عرض مشاركة واحدة
قديم 02-19-2016, 04:09 AM
المشاركة 14
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تساءل الشاب :
نعم أعتقد أنها علامة صالحة فى شأن العلمانيين وأصحاب دعاوى التغريب لكن هل هناك علامة توضح الحق من بين الدعاة التيارات الإسلامية فى القضايا العامة ؟!
قال الكاتب :
نعم .. هناك علامات قد تحسم لك الطريق دون أن تتكلف دراسة التفصيل العلمى , ولكن ينبغي لك أن تعلم أن هذه العلامات لن تفيدك لو أنك عالجت الأمور من منظور الحب والكره , فلابد من تجهيز نفسك لقبول الحق حتى لو كان ضد من تحبهم , والمشكلة الكبري التى نقع فيها دائما أننا نحاول أن نتخذ جانب من نثق بهم حتى لو كان الخطأ منهم ظاهرا , مع أن اعترافنا بخطئهم نقطة لصالحنا وليست ضدنا , لأنه دليل على صحة منهجنا وهو منهج علماء المسلمين فى التماس العذر لأى عالم صاحب فضل يخطئ فى اجتهاده ,,
قال الشاب :
لكن العلمانيين يقولون ويستدلون بهذا الكلام عندما يتكلمون عن الثوابت ويقولون أخطأ من قالوا بها
قال الكاتب موضحا :
كلا بالطبع , فكلام العلمانيين لا يتحدث فى نطاق أقوال فردية للعلماء بل إنهم يضربون الثوابت القرآنية والثابتة بالسنة النبوية تحت زعم أخطاء الأشخاص , وهذا جهل وتخلف فالثوابت جميعها وردت بنصوص قطعية من القرآن وشرحتها وبينتها السنة المطهرة ثم كللها الإجماع , ولهذا عندما نقبل أقوال العلماء فى الثوابت إنما نقبلها بالنصوص أو بالإجماع , والإجماع عندنا حجة لأن الأمة لا تجتمع على باطل وفق نص الحديث النبوى ,
وينتقد العلمانيون احتجاجنا بالإجماع تحت زعم أن الله ذم الأكثرية فى القرآن , ومدح الأقلية , وينسي هؤلاء المتخلفون أن الأكثرية المذمومة فى القرآن إنما هى الأكثرية فى عموم أهل الأرض إذا تنازعوا ابتداء بين الحق والباطل أو بين الطاعة والعصيان , أما الأكثرية فى نطاق أهل الحق والإسلام فهى بلا شك حجة ودليل , ونحن عندما نحتج بالإجماع إنما نحتج بإجماع أهل العلم والفضل لا بإجماع مطلق الناس , والأكثرية حتى فى علم الإحصاء المجرد هى التى ينبنى عليها العلم التجريبي , فالتكرار والأكثرية فى نتائج التجربة الواحدة تجعل هذه النتيجة قاعدة عامة أما ما يشذ منها فهو استثناء لا يـُــقاس عليه
فمثلا ..
إذا نظرنا للقاعدة العلمية التى تقول ( حيثما وُجد الماء وجدت الحياة ) وهى القاعدة التى لها أصل فى القرآن ( وجعلنا من الماء كل شيئ حى ) , فعندما أخرج العلماء هذه القاعدة واعتمدوها كقاعدة , جاء اعتمادهم نتيجة للتجربة عندما وجدوا الأغلبية العامة من المخلوقات يدخل فيها الماء كعنصر رئيسي للحياة ولا يمكن أن يتخلى عنها مخلوق إلا لمدد قصيرة ,
ثم ظهر للعلماء بعد ذلك عدد محدود من المخلوقات لا يدخل الماء فى تكوينه أو لا يحتاج الماء فى حياته أو يمكنه الاستغناء عنه لمدد طويلة جدا , فهل قام العلماء عندئذ بتغيير القاعدة أو قالوا بأنها غير صحيحة ؟!
كلا بالطبع ..
لأن شاذ القواعد لا يمكن القياس عليه لإبطال القاعدة العامة , وهذا وفقا للقانون البديهى ( لكل قاعدة شواذ ) , ولهذا فالإجماع المعتمد عندنا نحن أهل السنة ليس هو إجتماع أكثرية مطلق البشر وليس مطلق الناس بل هو أكثرية أهل الإختصاص والعلم , فإذا اتفقوا على شيئ جاز له اكتساب عصمة الحق ..
وهم عندما ينتقدون البخارى يقولون بأنه مجرد عالم فرد وليس معصوما ,
فنقول هو نعم عالم فرد ونحن لا نقر بصحة صحيح البخارى استنادا إلى شخصه بل استنادا إلى إجماع علماء الأمة على مدى ثمانية قرون بصحة ما ورد فى الصحيح اعتمادا على ما قام به العلماء عبر ثمانية قرون من جهد فى تحكيم الكتاب ومراجعته كرسالة علمية متكاملة هو وصحيح مسلم ,
فالبخارى ومسلم عندما أخرجوا كتبهم والتزموا فيها بإيراد الصحيح فقط , لم يتقبل العلماء فى عصرهم وفى العصور التالية عليهم قولهم هذا على عواهنه , بل أخذوا فى تحكيم الكتاب كرسالة دكتوراة بلغة العصر , وظهر لهم أن البخارى ومسلم نجحا فى تطبيق ما ألزموا أنفسهم به فى الصحة سندا ومتنا ,
ولو كان العلماء يقبلون كل كتاب يخرجه أى عالم كبير فلماذا أسقط العلماء ثلاثة كتب لثلاثة علماء جهابذة فى نفس المجال أعلنوا أنهم سيلتزمون بالصحيح وحده كالبخارى ومسلم ومع هذا وعندما راجعهم العلماء فى كتبهم كشفوا وجود الضعيف والموضوع وبالتالى لم يعطوهما الإعتماد الذى حصل عليه البخارى ومسلم وهؤلاء العلماء هم ابن حبان وابن خزيمة وكلا منهم أخرج كتابا سماه الصحيح , والثالث هو الحاكم النيسابورى الذى أخرج كتاب المستدرك وقال بأنه سيتبع منهج البخارى ومسلم وشروطهما لإخراج صحاح الأحاديث التى لم يوردها العالمان الكبيران ,

ولكن الحاكم لم ينجح فى ذلك وتم إسقاط أكثر من ثلثي كتاب المستدرك وبالتالى لم يتم تصنيف كتاب فى صحيح الحديث وحده إلا كتابي البخارى ومسلم وحدهما رغم أن عمالقة من العلماء حاولوا ذلك بعدهما ولم ينجحوا , وهذا يوضح لك مدى الدقة والتشدد فى اعتماد الكتب وعدم مراعاة أهل النقد والتمحيص لمكانة العالم مهما بلغت , فالعبرة بقيمة كتابه وحده لا قيمته الشخصية
, فانتقاد العلمانيين هنا للبخارى ومسلم ليس انتقادا لفرد بل هو لسائر علماء المسلمين على مدى الأجيال ولا شك أننا لن نقبل قول هؤلاء التافهين بحق علم علمائنا على مدى القرون ,
الأهم من هذا أن الحجة البالية التى يرددونها بأن البخارى ليس معصوما , فنقول قطعا ليس بمعصوم ولكن ليس معنى هذا أن نقده متاح لأصحاب عقول روضة الأطفال !! , فالذى ينتقد البخارى يجب أن يكون فذا فى مجاله وتخصصه كى يكون أهلا لنقد مثل هذا العالم الجهبذ , فضلا على أن نقد البخارى إنما يجب أن يكون فى مجال وفى ضوء قواعد العلم ذاته وليس إلى الأهواء ,
مثلما فعل بعض العلماء الكبار عبر التاريخ فانتقدوا بعض أحاديث فى البخارى ومسلم وكان منهم الدارقطنى ــ شيخ البخارى ــ ومنهم العلامة الألبانى فى العصر الحديث , فهؤلاء العلماء أسسوا اعتراضاتهم على نفس منهج البحث العلمى الحديثي وقواعده , ورد عليهم باقي علماء الحديث وفق المنهج نفسه وأثبتوا صحة قول البخارى على قولهم
والمضحك حقيقة فى هذا الأمر أن العلمانيين يستدلون بهؤلاء العلماء العمالقة الذين سمحت لهم خبرتهم بمناقشة أحاديث البخارى , فيستدلون من ذلك أنه من حقهم هم أيضا الخوض فى غمار هذا المعترك العلمى بأمزجتهم الشخصية ,
وهذه نكتة حقيقية , فمنذ متى كانت قواعد البحث العلمى فى أى مجال تسمح للعوام ممن لا يحسنون شيئا أصلا بالخوض فى غمار علم تخصصي تفنى فيه الأعمار ليصبح المرء عالما فيه
المهم ..
أن العلامات التى تستطيع بها معرفة طريق الحق , إلى جوار ما ذكرنا , هى أن صاحب الحق عندما يبحث عن حكم مسألة فإنه يذهب إلى مصادر العلم لمعرفة حكمها دون أن تميل نفسه مسبقا إلى حل معين يوافق غرضه ,
أما صاحب الهوى فتجده ينتخب حكما يوافق هواه ثم يذهب إلى الكتب والمصادر ليبحث له عن دليل يؤيد به قوله المعوّج ولا يعنيه إن كان دليلا صحيحا أو ضعيفا , وهذا بالطبع من أبطل الباطل , وهو نفس ما فعله أصحاب البدع فرفضوا الأحاديث المتواترة واستدلوا ببعض الأحاديث الموضوعة لمجرد أنها توافق أهواءهم ,
وهناك أيضا علامة أخرى ..
وهى أن صاحب الحق تجده دائما ليس صاحب غرض أو مصلحة أو مكسب شخصي من وراء رأيه الذى يقول به , فإن عارضه الناس فى ذلك واحترت فى أى الفريقين يقف الحق , فانظر إلى أغراض أصحاب الآراء إن وجدتها متوفرة فى جانب وخالية فى جانب آخر فلا شك أن أصحاب الحق هم من لا غرض لهم ولا منفعة ,
وهناك أيضا دلالة أخرى بسيطة ..
هى أن الباطل دوما ما تجده يجمع بعض فئات من الناس لا يُــعرف عنهم نصرة الحق أو الغيرة على الدين وفى الغالب لا يناصرون الحق إلا إذا كانت لهم مصلحة من وراء ذلك , ولعل هذا كان واضحا فى الصراع بين الإخوان وغيرهم من أهل الأحزاب والإعلام ,
فالمحارب المحايد الوحيد فى هذه المعركة كان هو الشعب , أما الأطراف الأخرى فى الإعلام فقد كان التناحر بينها على الغنائم .. لأن الطرفان المتصارعان إنما هم من العصابات التى استولت على مقدرات البلد وتطاحنت فيما بينها ولولا وجود القوة الوطنية الموحدة متمثلة فى الجيش وخلفه بسطاء الناس لما تبقت لنا دولة فى مصر أصلا
ولهذا وجدنا أصحاب الهجمات الأخيرة على السنة النبوية ظهروا مباشرة بعد إسقاط الإخوان وبهدف محدد هو هدم السنة بزعم الحرب على الإرهاب !
وبالمقابل ..
ستجد بين العلماء والباحثين والدعاة ممن كانوا يحاربون ــ ولا زالوا ــ تنظيمات الإخوان وحلفائهم , هؤلاء الدعاة أنفسهم هم من تفرغوا الآن للحرب على الإعلام فى هجماتهم ضد السنة ,
وهذه ميزة أهل السنة من قديم الزمن , فكما حاربوا تنظيمات التشدد مثل الخوارج والشيعة , حاربوا بنفس القوة تنظيمات التحلل كالمعتزلة والجهمية
,
بمعنى أوضح أن أهل السنة إنما يحاربون الخارج عن السنة أيا كانت هويته , ولا تسمح لأحد الخصوم باستغلال حرب ضد خصم منافس له لمحاولة نشر مذهبه أو الحصول على مكاسب شخصية منه
قال الشاب : نعم هذا صحيح .. وهناك ملحوظة لاحظناها جميعا أن المهاجمين يتمتعون بالقوة والنفوذ ومعهم الإمكانيات الضخمة لترويج أفكارهم , ورغم أن هذا يبدو من أسباب القوة إلا أنه عند التأمل يجعلنا نشك حقا فى الدوافع التى تقف خلف كل هذا التجييش ! ,
أجاب الكاتب :
وهذا ما قلناه من البداية , ولكن لا تدع هذا يقلقك , فهجمات هؤلاء القوم رغم تمتعها بالقوة الإعلامية الجبارة , إلا أنهم ينسون ويغفلون كعادتهم عن حقيقة تاريخية , وهى أن الفكر الإسلامى الأصيل محفوظ بوعد الله لهذه الأمة وأن الإسلام والسنة لا ينتصران أساسا بقوة الإمكانيات المادية , بل ينتصرون بالإخلاص , ويكفينا توفيق الله تعالى فى تجنيد أهل الباطل أنفسهم لتحفيز الناس على العودة للدين , وأعطوا الفرصة للعلماء والباحثين ليس فقط فى نشر الثقافة الإسلامية بين الناس فيما يخص الحديث بل إن دروس الفقه والتفسير والتاريخ أصبحت تلقي رواجا بين الشباب أكثر مما تفعله البرامج السياسية والحوارية
ولهذا دعنا نعد بعد هذه المقدمة , لندخل فى التفاصيل , لتعرف ساعتها باليقين أن العلمانيين والخوارج ودعاة الإرهاب وسائر المهاجمين لا يتناقضون وحسب , بل يلعبون على وتر أننا نجهل ما فى الكتب والتراث , وأننا دوما لا نربط بين الأحداث , وهذا ما يظنونه فى خيالهم !

انتهى الفصل الأول من الكتاب ..