عرض مشاركة واحدة
قديم 11-18-2017, 06:06 PM
المشاركة 3
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الحروب.. والحضارة الإنسانية..!
نجم عبد الكريم

تأملت بألم مفزع ذلك الكاريكاتير الذي رسمه علي فرزات في مجلة «المجلة» لما احتوى عليه من دلالات مرعبة!! حيث وقفت الحيوانات المختلفة في الغابة، ومنها الحيوانات المفترسة. وقفت أمام شاشة التلفزيون وقد أصابها الذهول والاستغراب، وهي تشاهد انساناً مدججاً بالسلاح، وانساناً اخر مضرجاً بدمائه نتيجة اطلاق الرصاص على رأسه.
مع أن الدوس هكسلي يقول في كتابه «هل الحرب ضرورة؟»:

«ان الحرب ظاهرة انسانية لا وجود لها في عالم الحيوان».

فالحيوان يتقاتل اما بدوافع غرائزه أو في اثناء سعيه للحصول على الطعام، ونادراً ما يتقاتل الحيوان على سبيل اللهو أو اللعب.. ولكن من الطبيعي أن يلاحق الهر الفأرة، أو ان يقتل الذئب الشاة، لأن ذلك شبيه بما يقوم به القصاب حينما يقوم بذبح ما يأكله الناس، أو هو يشبه ما يقوم به الصياد عندما يخرج الأسماك من حياتها في الماء الى هلاكها.. فالحيوانات اذاً لا تتقاتل الا عند الضرورات الطبيعية! هل معنى ذلك ان القتل والدمار هما من خصائص الانسان؟ وما المبرر؟.. يجيب ارثر كيت وهو عالم انثروبولوجي:

«ان الحرب كالمنجل في يد الطبيعة، تقطع الفاسد، وتبقي من يدفع بالحضارة الانسانية الى الأمام، حيث لا يبقى من يدب فوق هذا الكوكب إلا من كان صالحاً للبقاء».

وهناك من يرى ان كلام كيت إنما هو لغو فارغ، فالحرب تقضي على الشبان والرجال الاشداء، بيد أنها تترك الضعفاء والشيوخ الذين ليس بمقدورهم حمل السلاح.

وقد دلت التجارب على أن أعنف الشعوب وأصلحهم للحرب، لم يكونوا هم أفضل الشعوب..!! ولا يتمتعون بحس انساني أو ثقافي!! لأن الانسان هو القيمة العليا في معيار الحضارات. فالحرب اذاً تختار الناس بطريقة عكسية، لأنها تقضي على الأقوياء، وتبقي على الضعفاء!! والذي يؤكد على أن الحروب ليست طبيعية في علاقتها بالانسان، أنها لم تظهر، وتصبح وسيلة يستخدمها البشر، إلا بعد ان تطورت الحضارة الانسانية وصارت لها تنظيمات مثل الدولة أو الحكومة، وما شابه ذلك، فهي ـ أي الحرب ـ مجهولة ولا تشغل حيزاً من مفردات قبائل الاسكيمو التي تسكن الاصقاع الشمالية حتى يومنا هذا، وقد كانت مجهولة كذلك عند الانسان الأول!! صحيح انه اتخذ من السلاح وسيلة، ولكن ليس من أجل القتال والتغلب على اخيه الانسان، وانما صنعه لدفع الضواري، وللصيد حتى يشبع بطنه!! وصحيح ان تنازع البقاء قانون قائم في عالم الانسان ـ وكذلك الحيوان ـ ولكن من ذا الذي يقول: ان تنازع البقاء يقتضي ادامة الحروب، كما سمعنا بها في الماضي، والفناها في الحاضر؟.. ثم هل حدثنا التاريخ عن حيوانات تجمعت بالمئات أو الألوف لتقاتل بعضها بعضاً؟! فليس هناك في عالم الطبيعة كلها من ظاهرة تشبه تلك الحالة التي تعيشها البشرية في مثل هذه الأيام..!! فالقول بأن الحرب قانون طبيعي، لا يستند الى أصل من الطبيعة الحيوانية، فالذئاب لا تحتشد للهجوم على قطيع من ذئاب اخرى!! وكذلك أسراب الطيور لا تواجه أسراباً مشابهة لها بالكراهية والبغض!! كل هذا في واد، وما يسبق حالات الحرب في واد آخر، فهؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم عندما ركبوا الطائرات، واقتحموا مباني عامرة بآلاف مؤلفة من البشر الأبرياء، ما كان لهم أن يفعلوا ذلك لو لم يكونوا قد تعبأوا بنظريات أوصلتهم الى حد التصديق بالأوهام!! فما كان منهم إلا ان استجابوا طائعين، فأهدروا حياتهم، وخلفوا وراءهم اشلاء بشرية مبعثرة، فكان منظر مأساوي لا ترتضيه كل التعاليم الشرعية أو الوضعية!!..

وبعد ما حدث أثر الغارات على افغانستان.. صار الفزع يحدق في الوجوه وهرعت الدواب والأطفال يحتمون باللاشيء، حيث الناس كأنه قد كتب عليهم ان يعيشوا مأساة ابدية..، ما كانوا يفكرون في الموت، لأنهم يحبون الحياة، لكن الموت غدا يطل من عيون النساء والأطفال، بعد ان ساد الذعر في اوساطهم، رغم انهم تشبعوا بتعاليم فحواها: ان من يموت موتاً طبيعياً فنصيبه نار جهنم!! أما الذي يموت من اجل تعاليم غرسوها في اذهانهم، فإن الجنة من نصيبه!!.. وكل هذا على خلاف ما هو سائد، في الكتب السماوية، وهناك اكثر من دليل على ذلك، ومخالف كذلك لما زخرت به حكمة التعاليم الشرقية سواء في الهند أو الصين وغيرهما.

فعند اتباع كونفوشيوس مثلاً: ان المغامرة بالحياة لا تليق بالانسان! وان الحكمة أفضل من الشجاعة البدنية، وان العاملين من اجل السلم افضل من أولئك الذين يؤججون القتال!! أما في الهند: فإن التعاليم البوذية تأبى العدوان على أي من الأحياء، وتوصي بمحاربة الشر، بالكف عن مقابلته بمثله، فيسعون الى اجتناب الأذى عن كافة الأحياء.

لم نستشهد بما يجب الاستشهاد به من شرائع الله بالحث على قيمة الانسان، واشاعة السلام في الأرض، حتى لا أجد نفسي قد دخلت في دوامات تفسيرات هي حمالة أوجه متعددة عند البعض، ولكنها عند الله جل وتبارك، لا تحمل إلا وجهاً واحداً، وهو التأكيد على وجاهة الانسان عند ربه سبحانه يوم امر الملائكة بالسجود له، تكرمة واحتراماً له، لأنه سبحانه قد أوحى من روحه لهذا الانسان.

لدي اعتقاد جازم ان الدعوة الى الغاء الحروب تتفق تماماً مع مجرى الطبيعة، لكي يعيش العالم بسلام خاصة في زماننا الراهن، وفي العصور المقبلة، بعدما استفحل خطر أدوات التسليح الفتاكة، فما شهدناه في الساعات القليلة الماضية عبر اجهزة الاعلام، مفزع للغاية.. وليس معنى ذلك أن ما يجري الآن من توتر في العالم قد حدث من دون مبررات.. وان لم تكن، فليس هناك أسهل من ايجاد تلك المبررات..

*** خلاصة ما نسعى الى ايضاحه، هو أن الحضارة الانسانية المعاصرة قد حققت انجازات عظيمة، الا انها بكل اسف معرضة الى التدمير بالقذائف الناسفة، والآلات الجهنمية، والطائرات التي تصطدم بالمباني، والبشر الذين يتحزمون بالمتفجرات، فتغدو أجسادهم اشلاء متطايرة من اجل ان يصيبوا آخرين بأذى.. والجرافات التي تهدم البيوت على الأطفال.. الخ.. الخ.. كل هذا وغيره يحدث تحت مسوغات في مواجهة ظلم تعرضوا له فلم يجدوا من سبيل الا هذا.

بعد ان كان الأمل بأفراد العائلة الانسانية ان تتجه نحو تفكير جديد مع بداية قرن جديد، ولكن ـ بكل أسف ـ: لقد هيمن كل ما هو مفسد للطبائع، واستشرى مسخ العقول، وساد تلويث الأخلاق.. وكل هذا يحدث تحت راية شعار (عيش أفضل لإنسان أفضل)، لكن هذا الانسان لم يتمكن من ترجمة ذلك الشعار، غير ان يسلك سلوكاً تأنف منه الحيوانات كما صورها كاريكاتير علي فرزات.