الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2010, 09:20 PM
المشاركة 8
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
بل إن حرب أكتوبر التى افتتحت بصيحة الله أكبر كان مسببها الأصلي والعامل الفاعل فيها هو البعد الدينى وحده,
وهذا بشهادة كافة المشاركين فيها والذين ضربوا بإيمانهم أروع أمثلة البطولة ,
وذلك بعد أن تسببت النكسة وأحداثها في صحوة دينية طبيعية , ورغم أنها كانت صحوة مؤقتة أشعلت حرب أكتوبر وخبت بالفعل السياسي , إلا أن هذه الصحوة كانت إثباتا كافيا لأثر غياب البعد الدينى
ولو أن مصر واجهت فى حرب أكتوبر عدوها بغير هذا العامل لما كان للمعركة الكبري هذا الدوى العظيم والمعجزات التى غيرت بعض المفاهيم العسكرية فى العالم وحتى اليوم
ولو أن هذا العامل لم يكن هو الفاعل الأصلي لرأينا الصور المذهلة لبطولات أكتوبر تتكرر في مناطق أخرى , لكن ظلت هذه الصور بعيدة الأثر مرهونة بالعقيدة الإسلامية الصحيحة
ولو لم يكن هناك أثر لغياب البعد الدينى مطلقا إلا أنه منح القيادة المصرية حق التفاوض المنفرد بعد الحرب ـ بسبب أن القضية أصبحت قضية قوميات ـ والإبتعاد , لكفانا كارثة !
ولولا تيار القومية ما استطاعت مصر تقديم قضية أرضها على قضية القدس ,
ولو كان تيار الإسلام هو الفاعل في المنطقة العربية بدلا من التيار القومى لما استطاع السادات أن يغير وجهته مستندا إلى الحجة الذهبية وهى أن عرب التيار القومى ظواهر صوتية تريد جر مصر إلى خراب مماثل لخراب يونيو 67

ورغم كل هذا البيان الواضح لمدى خطورة حصر القضية فى تيار القومية ,
إلا أنه وللأسف لم يقتصر الأمر على ذلك !
بل إستمر حاجز التضييق مع مفاوضات أوسلو التى هلل لها الإعلام العربي على نحو مضحك , رغم أن الشواهد كانت بادية الوضوح فى أن الجلوس إلى المفاوضات قبل الحصول على مكاسب واقعية على الأرض بقوة السلاح , لا تعتبر مفاوضات بل مهاترات , فالطرفان فى التفاوض ـ أى تفاوض ـ يتحدث كل منهما وهو يستند إلى ما يملكه فيفاوض به , فما الذى كان يملكه عرفات ـ غير الكلام الإنشائي طبعا ـ ليحتج به فى مفاوضات قوة لا مفاوضات مبادئ
أى أنهم فشلوا حتى فى تطبيق جيد للتيار القومى ولم يستطيعوا الإتحاد على كلمة واحدة تستثمر نتائج حرب أكتوبر كنقطة قوة أمام نقاط القوة التى تتمتع بها إسرائيل فيحققوا مكاسب مرحلية منها
فرفضوا الإنضمام للسادات ثم عادوا بعده منفردين كقوميين , تطبيقا لمبدأ ( كلٌ يغنى على ليلاه ! ) , وتفاوض كل منهم في طريق منفرد سعيا للمكاسب الشخصية في المقام الأول

وضاقت القضية أكثر مع مسلسل التفاوض الرسمى لتصبح قضية غزة وأريحا بدلا من قضية فلسطين ,
وبالطبع إنتهت من الصورة نهائيا قضية القدس , ثم جاء عام 2000 م ليصبح التفاوض حول وقف المستوطنات لا إنشاء الدولة , ثم ضاق أكثر وأكثر حتى أتى شارون على البقية الباقية من قضية فلسطين بضربة واحدة عندما أعلن انتهاء الشرعية عن عرفات كممثل تفاوض وقام بالإنسحاب المنفرد من غزة تاركا عرفات يثير سخرية العالم أجمع وهو يحتج أمام الكاميرات على الإنسحاب المنفرد لإسرائيل من غزة !!
وجاء مسلسل حماس فى الحكومة الإسرائيلية على نفس النسق لتنقلب دوامات الصراع من قضية مستوطنات ومفاوضات إلى قضية صراع فصائل عربي لا دخل لإسرائيل فيه ,
والتى وقفت تراقبه وتنتظر النتيجة الطبيعية له وهى خسارة الطرفين لصالح إسرائيل , بالضبط كما وقفت الولايات المتحدة قبل خمس عشرة سنة تنظر للحرب المستعرة بين العراق وإيران فتتركها دون تدخل بقرار وقف إطلاق نار معتاد من مجلس الأمن لمدة ثمان سنوات كاملة , طحن فيها الخصمان بعضهما البعض , ووقف وزير الخارجية الأمريكى وقتها يقول :
{ هذه هى المعركة الوحيدة التى نتمنى فيها ألا يخرج منها منتصر بل تنال الخسارة من الجانبين }
وقد كان ,
والمثير للسخرية المريرة أن تصريح وزير الخارجية الأمريكى لم يطلقه بجلسة خاصة أو يسجله فى دفتر أوراقه السرية بل قابله علنا فى الصحف , ومع ذلك استمرت الحرب وتورطت إيران بفضيحة ( إيران ـ كونترا ) التى موّلت فيها إسرائيل الجيش الإيرانى بالسلاح ! وبتمويل عربي ! في مجاملة لإدارة بوش الأب التي أرادت تنفيذ العملية بتمويل خارجى بعيدا عن رقابة الكونجرس فتكفلت بمبلغ العملية دولة عربية كبيرة [1]

ورغم التصريح استمرت الحرب , ولا غرابة فى ذلك , فالغرب مقتنع إلى الثمالة أننا شعوب بلا ذاكرة , وجماجم بلا عقول ! ويثق أن لنا عيون لا تقرأ , وإن قرأت لا تفهم , وإن فهمت لا تدرك , وإن أدركت لا تتصرف بناء على هذا الإدراك !

ثم جاءت كارثة غزة الأخيرة لتضيق القضية أكثر وأكثر فتصبح قضية حماس فى غزة !
ثم تم الإختزال أكثر لتصبح القضية قضية المعابر بين مصر وغزة , ثم تضيق أكثر فتصبح قضية معبر رفح !
وإذا نظرنا للساحة الآن بعد كل هذه الإختزالات الرهيبة التى سحقت قضية الصراع سحقا , نجد أن أفواه المحذرين من هذا الضياع كلت وملت من لفت النظر لضيق الأفق الذى يحكم الجماهير ـ كما يحكم المفكرين ـ ويدفعهم للمضي قدما فى السيناريو الإسرائيلي بالحرف فتقول :
{ حدثونا الآن عن غزة , عن القضية الحالية ! }
وها هى الجهود تتوالى لحل معضلة غزة !
وغاية المراد من رب العباد , والتى يتمناها العرب الآن أن ينصلح الحال بين فتح وحماس وتعود حماس لممارسة مهامها على غزة وأريحا معا وأن يتم معالجة آثار الحرب الأخيرة ثم ضمان أن إسرائيل ستلتزم بعدم تكرار الإعتداء العسكري مع وعد صارم من حماس بمكافحة الإرهاب ! ( وهو مصطلح صكه الغرب وأجبر العرب على الإلتزام به لوصف أعمال المقاومة المسلحة ! )
وأصبحت من قبيل النكات السخيفة أن نتذكر أشياء وتعبيرات مثل , القدس , وقضية الحفر تحت أساس المسجد الأقصي , وقضية اللاجئين , وحدود 1967 م ومن قبلها حدود 1948 م !




الهوامش :
[1] ـ حرب الخليج ـ محمد حسنين هيكل ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر