إليك أبي .. في ذكرى رحيلك الثالثة ..
23 / 05 / 2011
23 / 05 / 2014
رحمك الله وأسكنك فسيح الجنان
==========================================

تعال نبتعد قليلا

من قال إن البعيد عن العين
بعيد عن القلب ؟
وأنت البعيد القريب
بل أنت القريب الأدنى
هذي الربى تشهد أنك مازلت هناك
تحتفي بخطواتك وتلثمها في خشوع
بالأمس كنت أناجي النبع
فيحدثني عنك والربوع
وأسامر النهر وقد توهجت ضفته
فألمح في عينيه استفهاما
تسائلني كل الأماكن عنك
تستفزني لكي أصحبك من جديد
إلى هناك .. حيث المدى
حيث الجبل يردد الصدى
تعال نبتعد قليلا
لنوغل بين أشجار الصنوبر
لننحدر نحو الغدير الحالم
لنجلس على الصخرة
ونشرف على النبع
وأشجار التين الظليلة
آن لنا أن نستريح
بعد رحلة السنوات الثلاث
آه كم كان أديم السماء صافيا ذات أصيل
وكانت الأشجار تتراقص نشوة من حولي
أتراها كانت تنعي شيئا ،
والسماء تخفي ما هو أمر ؟
كان يوما من أيام ماي
وها هو ماي كما كان
منذ ثلاث سنوات
موشى بالسواد
مكلل بالدمع
مثخن بالجراح
يبكي لبكاء العين
ينتحب لنحيب الروح
ينزف لنزيف القلب
دمعه قاني ونحيبه صامت
هو ماي بدون ربيع
بدون ورد ولا زهر
ولا عشب ولا ثمر
ولا حتى ابتسامة تجمل الثغر
منذ ثلاث سنوات
لم تفتر شفتاه عن شيء
وانسلخ عن كل الشهور
فصارت أحد عشر شهرا
وصار هو الشهر والعام
والأزل والدهر
تلاشى كل شيء
وغاب كل شيء
وأفل كل شيء
وأنت معي حاضر غائب
كنت الزمان والمكان
وكنت الشجر والمرج
والزهر والورد وشقائق النعمان
وأشجار الصفصاف اليانع
وكنت الحمى والأمان
أترى هذه الربوة المعشوشبة ؟
وحدها أنبتت عشبا لا يذبل
وحدها تسبح في صمت
تناجي في خشوع وابتهال
تنتحب في سكون
وقد استحال دمعها ندى
يروي العشب والتراب
وهذا السكون المطبق
وهذه الترنيمة التي تشق حجاب الصمت
يردد صداها الليل
فتنشدها معه ألآكام والوديان
وهذا الشوق الذي ينخر القلب
وهذا الحنين الموغل في حنايا الروح
في ثنايا الوجدان
كخنجر يشطر الضلوع
يقطعها إربا إربا
فيلمع نصله القاني
نم قرير العين فسوف أعود
استرح لأني أعرف أنك عانيت
أنك تعبت وتألمت
وآن الأوان لتستريح
لتنام كما تنام العنادل بعد شدو
كما ترقد الحمائم بعد هديل
لتهدأ النفس .. بعد رحيل .