الموضوع: التوسل !
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-02-2014, 12:11 AM
المشاركة 33
جابر الناصر
كـاتب ساخر وفيلسوف كويتي
  • غير موجود
افتراضي
8 – هل هناك أحد من السلف خصّ التوسل أو التبرك بالحيّ الحاضر دون غيره؟، ومن شاء فلينظر في ما رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد في "باب ما يقول الرّجل إذا خدرت رجله" عن عبدالرحمن بن سعد المدني عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه كذلك الحافظ ابن السني (364هـ.) في عمل اليوم والليلة بأسانيد مختلفة. وكذا ذكره إمام الذين نازعوا في التوسل، ابن تيمية، في كتابه "الكلم الطيب" في باب "الرّجل إذا خدرت" ونصه: "عن الهيثم بن حنش قال كنا عند عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل أذكر أحبّ الناس إليك، فقال يا محمد، فكأنما نشط من عقال"، انتهى بنصه وحروفه.
ومع ذلك فلم يسلم ابن تيمية من أن يقول الألباني فيه إنه "يروي الأحاديث التي تنافي التوحيد" كما في طبعة الشاويش الخامسة 1985 للكلم الطيب، والعجب أنه لم يخفَ على الألباني إطلاق "الحديث" على حديث "يا محمد" الموقوف على ابن عمر، وإن كان تلاميذه يقصرون تصحيح الطبراني على المرفوع من حديث التوسل دون موقوفه كما تقدم، وها هو شيخهم يناقضهم.
والأعجب أن في طيّات كلام الألباني المتقدّم تكفير ابن عمر ومعه ابن تيمية لروايته استغاثة ابن عمر برسول الله، إذ ليس هناك ما "ينافي التوحيد" إلا الكفر والشرك، ومع ذلك فالألباني يعتبر قول ابن تيمية بفناء جهنم اجتهاداً مأجوراً وإن ناقض قول الله تعالى في الكفار "خالدين فيها أبداً" (الأحزاب 65 والجن 23)، كما في مقدمته على كتاب "رفع الأستار في الرد على القائلين بفناء النار" للصنعاني (1182هـ.) (ص 32 طبعة الشاويش الأولى 1984، بيروت). وكلامهما – أي الألباني وابن تيمية – باطل لأن بقاء الجنة والنار ودوامهما مما أجمع عليه المسلمون كما ذكر الحافظ تقي الدين السبكي (756هـ.) في "الاعتبار ببقاء الجنة والنار"، وقبله ذكر ابن حزم (456هـ.) الإجماع على بقائهما في كتابه مراتب الإجماع تحت عنوان "باب في الإجماع في الاعتقادات يكفر من خالفه بإجماع"، والحق أحق أن يتبع.
أما طعنهم بالتابعي أبي إسحق عمرو بن عبد الله السبيعي (127هـ.) راوي حديث "يا محمد" عند البخاري في الأدب المفرد، فقد ذكره كثيرون منهم الذهبي في الكاشف حيث قال: "أحد الأعلام، حدث عن جرير وابن عباس وأمم، وعنه السفيانان وغيرهم، هو كالزهري في الكثرة، غزا مرات وكان صوّاماً قوّاماً". وقال في سير أعلام النبلاء (ج5 ص 394): "هو ثقة حجة بلا خلاف"، فظهر أن لا مطعن في توسل ابن عمر رضي الله عنهما برسول الله صلى الله عليه وسلم عند خدر رجله.
9 – هذه كتب العلماء والفقهاء من المذاهب الأربعة بل وسواهم طافحة بالتوسل والتبرك برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخصّ الإمام المبجل أحمد بن حنبل رضي الله عنه بالذكر، ففي كتاب العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد وهي نسخة مقابلة على أصل نسخة عبد الله بن أحمد بن حنبل، ما نصه: "عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألته عن الرجل يمسّ منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويتبرك بمسّه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرّب إلى الله جل وعز فقال: لا بأس بذلك"؛ انتهى (ج2 ص35 طبع المكتبة الإسلامية - تركيا)، وفي كتاب مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبدالله كذلك ما نصه: "رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه يقبلها، وأحسب أني قد رأيته يضعها على رأسه أوعينه فغمسها في الماء ثم شربه يستشفي به، ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها إليه أبو يعقوب بن سليمان بن جعفر فغسلها في جب الماء ثم شرب فيها"، (ص447 طبع الشاويش – بيروت)، ومثل ذلك نقل عن الإمام أحمد رضي الله عنه الحافظ ابن الجوزي الحنبلي (597هـ.) في مناقب أحمد (ص187، دار الآفاق الجديدة).
وقال الذهبي عقب إيراده ما ذكرناه من كتابي العلل ومسائل أحمد إنه "صحيح وثابت" ثم قال: "قلتُ أين المتنطعُ المنكرُ على أحمد؟، أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع" (سير أعلام النبلاء ج11 ص212). وقال: "وكان رضي الله عنه يحمل معه في ثوبه وهو في الحبس أيام محنته ثلاث شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوصى أن تجعل عند موته واحدة في فمه على لسانه وعلى كل عين شعرة"، (سير أعلام النبلاء ج11 ص337).
ولا أدري هل ترك أحمد رضي الله عنه مجالاً لمتكلم بعد كل ما قدّمنا عنه؟، ولو أردنا ذكر كل ما رويَ مما يشابه هذه الأخبار عن غيره من السلف رضي الله عنهم لضاق المقام، والله الهادي إلى سواء السبيل، ولله الحمد أولاً وآخراً

الحمدلله