عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2013, 10:31 PM
المشاركة 55
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
موقف أهل السنة والجماعة من ذلك:
إن علوم المتصوفة – كما يزعم أصحابها – تستفاد من غير طريق الشرع، ولا يجوز أن توزن به، كيف وقد أخذوها من الله تعالى إما كفاحاً، أو إلهاماً، أو من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته يقظة، فحالهم مع الشرع كحال الخضر مع موسى، هكذا يزعمون.
وفي هذا المبحث...... بيان موقف أهل السنة والجماعة من هذا المذهب الخطير، والذي حاول أعداء الإسلام أن يبطلوا به أحكام الشرع, ويدكوا حصونه،..... وهذا الموقف في مقامات:
المقام الأول: الميزان الصحيح
لا ريب عند المؤمنين أن الحق الذي لا يشوبه باطل: الكتاب, والسنة, وإجماع الأمة، وبإزاء ذلك الإلهامات, والمنامات, والإسرائيليات, والحكايات ونحو ذلك، ففيها الحق والباطل، ويعرف ذلك بعد عرضها على الوحي (الكتاب والسنة), فما زكاه منها قبل، وإلا رد على صاحبه مهما كان القائل به. . .
فالمؤمن هو الذي يستغني بالرسالة، ويكتفي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيتبعه اتباعاً عاماً مطلقاً غير مشروط، وأما غيره فيتبع بشرط موافقته للشرع؛ ولهذا وجب عند التنازع والاختلاف: الرد إلى الله ورسوله (الكتاب والسنة)، وكذلك يجب رد الأحوال, والأذواق, والمكاشفات ونحوها إلى الكتاب والسنة، ووزنها بميزان الشرع، فمن لمن يبن على هذا الأصل العظيم، عمله, وعلمه, وسلوكه, وجميع أمره، فليس من الدين في شيء ، فالله تعالى يقول: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [ النساء: 65] وقال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ آل عمران: 31] ويقول: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [ النساء: 59].
وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أن منشأ ضلال من ضل من المتصوفة جعلهم الذوق, والوجد, والحال, ونحو ذلك حاكماً يتحاكمون إليه فيما يسوغ ويمتنع، وفيما هو صحيح وفاسد، فجعلوه محكاً للحق والباطل، حتى نبذوا لذلك موجب العلم والنصوص، فعظم وتفاقم الفساد والشر، وطمست معالم الإيمان والسلوك المستقيم، وانعكس السير؛ فكان إلى الله، فصيروه إلى النفوس؛ فالمحجوبون عن أذواقهم ومواجيدهم يعبدون الله، وهؤلاء المدعون الكشف والذوق يعبدون أنفسهم... .
فالشريعة حاكم، لا محكوم عليها، ولو كان ما يقع من الخوارق والمكاشفات والأحوال ونحوها حاكماً عليها بتخصيص عام، أو تقييد مطلق، أو تأويل ظاهر، أو نحو ذلك، لكان غيرها حاكماً عليها، وصارت هي محكوماً عليها بغيرها، وذلك باطل باتفاق .
بل اتفق أولياء الله تعالى على أن الرجل لو طار في الهواء, أو مشى على الماء لا نغتر به حتى ننظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه .
وقال أبو حفص الحداد: (من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة، ولم يتهم خواطره فلا تعدوه في ديوان الرجال) .
والمقصود هنا بيان أن الشرع هو الحاكم والميزان والمزكي، وأن كل الأقوال, والاعتقادات, والأحوال مردودة مرفوضة إلا ما قبله الشرع منها وزكاه، ومن عكس انعكس قلبه وانتكس إيمانه...
المقام الثاني: المتابعة الصحيحة للشريعة تقتضي إلهامات وأحوالاً صادقة:
إن المؤمن إذا صحت معرفته بالله, ورسوله, ودينه، وصدقت متابعته للشرع ظاهراً وباطناً، يفتح الله عليه بما لا يفتح على غيره، من إلهامات صحيحة، وفراسات صائبة، وأحوال صادقة:
قال تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [ النساء: 66] وقال تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ البقرة: 282] .
وجاء في صفة الدجال: (مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن؛ كاتب وغير كاتب) قال ابن تيمية رحمه الله: (فدل على أن المؤمن يتبين له ما لا يتبين لغيره، ولا سيما في الفتن، وينكشف له حال الكذاب الوضاع على الله ورسوله. . وكلما قوي الإيمان في القلب قوي انكشاف الأمور له، وعرف حقائقها من بواطلها، وكلما ضعف الإيمان ضعف الكشف...) .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون, فإنه تتجلى لهم أمور صادقة) .
وقال أبو عثمان النيسابوري: (من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة؛ لأن الله تعالى يقول في كلامه القديم: وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [ النــور: 54]) .
وقال شاه الكرماني: (من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشبهات، وعمر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعود نفسه أكل الحلال لم تخطئ له فراسة) .
المقام الثالث: خرق العادة لا يدل على الولاية
قد يظهر شيء – مما يظن أنه كرامة – على يد أهل الرياضة، وترك الاستكثار من الطعام والشراب، والملازمين للسهر والخلوات، وذلك على ترتيب معلوم، وقانون معروف لديهم.. فيحصل للواحد منهم نوع صفاء من الكدورات البشرية، حتى يدرك ما لا يدركه غيره، فيخبر بموت فلان الغائب، أو بقدومه في وقت كذا، ونحو ذلك، وليس في هذا ما يدل على أنه كرامة، أو أنه ولي الله، بل يتفق ذلك لكثير من المرتاضين، من كفرة الهند وغيرهم .
بل قد يحصل على لسان بعض المجانين شيء من ذلك، فيأتي في بعض الأحيان بمكاشفات صحيحة، وهو مع ذلك متلوث بالنجاسات، مخالط للقاذورات، فيغتر به من جهل حاله، فينسبه إلى أولياء الله المقربين، وهو في الحقيقة معذور قد رفع عنه قلم التكليف، فليس هو ولياً لله ولا عدواً له .
وقال ابن سينا: (إذا بلغك أن عارفاً أطاق بقوته فعلاً, أو تحريكاً, أو حركة تخرج عن وسع مثله؛ فلا تتلقه بكل ذلك الاستنكار، فلقد تجد إلى سببه سبيلاً في اعتبارك مذاهب الطبيعة) .
وقال – أيضاً – (إذا بلغك أن عارفاً حدث عن غيب فأصاب متقدماً ببشرى أو نذير، فصدق، ولا يتعسرن عليك الإيمان به، فإن لذلك في مذاهب الطبيعة أسباباً معلومة) .
فهذا مما يؤكد أن تلك الخوارق قد ينالها الكافر بأسباب طبيعية، لا تدل على ولاية ولا كرامة. وقد قسم أهل العلم الفراسة إلى ثلاثة أقسام ، وذكروا منها الفراسة الرياضية، وأنها تحصل بالجوع, والسهر, والتخلي، وأنها مشتركة بين المؤمن والكافر، لا تدل على ولاية، ولا تكشف عن حق نافع، ولا عن طريق مستقيم.
فإذا كانت هذه الخوارق تقع من المسلم ومن الكافر، وتتعدد أسبابها، وتختلف مصادرها: فقد تكون من الله، أو من نفس الإنسان، أو من الشيطان، لم يكن في وقوعها من شخص ما دليل على ولايته وصلاحه، كما أنه لا يضر المسلم عدمها، فمن لم تنكشف له شيء من المغيبات، أو لم تسخر له شيء من الكونيات لا ينقص ذلك في مرتبته عند الله، بل قد يكون عدم ذلك أنفع له في دنياه وآخرته .
لكن الدين إذا صح علماً وعملاً فإنه يوجب خرق العادة – كما مر – إذا احتاج إلى ذلك صاحبه، كما قال تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: 62-63] فلم يذكر لهم شيئاً أحسن من الوصف بالإيمان والتقوى.
قال أبو علي الجوزجاني: (كن طالباً للاستقامة لا طالباً للكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة) .
وقال أبو العباس بن عطاء: (من ألزم نفسه آداب الله نور الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب -عليه الصلاة والسلام- في أوامره، وأفعاله، وأخلاقه) .
ويقول الشعراني: (أكمل الإلهام أن يلهم الرجل أتباع الشرع، والنظر في الكتب الإلهية، ويقف عند حدودها وأوامرها...) .
ثم إن الخارق – المكاشفة – قد يقع للمؤمن لنقصان درجته وضعف يقينه، أما من كوشف بصدق اليقين – يقين المعرفة الشرعية – ورفع عن قلبه حجاب الشبهة والشهوة، أغناه ذلك عن معاينة الخوارق، بل الحكمة لا تقتضي حصولها لمن هذا حاله، إنما تحصل للأول لحاجته إليها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة، فهي كل الكرامة، ثم إذا وقع في طريقه شيء خارق كان كأن لم يقع، فما يبالي، ولا ينقص بذلك، وإنما ينقص بالإخلال بواجب حق الاستقامة) .
وقال تليمذه ابن القيم رحمه الله: (الكشف الصحيح أن يعرف الحق الذي بعث الله به رسله, وأنزل به كتبه، معاينة لقلبه، ويجرد إرادة القلب له، فيدور معه وجوداً وعدماً، هذا هو التحقيق الصحيح، وما خالفه فغرور قبيح) .
المقام الخامس: مرتبة الوحي أعظم وأشرف من مرتبة الكشف والإلهام ونحوهما:
عدد ابن القيم رحمه الله مراتب الهداية، وأوصلها إلى عشر مراتب، ذكر في مقدمتها: التكليم، والوحي، وإرسال الملك، وجعل هذه الثلاث خاصة بالأنبياء لا يشركهم فيها أحد من الأولياء. ثم ذكر في المرتبة الرابعة: مرتبة التحديث، وفي المرتبة التاسعة: الإلهام، والرؤية في المرتبة العاشرة... .
فهذا يبين أن مرتبة الوحي وعلم الشريعة – التي مصدرها الوحي – أفضل وأشرف من مرتبة التحديث والإلهام وغيرها من مصادر العلم، ويتضح ذلك بوجوه :
الأول: أن علم الشريعة خبراً وطلباً لا ينال إلا من جهة الوحي الذي طريقه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما العلم بالمكاشفات ونحوها فأسبابه كثيرة، ومعلوم أن ما اختص به الرسول وورثته أفضل مما يشركهم فيه بقية الناس.
الثاني: أن الشريعة لا يعمل بها إلا المؤمنون الصالحون الذين هم أهل الجنة وأحباب الله وصفوته وأولياؤه، ولا يأمر بها إلا هم، وأما المكاشفات ونحوها فقد تقع من كافر, ومنافق, وفاجر، فما كان من العلم مختصاً بالصالحين فهو أفضل مما يشترك فيه المصلحون والمفسدون.
الثالث: العلم بالشريعة والعمل به ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة، ويدفع عنه مضرة الدنيا والآخرة من غير حاجة معه إلى الكشف ونحوه، وأما العلم بالكشف وغيره إن لم يقترن به الدين وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة؛ أما في الآخرة فلعدم الدين؛ وأما في الدنيا فلأن الإنسان يعرض نفسه، ودينه، وجسمه، وقلبه، وعقله، وأهله وماله لمخاطرات، لا يضمن حسن العاقبة معها، فكم منهم من ذهب عقله وماله، وأشقى نفسه من غير حصول مطلوبه.
الرابع: إن الدين إذا صح علماً وعملاً فلابد أن يوجب خرق العادة إذا احتاج إلى ذلك صاحبه، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطَّلاق:2-3] وليس العكس، أعني أن خرق العادة لا يدل على صحة الدين علماً وعملاً.
الخامس: أن المقصود من الوحي والشرع مراعاة حق العبودية وإقامتها, وقد أمر بذلك الشارع، ومقصود المتصوفة من الكشف ونحوه مشاهدة الربوبية، ولم يأمر بها الشارع، ومن المعلوم أن مراعاة ما أمر به الشارع أولى من مراعاة ما لم يأمر به.
___________
http://www.dorar.net/enc/aqadia/181

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا