عرض مشاركة واحدة
قديم 09-27-2014, 11:14 PM
المشاركة 3
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
8- النهاية
ويسبق الحل العقدة "أما العقدة فهي اللحظة التي تصل فيها الحبكة إلى أقصى درجات التكيف والانفعال والتأزم، وهي نقطة تحول هامة في القصة، حيث تبدأ الأحداث بعدها في الهبوط ويتطلع القارئ إثرها في البحث عن الحل(12).
هي اللحظة التي ينتظرها القارئ بكل شوق ويحبكها الروائي بكل إحكام وذوق, وهي اللحظة التي تكتمل عندها غاية الكاتب, فلا حاجة بعد بلوغ الهدف إلى الإطالة, وغالبا ما ينتهي انفعال القارئ عندها..
وبعد ذلك يمكن تصنيف النهايات إلى مفتوحة ومغلقة, فالمفتوحة يترك فيها الروائي للقارئ فرصة التفكير في كيفيتها, كأن يذكر حدثا يحوي استشهاد الشخصية المركزية ثم لا يكمل الحدث بل يدعه للقارئ, أما المغلقة فيذكر فيها الروائي نهايات العناصر للقارئ فيريحه من عناء التخمين.
وكثيرا ما تجمع الرواية بين النهاية المفتوحة والمغلقة كأن يختم الكاتب روايته بحدث لا يكمله لكن هذا الحدث يشمل نهاية شخصية رئيسة.
وفي الغالب لا يرغب الروائي أن يترك جمهوره يتدخل في عمله الأدبي بتخمين نهاياته, لذا فإن النهاية المغلقة هي التي تسيطر على الروائيين نسبيا, وإن لجأ الروائي إلى النهاية المفتوحة فإنه لا يتركها مفتوحة على الإطلاق, بل تكون متوقعة على الأقل، ومثالها في روايتنا التخمين في علاقة وهيبة مع زياد، وتساؤل المتلقي إلى أين تصل العلاقة فيما بينهما. وتوقعه على الأغلب في نجاح تلك العلاقة.
9- اللغة:
وهي الوسيلة التي يتبعها الروائي للتعبير عن الحدث, وتأخذ شكلين: السرد والحوار, فالسرد هو الكلام الذي يوصله الروائي للقارئ على لسانه, ويستخدم فيه الكاتب ما يجده مناسبا للمقام, فقد يستعين بأسلوب الرسالة أو التقرير أو الإعلان التجاري, أو الخبر الإذاعي, أو المقالة, ويعتمد الأسلوب السردي على الوصف, وينشق السرد العام إلى طبائع مختلفة, فسر ذو طابع عاطفي تزينه المشاعر المرهفة, وسرد ذو طابع انتفاضي تهيجه المشاعر الثورية المقهورة, ومرجع التحديد طبيعة الحدث والشخصيات والكاتب.
واللغة في الرواية أداتها وربما غايتها أيضا، فالقارئ يعيش عالم الرواية من خلال اللغة، وربما يعيش هذا العالم في اللغة ومن اجل اللغة، ومساحة اللغة هي التي حددت مساحة الرواية وحددت طبيعة عناصرها المختلفة(13).
وتنهض الرواية في جزئها الأكبر على السرد، أما الحوار فهو كل كلام يجري على لسان شخصيات الرواية, ويأخذ أشكالا عديدة: فيكون بين الشخص ونفسه سواء كان مسموعا أو غير مسموع ويسمى حوارا داخليا, من ذلك المناجاة والغمغمة والهمهمة, ويكون بين شخصية وطرف آخر, ويسمى حوارا خارجيا, مثل: محادثة بين شخصين, أو حديث شخصية مع الطبيعة أو مع الحيوانات استئناسا بها. وهنا تستخدم أديبنا تقنية الحوار في نصها أحيانا مخاطبة البحر كحال وهيبة، فالحوار ظاهرة فنية استخدمته بوصفه أسلوباً فنياً, ووسيلة تعبيرية للكشف عن فكرتها, وبسط فلسفتها في الحياة والتعبير عما يدور في خلدها بأسلوب فني, وأدبي مثير، حيث طوّعته الأديبة ضمن سياقها النصي، وأفادت من إمكاناته وآلياته ونجحت في توجيهه الوجهة التي من شأنها أن تنعكس على هندسة الحوار في النص وتهبه القدرة على التشويق والنفاذ إلى قلب المتلقي وفكره.
الحوار الخارجي :
لقد استفادت القاصة هدى درويش من تقنيات الرواية الجديدة ومن آليات الرواية المنولوجية وتيار الوعي أثناء استعمال الحوار الداخلي والارتداد إلى الخلف، واستشراف المستقبل وتوظيف الأسلوب غير المباشر الحر، كما استفاد كثيرا من الرواية الواقعية في تجسيد الواقعية الانتقادية ذات الملامح الاجتماعية والسياسية وعبث الحياة وقلق الإنسان في هذا الوجود الذي تنحط فيه القيم الأصيلة وتعلو فيه القيم المنحطة، ومثال ذلك في الرواية الحوار الداخلي، ويظهر في هذا النص قلق الإنسان وحيرته من تبدّل الأحوال، ويتصل فيها الواقع بالخيال، وترتبك فيها المكان في مواجهة الزمان، وتتحرك شخوصها في إطارٍ من الوهم والتخيُّل والتخاطر المتواصل، فهي لذلك لا تخلو من الرمز إنْ لم أقلْ تغرقُ فيه، ولكنها لا تبتعد كثيراً عن ملامسة الواقع على نحوٍ تقصد الروائية إليه بعمديتها ووعيها الحكائي.
كما تمّ استخدام تقنية تداخل الأزمنة وتداخل الأمكنة واستعادة شخصيات من أعمال روائية سابقة، وتداخل الواقع بحلم اليقظة بالحلم في سرديةٍ كان على القارئ تفكيكها للوصول للأحداث الحقيقية وتمييزها عن الحلم وعن حلم اليقظة والتي كانت تتداخل مع الأحداث الفعلية بدون فواصل زمنيةٍ أو مكانية. وتقوم روايتنا في معظمها على السرد، وللحوار دور كبير فيها.
الحوار الخارجي : هو ما يجري من حديث بين شخصيتين أو أكثر، ويسمى بالانجليزية dialoge)) ومن أمثلته الحوار الذي جرى بين وهيبة وسليم، ويظهر فيه عنصر التشويق بتأخير وهيبة ذكر اسم حبيبها الأول الذي سافر إلى بروكسل فلم تذكر اسمه في الجزء الأول بل ذكرته في الجزء الثاني، حيث يقابلها بعد ثلاث سنوات في سوسة ويظهر فيها انتهازيته وتفضيله المال على حبه، ومنه أيضا الحوار الذي جرى بين وهيبة وحياة:
لم تسألني حياة عما أصابني، بل تركتني أهدأ قليلا إلى أن نطقت ممزقة هدوء جلسة عاشقتين_"لقد قبَّلتُه... أقسم لك أنني فعلتها وقبلته..."
_" من... أنتِ... قبلّتِ رجلا... غير معقول "
_ لا... أقصد هو من قبلّني، ولكنني تجاوبت معه كيف لي ذلك... وقد أحسستُ بالحقد بعد ثلاث سنين نحو رجل دمرني بالهجران ...
أصمتُ قليلا وأتابع قائلة: "هل تبعثين بأشواقك إلى منصف... هل هو بخير...؟"
تقطب حياة حاجبيها، قائلة: دعكِ من منصف ولا تغيري الموضوع... من التقيتِ اليوم... ؟ "
_ سليم ... التقيت به وقبّلته ولست نادمة على ما فعلت..."
_ من... تقولين من... وما الذي أتى به إلى هنا؟ سليم... يا الهي ...كم هذه الحياة صغيرة! "
_ وكم القدر كبير لأنه من صنع السماء, من كان يدرك أن آتي إلى تونس لالتقاء رجل يقطن ببروكسل... ومن يصدّق أنني رفضت كل علاقة حميمية معه، ونحن عشاق أحراراً لأرجع وأرضى بتقبيله، وهو من حق امرأة أخرى تقاسمه متاعب روحه وبهجتها... فالحياة صغيرة مهما بدت عملاقة، وكل قممها تلتقي والغريب فيها أنها قد تتصل القمم بالسفوح والسفوح بالقمم فمن قال من القدامى أن عظام الجبال لا تلتقي؟ من قالوا ذلك فقد أصابوا أو أخطئوا، فهي لابد لها أن تلتقي بالحنين وبالولع... تلتقي ولكنها قد تلتقي بعد أن تتغير وتتآكل قممها وتحتدّ ملامحها من قسوة التجربة...".
ومنه ما جرى بين وهيبة وزوجها عبد القادر ويمثل صورة ناطقة لمعاناة المرأة:
وهيبه: " لقد أخبرتكَ أننيّ سوف أتأخر ّقليلا أليس كذلك...؟"
ينظر إليها (عبد القادر) بزاوية عينه مستمتعا بخوفها, ثم يرّد بسخرية:
عبد القادر: " نعم، ولكنّك تأخرتِ دقيقتين وبعض الثواني."
تنظر إليه متعجبة بما يقول، وهي تحاول قراءة أفكاره ثم تفبرك ابتسامة خافتة:
_أدرك بأنك تمزح...ألمْ تعدّ كم تأخرّتُ من ثانية بعد الدقيقتين...؟"
تقول عباراتها تلك، وهي تقف وقفة المحروم الذي يرجو أنْ يحدث شيئا جميلا في حياته ولو كان وهما كاذبا أو كالسجين الذي يساير جلّاده فيما يأمره به دون أدنى نقاش... فيستدير نحوها, يرفعُ يده لصفعها حتى تسقط أرضا، وهو يقول:
_"تدركين عزيزتي أننيّ لا أمزح إلا مرّة ً واحدة في السنة، وإنْ قررّتُ ذلك فمع امرأة ترضيني وتجيد لغة الأنوثة جيدا..." يمسكها من شعرها وهي ترّد على الوجع بالأنين، ويستدرك قائلاً: "أما أنتِ فلستِ سوى تلك الأمَة التي عليها أنْ تنظف البيت وتطيع سيّده, لأنّك كما رايتك دائما امرأة لا تستحقين في الحياة شيئا...يكفي أنكّ خلقتِ لي، وما قيمة امرأة خلقتْ لغير الرّجال...؟"
يدفعها لتسقط على الأرض من جديد، ثم يشرع في تغيير ملابسه العسكرية وهو يستعرض قوة عضلاته التي صنعها في صالة القوى كوحشٍ بدائيّ لا يحسنُ سوى لغة القوة والصراخ...كانتْ تنظر إليه، وهي تتراجع إلى الوراء زاحفةً وبعض الدم يتسرب من بين شفتيها، ودموع ترثي معاني الحسرة والأسف على شباب امرأة ٍ ضاع في ليالٍ صامتة في أدغال غابة كثيفة
ومنه ما جرى بين وهيبة وزياد:
فقال:
_" إنّ ذكاء النساء أروع من جمالهن، ومن زادها الله جمالا مع فطنة، فحظّها وفير وستكون لا مثيل لها بين النسوة..."
قلتُ: " من أنتَ إذن..."
قال: ناديني كما يحلو لك، المهم أنني من يهتم بك بضعة أيام أو أكثر ..."
_ قلتُ: هل اسمك بشع إلى هذا الحد... إلى درجة انك لا تريد البوح به ..."
ويا لتلك الضحكة ذات الصوت الفريد! أضحكني معه، وأنا التي لا تبادل الغرباء حديثهم ولا ابتساماتهم, يصمت، ثم يقول:
_ " زياد ... هل هو بشع... ؟ "
_ قلت: "لا أدري إن كان حقا بأن هذا هو اسمك... فمقياس بروكا للكذب لا يمكنه كشفك في هذه الحال مع الأسف."
أما الحوار الداخلي: ومن أمثلة حوار وهيبة مع نفسها:
"كيف يمكنكِ النجاة من قبضة رجل قد لا يكون اسمه عبد القادر ولكنه يشبهه تماما؟ ...قد لا تدبر عائلتك الارتباط به ولكن للقدر تخطيطاته أيضا, قد أجيب خائفة من قدري: "لا...لن يحدث ذلك "...لا تخرجي بخيالك بعيدا عن هذا الورق ...ثم أبتسم ساخرة من نفسي بعدما سقط قناع اليقين و أمضي في ذهول ..."
وتقول أيضا مخاطبة نفسها: "جلستُ أتساءل عن الحلم الغريب ليلة البارحة، ولكن هل يتكرر الليلة يا ترى ...؟ لا اعتقد وعبد القادر غائب كلّ الحياة تصبح وردية ...حياة اليقظة وحياة الوهم كلاهما تصبح وردية الأمل ...لا يوجد سواها التعيسة التي تشاركني لحظات فرحتي وتطربني بصوتها كالأنتيكة الراقية في ترتيلة عزف فرنسي الرنين... ايديت بياف تدندن في غرفتي لجمهور شاحب أسير تحمله عيوني المرهقة"
وقولها في نفسها تخاطب البحر: " وقلت صارخة: "لن أبوح لك بعد اليوم أيتها الموجات اللعينة ...كم من سنة وأنا أشكو لك ما بداخلي فماذا فعلت لي ...؟ كفِّ عن الهدير ...انه يزعجني ...كفَّ عن الكذب وأنتِ التي جردَّتني من رجل أحببت, غادر ورحل عني إلى البلاد البعيدة على متن قارب من ورق ... منحتك ما يكفيك من كبريت صدري لتحرقيه، وأنتِ... أنتِ التي تواسيني الآن .ماذا فعلتِ؟ ...أطفأتِ كبريتي، وحملتْ موجاتك القارب حتى فرنسا، وتركتني أبكي تحت صفعات عبد القادر ..."
وقولها في الجزء الثاني وهي تفكر في مرافقها زياد في المستشفى:
_ يقطب حاجبيه: " ذلك قدر السماء صديقتي..." فيسرح كلانا ولا صوت سواها, يصدح صوت فيروز في فضاء الصالون، فتطرق فكرة في بالي للتو، وأتساءل: ... هل نمتُ بين ذراعيه ليلة أمس ...؟
ثم أسأل نفسي : _"هل لك أن تكوني مثل وهيبة ...؟
وبافتراض ذلك كيف تتصرفين...؟ كيف يمكنك النجاة من قبضة رجل قد لا يكون اسمه عبد القادر ولكنه يشبهه تماما؟ ...قد لا تدبر عائلتك الارتباط به ولكن للقدر تخطيطاته أيضا, قد أجيب خائفة من قدري: "لا...لن يحدث ذلك "...لا تخرجي بخيالك بعيدا عن هذا الورق ...ثم أبتسم ساخرة من نفسي بعدما سقط قناع اليقين و أمضي في ذهول ...".
وبالحوار تسعى الراوية لرصد المنطق السردي أو المسار التوليدي الذي ينطلق منه الحلم كرؤية واختيار قصدي لتشكيل نسيج سردي متميز له منطلق ومقصدية واضحة.
ومنه استخدام تقنية الحلم، ويمثل ذلك حلم وهيبة والخوف منه:
"... بين أشجار غريبة الطول والمنظر, ملتوية, متشابكة فيما بينها، في مكان مظلم حيث الضباب يسود والذئاب تعوي إلى جانب أصوات أخرى من ضجيج كائنات مخيفة، يتحرك هذا الوسط حول وهيبة التي كانت تجري حافية، وتلتفت حولها وهي لا تفهم من هذا الإبهام شيئاً ...يلاحقها ذئب يخرج في طريقها من حيث لا تحتسب، فتدخل بين الأشجار من جديد، وهي تعدو متعرّقة وخائفة ثم تحاول متابعة طريقها, وتعدو بعض الخطوات لتجده أمامها مرة أخرى مكشرا عن أنيابه، وهو يطوي العواء في صوته المضغوط، ينظر إليها بحدة, بعينين براقتين ومخالب مقوَّسة في الوحل، لتبدأ السماء بالمطر، ويصمت كل شيء ...لم يبق سوى وهيبة واقفة أمامه ترتعش من شدة الخوف والبرد، يتراجع إلى الوراء قليلا معلنا الهجوم، فتصرخ وهيبة وهي تغطي وجهها بيديها للحظات, ثم تفتح عينيها فلا تجد غيرها بين تلك الأدغال الوعرة لتلتفت وراءها فلا تجد للذئب أثرا..."
ونرى أن لغة القاصة هدى درويش تتصف باللغة الواقعية والتصويرية، تتداخل فيها الفصحى، وأحينا قليلة العامية الجزائرية لتقترب أكثر من خصوبة الواقع العربي الجزائري، لذالك استعملت الراوية تعابير العامية الجزائرية وأساليبها وألفاظها وصيغها.
وتستخدم القاصة أحينا اللغة المحكية الجزائرية، ومثال ذلك:
"الحايك" على جنب و"الحايك " أو "الملحفة" كما يقال عليها في بعض المدن الجزائرية هي لباس ما بين الأبيض والأصفر الفاتح, ترتديه النساء بأناقته التقليدية وفتحاته التي تسمح للجزء السفلي من الساقين بالظهور، ومن اللهجة الجزائرية قول أم حياة لحياة: "جبتلك حقك هاذي مدة ما جبتهولكش ..."
وقولها أيضا: "ما قلتلكش_ بعيد الشر_ تعرفين وردة بنت الجيران ...تطلقّتْ من
زوجها البارحة ..."
وقولها وهي تنوح بغرابة واستكثار كجزائرية لا غبار عليها:
_ "دار بنتي خلات... واش بقالك يا وهيبة ؟".
وقول الشيخ لروز وهي تبحث عن أستاذها الذي غدر بها:
وكأي شيخ جزائري سريع التعصب، قال: "أنا نهدر معاك وما ترديش يا خي تربية يا خي؟".
وسوف أحلل جملا وعبارات في النص، ومنها:
الخصائص الأسلوبية:
أولا:التصوير الفني
ونرى أن الكاتبة توظف في بعض الأحيان تعابير قائمة على المشابهة (التشبيه والاستعارة)، والمجاورة (المجاز المرسل والكناية)، واستعمال الرموز لتشخيص الأحداث والمواقف وتجسيدها ذهنيا وجماليا، ومنها:
1.التشبيهات
أ‌.التشبيه المفرد:
التشبيه البليغ، ومنه: "فقلوب النساء حفرة من جراح"
ومثاله: "ولكن الحياة قطار لا يعرف التوقف".
التشبيه المرسل المجمل، في نحو:
"فقبل سنين, اِرتديتُ ملابسي كالمجنونة".
ومثله أيضا: "وأن ثورة القلوب تقوم كالساعة لا علم لأحد بها سوى الله".
وفي نحو: "قدر لا ينصف أحدا دون أن يدوس على أحد, سلب مني سليماً يوما في دروب السفر ووضعه كالعطر"
ومنه أيضا: "وعلّقت عليه مستقبلا دافئا كشماعة من نحاس" ومنه: ""الرجّال كالنرجس في الحب والكراهية"
ومنه أيضا: "هي مساءات كليالي العشاق، مضمحلة كضوء قمر خافت من طول السهر".
ومن التشبيه المرسل المجمل:
"وفي غرفتي حكايات كثيرة كالكائنات الليلية".
ومنه: "وأنا حينها كنت كعصفورة الشجن"، وفي مثل: "دخلتُ غرفتها كعرافة الشجن".
ب.الاستعارة:
ومن الاستعارات المكنية، ما يلي:
"صمت الضجيج، وعاد الهدوء زاحفا إلى حياتي من جديد"
فقد شبهت الكاتبة الضجيج بإنسان يصمت، والهدوء برجل يعود ويزحف، ذكرت المشبه في كلٍّ وحذفت المشبه به.
ومنه: "رحل المودعوّن وأنا جالسة على حافة الرصيف أجامل البحر ويجاملني كاذبًا": فقد شبهت الكاتبة البحر بإنسان يُجامل ويكذب.
ومن الاستعارة المكنية، قولها: "فالحياة صغيرة مهما بدت عملاقة، وكل قممها تلتقي" فشبهت الحياة بالجبال لها قمم.
ومنه: "ولكننا نضعف ونندهش في مرحلة انتظار الموت ونحن نراه زاحفا هنالك قادما ليأخذنا دون رجعة ساخرا من أنّه حطّم في حياتنا الكثير وضعضع من أحلامنا الأجمل..."
فقد شبهت الموت بوحش يزحف يحطِّم ويضعضع.
ومنه قولها: "لكن الكتابة عن وجهك هي الوحيدة التي تسعفني وتضمد جروحي"
فقد شبهت الكتابة بمسعق يسعف ويضمد الجراح.
وفي نحو: "بين أحضان الجبال الخضراء". فقد شبهت الجبال بأمهات لها أحضان.
ومنها: "وأنا حينها كنت كعصفورة الشجن العازفة بأناملي على شعره"
فقد شبهت شَعره بوتر آلة العزف الموسيقية.
ومن الاستعارة المكنية:
"قمرٌ يرفل بالسهر" فقد شبهت الكاتبة القمر بعروس ترفل وتتبختر.
وفي نحو: "ولكننا ننسى أن القدر سوف يحسم لها النهاية، وسوف يحكم الدهر على صراخنا بالصمت وعلى قوتنا بالفناء"
شبهت الكاتبة "القدر" بإنسان يحسم، و"الدهر" بحاكم، استعارة مكنية في كلّ.
ب.الاستعارة التصريحية:
"وأن ثورة القلوب تقوم كالساعة" :فقد شبهت الكاتبة حركة القلوب واضطرابها بحركة عقارب الساعة، حذفت المشبه " الحركة والاضطراب" واستعارت عنه بالمشبه به "ثورة" استعارة تصريحية.
ومن الاستعارات التصريحية، قولها:
"تنطفئ شموع معابد المحبّة" فقد شبهت زوال الحب بالانطفاء، استعارة تصريحية،
وفي نحو: "تداعبني نسمات البحر ونغمات الحنين" حيث شبهت هبوب النسيم بالمداعبة.
3.الكناية:
"من الغريب أننيّ لم أصحُ من تلك المتاهة الضبابية إلى يومنا هذا, أما عبد القادر، فقد زاد ذلك الضباب عتمة ًورحل ... كلاهما رحل وتركاني في هذا الطقس الغريب لا أدري من أنا ومن أكون". : كناية عن التحبّط والقلق والحيرة
ومنها: "تحكي حياة شجونها، ويردّ عليها من صدري الأنين": كناية عن الألم.
وفي نحو: "بينما كنت أستحضر مدينة سلبني فيها عبد القادر عذريتي وكرامتي, وضع يده على معطفي" : كناية عن الضياع وسيطرة زوجها بالكامل عليها وطمس شخصيتها.
وفي نحو: "ولكن الله يمنحنا مع الشمس ضوءًا خافتا لا يراه سوى الحزانى في ليل وحشتهم الغريب.." : كناية عن الوحشة.
وفي مثل: "وعلّقت عليه مستقبلا دافئا كشماعة من نحاس" :كناية عن الاعتماد على الصديق.
وفي نحو: "لكن الحياة في عمقها لازالت تنبض وتستطعم أذواق السيمفونيات الغربية" :كناية عن المتعة.
ومنها: "كلّما اعتقدتْ أنها فهمت هذه الحياة تجد نفسها مجرد تلميذة هاربة من جرح إلى آخر" كناية عن العذاب.
وفي مثل: "قصصتُ له ما حدث وهو يسخر كعادته من تصرفاتي الطفولية في ثوب امرأة ناضج" .
أرادت الكاتبة أن تنسب النضج لامرأة، فعدلت عن ذلك ونسبته إلى ماله اتصال بها، وهو "الثوب" كناية عن نسبة.
ومثله قولها: "هل لأن معطفي تعّرَف" : أرادت أن تنسب الترّف على نفسها، فعدلت عن ذلك ونسبته إلى ماله اتصال بها وهو"المعطف"، كناية عن نسبة.
ومن الكنايات، قولها: "خرج غاضبا يكلّم نفسه في فناء المنزل"
كناية عن شدة العضب.
وفي نحو: "يزيد الطين بلّة" كناية عن تكبير المشكلة.
المجاز المرسل:
ومثاله: "لم أهوَ قبل هاتين العينين اِمرأة" : ذكر "العينين "الجزء" وأراد بهما الكل "الحبيبة" مجاز مرسل علاقته الجزئية.
وفي مثل: "وعندها فقط نصرخ في صدر أرض الكبت بألا تزعج أقدام رفات الراقدين"
فقد ذكرت الجزء "الأقدام" وأرادت بهما الكل "أصحابهما، مجاز مرسل علاقته الجزئية.
وفي نحو: "لم تدون حروفي بصدق ما روته السيّدة وردة"
ذكرت الكاتبة الجزء "الحروف" وأرادت بها الكل "الكلام" مجاز مرسل علاقته الجزئية.
وفي نحو: "لكن الكتابة عن وجهك هي الوحيدة التي تسعفني وتضمد جروحي"
ذكرت الجزء "الوجه" وأرادت بهما الكل "الشخص"، مجاز مرسل علاقته الجزئية.
وفي مثل: "وندّق الأرض بأقدامنا غاضبين ساخطين, لا نحترمها أدنى احترام"
ذكرت الكل "الأرض" وأرادت جزءا منها، مجاز مرسل علاقته الكلية.
وفي نحو: "وتدفننا أيادي من ظلمنا ومن أحببنا"
ذكرت السبب "الأيادي" وأرادت ما ينتج عنها، مجاز مرسل علاقته السببية.
وفي مثل: "أما الحزن الثاني، فهو صادق يبكي جراحا عميقة صنعها فينا الزمن بأيامه ولياليه"
ذكرت "الزمن" وأرادت الناس الذين يعيشون فيه، مجاز مرسل علاقته الزمانية.
ومنه: "وفي غرفتي حكايات كثيرة كالكائنات الليلية لا تصحو شاحبة إلا مساءً"
ذكرت المكان "الغرفة" وأرادت من فيها "نفسها" مجاز مرسل علاقته المكانية.
ثانيا:التعبير (اللغة والأساليب)
1.الألفاظ والتراكيب
أ‌. استخدمت الكاتبة في نصها لغة سهلة موحية تخاطب عقول الناس وقد جاءت ألفاظ معجمها القصصي مناسبا ومعانيها مطابقة للأفكار، وصفت همومها وهموم المرأة الجزائرية واختارت كلماتها من معجم يوحي بالألم والحزن والضياع والخراب.
ب. جاءت تراكيبها متناغمة بعضها مع بعض، قوية متينة موحية بما فيها من الرمز الجزئي، تعبرا عن سخطها لحال المرأة في المجتمع الذكوري، وكرهها لما يحصل من إهانات، فاستخدمت أسلوب "الاتساع" وهو واحد من الأساليب, التحويلية التي تطرأ على العبارات والتراكيب النحوية، ويعرفه المحدثون من المشتغلين بالدراسات اللغوية بأنه عملية نحوية تأتي عن طريق إضافة بعض العناصر الجديدة إلى المكونات الأساسية دون أن تتأثر تلك المكونات.
ووضّح بعض البلاغيين هذه الظاهرة وأطلقوا عليها مصطلح "الاتساع": وهو أن أكثر الوظائف حيوية للصورة الاستعارة والصورة الشعرية، أي خلق معان جديدة من خلال صلات جديدة. وهو ما يعرف بالانزياح أيضا، ومنه في النص:
أ‌. الانزياح الإضافي
ومثاله: "كتابة عن شيطنة عينيك الجميلتين وذكائك الرجولي الذي لا مثيل لها"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "شيطنة" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "الرجل" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "عينيك" مما يكسب التعبير رونقا وبهاء. ومنه أيضا: "أشعر أحيانا كثيرة أن لا مبدأ لفؤاد الرجل"
فعندما يسمع المتلقي كلمة مبدأ" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "المنافق" لكنه يتفاجأ بوجود عبارة "فؤاد الرجل"
ومثاله في نحو: "لا توقظوا الحزن النائم"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "الحزن" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "الدفين" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "النائم"
ومثاله في نحو: "ارتشفنا قهوتنا تلك بنكهة العبرات"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "بنكهة" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "التفاح" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "العبرات"
وفي مثل: "أنْ نستحضر تجربة وجع أو فرحة من ذكرياتنا الباهتة "
فعندما يسمع المتلقي كلمة "ذاكرتنا" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- عبارة "التي لا تنسى" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "الباهتة".
وفي نحو: "شعري متناثر على كتفي بألوانه البنية اللامعة تحت شفق الانتظار"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "شفق" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "الغروب" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "الانتظار"
وفي مثل: "لا توقظوا الحزن النائم"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "الحزن" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "الدفين" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "النائم"
وكذلك في: "كما أنّ للشجن طباع وطقوس يمارس بها كما الحب تماما"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "للشجن" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "أوجاع" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "طباع"
ومنه أيضا: "ونرتدي الأسود ونزيل بريق البهجة عن وجوهنا"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "بريق" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "العيون" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "البهجة"
ومنه: "تنطفئ شموع معابد المحبّة ولـــو مرّت الخيانة نعشًا ترثيه الشياطيـــــــن"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "الخيانة" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "سريعا" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "نعشا"
ومن الانزياحات الإضافية في الرواية:
"فقد كنتَ كذبتي الصادقة التي تنعشني بخيالها، وتستهويني بدعاباته" : فبعد كلمة "كذبتي" يتوقع المتلقي وجود كلمة أخرى، مثل "الشائنة" مثلا، لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "الصادقة".
ومثله قولها: "ظلمتني الحياة كثيرا وأحزنتني وأصّرت على تعميق أوجاعي وشجوني"، ومثله أيضا: "حروق الاشتياق".
إن جمالية الانزياح تخلق اللغة الإبداعية وتوجد هوامش رحبة، على حساب اللغة المعجمية وانطلاقاً منها، ففيها يتأتى للقارئ الإقبال على العمل الفني، وتذوقه ومدارسته ومحاورته، بشغف ونهمٍ كبيرين، إلى درجة الاستمتاع والإثارة والاقتناع به فنياً وجمالياً.‏
ب‌. الانزياح التركيبي
وقد استخدمت الشاعرة تقنية الاختراق أو الانزياح، وهو مخالفة التراتبية المألوفة في النظام الجملي. من خلال بعض الانزياحات المسموح بها في الإطار اللغوي، ومن أمثلتة، في قولها:
"واليوم ها هو يعود لي بعد أن استفاقتْ في صميمه الأشواق" :
فقد قدّمت ما حقه التأخير، وهو شبه الجملة "في صميمه" على الفاعل "الأشواق، وهذا أبلغ أثراً وأعمق دلالة.
ومن أمثلة الانزياح التركيبي أيضا:
" :ولم يبق لها من طاغور الحب شيء" فقد قدمت شبه الجملة :"من طاغور الحب" وحقها التأخير على الفاعل وحقه التقديم"شيء". ومثله: " تلك هي الحقيقة البحتة التي لم يصل منها إلينا سوى جزء وهمي"
ومنه: " أم أنني ما عدتُ أرى الناس أجسادا وذهبتْ بي غرابتي لتحليل لغة الذاكرة وأوتار الروح"، حيث قدّمت شبه الجملة "بي" وحقها التأخير على الفاعل "عربتي" وحقه التقديم. ومنه: "خرجنا وهو يحمل لي بعض أكياسي"، ومثله:
" أنا التي أوقف حياتها رجل ذات يوم"
فقد قدّمت ما حقه التأخير، وهو المفعول به "حياتها"" على الفاعل "رجل" وحقّه التقديم.
ومن الانزياحات التركيبية: "وكذلك: ليس الظلام مخيفا بقدر ما أن الجلوس فيه وحدي مخيف"، ومنه:
"غير أنني لازلت أحاول ألا أكون يوما غير نفسي" ، ومنه: "وفي غرفتي حكايات كثيرة كالكائنات الليلية" : فقد قدّمت الخبر "في غرفتي" وحقه التأخير على المبتدأ "حكايات" وحقّه التقديم. ومثله قولها: " لكل وتر منها قصة، ولكلّ نغم منها حكاية. ومثله: " لا أدري ربّما كان في أعماقي شيء من اليقين أنها سوف تبوح لي يوما بسرّ أحزانها".
الأفعال المضارعة والشرط:
إنْ عشقنا نخاف فرحة العشق ونموت خوفًا أن يسلبها القدر منّا يومًا، وإنْ فشلنا يكون فشلنا بمثابة نهاية الكون فنبكي, ننطوي ونتألم، وفي صباح ما وبمجرّد ما نزيل الغطاء عن وجهنا ونلمح ضياء شمس ٍ جديدة نقول في أنفسنا لا بأس بتجربة تعلّمنا الحياة أكثر, تسقينا الأمل والألم في الوقت ذاته، ونبتسم؛ لأننا نحبّ الحياة، نبستم لغدٍ يملؤنا بوعوده المزينّة والتي تبدي لنا أن نلتقي يومًا بأحبّاء يعلمّوننا أن هنالك صباحات تستحق أن نصحو لأجلها .
وقد اتكأت الشاعرة على مفردات الفعل المضارع كالأفعال السابقة التي تحتها خط؛ لما فيها من استمرارية، استمرارية مـأساة المرأة وامتهانها من الرجل والمجتمع الذكوري، والفعل المضارع يوحي باستمرارية الحدث وإظهار الحيوية، و برغبة الراوية في إظهار خطر ما يحصل من تدمير وتخريب لكيان المرأة وذاتها، وفيه تأكيد على موقفها الرافض لما يحصل، وهذا يؤدي لنسف القيم وضياع اللحمة والترابط بين أبناء الأمة، وفقدان الحب والمحبة. واستخدمت الفعل الماضي؛ ليفيد السرد.
واستخدمت الكاتبة أسلوب الشرط؛ في نحو: "إنْ عشقنا نخاف فرحة العشق ونموت خوفًا أن يسلبها القدر منّا يومًا، وإنْ فشلنا يكون فشلنا بمثابة نهاية الكون فنبكي, ننطوي ونتألم" لما في الشرط من حجة وإقناع.
2.المحسِّنات البديعيَّة
الطباق:
"قد لا يفرِّق بين حب الروح وحب الجسد واِنْ تظاهر بذلك, وبين ذاكرة الروح وذاكرة الجسد فرق كبير.. "
فقد طابقت القاصة بين كل من: " حب الروح" و" وحب الجسد, وبين "ذاكرة الروح و"ذاكرة الجسد"
ومنه: "كذلك الذي هاتفني بعد قصة حب كبيرة, ربما كبيرة في نظري صغيرة بحجمه الرجولي"
طابقت بين كل من "صغيرة" و"كبيرة".
ومنه أيضا: "يقلع القطار مع أول بزوغ ضوء النهار، ويتفاجأ لحظة دخوله ظلام"
طابقت بين كل من "النهار" و"الظلام".
ومنه: "أنْ نستحضر تجربة وجع أو فرحة من ذكرياتنا الباهتة"
فقد طابقت بين كل من "الوجع" و"الفرح".
ومنه أيضا: "من قالوا ذلك فقد أصابوا أو أخطئوا"
فطابقت بين كل من "أصابوا" وأخطئوا".
ومنه: "وهي تجلس على طرف السرير البنيّ تجول بعينيها يمينا وشمالا".
فطابقت بين كل من "يمينا" وشمالا".
ومثاله: "أصبحت معه لا أفرِّق بين الصحوة و الحلم ولا بين الليل والنهار"
فطابقت بين كل من "الصحوة" والحلم" وبين "الليل" و"النهار".
وفي نحو: "تحسّنتْ حالتي بين قوت الروح وقوت الجسد".
فطابقت بين كل من "قوت الروح" وقوت الجسد".
المقابلة:
ومنها: "يصاحبنا في ذلك اليأس الآمل والأمل الميئوس منه".
فقد قابلت بين كل من: "اليأس" و"الأمل" وبين: "الأمل" و"الميئوس منه".
ومنها أيضا: "فأفرح أنا وتبكي أخرى".
فقابلت بين كل من: "أفرح" و"تبكي" وبين: "أنا" و"أخرى".
ومن المقابلة: "قد نقوى على تصديق الموت بعد الحياة والحياة بعد الموت".
فقابلت بين كل من: "الموت" و"الحياة" وبين "الحياة" و"الموت".
الترادف:
ومثاله:
وأنا التي اعتدت اختيار الأجندات الفخمة والمفكرات الثمينة
كنت أختار حبرها وألوانها وأطيافها على الورق
التقسيم:
الحزن حزنان: حزن صادق أمام نفسك، وحزن عابر أمام الآخرين.
وقد قسّمت الكاتبة الحزن إلى حزنين لا ثالث لهما: "حزن صادق أمام نفسك" " و "حزن عابر أمام الآخرين" بأسلوب سلس.
فتركتني (أوديت) في ذلك الخريف الغريب وحدي في ثلاثية: أنا وصديقي والحب.
فقد قسّمت الثلاثية إلى ثلاثة أقسام لا رابع لها: " أنا" و"صديقي" و"الحب".
الحذف:
في نحو: "كانت يداي وزياد متشابكتين" والتقدير: "كانت يداي ويدا زياد متشابكتين" وهذا يجاز بالحذف.
وفي مثل: "قلتُ:"كيف أنتِ الآن روز...؟ " والتقدير: "قلتُ:"كيف أنتِ الآن يا روز...؟
الموازنة:
دخلتُ غرفتها كعرافة الشجن أمشي ببطء وأفكرّ بتردّد
فقد وازنت بين كل من: "أمشي ببطء" وبين جملة "أفكر بتردد".
تلك السعادة التي بحثتُ عنها كانت أول باب للجحيم، و أوّل تجربة، وأوّل وعد، وأوّل نهاية...
وفي قولها أيضا: "أنا كنت غريبة دون عائلة، وهو كان غريبا دون وطن"
فقد وازنة بين جملة " أنا كنت غريبة دون عائلة" وجملة "وهو كان غريبا دون وطن" ليحدث الإيقاع الموسيقي.
وكما في نحو: "تجربة في العشق كلفتني الكثير, وتجربة في الحنين علمتني الكثير"
فقد وازنت بين جملة: " تجربة في العشق كلفتني الكثير" وجملة "وتجربة في الحنين علمتني الكثير".
3. التناص
وظّفت القاصة في نصها الأدبي النصوص التراثية الإنسانية التي تغني تجربتها الشعورية وتوفر لها طاقات إيحائية واسعة، ومن التناص التضمين،
وفي النقد الحديث دخل مصطلحا (الاقتباس والتضمين) تحت مصطلح (التناص) عند أكثر النقاد، بمعنى دخول النصوص بعضها في بعض، سواء أكان ذلك عمداً وقصداً أم من فيض العقل الباطن، إذ يشبهون النص الأدبي (بالفسيفساء) التي تتكون من عدة أحجار وألوان بشكل منسق جميل يمنحها شخصية رائعة مستقلة ننسى فيها تفاصيل الأحجار والألوان، والتي يقابلها في الشعر الألفاظ والصور..
ومثاله في الرواية، الاقتباس: " يقول أوسكار وايلد: "الحياة حلم لكن لحظة الاستيقاظ منه هي التي تقتل"
يقول جون بيار فولدنغ: "لا توقظوا الحزن النائم"
ومنه قول جبران خليل جبران: "لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل..."
وفي نحو: "ويقول أوسكار وايلد: "الحياة حلم لكن لحظة الاستيقاظ منه هي التي تقتل"
ومنه أيضا الأمثلة التالية:
"يقول أوسكار ويلد: "الحياة مصيبتان: أولهما، أ لا تحصل على ما تحب، وثانيهما، أن تحصل عليه... "
"في كافيتيريا "أيرل بيز" ذات القهوة الصباحية المميّزة، وألفيس بريسلي يلقي كلماته الهادئة:
أحبيني بشدة
أحبيني بصدق ...
لا تتركيني أذهب... وسوف أظل احبك للأبد"
يقول جبران خليل جبران: "ما أنبل القلب الحزين الذي لا يمنعه حزنه عن أنْ يشارك الآخرين فرحتهم! "
وما سبق يعتبر تناصا أدبيا، ومن التناص الديني:
عدت وحبيبي والاشتياق ثالثنا، والبراءة في بريق عينيه رابع الدلائل على رجل إن أقسم لا يخون.
وهذا تأثر بجزئية من حديث رسول الله –صلّ الله عليه وسلّم- : "رُب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره"
والتناص ظاهرة لغوية معقدة تستعصي على الضبط والتقنين. ﻷننا عندما نقرأ نتاجاً فإننا نقرأ دوماً أكثر من نتاج بكثير: إننا ندخل في اتصال مع الذاكرة اﻷدبية: ذاكرتنا الخاصة، ذاكرة المؤلف، ذاكرة النتاج نفسه؛ فاﻷعمال التي سبق لنا أن قرأناها، وحتى سواها، تكون حاضرة في قراءتنا وكل نص هو كتابة مخطوطة فوق أخرى(14).
ولا نعدم ظلال الحكمة بين الفينة والـأخرى في أفياء الرواية، والحكمة وليدة التجربة، وابنة المحن، ومن أمثلتها في النص:
"أكبر عيوبكَ أنّك لا ترى عيوبك، فاِنْ رأيتها لا تعترف بها، واِن رأتك اعترفتْ عليك".
ومنها: "بعض الشعراء كالعاشقين في الخفاء ... هم أولئك الذين لم يقرأ لهم أحد، ولم يسمع عنهم أحد"
ومن الحكم: "رحلة القطار كالحياة تماماً, كلّ عربة فيه تساوي حقبة من الزمن لا تقود نفسها بل يقودها القدر إلى حيث يريد"
ومن الحكم أيضا: "نحن لا نشعر بقيمة من نحب في وجداننا لحظة لقائنا به, لكن جرعات الحب تحسبها الروح منبهات للاشتياق"
ومنها: "من ذاق طعم الجراح لا يمكن له أن يستهزئ بما تحمله حياة الآخرين من تناقضات".
ومن عيون الحكم أيضا: "لا يمكن للمرء أن يتصرف بعدوانية ما لم يكن قد خذله الكثيرون، ولا سيما أقرب الناس إليه... في زمن أصبح فيه الإنسان لا يرحم آخر يشبهه إلا إذا كان من بعد رحمته مصلحة سوف تنشأ".

ومنها: "رغم أنّ الحب حلم...إلا أنّه العلاقة الوحيدة التي تربطنا بالواقع".
ومنه: "لكنني بعدها بدأت أتعلم بذاكرتي الجديدة كيف للصمت وحده أن يكون المرء عظيما, وكيف للمواجهة غالبا ما تؤدي إلى أخطاء، وكيف للعظمة أن تتلخص في قلب وعقل واحد"
ومن الحكم: "ليتَ حياتنا نافذة لنغلقها في وجه كلّ من مرّ بها، وهو لا يستحق ... فلا تغضب ممن أساء لمحبتك، بل اتعظ بأن لا تثق في أمثاله" .
ومن الأخطاء اللغوية قولها: "سوف لن أنساك "، "فسوف" للاستقبال، و"لن" حرف نفي واستقبال، وواحدة منهما تغني.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




الهوامش

1.في نظرية العنوان.. مفتاح النص وجوهره...من الشعر إلى القصة والخطاب الدرامي عالم من الإبداع ومستويات العنونة، صحيفة الوطن، الأحد 03/31/2013
2.الأدب العربي وفنونه، د. نهاد الموسى ورفاقه،ص 308، ط1، 1993، عمان.
3.تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة 1947- 1985،شريبط أحمد شريبط، ص 24، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1998.
4.الزمان والمكان في رواية "رابع المستحيل"، للقاص عبد الكريم السبعاوي ،الدكتور عبد الخالق محمد العف أستاذ الأدب المشارك، ص3، الجامعة الإسلامية – غزة.
5.انظر: أهمية المكان في النص الروائي ،أسيلة البو علي، مجلة نزوى، العدد الثلاثون، 14/ 7/ 2009
6.دراسات في الأدب الفلسطيني، د. عاطف أبو حمادة ورفاقه، ص 289، ط 1، 2003، عمان.
7.دراسات في القصة العربية الحديثة، محمد زغلول سلام، ص11، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1988.
8.دراسات في القصة العربية الحديثة، محمد زغلول سلام، ص 27.، ط الإسكندرية، منشأة المعارف، 1988
9. الأدب العربي وفنونه، د. نهاد الموسى ورفاقه، ص 308، ط1، 1993، عمان.
10.ترجمة رعد عبد الجليل، ص 19، ط 1، 1995، دار الحوار، اللاذقية، سوريا.
11. دراسات في الرواية والقصة القصيرة، يوسف الشاروني، ص294، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1967
12. دراسات في الأدب الفلسطيني، د. عاطف أبو حمادة ورفاقه، ص 291، ط 1، 2003، عمان.
13. الأدب العربي وفنونه، د. نهاد الموسى ورفاقه،ص 309، ط1، 1993، عمان.
14. نقد النقد، نزفيتان تودوروف، تر. سامي سويدان، مركز اﻹنماء القومي، بيروت، ط1986 ،1،ص 94.