عرض مشاركة واحدة
قديم 10-04-2011, 12:46 AM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ونعود لمقال د. نبيل فاروق والذى يبدو أنه بعد السنوات الطويلة من الدفاع عن العروبة وحضارة العرب يعانى الآن مما يسميه علماء الإجتماع ( صدمة الغرب ) وهو المرض النفسي الذى كان يهاجم أبناء أوربا الشرقية الخاضعة للإتحاد السوفياتى عندما كانوا يهاجرون أو يسافرون إلى دول غرب أوربا أو الولايات المتحدة الأمريكية فيقعون فريسة لفخ احتقار الذات ..

فنرد عليه من خلال الآتى :
أولا :
حمل الدكتور نبيل فاروق حملة شعواء على ما سماه تكفيرنا للغرب وفى نفس الوقت قام بالإشادة به وبتقدمه العلمى .. إلخ , دون أن يخبرنا ما هى علاقة دين الغرب المحرف سواء كانوا من النصاري أو من الملحدين منكرى وجود الله تعالى , ما علاقة هذا بتقدمهم العلمى ؟!
ومنذ متى كان التقدم العلمى والتقنى والحضاري دليلا على التدين أو اتباع الدين الصحيح .. وهل يكون مدح التقدم العلمى بإطلاق وصف الإيمان ؟! أم بإطلاق وصف التقدم ؟!
ولو كان هذا واقعا أو منطقيا ماذا نقول فى الإمبراطورية الرومانية التى تدينت بالنصرانية المحرفة واعتبرت المسيح ابن الإله بناء على دعوة بولس الرسول , وكانت واحدة من أعظم إمبراطوريات الدنيا فى عهدها واستمرت لآلاف الأعوام , فهل كانت الإمبراطورية الرومانية مؤمنة وليست كافرة نتيجة لتقدمها العلمى ؟!
وماذا نقول فى الإمبراطورية الفارسية المجوسية ـ عبدة النار ـ التى كانت ثانى اثنين فى إمبراطوريات العالم وكانت تقتسم الدنيا مع الرومان ؟!
فهل كانت بتقدمها المادى والعلمى مؤمنة وليست كافرة ؟!
لو كانت كذلك فلماذا نعتهم الله تعالى بالكفر وأمر نبيه بقتالهم فقاتلهم وحرر الأرض منهم واعتبر دخول أراضيهم فتحا ونصرا مبينا ؟!

ثانيا :
لو كان التقدم العلمى له علاقة بوصف الكفر , فلماذا قاتل المسلمون الأمم الأخرى ممن هم أكثر تقدما منهم بمراحل حيث كانت بينزطة وفارس فى بداية عهد الدولة الإسلامية دولا عظمى وممالك ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ ,
وكان العرب المسلمون أهل رعى وأهل بداوة وليس عندهم مقدار ذرة من التقدم العلمى ,
ومع ذلك كان المسلمون جازمين بكفر هؤلاء وحاربهم لأجل ذلك دون أن ينهاهم أحد بحجة أن الغرب لا يستحق وصف الكفر باعتباره أكثر تقدما علميا منا ؟!
ولم يخرج عليهم أحد ـ كالدكتور نبيل فاروق ـ ليقول لهم أنكم معقدون نفسيا وبدلا من أن تشغلوا أنفسكم بوصف الغرب بالكفر حاولوا تقليده فى تقدمه العلمى !!!

ثالثا :
ما هذا الميزان المختل الذى اعتمده د. نبيل فاروق للمقارنة بين الأمتين العربية والغربية , فكيف يمكن أن أقارن بين الأمتين بمعيارين مختلفين, فأعتمد معيار الدين للعرب وأعتمد معيار التقدم للغرب ؟!
أى ميزان هذا الذى يسمح بهذا المنطق المقلوب , ولماذا لم يقارن د. نبيل فاروق بين الأمتين بمقياس واحد وساعتها لم يكن أحد ليعترض عليه أو يتهمه بشيئ إذا قارن بين الأمتين فى التقدم العلمى فيقول ويتغنى بتقدم الغرب علميا كيفما شاء ولم يكن أحد لينكر هذا عليه ,
فيسميه متقدما أو متطورا أو عبقريا .. كما يشاء ويبتعد عن وصف الإيمان وإنكار وصف الكفر !
وإذا أراد المقارنة فى الدين فكان ينبغي أن يجعل المقياس واحدا أيضا فتكون كفة العرب هى الراجحة بالإسلام وكفة الغرب هى الساقطة بالكهنوت ..
أما أن أقارن لصالح الغرب بمقياسين مختلفين فهذا هو لخلط الذى لا يتأتى لقارئ فضلا على مثقف ..

رابعا :
زاد د. نبيل فاروق جدا فى المدح والمديح للحضارة العربية وهو يتناول منها شقا واحدا فقط وهو الشق المادى البحث الذى لا يمكن أن يبنى حضارة بمفرده , فليس على التقدم العلمى وحده تبنى الشعوب بل إن التقدم العلمى واحد من العناصر التى يقوم عليها بناء الحضارة إلى جانب الفقه والفكر والفلسفة
والغرب عندما يتفاخر بحضارته القديمة اليوم لا يتفاخر بالأبنية والآلات بل يتفاخر بفلسفة أفلاطون وأرسطو , لأن الفكر هو المقياس الأبقي للخلود فى التاريخ بينما التقدم العلمى يعمل على رفاهية الشعوب وجعل حياتهم اليومية أكثر سهولة ليتمكنوا من بناء الحضارة التى لا تسقط بالزمن فى الفكر والآداب والفنون ..
وفى هذا الشأن بالذات لم نجد د. نبيل فاروق يتفوه بحرف واحد , ولم يذكر مزية واحدة للحضارة العربية التى ظل الغرب ينهل منها حتى يومنا هذا , لدرجة أن التراث العربي به من المتخصصين الغربيين الدارسين له فى جامعاتهم أضعاف أضعاف المتخصصين فى العرب أنفسهم ,
وهى المسألة التى تحتاج من كل مفكر أن ينبه لها حتى نعرف تاريخنا الذى ضيعناه وفكرنا الذى ورثناه وتركناه للغرب ..
هذا الفكر الإسلامى الخالص الذى أسس لنا قيما وأخلاقا يفتقدها الغرب الآن وتهدد تقدمه بالإنهيار , هذه المبادئ التى طالما حاول نبيل فاروق فى السابق أن يوجه الشباب إليها ويحثهم على التمسك بها باعتبارها معيار الأخلاق الحقيقي فى مواجهة الغزو الفكرى الغربي ؟!
فما الذى غيّرك يا د. نبيل ؟!

خامسا :
فى التقدم العلمى نفسه لم يعترف د. نبيل فاروق بما اعترف به الغرب نفسه ! , ولم يذكر حرفا عن أساسيات العلوم الحديثة فى كافة مجالات الطب والفيزياء والكيمياء وغيرها والتى تعتبر مكتشفات عربية خالصة أبدعتها ذائقة علماء العرب عبر القرون وصارت عنوانا للحضارة نقلت منها سائر شعوب الدنيا واعترفوا بالفضل لأصحابها دون أدنى تعقيدات ,
وعلى من أراد الزيادة الرجوع لكتاب ( شمس العرب تشرق على الغرب ) ومؤلفته غربية وليست عربية وهى الباحثة زيجريد هونكه
وعليه فالتبادل المعرفي والثقافي بين الشعوب إذا أردنا قياسه يجب أن يكون القياس فى مجمل التقدم فى كافة العصور لا أن نقارن ذلك بمراحل زمنية معينة فى محاولة لانتقاص هذا أو ذاك ..

سادسا :
سنفترض حسن النية فى ما كتبه د. نبيل فاروق حول نقد غياب الهمة عنا ,
فهل يكون إحياء الهمم وتوجيه الشباب عن طريق اتهامهم بعقدة النقص , وأنهم لا يساوون شيئا أمام حضارة الغرب ؟!
وهل يكون هذا بامتداح الغرب على طول الخط لندس السم فى العسل فبدلا من أن نقتفي أثر الغرب علميا فقط باعتباره الجانب الحسن نقتفي هذا الأثر علميا وسلوكا لنحتقر قيمنا التى أسسها لنا الإسلام وكانت سببا فى مشاعل النور التى أسستها حضارة الإسلام ؟!
إن من يريد أن يدفع الهمة لقلوب الشباب يا د. نبيل إنما يسلك مسلكك الأول , فيعتنى بتاريخه حتى يبنى مستقبله , ويقدم نماذج التاريخ الإسلامى والعربي لشبابه بدلا من أن يقدم لهم النماذج الغربية كما لو كانت النموذج الأمثل الذى يحتذى !!

وأخيرا وليس آخرا ..
إن الغرب يا دكتور نبيل هو من أصابته العقدة النفسية وأصابه الحقد على الإسلام والعقيدة الإسلامية وهذا ما قرره القرآن الكريم .. وهو من بين لنا أن الغرب سيدفعنا بمحاولات حثيثة لسلخنا عن هويتنا وحضارتنا واحتقار ذواتنا ..
[وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] {البقرة:120}
كذلك بيّن القرآن الكريم لنا أن أحقاد الغرب الصليبي لن تتوقف طمعا فى أن يردونا عن هذا الدين وهذه الحضارة .. يقول عز وجل ..
[وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {البقرة:109}

وهذا مارأيناه عيانا بيانا منذ فجر التاريخ الإسلامى سواء بالحروب الصليبية التى جاءت تترى من أوربا بهدف قتل الإسلام ورسالته , أو بالغزو الفكرى الذى بدأ منذ فجر التاريخ الإسلامى أيضا بحركات المستشرقين ,وهو النشاط والمصطلح الذى لم يقم المسلمون بالرد عليه بأسلوبهم , حيث تفنن علماء الغرب فى دراسة الفكر الإسلامى طمعا فى إيجاد الثغرات من داخل العقيدة الإسلامية وأنفقوا فى ذلك أربعة عشر قرنا من الجهد المتواصل فى البحث أفرز ملايين الشبهات التى دحرها علماء الإسلام دحرا ,,
ولا زالت حركات الإستشراق قائمة حتى اليوم بالإستشراق الأمريكى المعاصر ..
وفى العصر الحديث , حدث ولا حرج حيث احتلت أوربا بلاد الإسلام قرنين من الزمان ارتكبت فيهما من المجازر والمآسي ما يثقل ضمير الأمم , وفى القرن العشرين فتحت لنا أبواق عملائها من مفكري العلمانية والوجودية .. إلخ تلك الطلاسم التى لا هم لها إلا نبذ الإسلام وأهل الإسلام ,
والحرب هى حرب على الإسلام وحده وليست على الأديان كما يروج البعض فحتى الملحدون والعلمانيون لا تجد لهم عداوة للنصرانية واليهودية بل على العكس ها هى فرنسا مهد العلمانية لا يستطيع أى شخص فيها أن يتفوه بحرف ضد عقيدة اليهود وإلا اتهموه وفضحوه بحجة معاداة السامية ..
بينما تعلن فرنسا الحرب على التقاليد الإسلامية بالذات وتعلن أنها ترفض عموم المظاهر الدينية ! ,
وكذلك الشيوعيون الملاحدة عندما قتاموا بحربهم على الدين لم يهدموا كنيسة أو معبدا يهوديا واحدا فى الإتحاد السوفياتى .. بل هدموا فقط المساجد ومزقوا المصاحف وقتلوا المسلمين وحدهم فى نفس الوقت الذى حظيت فيه النصرانية واليهودية بأسمى آيات التقديس !!
فلسنا نحن الذين عادينا ولسنا نحن الذين أصابتنا عقدة النقص ,
بل أصابت هؤلاء الذين ادعوها حربا صليبية وجندوا إمكانيات أقوى جيوش العالم لسحق دول الإسلام وجندوا إعلام العالم لتشويه الإسلام وحده وإقرانه بالإرهاب متناسين أنهم أصل الإرهاب فى هذه الدنيا , وتاريخهم القذر وحاضرهم المشئوم تلعنه حتى ألسنة مواطنيهم ممن لم يحتمل ضميرهم تلك المجازر ..
نسأل الله تعالى يا د. نبيل أن تراجع نفسك فيما كتبت , وتنفذ نصيحتك التى كررتها مرارا , وهى النقاش بهدوء والإقتناع إذا قامت الحجة وقام الدليل ..

تلميذكم الفخور بكم دائما : محمد جاد الزغبي