الموضوع: عورة وطن
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-25-2015, 01:18 AM
المشاركة 12
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قال: هناك سلبوني ما كان يسترني أيها القاضي ، فسترت بها عورتي ...


في المقطع الثاني تظهر جسارة بناء النص وهنا سأتناول المقطع منفردا وبعدها ساقوم بعملية التركيب .

"قال " لم يستعمل الكاتب "ردّ" فالسؤال الأول قد لا يحتاج إلى جواب مادام فيه توبيخ و استنكار للفعل ، و لم يستعمل فاء السببية و لا الواو للربط ، بل "قال" مجردة و مستقلة عن الجزء الأول هنا إدهاش التكثيف ، بمفردة واحدة عبر الكاتب عن المقصود دون أن يعرف بنفسية المتهم بالجريمة ، و لا أن يفصّل شعوره ، و لا أن يبين مدى إجحاف السؤال الأول و مدى تسرع الصائح في الحكم ، هنا الذكاء اللغوي والقدرة على التعبير بأقل من إشارة ، وهنا الصياغة المثلى و الفصل العجيب بين المقطعين رغم تواليهما ، والفصل بدوره إبداعي لدواعي الإيجاز ، ولصياغة المفارقة والخاتمة المدهشة ، وترابط الجزأين سأوضحه في التركيب .

"سلبوني " ما أبدعك أخي العزيز في اختيار اللفظة المناسبة ، ليس سرقوني وليس أخذوا مني ، إنه السلب ، بكل معاني السلبية و الإنتزاع بالقهر ، وقد لا يكون قهرا بالقوة ولكن بالكيد الرحيم و فعندما نقول سلب السيف من غمده ، تظهر هذه المرونة في سل السيف ، و السلب يحمل معاني كثيرة منها الفتنة و منها الحرمان و غيرها وأراها هنا مجتمعة تعطي نكهة خاصة تقوي من متانة الجملة .
"سلبوني " ليس العلم من سلبه شيئا ، وليس بيت المال من جرده من شيء إنهم هم ، منهم هؤلاء ؟ الكاتب لذكائه تركهم مضمرين ، وهنا تظهر الاحترافية و الإيحاء ، ماذا سلبوه ، سلبوه ماله فقط ؟ بالتأكيد لا ، سلبوه أكثر من ذلك ، إنه الستر ، هنا تدخّل معنى السلب ليصنع المفارقة المدوية ، فلسلب الشجرة هو تقشيرها ، فعندما نقول سلب الخريف الشجرة بمعنى نزع عنها أوراقها ، و سلب الجراد الشجرة يعني جردها من أوراقها و لحائها .
ماذا سلب منك ؟ إنه الستر ، بكل معاني الشرف و الإيباء ، فلماذا نزعت العلم ؟ لأستر به عورتي ، يا لها من مفارقة ، الظاهر في واد و السياق في واد آخر بعيد كل البعد عن الظاهر ، أيها العلم الخفاق العالي تعالى إلي فأنت ستري و أنت من له أقدم الولاء ، لا تليق بهؤلاء و أفعالهم ، وحدك من يجعلني أحس أنني لا أزال إنسانا ، إنه الحب الصادق للوطن و العلم .

إن كان كل نص لا يخلو من بعض ما يشوش الذهن ، فلعلني سائل أستاذي مصطفى لماذا نقط الحذف تلك ؟ ألم يبح النص بكل أسراره ؟ شخصيا إن كنت أقبل شيئا إضافيا على النص هو علامة تعجب في آخره ، إعجابا بهذه العبقرية في الصياغة .

موعدنا مع التركيب لم أتجاهل لفظة القاضي فلنا معها موعد عند التركيب .

يتبع بحول الله ، ومعذرة على التطويل .