عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-2011, 09:28 AM
المشاركة 86
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حوار مع الروائي فؤاد التكرلي



أجرى الحوار : فراس عبد المجيد

بعض ما جاء في حوار سبق وأن أجريناه مع الكاتب الكبير ، وتحديدا في سنة 2003 في ندوة الرواية العربية التي عقدت في العاصمة المغربية في إطار الاحتفال بالرباط عاصمة للثقافة العربية

س : الأدب ( والرواية خصوصا ) كان يطمح إلى واقع أكثر جمالا و أكثر عدالة .. وثعرجات السياسة حالت دون تحقيق هذا الطموح. كيف تصف لنا هذه العلاقة ؟

ج : الأدباء دائما يحلمون ، والأدباء يعتبرون الأدب تعبيرا عن تمنيات وأحلام . الأديب يريد الخير لشعبه .. وكانت السلطة تتدخل باستمرار في إبداعه ، وخاصة في مرحلة الانقلابات العسكرية . في الخمسينات لم تكن الحكومات تتدخل إلا بشكل طفيف وبصورة غير مباشرة ، ونسبيا كانت لدينا حرية داخلية كنا نمتلكها . بعد ذلك جاءت الثورات ، وجاءت الأيديولوجيات ، صارت الرقابة صارمة . فقد زاد تدخل السلطات ، وهو ما أدى إلى انحرافات في الأدب بشكل من الأشكال . فالأديب الذي يريد أن يعبر عن بعض الأفكار التي يظنها مرفوضة من قبل السلطة ، يلجأ إما إلى الرموز ، أو إلى تبريرات أخرى . من هذه الناحية فأن الأدب في البلاد العربية خاصة ، لا يسير في الاتجاه الصحيح ، ولا يؤخذ وكأنه وسيلة من أجل الإصلاح ، بل كوسيلة من أجل مقاومة السلطة . وهذا خطأ .. فالأدب ينبغي أن يعامل بحسن نية . فالأدباء ليسوا ثوارا ، بل هم كتاب مسالمون
، وقصدهم هو لفت النظر الى المظالم التي تحصل في المجتمع .. لا أكثر ولا أقل .


ج : أنا لم يكن لي موقع في الستينات ، هذا الجيل الذي جاء بعد ثورة تموز 1958 والتطورات والمتاهات التي أعقبتها اضطرابات ، وكان بعض كتاب هذه المرحلة أنتجوا أعمالا مهمة تختلف عما أنتجه الخمسينيون ، وأمسكوا بشخصيتهم بسرعة ، مثل محمد خضير وموسى كريدي وعائد خصباك وعبد الستار ناصر الذي كانت بداياته جيدة . لقد أصبنا ، نحن الخمسينيين ،
بنوع من الذهول المستديم ن بحيث بقينا صامتين فترات طويلة ، ولم أكن أكتب خلال عام إلا قصة واحدة .. أو لا أكتب أصلا . وهذا بسبب تغير الجو الفكري . كنا نشعر بأن الجو أصبحت تسوده الفوضى .

س : وهل هذا الذهول بسبب التقلبات السياسية ؟

ج :
بالتأكيد بسبب التقلبات السياسية وما رافقها . بالنسبة إلي لا أشعر بأن الستينيين لهم علاقة بي بقدر ما كانت علاقتهم بعبد الملك نوري ومهدي عيسى الصقر . ولم يكمل أحد منهم الخط الذي بدأته في تجربتي .

س : هناك ملاحظة حول روايتك " الرجع البعيد " تقول أنها ، وبرغم دقة تصويرها الذي تضمنته ، لم تكن حاسمة في إدانتها ، مما يعكس شيئا من المهادنة . وقرأت مؤخرا نفس الملاحظة حول روايتك الأخيرة " الأوجاع والمسرات " .. كيف ترد على ذلك ؟

ج : أنا لست محاربا .. وحكاية المهادنة هذه في غير مكانها ، أنا كاتب وأديب ، وأعتبر نفسي فنانا بالدرجة الأولى أكثر مما أنا أديب ، فأكتب أشياء مرتبة فنيا . وللذين يعتبرونني مهادنا أقول : أنا ربما كنت الكاتب الوحيد الذي كتب ضد حزب البعث وهو في السلطة ، وكنت حينها في العراق . أما من يطلقون أحكامهم بالمهادنة وهم خارج العراق فهذه مسألة أخرى.. بالنسبة
لرواية " الرجع البعيد "" لا يوجد – حسب اعتقادي – أي عراقي قرأها ولم يفهم مقاصدها ، فالجميع فهموا ما أقصد إليه
. بل وزادوا من رموزها أكثر مما تحمل . المهم أنه لا مجال للمزايدة في مثل هذه المواضيع . إن ما قادني إلى كتابة الرواية هي الناحية الفنية ، وطبعا شعوري كأديب ، مثلها مثل " المسرات والأوجاع " ، ليست لدي حمولات سياسية بقدر ما أحمل من إدانة فنية . لقد فضحت الحكام واعتبرتهم مجرمين بطريقتي الخاصة . أما أن أظهر على شاشة التلفزيون وأشتم ، فهذه ليست مهمتي .

س : ولو أعدنا السؤال بشكل آخر ، وهو : هل أنك ، عندما تكتب ، تضع في اعتبارك أن ثمة سلطة تجب إدانتها ؟
ج : أنا لا أضع شيئا أمامي سوى أنني أملك حريتي الداخلية ، وهل أني أكتب ما أريد أم لا أستطيع ذلك ؟ كنت دائما أطمئن إلى أنني أكتب ما أريد دون زيادة أو نقصان . ولو افترضنا أنني ، في ظل هذه الظروف ، أكتب رواية " الرجع البعد " لكتبتها كما هي دون تغيير ، ودون اهتمام بالاتهام بالمهادنة .

س : ...إذن فشكل الرواية جاء متطابقا مع مضمونها . وهذا يحيلنا على منهجيتك في الكتابة ، فقد دعوت في مداخلتك ، في ملتقى الرواية العربية في الرباط إلى إقامة الصلة بين الكاتب والقارئ إلى جانب العمل على التأثير فيه . كيف توضح ذلك ؟ هل هي دعوة إلى تكريس الواقعية كمنهج في الرواية ؟

ج : لا .. أبدا . ليس ذلك تكريسا للواقعية . أنا تركت الموضوع لبصيرة الكاتب وكيف يجد قراءه . المهم انه يجب أن يشعر أن ثمة صلة تبقى حية بينه وبين القارئ . أما إذا كان ثمة كاتب عربي ( مغربي أو عراقي أو مصري مثلا ) يفكر في أن أمامه قارئا فرنسيا أو ألمانيا فهذه حماقة . فلهذا القارئ جو آخر وثقافة أخرى وماض آخر . هو يمكن أن يفهم منك بعض الأشياء ، إلا أن القارئ العربي لا يستسيغ ذلك ، لا يمكن أن يحتمل ذلك ولا يمكن أن يفهمه .
فالتواصل هو المهم ، والتأثير يأتي بالدرجة الثانية . فإذا أنت لم تستطع التواصل مع القارئ العربي ، ولا يمكنك التأثير فيه ، فمن الأفضل لك ألا تكتب
. فحدود التجديد ( وكنت في مداخلتي أتحدث عن التجديد و ليس عن مبدأ معين ينبغي التمسك به ) تتطلب الإتيان بقوالب جديدة ، أو بتغيير بعض القوالب الروائية ، أو باختراق بعض الحدود الروائية . هذه الأمور إذا تم التفكير فيها ، فينبغي أن يتم ذلك بالموازاة مع التفكير بالقارئ . لابد من المحافظة على الصلة بالقارئ ومحاولة التأثير فيه . ولا يمكن الحديث في أشياء لا يمكن أن يتواصل معها القارئ أو لا تؤثر فيه .

س : في الأخير : بم تنصح الكاتب الشاب ؟

ج : أهم شيء هو التواضع . فليس كل من كتب سطرين يتخيل أن على العالم أن ينحني له .. أغلب الأدباء الذين اشتهروا بدؤوا متواضعين . خاصة وإنهم يقدرون أعمالهم ، ويقيمونها قبل أن يتناولها النقاد ، ويعتبرونها وصلت حدا معينا من الجودة . الكاتب الشاب ينبغي أن يعمل على تطوير عمله ، فلا يمكن أن يصدر الكاتب مجموعة قصصية صغيرة ، ويريد من النقاد أن يصفقوا له ، وأن تقام له طقوس الاحتفال .. هذا غير ممكن . فالتواضع مطلوب ، وكذلك الانتظار والصبر. إضافة إلى أن الكاتب الشاب لابد أن يلتفت الى بيئته المحلية . فالمحلية مسألة أساسية ، وخاصة في موضوع الرواية . وأنا شخصيا أعتبر تجربتي قائمة على المحلية . فإذا كنت نحيا في بيئة تعرفها وتعايشها ، يمكنك أن تكتب عنها عملا ذا قيمة .