عرض مشاركة واحدة
قديم 09-22-2014, 10:19 PM
المشاركة 138
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تعريف الشطح وحقيقته
أشرت في ما سبق الى أن التصوف منذ بداياته نهج نهجا مستقلا عن الزهد الساذج الذي تميز به بعض الصحابة والتابعين،ثم انقسم بعد ذلك الى مدرستين رئيسيتين، أو اتجاهين متعارضين، وهما :
الاتجاه العراقي المحض، وهي مدرسة بغداد والبصرة ويمثلها "أبو القاسم الجنيد البغدادي"،
والاتجاه الخراساني ،ويمثله أبو يزيد البسطامي ،
ويمكن أن نقول عنهما،أن الاتجاه الاول يمثل 'المقام" أو"التمكين" ،..والاتجاه الثاني يمثله طريق السكر، أو طريق الحال والشطح،
الشطح
أما الشطح فهو الذي انتهى اليه أبو يزيد البسطامي في مواجده عن الفناء عن نفسه،والبقاء في الألوهية،والاتحاد بها، وقد عبر عن هذا الحال بالشطحات
و"الشطح" في لغة العرب هو الحركة
"والشطح " اصطلاحا عند القوم كما يعرفه"الجرجاني"عبارة عن كلمة عليها رائحة رعونة ،ودعوى بحق يفصح بها العارف من غيراذن الهي بطريق يشعر(برفع الياء) بالنباهة
وعرفه السراج صاحب "اللمع" بقوله"ان الشطح كلام يترجمه اللسان عن وجد يفيض عن معدنه مقرون بالدعوى"'ص346 نشرة "نيكولسون"
وعند اجماع القوم"هو تعبيرعن حال وجد فائق للطبيعة لا تستطيع النفس أن تكتم أمره لشدة غلبته ،فتكشف عن حقيقيته،وهي سر بين العبد وربه،فيكون الخطاب بصيغة المتكلم ،اذ يتحدث الواصل على لسان الحق، لأنه صارهو الحق شيئا واحدا كما يقول أصحاب هذه المدرسة.،.. وقد حرم كبار المتصوفة اذاعة سرهذا اللقاء الفريد بين العبد والمعبود ،ومن أذاعه فقد شطح، وهذا ما يفسر موقف كل من الجنيد والشبلي شيخا الحلاج وفتواهما باراقة دمه، وموقفهما ضده أثناء محاكمته ،فهما قد رفضا الصورة أو الشكل، ولكنهما اتفقا معه في المضمون،ولعل ،أكبر من حلل هده الظاهرة وفسرها تفسيراجيداهوشيخ المستشرقين الفرانكوفونيين لوي ماسينيون" في بحثه القيم "بحث في أصول المصطلح الفني للصوفية المسلمين" ص99 باريس عام1922 ، حيث فسر ماسينيون ظاهرة الشطح بقوله "هو احساس المتصوف بأن ثمت "محدثا عاليا هوالذي يلهمه وينطقه"ويضيف كذلك محاولا تأويل ذلك حيث قال" ...فيجري حواربين النفس الخاشعة المستغرقة ،وبين الحكمة الالهية العالية.،.وهناك تتخذ الكلمات عند النفس امتلاأها بحقيقيتها الوقتية،وتسمع في باطنها أحاديث قدسية، ثم تصلح النفس لغتها وفقا لتك الأحاديث، وعلى رصيد الاتحاد الصوفي تقف ظاهرة الشطح،عند هذه الدعوة الى التبادل ،التي توزع العاشقين باستبدال كل منهما دوره بدور الآخر ،وترغب النفس في التعبير"بصيغة المتكلم"ومن غيرشعورمنها بذلك،عن مقاصد المحبوب نفسه،وفي هذا لاشك امتحان لتواضعها ،وانه لختم لاصطفائها"...انتهى كلام" ماسينيون"
وبناء على هذا التحليل يمكن استخلاص ما يلي
ان للشطح عناصر هي
1-شدة الوجد
2-ان يكون الصوفي في حال سكر(بالمفهوم الصوفي طبعا) –وقد أشرت سابقا الى أن السكر هومن أكثر العناصر بعد الوجد تأثيرا في تكوين ظاهرة الشطح، اذ يحدث بعد وارد قوي، فيغيب السالك عن أحاسيسه فتطرب روحه وتنتشي ،فيتصدع قلبه،ويفور وجدانه
3-ممارسة الواصل لتجربة الاتحاد، التي يتم خلالها استبدال الأدوار، فيسمع الواصل في داخل نفسه هاتفا يدعوه الى الاتحاد
4-أن ينطق الواصل بصيغة المتكلم متحدثا باسم الحق،ويكون في حال الغيبة عن الشهود والمحوعن ذاته ،فيقول شاعرهم عز الدين المقدسي
فان كنت في سكري شطح فانني حكمت بتمزيق الفؤاد المفتت
ومن عجب ان الذين أحبهم وقد أعقلوا أيدي الهوى بأعنة
سقوني وقالوا لا تغن ولوسقوا جبال حنين ما سقوني لغنت
ومعنى هذا، أن المتصوف في حال سكره، تنكشف له حقيقته'الآدمية أولا" ،ثم "حقيقيته الكبرى" ،وأنه ليس ثم غير وجه الله،وهو مايقصدون به ب"السقاية"،(أوالسقاية بالدارجة المغربية بنصب السين) حيث وان أسكرت المتصوف هذه الحقيقية، فهو لا يستطيع الزام نفسه بالصمت، وعدم البوح، واذاعة السر (وهنا يكمن الفرق بين الفقير ذو الحال والفقير ذو المقام كما يصر ويؤكد عليها كبار المتصوفة مثل الجنيد والكيلاني والغزالي وابن عربي والشاذلي وزروق وابن عجيبة والشعراني وابن مدين وغيرهم حيث ان ابن عربي ذكرفي كتاب "الوصايا"اياك أن تكون فقيرا ذاحال مثل الحلاج والبسطامي ،فكن فقيرا ذا مقام...."
فالسكر اذن هو الامتداد الطبيعي لحال الوجد، أو التصعيد المباشر لفوران الوجد، ولا علاقة له في هدا بالهذيان أو الهلوسة كما حاول اثباته ابن تيمية وتلامذته المتأخرين (وسنأتي على ذلك لاحقا)
ما هو المقصود "بتبادل الأدوار" في حال السكر ؟؟
لا يمكن لأي مراقب من الخارج الفصل فيما يعتري صاحب الوجد في حال سكره، ولا نملك 'اكلينيكيا"أية وسيلة عملية للتعرف على حقيقة "حال السكر " أو "النشوة الصوفية" عموما سوى ما يقر به المتصوفة أنفسهم بوصف ما يعتريهم أثناء هذا الحال،فيرون أن النفس وهي في حضرة الألوهية،يكشف لها عن سر الاتحاد، وذلك بضرب من" الالقاء في الروع "أو "النفث الروحاني" ،فيطوف بها طائف ،أو يهتف بها هاتف مؤذنا لها بأن تستبدل دورها بدوره، فترفع"الآنية" بينهما ،ويصبحان شيئا واحدا ،والنفس حينما تسكرها غبطتها بمعرفة سر وجودها تتحدث بصيغة المتكلم على لسان الحال.
___________
* رابطة أدباء الشام : http://www.odabasham.net/show.php?sid=21305

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا