عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2014, 09:09 PM
المشاركة 102
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ثانيا:
قولهم: لو كان المولد بدعة لكونه لم يكن في عهد النبي لكان كل شيء بدعة..

المجيزون للمولد يحتجون في بعض الأحيان بأدلة ليست بشيء..
فمثلا يقولون: إذا قلتم المولد بدعة لأنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يعني أن الفرش وإنارة المساجد بدعة، وكذا استخدام كل جديد..
فيقال لهؤلاء: هذا هو السبب في وقوعكم في مثل هذه البدعة، قلة العلم والتفقه في الدين، وعدم التفريق بين المتمايزات بسبب ذلك، فكل من له أدنى فهم في الكتاب والسنة يعرف الفرق بين الشيء المحدث في الدين الذي هو البدعة، وبين الشيء المحدث في الدنيا..
فالمولد من المحدثات في الدين ذاته، فهو عبادة يقصد صاحبها التقرب بها إلى الله تعالى بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم في يوم يعتقد أنه ولد فيه..
أما الفرش والإنارة ونحوها فهذه ليست من المحدثات في الدين، بل هي من المحدثات في الدنيا، فهي أمور دنيوية محضة، ويمكن تسخيرها في خدمة الدين، كأي شيء آخر، فإذن لا علاقة لها بالموضوع من وجه.. والبدعة تنقسم إلى لغوية وشرعية:
فاللغوية: هو الشيء الذي لم يسبق، قال تعالى: { بديع السموات والأرض}، أي مخترعهما على غير مثال سابق.
والشرعية: هو كل أمر محدث في الدين يضاهي الشرعية، يقصد فاعله التقرب إلى الله تعالى.

ثالثا:
زعموا أن سبب ترك الصحابة للمولد كون النبي صلى الله عليه وسلم حيا في ضمائرهم.

هذا جواب ليس بسديد..
فإن الصحابة كانوا أسبق إلى الخير في كل شيء، ولم يكونوا يتوقفون عن خير أبدا، فلو كان المولد خيرا لفعلوه ولو مرة واحدة، لكنهم ما فعلوه، لعلمهم أن ذلك من الإحداث في الدين..
ثم لو سلمنا لهم جدلا ما قالوه، أفليس غير الصحابة بحاجة إلى التذكير؟..
وقد علمنا أن زمن الصحابة استغرق القرن الأول بكامله، وقد حدث في هذا العهد تغير كبير، وتحول خطير في حياة المسلمين، دخل كثير من الناس في دين الله أفواجا، فتعسر توجيه وتربية كل هذه الأفواج، وبعد الكثير عن دين الله، حتى عمت الشهوات وكثرت الحروب لأجل الدنيا والتنازع فيها، كل ذلك ألم يكن داعيا وحاملا للصحابة أن يخترعوا المولد، لا من أجل أنفسهم، بل من أجل الناس الذين معهم وانعدم ذكر النبي صلى الله عليه سلم من ضمائرهم، فما عادوا يذكرون إلا دنياهم؟..
لقد بلغ من سخط الصحابة على الناس ما لم يسعهم السكوت معه، روى البخاري في صحيحه عن أم الدرداء قالت: " دخل علي أبو الدرداء مغضبا فقلت له: ما لك؟، قال: والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعا"..
وقال الحسن البصري: سأل رجل أبا الدرداء فقال: رحمك الله، لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، هل كان ينكر شيئا مما نحن عليه؟، فغضب منه، واشتد غضبه، وقال: وهل كان يعرف شيئا مما أنتم عليه؟.
وروى البخاري عن الزهري قال: "دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟، فقال: ما أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت".
وآثارهم في هذا المعنى متعددة، فالناس في زمن الصحابة كانوا بحاجة إلى التذكير، فلو كان التعليل في عدم فعل الصحابة للمولد أنهم ليسوا محتاجين إلى ذلك، فإن غيرهم ممن كان في عهدهم كانوا بحاجة، والصحابة مدركون لذلك، ومع ذلك لم يفعلوه..
ثم ما زال الناس في رقة من الدين قرنا بعد قرنا، والسلف يعاينون أحوال الناس ومع ذلك لم يخطر ببال أحدهم الاحتفال بالمولد تذكيرا وإحياء لسيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، حتى انقضى عهد السلف والقرون الثلاثة الأولى، وما أحدث المولد إلا في منتصف القرن الرابع..
ثم إن قولهم ذلك يفتح الباب لكل بدعة ويصبغها بالمشروعية، إذ يمكن لكل صاحب بدعة أن يحتج لبدعته - إذا قيل إن الصحابة لم يفعلوه - بأن الصحابة لم يكونوا بحاجة إلى ذلك لكمال إيمانهم، وأن الناس بحاجة إلى ذلك اليوم..
يمكنهم أن يقولوا ذلك في بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج والنصف من شعبان وشهر رجب وغير ذلك.
خلاصة القول: أن ما ذكروه ليس بحجة لا من حيث الشرع، ولا من حيث المنطق والعقل، ولا من حيث الواقع..
ثم التذكير بالنبي صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره في ضمائر الناس له طرق كثيرة وليس محصورا في الموالد.

رابعا:
قولهم أن الترك لا يقتضي التحريم.
هذه الحجة يدندن حولها كثير من المبتدعة، ويتخذونها غرضا لتثبيت بدعهم، فكلما قيل لهم: إنه النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، والصحابة من بعده، قالوا لك:
الترك لا يقتضي التحريم..
وينسبون مثل هذا الكلام إلى الأصوليين، بل ويبالغ بعضهم ويغلو عندما يزعم أنه إجماع..
ويقال في رد هذه الشبهة: نعم، الأصوليون لم يجعلوا الترك من أنواع التحريم، فالتحريم يكون بالنص ونحوه مما يدل على التحريم، لكن ههنا فرق لابد من التنبه له، هو سبب هذا الإشكال:
كلام الأصوليين إنما هو في العادات لا في العبادات..
فالأصل في العادات الإباحة، في الترك في باب العادات لا يدل على التحريم، فمثلا النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل الضب هل هذا يدل على تحريمه؟.. لا، لأن الترك لا يدل على التحريم، هذا في باب العادات، والنبي صلى الله عليه وسلم لم لم يأكل لحم الغزال؟.. لكن تركه لا يدل على التحريم، وهكذا كل شيء من المنافع الدنيوية الأصل فيها الإباحة، إلا إذا ورد ما يمنع، وهذا من التوسيع والرحمة.
وأما العبادات الأصل فيها التحريم إلا إذا ورد الإذن، وعلى ذلك فما تركه الشارع فهو محرم، إذ لو كان مشروعا لفعل، فالترك دل على عدم المشروعية، فكل ما نوقعه من عبادات، من صلاة وصيام وحج وزكاة كلها لم يكن لنا القيام بها لولا إذن الشارع، وهذا هو مقتضى التسليم وعدم التقدم بين يدي الله ورسوله..
ولو كان لكل إنسان الحق أن يخترع عبادة كيفما شاء، لم يكن من داع لإرسال الرسول لتبليغ رسالة الرب إلى الخلق، بل يترك لكل قوم وكل إنسان أن يخترع ما شاء من العبادات، وهذا باطل.
والدليل على أن الأصل في العبادات المنع قوله عليه السلام: ( وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة). وعلى ذلك فالمولد هل من باب العبادات أو من باب العادات؟..
لننظر فيما يكون في المولد، إنه اجتماع لتلاوة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع إنشاد المدائح النبوية بأصوات ملحنة، ثم تقام الولائم لأجل ذلك، وهم يفعلون ذلك في كل عام مرة على الأقل في تاريخ محدد..
وهذا بلا ريب عبادة محضة، والأدلة على ذلك:
أولا: من حيث إنهم يتخذون ذلك اليوم عيدا، والعيد هو ما يعتاد مجيئه في كل زمن، فالجمعة عيد، لأنه كل أسبوع، والفطر والأضحى عيد، لأنه كل عام، وعلى ذلك فقس المولد، فهو يحتفل به كل عام، وهذا تشريع، واتخاذ ليوم لم يأذن به الشارع أن يكون عيدا، ونحن نعلم أن المسلمين ليس لهم إلا عيدين يحتفلون فيهما، الفطر والأضحى، ولا يجوز لهم أن يتخذوا عيدا ثالثا ورابعا، والحاصل في المولد أنه صار عيدا يحتفل به، أي صار عيدا ثالثا في الإسلام، وهذه هي الضلالة.
ثانيا: أن الموالد ذكر، والذكر عبادة.
ثالثا: أن أهل الموالد يقصدون التقرب إلى الله تعالى بما يفعلون، والتقرب عبادة.
إذن الموالد عبادة وليست عادة، فتدخل في باب: الأصل في العبادات المنع إلا بنص، ولا تدخل في باب: الأصل في العادات الإباحة إلا بنص..
ومن ثم لا يجوز الاحتجاج بقاعدة: " الترك لا يقتضي التحريم".. إذ هذه القاعدة يعمل بها في العادات لا في العبادات.
إن دعوى أن "الترك لا يقتضي التحريم".. هكذا بإطلاق يصادم النص النبوي: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة)..
فهذا النص لا معنى له إذا عمل بتلك الدعوى على إطلاقها دون تفصيل، فإن المحدثات هي التي لم تكن في عهد النبوة من العبادات، تركت فلم تفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر منها، ويطلق وصف البدعة، وهؤلاء يقولون:
الترك لا يقتضي التحريم، وأنه يمكن لنا أن نفعل عبادة لم تكن في عهد النبوة..
فكيف نجمع بين القولين؟…
لا شك أنهما لا يجتمعان، فإما أن نأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو قولهم.. ولا ريب أننا ملزمون بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا بقولهم.

خامسا:
زعموا أن الموالد مثل المحاضرات والدروس والعلمية.

يجاب عن هذا بالاعتراض، فليست الموالد كالمحاضرات والدروس العلمية..
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه، ويقرر لهم الدروس والخطب، وخصص يوما للنساء يعلمهن فيه، فإذن الدروس والخطب والمحاضرات مشروعة، شرعها النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وأمره: ( بلغوا عني ولو آية)..
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع الناس ليخطب فيهم نادى بهم ليجتمعوا، فيجتمعوا، فيلقي عليهم ما أراد تعليمهم، والإعلان عن الدروس والمحاضرات هو من هذا النوع الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مثلا بمثل، سواء بسواء..

فأين هذا من المولد؟..
هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين جواز جمع الناس لتعليمهم أمور دينهم، إذ لا يمكن تعليم الناس إلا بهذه الطريقة، أو قل هو طريق عظيم لتعليم الناس، لكنه ما بين للناس جواز أن يجتمعوا لأجل المولد، الذي في الحقيقة ليس فيه تعليم بشيء، إلا شيئا واحدا هو ذكر أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يصل الأمر إلى الغلو والمنكر..
وهذه الموالد حتى في حال خلوها من الغلو والمنكرات ليس فيها تعليم ولا تفقيه..
والدليل أنك تجد جل الذين يؤمون الموالد لا يفقهون في دين الله شيئا، وذلك أنهم لا يجدون في الموالد شيئا من العلم والفقه إلا المدائح النبوية الغالية والرد على الخصوم في جواز الاحتفال بالمولد...
أما قضايا الفقه والعقيدة وأحوال المسلمين فلا تجد منها شيئا، فكيف يكون طريقا للعلم؟، وكيف يصح تشبيه الموالد بالمحاضرات والدروس العلمية؟..
إن الذي يتابع ويحضر الدروس العلمية والمحاضرات تجده بعد مدة متفقها واعيا، مستدلا على طريق السنة، عارفا بحقيقة أحوال المسلمين، بخلاف الذي يؤم الموالد، لا تجد عنده شيء من ذلك، وهذا مما يؤكد الفرق بين الأمرين.
تلك أبرز شبه القوم، وقد علمنا بطلانها، وتبين لنا كيف أن القوم يحتجون بأي شيء، ولو كان مخالفا للدليل الصريح والعقل الصحيح، وكثير منهم يجادلون بالباطل، ويتبعون أهواءهم، ويكلمون بكلام كثير لا يقصد منه الوصول إلى الحق، بل تغرير عموم القارئين والمستمعين الذين يتابعون ما يدور من كلام.
وأخيرا.. فلا نجد المحتفلين بالمولد مقتدين بسلف الأمة، إنما هم مقتدون بالنصارى، حيث إن النصارى يحتلفون بعيد ميلاد المسيح، وهذا من جملة تحريفهم وابتداعهم في الدين النصراني، وهؤلاء يفعلون كما يفعلون، فقد تركوا التشبه بأهل الإيمان وصاروا متشبهين بأهل الكفر والتحريف.. ) .

المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا