخ لطلبة المراحل الأساسية للتعليم فى مصر على نحو يعد جريمة معرفية بحق هؤلاء الطلبة .. فمنذ بضع سنوات مع الكشف عن عدد من أقوى الوثائق البريطانية والفرنسية والايطالية المتزامنة مع أحداث تنصيب محمد على باشا واليا على مصر .. ظهرت للوجود حقائق تقلب تاريخ تلك الفترة رأسا على عقب
فالمعروف والذى يتم تدريسه لطلبة التاريخ أن محمد على تم تنصيبه على مصر باتفاق العلماء وقادة المجتمع المصري فى فترة حساسة من تاريخ البلاد وكان هذا الاختيار للجندى الألبانى الأصل محمد على من اتفاق وتزكية هؤلاء السادة برياسة السيد عمر مكرم العالم الأزهرى المعروف ونقيب الأشراف وقتها
ولأن المدقق خلف هذا الأمر يجد عجبا من أن سير الأحداث لا يبدو سيرا منطقيا مع انتفاء أى تأثير للقوة الأجنبية الأوربية التى كانت تملك زمام الأمر فى المنطقة حتى من قبل فترات الاحتلال الصريح .. وهو ما بينته الوثائق عندما تم الكشف عن أن محمد على أخذ طريقه إلى كرسي العرش فى مصر بمعاونة ومباركة فرنسا بعد تحييد بريطانيا وتمت الصفقة بين محمد على نفسه الذى اشترى الولاية وبين " بافاروتى " القنصل الفرنسي فى ذلك الوقت وكان الثمن مجموعة منتقاه من الآثار الفرعونية نقلها بافاروتى كاملة وأسس بها متحفا خاصا به فى مسقط رأسه بايطاليا فى الوقت الذى ظن فيه كبار المصريين أنهم بصدد صفقة تتم بمقتضي إرادتهم فقط دون إدراك لكوامن السياسة العالمية التى كانت علاقاتها فى ذلك الوقت بالنسبة لهم تمثل لغزا وحجابا من غموض تام .. "[2]"
ونفس الأمر حدث فى اتفاقية الوفاق الودى بين بريطانيا وفرنسا عام 1907م والتى كانت نتاجا لإعداد طويل قبلها , حيث تم تقسيم التركة مسبقا بين بريطانيا وفرنسا وكان محتوى التركة يشمل منطقة الخليج والعراق والشام بأكملها فضلا على دول شمال افريقيا والمغرب فى غيبة كاملة من السلطان العثمانى المغيّب , وأولياء الأمر العرب فى تلك المناطق ممن كانوا بعيدين كل البعد عن مجرى الأحداث وطرق السياسة الدولية بين القوى العظمى الأوربية والتى كانت تبدو من الظاهر غير متدخلة فى مصائر شعوب مستقلة ,
حيث كان الاحتلال لم يبدأ بعد فى أغلب المناطق العربية عدا مصر والجزائر , بينما خلفية الأحداث تحمل فى وضوح بصمات الدول الكبري ومصالحها وهذا هو الذى دعا كلا من بريطانيا وفرنسا للتدخل معا لتحطيم جيش وأسطول محمد على عندما قويت شوكته وهدد السلطنة العثمانية فى الشام وكاد يسقطها فتدخلت الدولتان لتحجيمه فورا عقب الاتفاق مع الباب العالي على المقابل الذى شمل وعدا صريحا بتوطين اليهود تمهيدا لإنشاء وطن قومى لهم .. والذى لم يعرفه السلطان العثمانى أن بريطانيا وفرنسا كانتا ستحطمان محمد على حتى لو لم يطالبهما الباب العالى بذلك تبعا لقواعد اللعبة السياسية والتى لا تسمح لقوة محمد على أن تتعدى الحدود للمحميات التى تسيطر عليها الدولتان خفية ولذلك تركا محمد على حرا فى تدمير حركة الأمير محمد بن سعود فى الحجاز بينما لم يصبروا عليه يوما عندما طرق أبواب الشام
لكن وبالرغم من الصورة القاتمة من غياب ثقافة المعرفة , إلا أن الصورة تبدو مختلفة مع صحوة جديدة منذ بضع سنوات
الأمر يبدو مختلفا مع أجيال الشباب الجديدة التى كان مولدها مع بداية عصر مبارك حيث جاءت هذه الأجيال مستقلة تماما عن ضغائن التفرقة السياسية التى حملها آباؤهم , وهى أجيال تعرضت للتهميش فلما بلغوا سن اكتساب المعرفة دخلوا إلى مجال الثقافة متسلحين بمصادر جديدة للمعرفة ووسائل أسهل كثيرا من أساليب الماضي , وكان من أفضل ما فعلته تلك الأجيال أنها نفضت يدها من الإعلام التقليدى ووسائله بعد أن أشبعوهم سخرية على مواقع التواصل الإجتماعى , وتفرغوا بعد ذلك لنشر معارفهم ونتائج بحثهم على الإنترنت الذى أصبح البديل الأقوى للصحف الفضائيات "[3]" بل إن الفضائيات أصبحت تتسول منه الأخبار والأحداث
وهذا الجيل الجديد النابغ أعطى درسا قاسيا للأجيال التى احتكرت مقاعد الصدارة فى غفلة من الزمن , حتى أن أحد أبناء هذا الجيل وهو الإعلامى الساخر باسم يوسف حقق شعبية كاسحة بموهبته فقط , وتمكن بثقافته المتميزة من إثارة قضايا ملحة وثقيلة وغلفها بأسلوب ساخر موضوعى عجز كافة الإعلاميين عن تقليده , والمشكلة أنهم حاولوا استنساخ تجربته باستخدام نفس إعلامييهم وفشلوا فشلا ذريعا لأنهم لم يدركوا بعد سر تفوق هذا الجيل
وعودة إلى موضوع هذا البحث ..
وهو يركز على تلك الثقافة التى حكمت الكثيرين من أن الحضارة الفرعونية حضارة وثنية وتعددية ولها 2800 إله , وهم الذين تنتشر تماثيلهم عبر ربوع مصر شمالا وجنوبا بالإضافة إلى أن القرآن الكريم حدثنا عن فرعون الطاغية الذى ادعى الإلوهية فهى بالتالي حضارة كفر وإلحاد وما إلى ذلك من المعارف التى ترسخت فى الأذهان بينما الحقيقة كانت واضحة حتى من قبل النظريات الحديثة للتاريخ المصري ومن خلال قصة فرعون ذاتها قاطعة بأن أرض مصر عرفت التوحيد فى العصور الغابرة منذ عهد إدريس عليه السلام ولم تكن الوثنية إلا فترات طارئة داخلت تاريخها بعد طول المسافة بينها وبين الأنبياء , وهو الأمر الذى تكرر فى شتى الأمم ,
مع فارق جوهرى يخص التاريخ المصري أن التوحيد فى مصر ظل قائما عبر العصور ولم يحدث أن اندثر التوحيد من أرضها بشكل نهائي مهما استبدت عصور الجهل والوثنية
وتعالوا نلقي نظرة سريعة لنعرف ونر ..

الهوامش :
[1] ــ للدكتور مصطفي محمود حلقة مهمة حول هذا الموضوع بعنوان " غلطة داروين "
[2] ــ كشف هذه الحقيقة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى إحدى حلقاته التى خصصها للتاريخ المصري
[3] ــ ظلت المنتديات الثقافية ــ ولا زالت ــ مرتعا لآلاف البحوث القيمة منذ عام 2004 ثم انتشرت مواقع التواصل الإجتماعى فى الإستخدام فتأسست آلاف المجموعات والصفحات التى تضم شبابا صغير السن عظيم الهمة تواصلوا وأعادوا للكتاب رونقه ورفعوا مبيعات معارض الكتب فى مصر وغيرها لمبيعات قياسية ومن أنجح هذه المجموعات مجموعة ( ماذا تقرأ هذه الأيام ) على الفيس بوك التى تضم آلاف الشباب لا يتفاخرون بشيئ إلا بالقراءة والثقافة وكمية الكتب التى يحوزها كل منهم