عرض مشاركة واحدة
قديم 12-10-2011, 04:53 PM
المشاركة 118
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الروائية الغامضة ليلى بعلبكي في حوار لـ "الفجر الثقافي
الروائية الغامضة ليلى بعلبكي تعود عبر "الفجر الثقافي"
صحفيّة مصرية كانت وراء محاكمتي قبل 20 سنة وكاتب ياسين أنصفني
2010.04.18

وأنت تحاورها، يخيل إليك وكأن ذاكرة بيروت القديمة كلها قد عبرتك دفعة واحدة، لأنك تجلس مع امرأة تختزل في كل همسة منها روح بيروت، ببحرها الذي كاد أن يسرقها ذات صيف من أهلها وهي تحاول أن تعبر إلى الضفة الأخرى من الحلم، حلم الكتابة الذي قهروها باسمه ذات مساء بيروتي، وهي ترتشف قهوته الندية في أشهر مقاهيه وأعرقها..

المبدع العربي اليوم يقبع تحت سلطتين.. سلطة الناشر وسلطة الدولة
الذي عادت إليه بعد أكثر من 45 سنة من الغياب لتكشف لقرائها عبر صفحاتنا سرّ صمتها كل هذا الوقت..


السيدة ليلى بعلبكي من الثمانينيات إلى الآن.. ماذا تغير فيك وماذا بقي لك من ذلك الزمن الجميل الذي لازلت تحملينه بداخلك وكأنك تعيشن أحداثه اليوم؟
ما تغير..؟ سؤال صعب في بداية حديث أولي لي مع القارئ الذي لم ألتقيه منذ ما يزيد عن 20 سنة.. لكن دعيني أقول لك ولمن سيقرأ هذا الحوار إن الذي تغير هو يوم واحد.. أو بمعنى أصح حدث واحد تغير في حياتي وفي حياة هذه الأمة والجيل الذي كنا نحلم بغد مليء بالنجاحات والأمنيات السعيدة، عالم كله حب.. وسعادة.. وفرح.. إذا كان هناك شيء تغير فيَّ فهو ما حدث في الثمانينيات لهذا الوطن، والصدمة الكبرى لأبناء هذا الوطن، وبالتحديد مع بداية الحرب الأهلية بين اللبنانيين، يوم استيقظنا ووجدنا أن كل شيء من حولنا قد انفجر..
صحيح كما قلت؛ أنا لازلت أعيش تلك الأيام وكأن شمس ذلك اليوم الذي بعث فيه رئيس حزب الكتائب بجيوشه من جهة والمرابطون من جهة ثانية، وبدأ دم اللبنانيين ينزف على هذه الأرض.. أتدرين لماذا اخترت هذا المكان بالتحديد للقائي الأول بيني وبين القارئ؟


أسألها- ..لماذا؟
في هذا المكان بالتحديد الذي نجلس فيه أنا وأنت في شارع مي زيادة، نزلت الدبابات وبدأ اللبناني يقتل أخاه اللبناني الآخر الذي قد يختلف معه في العقيدة أو في الفكر.. لكنه بلا شك يشترك معه في أشياء كثيرة.. أهمها الوطن الواحد الذي ننتمي إليه.


أفهم من كلامك أن لا شيء تغير مذ ذاك اليوم إلى الآن، أم أن هناك بعض التفاصيل التي تغيرت، بعض الأحداث، أوالذكريات، مهما كانت سيئة أو جميلة؟
أتريدين الصدق..؟ وأنا على مشارف الـ75 سنة، لازلت لم أشهد بعد غروب شمس ذلك اليوم، ولا خمود تلك الشحنة من الألم والحزن الذي كان يعتصرني وأهلي ونحن نهرب من هذا المكان كي لا نقتل على يد هذا أو ذاك.. لهذا أقول لك بأن لا شيء تغير فيَّ ولا فينا.


وماذا تغير في الروائية ليلى بعلبكي بعد المحاكمة الشهيرة التي تعرضت لها منذ 20 سنة من الغياب عن المشهد الثقافي اللبناني والعربي ككل؟
بعيدا عن الذي تغير في الروائية التي تتحدثين عنها، دعيني أقول إن غيابي عن المشهد الثقافي اللبناني والعربي عامة، كانت له أسبابه الخاصة، والوجيهة أيضاً، فغيابي لم يكن نتيجة حتمية للذي حدث لي بعد المحاكمة التي تعرضت لها في قضية "سفينة حنان إلى القمر"، كما لم يكن هروباً أواختفاءً كما فسره الكثيرون منذ ما يزيد عن 20 سنة..


ما الذي كانه، إن لم يكن اختفاءً إذاً؟
الغياب، كما قلت سابقاً، له أسبابه الخاصة بطبيعة الحال، ولم يكن تعمدا مني عن سابق تصور وتصميم، وإن صوره البعض على كونه اختفاء فأنا أقول لهم اليوم من خلال جريدتكم المحترمة، أنّ بعد كل الذي حدث لي من قبل المثقفين قبل أن يكون من عامة الناس ومن المحكمة التي حاكمتني، كان عليّ أن أنسحب من الثرثرة الإعلامية التي لم تتوانى في التشهير بي ووصفي بأقبح الصفات وكأن بي كتبت عن الفسق و عن الأشياء التي يحرم الحديث فيها.
ما حدث بعد المحاكمة بالتحديد هو تعمد للصمت وتعمد لعدم النشر في أي وسيلة إعلامية عربية لم تحترمني، لكن هذا لم يمنعني من الكتابة أو مواصلة الحياة في عالمي الذي بدأته بصمت وأعتقدني سأنهيه بصمت أيضاً.

قد يفهم القارئ ما تقصدينه بمواصلة الكتابة بصمت أو الانتهاء منها بصمت، لكن ماذا تقصد ليلى من البداية بصمت؟
حين قررت أن أكتب، أو بمعنى أصح حين وجدتني ذات مرة أقترف فعل الكتابة، وأنا المنتمية إلى عائلة مثقفة تحترف الأدب والعلم والإبداع، كنت أخشى أن أقول للآخر الذي كان أخي أو أختي أو والدي الذي كان شاعر زجل معروف بالجنوب اللبناني حينها، بأنني سأكتب وسيكون لي مستقبل في الكتابة، وأني سأقترف بعد سنوات قليلة النشر والطباعة، لهذا أقول إنني كنت أكتب بصمت وبسرية تامة رغم يقيني التام بأن ما أكتبه هو فعل إبداعي محض، لكن كان لديّ نوع من الهاجس تجاه ما أكتبه.. ربما بعد ما حدث لي مع مجموعتي القصصية "سفينة حنان إلى القمر"، أدركت سرّ هواجسي تلك التي كانت تخالجني حينذاك.


ترى ما الموقف الذي دفع ليلى إلى كتابة مجموعتها القصصية "سفينة حنان إلى القمر"، أو بمعنى آخر ما اللحظة التي استدعت ليلى لكتابة مشاهد تلك المجموعة التي جعلتك فيم بعد تحاكمين بسببها؟
بعيدا عن أسباب المحاكمة التي لازلت لا أقتنع بشرعيتها بعد، هي أفكار تخالج أي مبدع في لحظة زمنية معينة دون أخرى.. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسأل المبدع لماذا كتبت هذه المجموعة دون تلك، كما حدث معي في المحاكمة.


طيب لماذا لم تقتنعي بعد بأسباب المحاكمة التي تعرضت لها في الستينيات؟
أولا المحكمة بنت أحكامها وأقوالها على أساس إحدى المقالات الذي كتبته إحدى الصحفيات المصريات ونشر بجريدة مصرية آنذاك، حيث قامت كاتبة المقال باقتباس بعض الكلمات ووصفتها بأنها كلمات بذيئة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تدخل ضمن الأدب..!، وكأني بها تنصب نفسها ناقدة وحامية للإبداع والآمرة فيه والناهية.
في اعتقادي أنا لو كتبت شيئا مثيرا للغرائز أو فيه نوع من الإبتذال، لما وقفت أمام المحكمة ودافعت بكل قوتي عن نصوصي وأعمالي.. وأيضا لما نلت البراءة ذلك اليوم.
حين كنت أقترف الكتابة وأنا لم أتجاوز بعد سن الـ 15 سنة، كنت أردد بأني أنا أفكر بهذا الطريقة إذا لماذا لا أكتب هذه الأفكار والأحداث التي تخالجني، فكتبت "أنا أحيا"، ثم"سفينة حنان إلى القمر"، وبعدها "الآلهة الممسوخة"، أنا كتبت بكل براءة وسذاجة.. لكن هذا لا يعني بأني لم أكن أراقب ما أقوم بكتابته.. أنا حين أكتب لا يمكنني أن أفرض على نفسي أشياءً معينة وأقول إني يجب أن أكتب هذه الكلمة أو تلك.. الكاتب لا يمكن أن يراقب نفسه أو يفرض على ما يكتب رقابة، ففي مطلق الأحوال أصبح اليوم هناك أكثر من رقيب يفرض على المبدع العربي، الذي أصبح يقع بين مطرقة الناشر وسندان السلطة التي أضحت تفرض رقابة على الأعمال التي ستطبع.


ألهذا السبب توقفت ليلى بعلبكي عن الكتابة؟
مطلقاً.. أنا لازلت أكتب.. وفعل الكتابة هو الشيء الوحيد الذي لازال يجعلني أشعر وكأنني لازلت تلك الطفلة المفعمة بالبراءة وهي تكتب أولى أعمالها الإبداعية "أنا أحيا"، وهي ذاتها التي حملت ذات صباح عملها ودفعت به إلى دار الآداب، ومن ثمة "مجلة شعر"، لتخرجه إلى النور.


لماذا إذا لم نرَ أعمالك الجديدة، فحتى بعد اتخاذك لقرار العودة إلى المشهد الإبداعي من جديد عدت بإعادة إصدار مجموع أعمالك التي سبق لها أن صدرت من قبل وليس بعمل جديد؟
كما قلت لك من قبل.. الطفلة المتمردة بداخلي ترفض أن تمنح أعمالها لرقيب يقرر عنها ما يجب الإحتفاظ به وما يجب حذفه وما يجب تقديمه للقارئ.. لا يمكن أن يقبل أي مبدع حر هذا القرار، لهذا أنا اليوم لم أعد أنشر.


ماذا كتبت ليلى بعلبكي أثناء انقطاعها عن العالم لسنوات طويلة؟
كتبت كثيراً، هناك مجموعة قصصية، كما اشتغلت على كتابة سيرتي الذاتية التي أتوقع أنها تستحق أن تنشر ليطلع الآخرون على الأمور التي حدثت لي بعد محاكمتي والأسباب التي جعلتني أصمت طوال هذه السنوات، والتي أسرد عليك الآن بعضا منها.


متى نرى هذه الأعمال؟
لا أعرف متى بالتحديد ولكنها ستخرج اليوم أو بعد حين.


نلاحظ أن العملين "أنا أحيا"، و"سفينة حنان إلى القمر"، هي الأعمال التي فرضت نفسها على القارئ والإعلام على وجه الخصوص، فيم لم يلقى عملك "الآلهة الممسوخة" الصدى ذاته.. لماذا برأيك؟
أعتقد أن "الآلهة الممسوخة" لم تأخذ حقها بعد من الإهتمام، مع أنني أعتقد بأن فيها الكثير مم يكتب ومم يقال، لكن بدأت أشعر مؤخراً أن هناك نوعا من الرقابة يفرض على هذا العمل بدليل أنه لا يتواجد على واجهات المكتبات هنا بلبنان، على عكس أعمالي الأخرى.


لماذا يخالجك هذا الإعتقاد.. ولماذا قد يفرض على هذا العمل نوع من الرقابة في هذا الوقت بالذات؟
فيما مضى كانت الرقابة تفرض على العناوين التي تحمل الإباحية، ولكن ما شاء الله اليوم أغلب الأعمال توحي بذلك ذلك، وأصبحنا لا نقول إن الأعمال التي تفرض عليها الرقابة بشدة هي تلك التي تدخل ضمن المحرمات الثلاثة "الجنس، الدين، السياسية"، ربما الأعمال التي تتناول السياسة لازالت تلاقي بعض الإنتقادات لكن الأعمال التي تتناول موضوع الجنس لا، بدليل أن أغلب، إن لم أقل كل الأعمال الروائية التي طرحت في السنوات الأخيرة، تتناول الجنس بشكل أو بآخر، وطبعا هي بعيدة كل البعد عن الجمالية الإبداعية التي من المفروض أن يتناول بها هذا الموضوع، الذي أضحى يتناول بطريقة مبتذلة جداً.
أما اليوم فقد أصبح موضوع الدين يحظى لوحده بهذه الرقابة الشديدة، في ظل تفشي ظاهرة الأعمال الروائية التي تتناول موضوع الجنس. ثم إن عنوان المجموعة يوحي بأشياء خطيرة في اعتقاد الآخرين، مع أن القارئ للعمل لا يجد هذا الخطر مطلقاً، لهذا أصبح توزيع هذا العمل قليل جداً عكس"أنا أحيا"، أو"سفينة حنان إلى القمر".


هل أفهم من كلامك أنك تطالعين كل الأعمال الروائية التي تطرح الآن؟
ليس كلها.. لكني أطلع على الكثير منها، أنا قارئة أكثر للشعر وليس للرواية ولا للقصة، لكني قرأت أغلب الأعمال الروائية خاصة التي تكتبها الروائيات..


بم تفكرين وأنت تقرئين تلك الأعمال؟
ماذا كان سيحدث لهن لو صدرت هذه الأعمال في الستينيات؟ يعني بإمكانك يا سيدتي أن تكتشفي بأن الذي حوكمت لأجله هو مجرد كلمات.. فقط كلمات تم انتقاؤها من أعمالي.. كلمات لا هي إيحائية ولا هي مبتذلة.. ولا هي حاملة لدلالات جنسية كما قيل حينها، بل هي مجرد كلمات بريئة جداً.


ما علاقتك بالجزائر التي ظهرت في عمل الأول "أنا أحيا"، من خلال الأفكار التي كانت تدور في مخيلة بطل العمل لينا فياض، والأفكار التحررية التي كانت تنادي بها؟
الجزائر، كما قلت لك في أول لقاء جمع بيننا، وأنا أشكرك بالمناسبة على ما تفضلت بكتابته يوم حفل توقيع أعمالي بمعرض الكتاب، لا ترتبط فقط بأعمالي أو أبطال أعمالي، فقد كان الراحل كاتب ياسين الذي حال القدر بين لقائي به، رغم أنني وهو كنا ننتمي إلى ذات الناشر، إلا أننا لم نلتق قط، فيما دافع عني وعن قضيتي بعد قراءته لعملي، وهذا الموقف منه لم يكن محض دفاع عن كاتب آخر بقدر ما كان دفاعه نابعا من دفاعه عن كل القضايا العادلة في هذا العالم. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن أنسى ما كتبه عن عملي بعد ترجمته إلى الفرنسية فيما، بعد حيث قال "ليلى بعلبكي امرأة تكبدت مشقة الكتابة، وهذا شيء رهيب عندنا، حيث يمارسون على المرأة ضغطا خانقا، وينبغي الخروج من هذا، وأحيانا يحصل الخروج بالأدب، كما حدث لليلى بعلبكي''. هذا من جهة ومن جهة ثانية أنا أحب الشعب الجزائري الثائر والمناضل، لهذا أنا رحبت بك وبجريدتك في بداية لقائنا والآن وفي كل مرة، كما أنني حصلت على نسخة من جريدتكم من خلال مديرة أعمالي زينة مزهر، وأعجبني توجهكم وطرحكم الجميل للمواضيع.

حاورتها في بيروت: حياة سرتاح