عرض مشاركة واحدة
قديم 02-25-2014, 12:57 AM
المشاركة 94
هند طاهر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جذور الارهاب

ثروت الخرباوي

عمليات التفجيرات والاغتيالات الأخيرة التي تقوم بها جماعة الإخوان، ليست أمرا جديدا وافدا عليهم، ولكنهم كانوا هكذا، وهكذا هي أفكارهم، فالأفكار التي قامت الجماعة بتمريرها إلى نفوس الأعضاء تحمل مسميات براقة مثل الجهاد، والانتصار للإسلام، ولكن هذه المسميات تخاصم الواقع وتجافيه، فما يقومون به ليس جهادا، ولكنه إرهاب، وما يمارسونه ليس دفاعا عن الإسلام، ولكنه دفاع عن الدنيا والحكم، ولكن في وسط الجو المتشدد المتطرف تبدو الأفكار العدائية المتطرفة الحمقاء وكأنها هي الدين ذاته .
وإذ كنت في جماعة الإخوان ذات يوم أوجعتني الروح العدائية التي لمحتها في نفوس الأخوة، كانوا ينظرون للمجتمع نظرة ناقمة ساخطة، في عيونهم كل الناس أشقياء ونحن الخامة البشرية التي وصلت إلى أعلى درجات النقاء !! ثم أوجعتني الطريقة العدائية التي يتعاملون بها مع خصومهم الفكريين، وتلك القسوة القاتلة التي يتعاملون بها مع من خرج من التنظيم، ولكنني أثناء بحثي وتنقيبي وجدت أن كل هذه الأشياء تهون أمام النظام الخاص للجماعة وجرائمه، فقد هالني هذا الجيش الذي لم تكن له إلا فكرة واحدة، هي القوة، وليست له إلا مهمة واحدة هي " النصر أو الشهادة " .
وقبل أن أترك الجماعة كنت قد أخذت في إجراء مراجعات فكرية وحركية، وأخذت أنقب في تاريخ الجماعة، هل ما درسناه على شيوخ الجماعة صحيح أم أنه كان عبارة عن أوهام وتبريرات لا تغني من الحق ؟ وأثناء مراجعاتي كنت قد التقيت بأحد شيوخ الجماعة، وأحد قادة النظام الخاص في زمن حسن البنا وهو أحمد عادل كمال، وحين وضعت أمامه أسئلتي عن الجماعة والاغتيالات التي قامت بها في السابق، ذرف الشيخ صاحب الجسد الواهن دمعة وهو يحدثني عن تاريخ مضى : كنا صغارا لا نعرف شيئا وتحركنا عاطفتنا الدينية فقمنا بما قمنا به ونوازع الخير تدفعنا، فقتلنا باسم الإسلام، واغتلنا الآمنين لنصرة الإسلام، فيا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا .
مر على ذلك اللقاء خمسة عشر عاما، وتوالت اللقاءات بيننا بعد ذلك إلى أن جلست معه مرة أخيرة منذ خمس سنوات في بيته بمصر الجديدة، وفي جلستنا الأخيرة هذه حدثني عن "بيعة النظام الخاص" التي كانت تختلف عن البيعة العادية، فقال : كنا نؤديها في غرفة مظلمة وعلى مصحف ومسدس، ولم يكن يباح لمن يبايع أن يعرف من بايع لأنه كان يؤديها في غرفة مظلمة !! .
كنت قبل هذا اللقاء بسنوات قد قرأت قولا مشابها في كتابٍ لأحد الكبار في النظام الخاص، وهو محمود الصباغ الذي كان مسئولا عن تنظيم الإخوان في الجيش "قسم الوحدات" قبل الثورة، وكتابه هو "التنظيم الخاص" قص علينا محمود الصباغ خبر البيعة فقال : " كانت البيعة تتم في منزل بحي الصليبة، حيث يدعى العضو المرشح للبيعة ومعه المسئول عن تكوينه والأخ عبد الرحمن السندي المسئول عن تكوين الجيش الإسلامي داخل الجماعة، وبعد استراحة في حجرة الاستقبال يتوجه ثلاثتهم إلى حجرة البيعة، فيجدونها مطفأة الأنوار، ويجلسون على بساط في مواجهة أخ في الإسلام مغطى الجسد تماماً من قمة رأسه إلى أخمص قدميه برداء أبيض يخرج من جانبيه يداه ممتدتان على منضدة منخفضة (طبلية) عليها مصحف شريف، ولا يمكن للقادم الجديد مهما أمعن النظر فيمن يجلس في مواجهته أن يخمن بأي صورة من صور التخمين من عسى أن يكون هذا الأخ، وتبدأ البيعة بأن يقوم الجالس في المواجهة ليتلقاها نيابة عن المرشد العام بتذكير القادم للبيعة بآيات الله التي تحض على القتال في سبيله وتجعله فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وتبين له الظروف التي تضطرنا إلى أن نجعل تكويننا سرياً في هذه المرحلة، مع بيان شرعية هذه الظروف، فإننا نأخذ البيعة على الجهاد في سبيل الله حتى ينتصر الإسلام أو نهلك دونه مع الالتزام بالكتمان والطاعة، ثم يخرج من جانبه مسدساً، ويطلب للمبايع أن يتحسسه وأن يتحسس المصحف الشريف الذي يبايع عليه، ثم يقول له: فإن خنت العهد أو أفشيت السر فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير، فإذا قبل العضو بذلك كلف بأداء القسم على الانضمام عضواً في الجيش الإسلامي والتعهد بالسمع والطاعة " .
أوقفتني عبارات "الجهاد في سبيل الله حتى ينتصر الإسلام أو نهلك دونه " وتعجبت من هذه السِرِّية التي تتم البيعة في أحضانها، وقتها كرهت روحي تلك الأفكار المظلمة وأدركت أننا أمام جماعة ترى أنها الجماعة المسلمة الوحية وأن من خارجها هم أعداء الإسلام، فأوقفت نفسي على تعقب تلك الأفكار ومواجهتها، فما أصيبت الأمة بنكبة أكبر من الإخوان جذور الإرهاب في العصر الحديث.

المـرء ضيف في الحــــياة وانني ضيف


كـــــــــذلك تنقــــــضي الأعمـــــــــار،


فإذا أقمــــــــت فإن شخصي بينكــــم




وإذا رحلت

فكلمــــــــتي تذكـــــــــــار