الموضوع: مغارة الشيوخ
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-15-2010, 01:28 PM
المشاركة 8
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
مغارةالشيوخ

"شى لله يا ِسيدى َحمد, شى لله يا ِسيدى َحمد"

وقفت بقامتها القصيرة النحيلة , يلفها دخان البخور الثقيل فى مغارة الشيوخ, حيث مدافن الأولياء الصالحين تصطف وادعة ,وهى تحمل طفلتها الضئيلة الناعسة فى وهن على صدرها الجاف كالرمال .. تمسح بيد مكدودة الرخام الرمادى للقبرالبارد القديم, تغزوه فى فتور بقايا أشعة شمس متسربة من فتحات المغارة الحجرية المظلمة , لايحرك الصمت الكئيب فى جدرانها سوى إنحناءة المرأة المتوسلة على القبر ,ترجوه فى لوعة ..ً تقبله تارة وتربت عليه تارة أخرى .. وهى تستجدى هشيم الحطام الساكن فيه منذ زمن بعيد ..وتفلت من عينيها الودودة دمعة حارقة بللت كلماتها , ثم انحدرت على شفاها الزرقاء تردد:-

لاتخذلنى يا شيخ, الطفلة ستلحق بإخوتها فى غياهب العدم يا شيخ , ساعدنى يا شيخ..ويرد الصدى كلماتها يستدعى بها بركة "سيدى حمد" كبيرمغارةالشيوخ القابعة فى قلب الجبل الخامد...وحين تعبت فوضعت الطفلة على القبرلعلها تنال شيئاً من بركة الفانين ,فلاطفت بيدها الصغيرة وجه أمها وضحكت لها .. حينئذ قال لها العجوز حارس المقبرة الذى كان يرقب المشهد المتكرر:

دعوتك مقبولة يا ابنتى, وهذه البشارة وهو يشير للثغر الباسم للطفلة

فاحتضنتها المرأة فى حنان وهى تفور فرحاً يمطر من نافذة اليأس المزدانة بتيجان الفقر, فرحاً دفعها رغم أنها الفقيرة البائسة إلى أن تدس جنيهاً فى يد الرجل الذى نظر إليه باهتمام ثم حكه فى جلبابه الثقيل المترب بينما تطوف عينيه على زائرة اخرى دخلت من باب المغارة الضيق الصخرى ,امراة وصبية مليحة تمسك يد أمها فى ترقب ,فاقترب منهما, تطوف عيناه على الصغيرة الحلوة وقد جاءت يلاحقها حلم الأنوثة الوردى وامها تقول له فى رجاء:

ممسوسة هى – لايطلب يدها احد, كل رفيقانها تزوجن ..فيقترب من الصغيرة الخائفة ويقرصها من خصرها , قرصة شهقت لها ولونت وجهها الجميل, ..وقد انعكس جسدها على نهر الوجود بداخله, يموج كل مساء , ممتلئ بنيران الرغبة التى تشتعل فى مجامرالروح وهويشيرصامتاً لقبر كبير الاولياء ,يراقب الأم وهى تمسح جسد الصغيرة بالوعود والامنيات ..وهو يمسح جسد الصغيرة بالأحلام , ينتظر وعده يتحقق فى حلم احمر عاصف , يدفئ لياليه البارده , وقد لبث يتلصص على جسد الفتاة الحلوة المنحنية بعيون ضيقة وقد شغل نفسه بإزاحةغبار القبر المنسى فى اخر المغارة متذكراً اللص الذى حاول ان يسلبه مال المغارة ..وقد دفنه هناك فى ليلة حالكة السواد ,منهكاً فى ذكرياته.. وهويشعل لفافة تبغه تتراءى له المواسم والفصول ترحل محملة بالأطايب ,بينما هو يفترش أرض المغارة ,عشرات الليالى مرت عليه وهو ساكن فى مكانه يحدث اصحاب القبور المهجورة المجهولة لايؤنسه غيرالجرذان الجبلية المذعورة تنتظره فى وله عله يلحق بموتى القبورويهديها ليلة مترفة بالطعام , يقف كحارس فرعونى يعبث فى عالم بلامروءة تتخبط فيه امواج الجهل وزبد الانكسار على حواف شطآن لاتمل من الانتظار للأمل والبركات .

يهمس بترانيم وثنية محملة بالشرور , وقد لف وجهه ضباب الدخان المنبعث من فمه وهويستند حافة قبر اللص القتيل يمد ذراعيه كجناحى غراب وقد اقتربت منه اقتربت منه المراتين .. يسألنه فى شك قبر من هذا ؟

وقد نال اهتمامها تلك العشبة الضئيلة المتسللة حوله تعطيه قدسية كاذبة .
زفر زفرةعميقة مرقت فى هواء قديم لتوقظ وسن السنين المنصرمة ولم يجبُ قد أغمض عينيه طويلاً...فغمزت المرأة الأولى فى خبث :

أه .. شيخ "سره باتع" وقد اخفاه عنا .. بينما وقفت الأخرى ترقب الحارس باهتمام وهو يفتح العينان البراقتين فجأة ثم حك اذنه وقرص حلمتها فى مكر وهو يقول هو سيدالشيوخ لامراء..
ولا يذكراسمه الا عشرة جنيهات كاملة ...فتخرج كل واحدة بلا تفكير ما تبقى

فى كيسها ..وتجمعا ستة جنيهات وتقولا فى رجاء :


لانملك غيرها.. فيمد يده لهما فى تعاطف وهو يكمل العشرة جنيهات ليبوح لهما باسم الشيخ شديد البركة وهو يطوح رأسه فى الهواء كدائرة ابدية ويصرخ صراخ الولهين المتعففين:-

"شى لله" يا سيدى المرزوقى ...
"شى لله" يا سيدى المرزوقى

غاليتي روان ..
سلام الله عليك
أشكرك على سعة صدرك ..
فهذه قصتك كاملة .. مع ملاحظة أن معظم الأخطاء هي خلط بين همزتي الوصل والقطع
أرجو لك التوفيق .. وإلى الأمام


تحية ... ناريمان