تعال ، تعال، قالت مزغردة ،
أنت الحب ، أنت المنى .
تربع على جفني ، تدثر برموشي ،
على عينيّ و رأسي رسوت أهلا .
يا قرة عيني ، يا حمرة خدي،
يا بلسما شافيا لوحدتي .
تأبطت غبائي ملتحفا رقتها ،
على وثير حنانها مستلق أنا في رغد ،
كنائم في العراء والعدل يحرسه .
كمتكئ على دعامة لا دود ينخرها.
كجبل هازئ من عصف الريح والسحب .
يا أمي ، هذب عطفك شراستي .
و لانت بنبلك قساوتي.
أسير غامض العين ،
في طريق محقت ظفر قدميك .
يا أمي ، خلتني دوما فارسا ،
كالذي رسمته زغرودتك في أذني .
آه ثم آه ، و ما الآه إلا هزيمة .
آه ، وهل الآه يغفر غفلتي .
آه و آه و ماذا للآه أن يعزف ؟
غير آهات بها القلوب تنفطر .
و غبن و ضعف به اللآلام تزدهر .
شمر عن سواعد العزم ،
و اقتحم رحاب الأفاعي ،
فما بسط الأرض غير حوافر الجد .
و ما روض الفرس غير شد اللجام .
و لا شحذ الهمة إلا قرع المحن .
و ما أحيى العلم غير إقدام
مصبوغ بألوان الطيش و الحذر .
توسد قنفذك وأعلن ليونة ملمسه ،
و إن سفك شوكه من دمائك أضعاف ما يملكه.
و التهم العلقم غير آبه بدرج مرارته ،
فالمر مر و إن عسلت لوعته ،
و الكلب كلب و لو صوّرته من ذهب .
فانفر غير آبه بسطوع النجم أو مصرعه ،
ولا تتطير بلغط القوم و إن اجتمعوا .
فما نال امرؤ جمع القلوب و لو فاضت فضائله .
فلا شمس أنارت الكون و لا غسق قيد فسحته .
انطلق متحررا من شباك الوهن ،
و لا تتعود على النكوص و السكن .
فإن كان الموت غصبا يلاحقنا
فلم نستسلم في يأس نسترحمه؟
إن المصائب عافت أبدانا شامخة ،
و جاور بأسها البئيس تذكي علته .