عرض مشاركة واحدة
قديم 11-09-2013, 11:11 AM
المشاركة 5
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الثالث


نظرت ليلى لسماء تل ابيب وهى تستمع لاذاعة القرأن الكريم من راديوطولكرم ..كانت بحاجة للهدوء والسكينة ..بكت وهى تتذكر انه مرت سنوات طويلة لم تصلى وتسجد..سنوات نسيت فيها كينونتها ونسيت فيها انها عربية مسلمة ..كانت الساعة نحو الثالثة صباحاً بتوقيت تل ابيب

مسحت بيدها الزجاج الذى كساه الضباب وهى تتامل بسكون الشوارع الخالية حيث تسكن فى الجزء الجنوبى من تل ابيب فى الحى القديم
يبعد بيتها بضعة دقائق بالسيارة عن الميناء والشاطئ حيث اعتادت هى وصغيرها خالد التنزه
عاودت النظر وهى تبتسم فى حزن
اى بائس هذا الذى اطلق عليها تل ابيب اى ربوة الربيع بالعربية ان الصقيع والامطار تغطيها والبرد يتخلل عظامها
لم تشهد منها ليلى الا انهزام تلو الاخر وضياع تلو الاخر
تتذكرضياعها الاول حينما قرر والد خالد مغادرة اسرائيل كلها دون رجعة..اخبرها انه سأم المدينة وكره ان يعيش وسط اليهود بعد مجازر صبرا وشاتيلا ..انه حتماً سيرتكب جريمة قتل ما..هؤلاء لا سلام ولا سلم معهم قال لها بوضوح وبصوت لا ضعف فيه:-
لن اعيش مع السفاحين ..سفكة الدماء ..لن ابتسم فى وجه يهودى صباحاً وهو يشرب من دماء اهلى فى المخيمات مساءاً
..طلب منها بهدوء ان تعد اشياؤها واشياء الصغير للرحيل..سألته لأين..فاجاب وعيونه تترقرق بالدمع:-
ارض الله واسعة
نظرت له بعيون مرتعبة وقلباً مرتجف فقدت ليلى كل اخوتها الذكور فى مجزرة خانيونس عام 1956 ولم يبق من عائلتها سوى ابوها وامها وقد تركوا خلفهم لدى هروبهم جدتهم العجوز لأنهم لم يستطيعوا حملها ..وقد ركن ابوها لمولاة اليهود والخضوع لهم حتى يضمن الاقامة والحياة لعائلته..مازالت تتذكر بكاء جدتها العجوز وبكاء ابيها وعجزه عن حملها..تركوها خلفهم ولا تعرف شئ عن مصيرها بعد كل هذه السنوات..لقد استقرت وامنت وودعت الحروب والاشتباكات مع اليهود ..كانت حياتها هادئة وساكنة حتى تزوجت محمد الناغى وتوفى والداها .
كانت ترتاع من اراء زوجها وتغلق الابواب خشية ان يسمعه احدهم وهو يسب اليهود ويتوعدهم..يوم ان قرر الرحيل ..تذكرت رحيلها الاخير من خان يونس والاهوال التى قاستها وهى طفلة غريرة..بكت وهى تقول فى سريرتها
الى اين تأخذنا يا ناغى ..الى مزيد من الضياع..الى مزيد من الدماء
اخذت ابنها الذى يبلغ عام من العمر وغادرت على غير هدى قبل ان يبزغ الصباح..استوقفتها احدى الدوريات الراكبة وقادتها لاحد مخافر الشرطة الاسرائلية
ليلتها بكت ليلى حتى احمرت وجنتاها والضابط يصرخ فيها محتداً..لم ينقذها سوى دخول موشيه هركابى وهو ضابط اخر ..بهى الطلعة وسيم ..عاملها برقة وانسانية مما جعلها تروى له قصتها على الفور وعدم رغبتها فى الرحيل ابدا عن وطنها الذى عاشت فيه ..هذا هو ما علمه اياها ابوها
مولاة اليهود حتى تحتفظ بحياتها وليست حياتها فقط بل حياة خالد ابنها
اطمأنت لموشيه كثيرا وروت له كل اسرار الناغى زوجها..الذى هرب فور محاصرة قوات الامن الاسرائلية لمنزله..هرب وهو يعض على نواجذه الماً
ويتوعد ليلى بالانتقام.
اخذتها الذكريات تلو الاخرى ..تتذكر انهزامها الثانى بعد وهى تقع فريسة لموشيه..صعقها انهيارها وانحدارها..لكن لم يكن لديها اى مقاومة..عملت على التجسس على العرب الذين تعرفهم بل وتعرفت على عائلات جدد ونقلت كل اخبارهم لموشيه الذى اغدق عليها باموال تكفيها شر الحاجة

وجاء انهزامها الثالث وهى تجد نفسها حامل دون زواج ومن يهودى ..هذا الحمل الذى ابى موشيه ان تسقطه ..بل تركت تل ابيب شهور الحمل ووضعت فى مستشفى هداسا باورشليم 1..لم تحمل ابدأ طفلتها ولم تسمها ولم تأخذها فى حضنها بل حتى لم تطلب ان تفعل ..ولم تسأل موشيه عنها الا بعد سنوات من باب الفضول حينما جمعهم لقاء وهى تطلب منه ان يساعدها فى تعيين خالد فى العال الاسرائيلية ...فقد سبق ان ساعدها فى تعينها ممرضة فى جيش الدفاع الاسرائيلى