احصائيات

الردود
0

المشاهدات
1535
 
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي


أحمد فؤاد صوفي is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
1,792

+التقييم
0.31

تاريخ التسجيل
Feb 2009

الاقامة

رقم العضوية
6386
09-16-2023, 11:00 AM
المشاركة 1
09-16-2023, 11:00 AM
المشاركة 1
افتراضي قصة قصيرة *العمر يبدأ من جديد*


*العمر يبدأ من جديد*

دخلت المجمع التجاري من بوابته العريضة ، لاحظت شخصاً يرمقني من بعيد ، ويراقب خطواتي ، ثم أصبح يتابعني ، عندما أمشي هو ببطء يمشي ، وإذا وقفت ، أجده بعيداً قد وقف.
المجمع مليء بالمتسوقين ، لا داعي للخوف ، هكذا قلت لنفسي ، ولكن لما طالت الحكاية ، خشيت أن يلاحقني الشخص الغامض حتى البيت ، ففي لحظة قررت أن ألاحقه بدل أن يلاحقني وأفاجئه.
دخلت إلى محل ، كان محلاً كبيراً له بابان ، افتقدني الرجل الغامض بين أرفف الملابس ، تمكنت من خداعه والتملص منه ، وأفلت إلى الخارج من الباب الآخر ، ثم توجهت إليه ، كان يبحث عني ، ولم يخطر بباله أني صرت خلفه.
- لماذا تلاحقني !!
فوجىء الغامض وارتبك وزلزل كيانه ، ولم يفعل شيئاً سوى أنه خلع نظارته الداكنة ونظر إلي ، عندما واجهت عيناي عينيه ، أسقط في يدي ، فقد عرفته ، فالعين لا تكذب ، صادقة دوماً ، مهما تقدم بنا العمر.
في البداية لم أتبين مشيته ، فقد اكتسب قليلاً من الصحة ، وكنت قبلُ أطلب منه أن يزيد وزنه قليلاً ، فقد كان نحيفاً ، يسهر كل يوم ، يفكر ويتذكر ولا يأكل.
- نادية .. إنها ثلاثون سنة ، هل تصدقين ذلك !
أردت أن أبكي ، لا أريد لفت الأنظار ، ولكن دمعي بلحظة واحدة كان قد ملأ وجهي ولم أستطع الإتيان بأي كلام ، كدت أن أقع ، أحاطني وأمسكني من ذراعي وضمني.
- لنجلس في المقهى.
مشيت معه ، ملتصقة به ، أشعر بحرارة جسمه ، أريد لو أغيب عن هذا العالم ولا أتحرك من مكاني.
في المقهى ، لم نجلس متقابلين ، بل متجاورين متلاصقين ، لو أمكنني لالتصقت أكثر ، ما زلت لا أستطبع الكلام ولا النظر ، كذلك لم أستطع ألا أبكي ، يحق لي ذلك بعد هذا العمر ، أريد لو يتوقف الزمن ، لا أريد شيئاً آخر.
ينساب من التسجيل في المقهى صوت فرانك سيناترا وديميس روسس و انجلبرت هامبردينغ وأغنيته التي تعودنا على سماعها:

** طاولة منفردة لشخص واحد فقط**
طاولة منفردة لشخص واحد فقط
في المقهى المزدحم بالزبائن
ينساب صوت الموسيقى
فتغمرني الذكريات في الظلام
كما اعتدنا عليها كل يوم من قبل
أعيد سماع الأغنية مراراً قبل أن أغادر
وقبل أن يتحول عالمي إلى الحزن القديم
الأصدقاء يتوقفون ويرحبون
أضحك معهم وأخفي الألم
سهل للغاية حتى يذهبوا
أن يتحول كل شيء إلى اكتئاب وهمّ

هي أغانينا ، كنا نسمعها سوياً منذ ما يزيد على ثلاثين سنة ، لقد مضى العمر ، ولكن القلب لا يتغير ، مازال ينبض بالرغبة ، والروح لا تكتمل إلا بالحب.
المشهد الذي أنا فيه الآن لا أريده أن يتبدل ، ولكن للأسف فقد قطع النادل صوت الصمت الذي أحاط بنا ، ليسأل عن طلباتنا ، قهوة فرنسية وكرواسان ، حبيبي لم يسألني ، هي طلباتنا القديمة نفسها.
اتكأت على كتفه ، كنا حتى اللحظة لم نتكلم ، نحن لا نحتاج أي كلام ، فقلوبنا تعرف ما نريد ، وتتفاهم بدون كلام.
تجتاحنا الذكريات ، وتعيث بشعورنا لطفاً وجمالاً ، ونعيد كل مشهد في ذهننا ونكرره مرات ومرات ، وكأن الأمس أصبح أمامنا واقعاً ، ننهل منه ما نشاء وقت ما نشاء.
مر وقت طويل ، بردت قهوتنا ، لم ننتبه ، الدفء لذيذ معه ، لا أريد أن أتحرك أو إلى أي مكان أذهب ، لو أستطيع أن استمر بالعيش في لحظتي ، لأصبحت حياتي جميلة ، ولنسيت كل الألم.
في الساعة التالية ، شعرنا ببعض الإحراج من نظرات الزبائن وابتسامة النادل ، الذي أحس بنا ، فما كان منه إلا أن أعاد نفس التسجيل ونفس الأغاني القديمة ، التي كنا نعشقها.
- منذ اليوم ، ستكونين معي الوقت كله ، لا تتركيني ، إني بحاجة إليك.
-أتركك ! بل قل لا تتركني ، أنا التي بحاجة إليك ، لحظة واحدة لن أتركك.
زاد شعورنا بالإحراج ، حاول أن يساعدني كي أقوم من مكاني لنذهب في طريقنا ، تمسكت به وبدفئه ، وقمنا كشخص واحد ، وتحركنا كشخص واحد ، مشينا قليلاً في الشارع ، الصباح بارد جميل ، مطر خفيف ترسله السماء ، ليفرّج الغم عن قلوب العباد ، دلفنا إلى مقهى آخر ، واخترنا طاولة منفردة في الزاوية المعتمة ، جلسنا كشخص واحد ، التغلغل في معطفه يعطيني دفئاً لا أريد عمري أن أغادره.
مرت ساعتان ، قارب الوقت الظهيرة ..
*هل تأخرنا ! هو يسألني ..
*تقصد ثلاثون عاماً التي مضت !.. لا يهمني شيء .. فأنا معك.
*هل نتزوج قبل أن نخبر أحدا .. مازال لدينا ساعتين لمكتب الزواج .. يمكننا أن ننهي الاجراءات قبل نهاية الدوام ، والخواتم نشتريها في طريقنا.
*علينا أن نسرع .. سوف تتفاجأ أمي كثيراً .. ولكنها لن تغضب مني .. سأعوضهم بحفلة صغيرة بعد شهر العسل .. هل لديك بيت !
*اطمئني .. البيت جاهز لا ينقصه إلا أن تكوني فيه.
*علينا أن نسرع .. أخشى أن نضطر إلى الانتظار حتى الغد .. لن أتحمل ذلك .. قم بنا .. أرجوك أن تسرع ..




أحمد فؤاد صوفي
اللاذقية – سوريا
أيلول 2023



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قصة قصيرة *العمر يبدأ من جديد*
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصة قصيرة *العمر يبدأ من جديد* أحمد فؤاد صوفي المقهى 1 09-16-2023 10:59 AM
يتيم أنين أحمد منبر القصص والروايات والمسرح . 15 09-13-2017 10:31 PM
الربيع بن خثيم عبدالله علي باسودان منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 11-02-2015 09:26 PM
من التابعين الربيع بن خثيم عبدالله بن علي منبر الحوارات الثقافية العامة 0 09-26-2013 09:04 PM
من التابعين : الربيع بن خثيم عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 0 06-03-2013 06:41 PM

الساعة الآن 02:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.