[TABLETEXT="width:100%;background-color:black;border:3px double red;"]
صباحكم\مسائكم
جوري
طبعا منذ فترة أخذت أقرأ الادب الموريتاني؛ لانى وبكل صراحه لم أعلم عن هذا الأدب شيئا من قبل، فقررت أن اغوص بعالمه، واليوم أحببت أن أضع بين يديكم ما اطلعت عليه ..., في بداية بحثي واهتمامي بالأدب الموريتاني وقعت على مقالة جميلة لكاتبة وصحافية موريتانية كتبت مقالتها في جريدة إيلاف الإلكترونية ، دعونا نقرأها الآن ونرى ماذا يمكن لنا أن نقدم من عمل وتفاعل لهذا الشأن الذي لن يزيدنا إلا تقاربا وتواصلا مع أحد ركائز الأدب المغاربي في العالم العربي موريتانيا «بلد المليون شاعر»
gmt 18:00:00 2005 الإثنين 22 أغسطس
سكينة اصنيب
بين الحقيقة والسراب
جمالية اللقب فرضت نفسها على صحة المقولة
نواكشوط: غالبا ما يأخذ المرء من الاسم الذي يطلق عليه صفته وخاصيته ورغم اختلاف الأشخاص في تبعيتهم لصفة الأسماء ونسبة ولأئهم لها، تظل للأسماء سلطة على أصحابها تطبِّعهم بطباعها وتهذب أخلاقهم بالمعاني الكثيرة التي تحملها. وتزيد الشهرة واللقب على الأسماء‘ لأنها تطلق على المسميات بعد مرور زمن كفيل باستنباط صفات للأشخاص والأماكن والأحداث، من هذه الألقاب «بلاد المليون شاعر» التي أطلقت على موريتانيا.
ولأهمية الشعر ودوره في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية ارتبطت مقولة
«بلاد المليون شاعر» بموريتانيا منذ ستينات القرن الماضي حيث ظلت ألسنة الجماهير تلهج بها منذ ولادتها، وتناقلتها وسائل الاعلام وتداولتها أقلام الكتّاب حتى التصقت بكل حبة من تراب هذا البد الصحراوي. واعتبارا لأهمية هذا اللقب وسطوته فإنه أورث الشناقطة مسؤولية كبرى يتسبب التخلي عنها أو عدم القدرة على تحملها كما يجب في التشكيك في مدى استحقاق بلادهم لللقب الفريد يصل الى حد التجريد منه، وهو ما يدفعنا الى البحث عن أصل هذه الصفة ومدى انطباقها على موريتانيا.
فهي قد لا تكون صفة متكئة على سند تاريخي ملموس كما في حالة «بلاد المليون شهيد» الجزائرية لكنها بالتأكيد مستندة على إعجاب وانبهار زوار موريتانيا بفصاحة أهلها وعشقهم الشديد للشعر. فقد وردت المقولة لأول مرة في تحقيق أعدته مجلة العربي الكويتية في ابريل (نيسان) سنة 1967 عن موريتانيا تحت عنوان «انواكشوط...أحدث عاصمة في أقصى منطقة من وطننا العربي» حيث أسند كاتب التحقيق هذه الكلمة الى محاوريه من المواطنين الموريتانيين عندما قال: «وسألناهم: كم عدد سكان موريتانيا فأجابوا: مليون شاعر..نعم فكل أهالي موريتانيا شعراء» وقتها كان إحصاء السكان يقارب هذا العدد.
ومع انطلاقة شرارة هذا الشعار شاع اللقب واقترن باسم موريتانيا حيث أخذه بعض المشارقة على أنه واقع حقيقي إعجاباً وتبجيلاً للشناقطة، رغم ادراكهم أنه لم يكن هناك مليون شاعر بالمعنى العددي الصارم في العالم العربي كله في زمن واحد.
كل موريتاني شاعر بالفطرة
وقد عرف هذا اللقب رواجا كبيرا خارج موريتانيا أكثر مما عرفته داخلها وأثار ردود أفعال إيجابية كانت دائما مشحونة بالاعجاب المفرط بالقدرات الشعرية لهذا البلد العربي المنتبذ مكانا قصيا من خريطة العالم العربي على أقصى نقطة من بوابته الجنوبية المطلة على القارة السمراء. وربما يكون لهذا الموقع القصي وطبيعة البداوة السائدة دور في انبهار الإخوة المشارقة حين نزلوا هذه الجزيرة الرملية النائية المترامية الأطراف، بما عاينوه من ثقافة عالية لهذا البلد في جميع مجالات المعرفة التقليدية وفي الشعر خصوصا. وهو اندهاش واعجاب لا يحيد عن نظرة المركز الى الأطراف عبر تاريخ الحضارات الانسانية.
فالمطلع على تاريخ وثقافة هذا البلد يدرك ما يمثله الشعر بالنسبة للنشاقطة حيث أن له سلطة وسيادة اجتماعية وثقافية نادرة الوجود، فالخصال التي تمكن صاحبا –قديما- من احتلال مكانة هامة في محيطه يأتي على رأسها إتقان نظم الشعر، لتتوالى بعدها باقي الخصال كالنسب الرفيع وفنون القتال ودماثة الأخلاق. وهو ما يعني أن الموريتاني أمضى جل حياته في نظم الشعر يتغنى به حاديا وراء قطعانه ومفتخرا بأنساب أبويه في مشاهد التفاخر بين العشائر وحين منازلة الخصوم، ومتغزلا في حبيبته أثناء جلسات المسامرة والمؤانسة وفي المطارحات الشعرية الليلية، فنبت الشعر وتقبله الناس وتعاطوه حفظا ونظما وإنشاءً وإنشاداً.
ودعمت المحاضر (وهي المدارس التقليدية) هذا العشق الكبير للشعر فكان منهجها الدراسي يجبر الطلاب على حفظ عشرات الدواوين الجاهلية والاسلامية، وحكايات الأدب من مقامات وسير وأراجيز. هذه الصورة الواقعية لمكانة الشعر في البلاد اعتبرها الدارسون دليلا قاطعا على عروبة موريتانيا إبان تشكيك البعض فيها.
منطقية المبالغة ومصداقية اللقب
وعليها وجدت مبالغة المليون شاعر أرضية لها، وبغض النظر عن مدى دقة التعبير فإن ظاهرة كثرة الشعراء التي نشأت وترعرعت واستمرت رغم تغير الأحوال، حفظت للشعر مكانته المرموقة، ونبغ فيه المئات ممن كتبوه فصيحا جزلا وحافظوا على سلامة اللغة ونقاوتها من الشوائب. كما هيأت حركة المرابطين لبلاد شنقيط نهضة ثقافية متميزة أنجبت أعلاما جابوا أصقاع الأرض بعلمهم من أمثال محمد محمود بن التلاميذ والشيخ أمين فال الخير ومحمد الأمين الشنقيطي.
ولعل أهم ردود الأفعال الايجابية تجاه هذه المقولة هو ذلك المقال الذي كتبه الدكتور طه الحاجري في عدد 107 أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1967 في مجلة العربي نفسها بعنوان «شنقيط أو موريتانيا حلقة مجهولة في تاريخ الأدب العربي»، معتمدا فيه على المدونة الشعرية التي يضمها كتاب «الوسيط في تراجم أدباء شنقيط» لمؤلفه محمد الأمين الشنقيطي، وهو أول ديوان مطبوع عن أدب موريتانيا على درجة عالية من الرصانة وقوة الأسلوب، تضمن مقتطفات لـ 82 شاعرا وطبع في القاهرة سنة 1911م.
وقد توصل الحاجري في مقاله الى أن الشعر الموريتاني يمثل استثناءً في سيادة عصر الضعف التي تواطأ عليها أغلب مؤرخي الأدب العربي، حيث اعتبر أن الصورة التي اتيح له أن يطلع عليها عبر مدونة الكتاب والذي يغطي فترة القرنين 12 و13هـ هي صورة جديرة بأن تُعدل ذلك أن الحكم بسيادة عصر الضعف على الآداب العربية إذ أنها «صورة تمثل الأدب في وضع مختلف يأبى هذا الحكم أشد الإباء فهو في جملته أدب جزل بعيد عن التهافت والفسولة».
وقد عزز الحاجري مقاله بآراء أحد الكتاب المنبهرين بشاعرية «بلاد المليون شاعر» وهو الكاتب اللبناني يوسف مقلد الذي أتيح له هو الآخر أن يطل على هذه النهضة الأدبية والشعرية في موريتانيا من خلال اقامته في بلاد السينغال المجاورة والمتفاعلة مع موريتانيا ثقافيا واقتصاديا، حيث ألف كتاب «شعراء موريتانيا القدماء والمحدثون» المنشور في بيروت عام 1963. | [/TABLETEXT]