عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2014, 09:03 PM
المشاركة 95
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وعندما يصل الخدر خفيفًا إلى الطرق الواصلة بين المخازن ومراكز التفسير الحسّي، عندئذ يختلط الحابل بالنابل، ويختلط السمع بالبصر بالشم بالذوق باللمس، فتذهب الموجات البصرية إلى مركز تفسير حسّي (بصري أو غير بصري) وكذلك السمعية والشمّية والذوقية واللمسية، فتحدث لهم الرؤى التي لا يستطيعون وصفها، وتوهمهم شياطينهم ، ويصور لهم غرورهم أن الأنبياء كانوا كذلك وتوهمهم جذباتهم أن الجنة كذلك.
وعندما يزيد المخدّر عن حده، ويتغلغل في الدماغ يصاب المجذوب بالجنون أو الشلل أو الموت.
هكذا تحدث أحلام الجذبة بجميع أنواعها سواءٌ أكانت مورفينية أو إندورفينية، أي سواءً كانت جذبة تحشيش أو جذبة إشراق.
ولعل من آثار الأندورفين أيضًا تمييع الخلايا العصبية، وخاصة خلايا القشرة الدماغية، تمييعًا خفيفًا طبعًا؛ لأن هذا يمكن أن يكون تعليلاً لما يرونه من تضخيم الأبعاد قليلاً أو كثيرًا، ومن إطالة الزمن أو تقصيره، ومن رؤية فراغات لا نهائية أو رؤية الأشياء شفافة أولا وجود لها... وذلك؛ لأن الخلايا المدركة في القشرة، عندما تتميع، يمكن أن يتغير شكلها باتجاه أو بآخر بسبب الضغوط حولها، فيحدث ذلك التشويه في الإدراكات، كما يمكن أن يكون حدوث هذا التميع في مراكز التفسير ذاتها.
وهنا يأتي دور الشيخ ؟
فلولا الشيخ لكانت الرؤى متشابهة مع بعضها في الجذبتين «جذبة التحشيش وجذبة الإشراق». لكن توجيهات الشيخ وإيحاءاته المتناسقة مع تجاربه السابقة، تحقن المريد بالعواطف والطموحات التي توجه رؤاه إلى العروج في السماوات والمحاضرات والمكاشفات والمشاهدات والفناءات والتحقق بالأسماء والصفات، ورؤية جبل قاف وكاف وعين وصاد، وغيرها، حيث يرى السالك منها ما يتناسب مع استعداداته الفكرية والإندورفينية.
ولهذا السبب كان الشيخ هو الأصل في طريقهم؛ ولهذا السبب قالوا من لا شيخ له فشيخه الشيطان؛ لأن من لا شيخ له تكون رؤاه مثل رؤى حشاشي الحشيش والمورفين وزمرتهما؛ ولهذا السبب كان الخضوع الكامل للشيخ أساسياًّ ليسهل انطباع توجيهاته وإيحاءاته في أعماق المريد.
مساكين الحشاشون والمورفينيون مساكين!
فلو كان لهم شيخ يوجههم، لذاقوا أيضًا الفناءات، وتحققوا بالأسماء والصفات، وتصرفوا بالكون، ولكان منهم الأبدال والأقطاب والأغواث.
أما قولهم بالتصرف في الكون، هذا الهذيان المضحك المبكي (وكلهم هذيانات مضحكة مبكية) فقد رأينا مثله عند حشاش عقار الهلوسة، الذي يكفي، في بعض الحالات، أن يتخيل شيئًا أو يتمنى رؤيته حتى يراه أمامه مجسمًا.
ومثل هذا يحصل لبعض الواصلين الذين صار خَلَل غددهم المفرزة للهرمونين مقامًا عاليًا ، فقد يمر بخاطره عرش الرحمن مثلاً ، فيراه أمامه مجسّمًا كما يتصوره بوهم جذبته، لا كما هو على حقيقته التي لا يعلمها إلا الله.
وقد يخطر على بال جذبته أن ينقله من مكان إلى مكان، فيقول له«انتقل» فيراه قد انتقل.. وهكذا. وهذا ما يسمونه «التصرف في عالم الملكوت».
وكذلك ما يحدث لبعضهم أحيانًا من اضطراب في إحساسه بالزمن، حيث يحسّ أنه قطع سنين طويلة في جذبة لم تدم سوى دقائق قليلة‍ مثل هذا ما رأيناه يحدث لمجذوب المهلِّسات...
والرجاء من القاريء أن يعود إلى مفعول المخدرات في أول هذا الفصل لتتوضح أمامه ما هي كشوفهم ومعارفهم وعلومهم اللدنية.

والآن، نستطيع أن ندرك بصورة أوضح وأدق، دور الرياضة الصوفية. فهي بعناصرها التي عرفناها والتي يُجْملها قولهم: «اخلع نعليك، الدنيا والآخرة»، تقلّل الإحساسات الذاهبة إلى الدماغ تقليلاً كبيرًا، وهذا يعني أن السيّالات العصبية تقل كثيرًا، وهذا يعني كذلك أن الأمينات الوسيطة يقل عملها كثيرًا، ومع الزمن تصاب بالكسل، ومع تطاول الزمن بالمثابرة على الرياضة، ومع تكاثر الإندورفين والأنكيفالين بسبب الرياضة أيضًا، يغدو كسل الآمينات الوسيطة مقامًا عاليًا، وتغدو مستعدة للشلل أو ما يشبهه بكمية من المخدر أقل من الذي تحتاجه في الحالة العادية، أي تصل إلى مقام الاستخدار، والذكر الإرهاقي يقوم بنفس المفعول، وإذا ساعدته عناصر أخرى من الرياضة كان أسرع، ولعل التلاحمات العصبونية المحيطة بالدماغ هي محل العمليات المذكورة؛ وذلك لتكاثر الإندورفين في السائل الدماغي الشوكي أثناء الجذبة.

* فقرات معترضـة :

* إكسير الولاية :-
تسهيلاً على المريدين وتيسيرًا لهم للوصول إلى الولاية والصديقية والغوثية والألوهية بيوم أو يومين، ودون تعب ولا خلوة ولا جوع ولا سهر، نقترح على الشيوخ العارفين الكمل، ذوي المدد العظيم من الأموال التي تنهمر عليهم من المخدوعين والغافلين، أن يكلفوا واحدًا أو أكثر من علماء الكيمياء الطبية، لتحضير نوعين من العقاقير:
أ‌- عقّار يسبب هبوط فعالية الأمينات الوسيطة بشكل دائم (الاستخدار).

ب‌- عقّار آخر يحدث خللاً يضخم الغدد الدماغية المفرزة للمخدرين ويزيد إفرازها زيادة كافية.

عندئذ تصبح الولاية والقطبية والألوهية في متناول الجميع! فكل من يريد التحقق بالأسماء والصفات والفناءات في الذات والتصرف في الكون، ما عليه إلا أن يذهب إلى صيدلية يشتري منها «إكسير الولاية» المكون من عقارين:
- العقار الأول يأخذه في اليوم الأول، حيث يجتاز كل المقامات في ساعات، ويصل إلى مقام الاستخدار.

- العقار الثاني يأخذه في اليوم الثاني، حيث تخرق له الحجب وتكشف الغيوب بعد ثواني أو دقائق.

لكن الشيخ يبقى لازمًا لا بد منه في جميع الحالات! إذ دون إيحاءاته وتوجيهاته لن يستطيع المريد الوصول إلى الألوهية؛ لأن من لا شيخ له فشيخه الشيطان، ومن لم يكن بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل فلا يمكن لإيحاءات الشيخ أن تنطبع في أعماقه لتصبح جزءًا هامًا من أمانيه وطموحاته.
وصحبة شيخ وهو أصل طريقهــم
فما نبتت أرض بغير فلاحــــة

ولهذا، فلن يكون إكسير الولاية خطرًا على المدد الذي ينهمر على الشيوخ، بل بالعكس، سيزيد كثيرًا عدد السالكين بسبب سهولة (الطريقة الإكسيرية)، وبذلك سيزداد كثيرًا مدد الشيخ، كما سيحتاجون إلى عدد أكبر من الشيوخ الكمّل.
* أحلام النــوم:-
فيزيولوجية أحلام النوم تشبه فيزيولوجية أحلام الجذبة، مع فارق هو: في الجذبة: يبقى خدر الدماغ سطحيًّا وثابتًا في موضعه طيلة الجذبة، بينما تكون بقية أجزاء الدماغ متمتعة بنشاطها المعتاد إلا في حالة «الفناء عن الفناء» أو جمع الجمع.
وفي النوم: يبدأ النوم سطحيًّا (في القشرة الدماغية) حيث تحدث الأحلام، وتكون أجزاء الدماغ الأخرى في حالة هبوط تدريجي نحو النوم، فحالة الهبوط تجعل الحلم غامض الموضوع، والتدرج نحو النوم الكامل، أو بالعكس، يسبب القفزات في تسلسل حوادثه.
وعندما يصل النوم إلى مراكز التفسير الحسي تنقطع الأحلام.
* هل سيبصر الأعمى:-
لا أظنه بعيدًا، ذلك اليوم الذي يذهب فيه الأعمى إلى الصيدلية ليشتري «جهاز إبصار» يضعه على رأسه، ترتبط به نظارات يضعها على عينيه، ثم يخرج وهو يرى الحياة كما يراها البصير العادي، وتحدث عملية الرؤية كالتالي:
تقع الأشعة المنعكسة عن الأشياء على نظارات الجهاز (مثل وقوعها على العين العادية) وترتسم صورها عليها.
تتحول هذه الصور إلى موجات كهرطيسية تسري عبر شريط ناقل إلى الجهاز الموضوع في مكان معين فوق الرأس.
يحوّل هذا الجهاز الموجات الكهرطيسية إلى موجات عصبية مناسبة تخترق الجمجمة والقشرة الدماغية حتى تصل إلى مركز التفسير البصري الذي يفسرها كما لو كانت آتية إليه عن طريق العين، إذ كل ما يريده مركز التفسير البصري هو أن تصله موجات عصبية مناسبة، ليفسرها ويحس بها ذلك الإحساس الذي يعرفه كل كائن حي بصير.
أما من أين أتت تلك الموجات؟ وكيف؟ وفي أي طريق؟ فهذا لا شأن له به.
وهكذا تحل مشكلة العميان حلاًّ جذريًّا أو شبه جذري، كما يستطيع أي إنسان أن يستعمل هذا الجهاز للتسلية، أو لضرورة ما.
* جهاز فيديو يغني عن الشيخ والرياضة وعن إكسير الولاية:-
نفس جهاز الإبصار الذي يضعه الأعمى على رأسه، يرتبط به جهاز فيديو خاص (بدلاً من النظارات).
يستطيع صاحب الجهاز أن يقتني مجموعة كبيرة من أشرطة الفيديو التي سجلت عليها مناظر متنوعة الأشكال والمواضيع.
فما على المرء إذا أراد أن يقوم بسياحة إلى إندونيسيا، مثلاً، إلا أن يضع الجهاز على رأسه، ويضع في الفيديو الشريط المناسب، ويحرك الزر المطلوب، ثم تبدأ الرحلة!
فيرى نفسه ذاهبًا إلى وكالة سفريات، حيث يشتري بطاقة طائرة، وفي اليوم التالي يستيقظ من النوم باكرًا،ويذهب إلى المطار، ويختلط بالمسافرين، ويقف بدوره أمام رجل الأمن المكلف بمراقبة الأمتعة، وبعد أن ينتهي من كل المشاكل، يعبر إلى المدرج، ويصعد إلى الطائرة ليجلس على مقعد فوق مؤخرة جناح الطائرة الأيمن، ويجلس إلى جانبه شاب يمضغ لبانًا في فمه مما يثير في نفسه الضيق والحنق معًا... وتتحرك الطائرة وتحلق في الجو، وينظر صاحبنا من النافذة ليمتع نظره بالأرض التي تطوي تحته ببطء لتظهر أرض غيرها... وهكذا حتى يصل إلى مطار لاهور... إلى آخر الرحلة وتفاصيلها... بينما هو في حقيقة الأمر قابع في غرفته لم يتحرك من مكانه!
وإن كان صاحبنا من المريدين الذين لا يريدون إلا وجهه (؟) فيضع في الفيديو شريط الولاية، وإن أراد الحسنى (؟) وضع شريط العروج إلى الله ( جل الله وعلا علوًا كبيرًا)، فيرى الملائكة تتنزل عليه وتقول له: «لا تخف ولا تحزن»... ويرفعه أحدهم... حتى يعبر السماوات ويصل إلى العرش (في قصة طويلة ومناظر متنوعة مذهلة) وهناك تحدث له الفناءات والتحققات والتصرفات، ويذوق من معاني اسمه الصمد والرب والرحمن، حتى الاسم الأعظم.
وهكذا... إلى آخر المناظر المسجلة على الشريط، وعلى بقية الأشرطة.

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 655 – 700 بتصرف يسير ) .


المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/


وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا