احصائيات

الردود
9

المشاهدات
4529
 
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية

محمد الشرادي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
155

+التقييم
0.04

تاريخ التسجيل
Aug 2014

الاقامة

رقم العضوية
13134
09-21-2014, 01:27 AM
المشاركة 1
09-21-2014, 01:27 AM
المشاركة 1
افتراضي قبور في السماء
قبور في السماء

لا مكان ألوذ به من عورات النساء،إلا أن أعتصم بجبل موحش، لا تسمع فيه لاغية. لقد أصبحت المدينة معرضا مترامي الأطراف، تعرض فيه النساء أجسادهن العارية، إلا من أثواب شفافة... كاشفة... واصفة، حتى المحتجبات صرن يكشفن عن عيون تشعل النار في الجليد.
ضحك صديقي حتى ظهرت نواجده:
- تتحمل مرارة العزلة في مكان قصي، على أن ترى النساء متبرجات.بينما الحل لا يقتضى هذه التضحية كلها.عليك فقط، أن تغض بصرك...
قاطعته ساخرا:
- هه... غض البصر! ذلك من رابع المستحيلات، أينما وليت وجهك، فثمة جسد عار يثير الفتنة،و يحرض على ارتكاب الفواحش.
- آه، يدعي الرجل أنه حمل عفيف، و ملاك طاهر، و يبحث عن ضحية يضعها في قفص الاتهام، ليبرر انسياقه خلف نزواته المتوحشة. حتى عندما كانت المرأة مسجونة خلف ستار من حديد، كان الرجل يعتبرها شرا مستطيرا، و شيطانا آثما...
قبل أن يكمل صديقي حديثه، مرت أمامنا شابة في مقتبل العمر، جسدها شبه عار. اقتنصت المشهد لتعزيز موقفي:
- انظر إلى عريها المستفز. جسدها ينادي ألا تجد المشهد فيه الكثير من قلة الحياء.
- أنت الذي تحتل قارعة الشيطان...تحتلها عنوة، لتملأ عينيك بهذه المشاهد، لأنك تجد فيها متعة. تجري خلفها و تدينها. ألا تبا لكل فضيلة مقنعة بالنفاق.
ألم تقرأ عن الحادثة الشنيعة التي وقعت البارحة. قبل أن أشرع في الحكي، يجب أن أحذرك أن القصة موجعة، يحتاج فيها السامع إلى قلب من صخر. و مع ذلك سأسمعك إياها، ليس لتعزيز موقفي، بل لأمنحك زاوية أخرى للنظر. اسمع يا صديقي (الطاهر):
أثار انتباهي شبه امرأة تقف على الرصيف. تخلى عنها الحظ ، و تكالبت عليها صروف الدهر. و قفت ساهمة ، تتأبط مجلد حزنها، و تلوك موال غربتها. تحدج المارة بعينين أشبه بعيني بقرة سقيمة. تغطي شعرها المنفوش بقبعة من الدُّوم. تستر جسدها النحيل الذي رمت به الظروف بين براثن الشيخوخة المبكرة بأسمال فقدت ألوانها.
تضاربت الروايات حول المكان الذي قدمت منه. زعم البعض أنها تسكن أحد أحياء الصفيح في المدينة المجاورة. و أكد آخرون أنهم شاهدوها في أحد الأسواق القريبة تبيع أشياء قديمة جمعتها من المزابل.لكن الجميع اتفق على أن قدومها شكل علامة فارقة في تاريخ تلك المدينة الصغيرة.
حنان !؟ هكذا بات الناس يسمونها. هادئة... ودودة... بشوشة .أصبحت جزءا من حكايات المدينة. تعبر الشارع وهي تحاور شخصا تراه،أو تحسه بجانبها.تتعب من الكلام. تتوقف. على صفحات مرآة تتخيلها في كفها،و من علبة مساحيق وهمية ، تضفي على وجهها جمالا مزعوما. تلقي نظرة أخيرة إلى مرآة كفها. تلتفت إلى الشخص الذي كانت تحدثه،أو تحسه بجانبها:
- انظر...متع عينيك...ألست وسيمة ؟ ألست جديرة ...؟
تذرف دموعا تسيل في اتجاه فمها... تتجرع ملوحتها. ثم تجري إلى غير غاية كغزالة بلا قطيع،و لا مرعى.
صارت حنان كثيرة القيء...تغيرت عاداتها في تناول الطعام... بات يلوح على وجهها قلق شديد،و تتصرف بعدوانية غامضة. تمر ببائع الفواكه الجافة...تطلب منه حبات لوز مرة... تقضمها متلهفة ، وتشرع في هرش جلدها حتى ينز الدم.
خلف هذا التغير المفاجئ، علامات استفهام كبيرة لدى الناس. لم تتبدد، إلا بعد أن شرع بطنها الضامر ينتفخ تدريجيا ، و كشف ثوبها الماحل، عن تكوره.تضغط عليه بكفيها. تحس الجنين يتحرك داخل رحمها. تدغدغها حركاته ، فتضحك ضحكات بريئة.
تعشق حنان الحمام.قضت الصباح كله في الساحة التي تتوسط المدينة مع أسرابه ، تقلده في هديله.
صرخت صرخة قوية.سقطت على الأرض تتلوى من الألم... داهمها وجع الطلق. نظرت إلى الحمام الذي يهدل بجانبها ،بعيون كسيرة، مفعمة بالأسى. لم تعد تدري أتقلد هديله،أم تصيح من شدة المغص ؟
- الله !؟ الله !؟ أيوجد تحت سمائك رجل بهذه الخسة،و القذارة، ذئب جائع تمتد شهوته إلى بلهاء بريئة ؟! أيكون قد ارتعش فوقها دون أن تميد به الأرض ؟ أتكون فهمت معنى أن يتأوَّه كلب مدنس على مداخل اللذة في جسدها المثخن بالجراح ؟
غرابة البشر، لا حدود لها، و سعيه خلف الشهوة، جعله يبحث عنها في أماكن لا يتصورها العقل، و يعمل على جَنْيها بطرق مقززة، تارة يكون ضبعا يجدها في الجثث، و تارة تتصابى شهوته، و تنحدر به إلى الدرك الأسفل من الخسة، فيجعل من صبية موضوعا لنزواته،و أخرى يجنيها من جسد منهك، لا يؤشر شيء على أنه مازال حيا سوى حركاته البلهاء، التي لا معنى لها.
تصيح حنان من شدة الوجع. تتلوى على الأرض.حفها الناس بثوب داكن لستر محنتها،أو ربما لإخفاء توسلاتها التي تدين الجميع.
أطلقت حنان صيحة رهيبة، و صل دويها سهيلا، و السهى، بل تجاوز صداها سدرة المنتهي.أعقبتها صرخة ثانية. كان ثمرة هذه اللذة الملعونة توأمان سقطا غدرا في ساحة الحمام.
خيم على الجميع صمت كثيف كدم الشهيد... ثقيل ككلمة الإخلاص . تناهت إلى مسامعنا دقات أجراس حزينة من كنائس بعيدة...سمع الجميع الآذان يرتفع في مساجد المدينة كلها.
ناء المشهد بكل ثقله على صدور الحاضرين. ارتفعت الحناجر بدعاء مخنوق ،ممزوج بالمرارة و الدموع.
حلقت فوق الرؤوس أجسام نورانية. حطت قرب الجثث الثلاث. كفنتها بأكفان ناصعة البياض.حنطتها بحنوط تفوح منه رائحة الفردوس. حملت الأجسام النورانية الجثث الثلاث، ثم اختفت خلف السحاب، و أذكار حزينة تساقط على ساحة الحمام من السماء.


قديم 09-21-2014, 07:47 AM
المشاركة 2
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
صباح الورد
ا. محمد الشرادي
من خلال النص الاول الذي اقراه لك اود ان ارحب بك في منابر ثقافية
و في الحقيقة كانت الفكرة التي طرحتها ممتازة جدا حول ازدواجية المجتمع في تطبيق الانظمة و الاحكام فالرجل الذي انتهك حنان بقي غير مدان مع انه بالقياس الى احدى القواعد الفقهية يدان كل رجل في محيطها و ثيمة اخرى تتناول بحث الرجل عن شماعة تبرر ضعفه او تدني مستوى تفكيره و يلقي على المراة تبعات كل شيء
حوارية جميلة و لغة تحمل صورا لطيفة مؤثرة
اتمنى ان اقرا لمك دوما
تحيتي لك

قديم 09-21-2014, 08:48 AM
المشاركة 3
ابو ساعده الهيومي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الاستاذ محمد الشرادي
لقد بلغت السنام في السرد والوصف والرسالة والخيال
" لم تعد تدري أتقلد هديله،أم تصيح من شدة المغص ؟ "

قديم 09-21-2014, 05:16 PM
المشاركة 4
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ محمد الشرادي

قبور في السماء ، عنوان موفق ، يحمل ضدية الحفرة العميقة في الأرض و معراج الروح إلى السماء . فهناك هبوط و أيضا هناك صعود . هذا العنوان ذو صبغة فلسفية ، حتى أنني عندما بدأت قراءة النص و في مقدمته الحوارية كادت تجنح إشاراته نحو تعددية الحقائق ، قبل أن يرسو الحوار على طاهر يؤمن بالمرأة الشيطانة ، وصديقه المؤمن بذئبية الرجل . ليس المهم في الغالب أي الطرحين صائب في النصوص ذات الطبيعة التساؤلية ، التي تثير الظاهرة كموضوع للملامسة و المناظرة ، و البحث عن أسباب العلة التي جعلت العلاقة بين شقين متكاملين يسودها نوع من التنافر و العداوة التي تتمظهر في التفاعلات العنيفة بينهما .
رغم أن النص كان إلى جانب المرأة في مجمله تمثيلا للنظرة التحررية ، و تضامنا مع حيف يطالها ثقافيا و اجتماعيا ، فأرى أن النص موفق في مجمله والقصة التي تضمنها الحوار جاءت في سياق الحجة التي يفرضها الحوار .
إذا كانت لغة النص متينة و جديرة بالاحترام و أيضا توظيفاتها الجمالية راقية و تعبر عن حرفية و امتلاك ناصية الوظائف الدلالية للمفردات ، فربما اعترى بعض التشويش بنية النص هذا طبعا وفق رؤيتي المتواضعة .

النص بدأ بمقدمة حوارية وجاء بحكاية على سبيل إقامة الحجة ، فعند نهاية النص بحثت عن صلب المقدمة لأجده متواريا وراء ثقل الحكاية ، ونسيت أن هناك نقاشا دائرا بين صديقين ، فالخاتمة مالت عن إطار المقدمة أو تجاهلته .
سآخذ مثالا عينيا في النص فلنتأمل معا هذا المقطع :

- الله !؟ الله !؟ أيوجد تحت سمائك رجل بهذه الخسة،و القذارة، ذئب جائع تمتد شهوته إلى بلهاء بريئة ؟! أيكون قد ارتعش فوقها دون أن تميد به الأرض ؟ أتكون فهمت معنى أن يتأوَّه كلب مدنس على مداخل اللذة في جسدها المثخن بالجراح ؟
غرابة البشر، لا حدود لها، و سعيه خلف الشهوة، جعله يبحث عنها في أماكن لا يتصورها العقل، و يعمل على جَنْيها بطرق مقززة، تارة يكون ضبعا يجدها في الجثث، و تارة تتصابى شهوته، و تنحدر به إلى الدرك الأسفل من الخسة، فيجعل من صبية موضوعا لنزواته،و أخرى يجنيها من جسد منهك، لا يؤشر شيء على أنه مازال حيا سوى حركاته البلهاء، التي لا معنى لها.


كلام الطاهر بيّن و ظاهر وهو عبارة عن تساؤلات : الله !؟ الله !؟ أيوجد تحت سمائك رجل بهذه الخسة،و القذارة، ذئب جائع تمتد شهوته إلى بلهاء بريئة ؟! أيكون قد ارتعش فوقها دون أن تميد به الأرض ؟ أتكون فهمت معنى أن يتأوَّه كلب مدنس على مداخل اللذة في جسدها المثخن بالجراح ؟
بينما الذي جاء بعده هو تدخل من الكتاب مباشر في النص و ليس على لسان أحد بطليه فالسياق الحواري للنص يستوجب جوابا عن استفهامات البطل . هذا إن لم تكن تساؤلات الطاهر لا توازي مقدار انزعاجه من النساء ، فربما تدخله جاء في صالح المرأة أكثر من اللازم وليس فقط تعاطفا مع البطلة ، و هو نقيض البداية تماما .
حقيقة لست ضد ما جاء في هذه التدخل من الكاتب في النص من حيث ما جاء به من أفكار ، فهذه الجملة التفسيرية تحمل العديد من الظواهر الخطيرة على المجتمع ، كتزويج الطفلات ، أو ممارسة الجنس على الأموات ، فالنص استحضر هنا ـ فتوى ـ مثيرة للجدل حول امكانية ممارسة الجنس على الزوجة الميتة من زوجها ، كما استحضر فتوى تزويج الفتيات في سن التاسعة حسب فتوى أخرى أثارت زوبعة في المجتمع الحقوقي المغربي . لكن المشكل يكمن في طريقة اقحام هذه الجملة في النص .



أطلقت حنان صيحة رهيبة، و صل دويها سهيلا، و السهى، بل تجاوز صداه سدرة المنتهي .


ما أروع هذه الصورة أخي محمد الشرادي ، هناك اشتغال عملاق على موسيقى الجملة ، و تمنيت لو حذفت كلمة تجاوزت و لو أنها مجازية فربما سدرة المنهى هي قمة النهاية ، فيمكن أن نقول بل جاور صداه سدرة المنهى .
اخترت هذه الجملة لأشرح سهيلا : وهو نجم من النجوم ، والسهى كوكب بعيد مخفي . وعلى ذكر ـ سهيلا ـ فقد أبدعت باستحضار رائعة عمر بن ربيعة إذ يقول :



أيها المنكح الثريا سهيلاً
عَمْرَك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت
وسهيل إذا استقل يماني



تقبل مروري أستاذ محمد . فالنصوص الغنية تحتاج دائما لمن يحاورها .

قديم 09-22-2014, 12:52 PM
المشاركة 5
حسام الدين بهي الدين ريشو
مشرف منبر بـــوح المشـاعـر

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أثار انتباهي شبه امرأة تقف على الرصيف. تخلى عنها الحظ ، و تكالبت عليها صروف الدهر. و قفت ساهمة ، تتأبط مجلد حزنها، و تلوك موال غربتها. تحدج المارة بعينين أشبه بعيني بقرة سقيمة. تغطي شعرها المنفوش بقبعة من الدُّوم. تستر جسدها النحيل الذي رمت به الظروف بين براثن الشيخوخة المبكرة بأسمال فقدت ألوانها.
===============================================
راقت لى هذه الفقرة كثيرا
بما تحمله
من امتياز العبارة
وروعة الصورة الأدبية
واعجبنى التعبير الوليد على يد القاص محمد الشرادي ( مجلد الحزن )
نعم ياسيدي
صار للحزن مجلدات تملأ أرفف الحياة
أينما توجهنا

والقصة تعالج الاقنعة التى نرتديها
عندما ندعى التمسك بالفضيلة
بينما نحن من سقوا بتلاتها حتى ترعرعت


اخى الاستاذ / محمد الشرادي
انحناءة تقدير واعزاز
وكن بألف خير

قديم 09-22-2014, 04:56 PM
المشاركة 6
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
صباح الورد
ا. محمد الشرادي
من خلال النص الاول الذي اقراه لك اود ان ارحب بك في منابر ثقافية
و في الحقيقة كانت الفكرة التي طرحتها ممتازة جدا حول ازدواجية المجتمع في تطبيق الانظمة و الاحكام فالرجل الذي انتهك حنان بقي غير مدان مع انه بالقياس الى احدى القواعد الفقهية يدان كل رجل في محيطها و ثيمة اخرى تتناول بحث الرجل عن شماعة تبرر ضعفه او تدني مستوى تفكيره و يلقي على المراة تبعات كل شيء
حوارية جميلة و لغة تحمل صورا لطيفة مؤثرة
اتمنى ان اقرا لمك دوما
تحيتي لك
أهلا اختي ريم
شكرا على المرور البهي الذي رفع من شأن القصة و حفز صاحبها على المزيد من الإبداع.
أعدك ان أقدم نصوص تتحفك إن شاء الله.
تحياتي

قديم 09-22-2014, 04:57 PM
المشاركة 7
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الاستاذ محمد الشرادي
لقد بلغت السنام في السرد والوصف والرسالة والخيال
" لم تعد تدري أتقلد هديله،أم تصيح من شدة المغص ؟ "
أهلا اخي أبو ساعدة
أشكرك اخي على تعليقك الجميل و تحفيزك الذي يشحذ الهمم.
تحياتي

قديم 09-22-2014, 05:17 PM
المشاركة 8
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ محمد الشرادي

قبور في السماء ، عنوان موفق ، يحمل ضدية الحفرة العميقة في الأرض و معراج الروح إلى السماء . فهناك هبوط و أيضا هناك صعود . هذا العنوان ذو صبغة فلسفية ، حتى أنني عندما بدأت قراءة النص و في مقدمته الحوارية كادت تجنح إشاراته نحو تعددية الحقائق ، قبل أن يرسو الحوار على طاهر يؤمن بالمرأة الشيطانة ، وصديقه المؤمن بذئبية الرجل . ليس المهم في الغالب أي الطرحين صائب في النصوص ذات الطبيعة التساؤلية ، التي تثير الظاهرة كموضوع للملامسة و المناظرة ، و البحث عن أسباب العلة التي جعلت العلاقة بين شقين متكاملين يسودها نوع من التنافر و العداوة التي تتمظهر في التفاعلات العنيفة بينهما .
رغم أن النص كان إلى جانب المرأة في مجمله تمثيلا للنظرة التحررية ، و تضامنا مع حيف يطالها ثقافيا و اجتماعيا ، فأرى أن النص موفق في مجمله والقصة التي تضمنها الحوار جاءت في سياق الحجة التي يفرضها الحوار .
إذا كانت لغة النص متينة و جديرة بالاحترام و أيضا توظيفاتها الجمالية راقية و تعبر عن حرفية و امتلاك ناصية الوظائف الدلالية للمفردات ، فربما اعترى بعض التشويش بنية النص هذا طبعا وفق رؤيتي المتواضعة .

النص بدأ بمقدمة حوارية وجاء بحكاية على سبيل إقامة الحجة ، فعند نهاية النص بحثت عن صلب المقدمة لأجده متواريا وراء ثقل الحكاية ، ونسيت أن هناك نقاشا دائرا بين صديقين ، فالخاتمة مالت عن إطار المقدمة أو تجاهلته .
سآخذ مثالا عينيا في النص فلنتأمل معا هذا المقطع :

- الله !؟ الله !؟ أيوجد تحت سمائك رجل بهذه الخسة،و القذارة، ذئب جائع تمتد شهوته إلى بلهاء بريئة ؟! أيكون قد ارتعش فوقها دون أن تميد به الأرض ؟ أتكون فهمت معنى أن يتأوَّه كلب مدنس على مداخل اللذة في جسدها المثخن بالجراح ؟
غرابة البشر، لا حدود لها، و سعيه خلف الشهوة، جعله يبحث عنها في أماكن لا يتصورها العقل، و يعمل على جَنْيها بطرق مقززة، تارة يكون ضبعا يجدها في الجثث، و تارة تتصابى شهوته، و تنحدر به إلى الدرك الأسفل من الخسة، فيجعل من صبية موضوعا لنزواته،و أخرى يجنيها من جسد منهك، لا يؤشر شيء على أنه مازال حيا سوى حركاته البلهاء، التي لا معنى لها.


كلام الطاهر بيّن و ظاهر وهو عبارة عن تساؤلات : الله !؟ الله !؟ أيوجد تحت سمائك رجل بهذه الخسة،و القذارة، ذئب جائع تمتد شهوته إلى بلهاء بريئة ؟! أيكون قد ارتعش فوقها دون أن تميد به الأرض ؟ أتكون فهمت معنى أن يتأوَّه كلب مدنس على مداخل اللذة في جسدها المثخن بالجراح ؟
بينما الذي جاء بعده هو تدخل من الكتاب مباشر في النص و ليس على لسان أحد بطليه فالسياق الحواري للنص يستوجب جوابا عن استفهامات البطل . هذا إن لم تكن تساؤلات الطاهر لا توازي مقدار انزعاجه من النساء ، فربما تدخله جاء في صالح المرأة أكثر من اللازم وليس فقط تعاطفا مع البطلة ، و هو نقيض البداية تماما .
حقيقة لست ضد ما جاء في هذه التدخل من الكاتب في النص من حيث ما جاء به من أفكار ، فهذه الجملة التفسيرية تحمل العديد من الظواهر الخطيرة على المجتمع ، كتزويج الطفلات ، أو ممارسة الجنس على الأموات ، فالنص استحضر هنا ـ فتوى ـ مثيرة للجدل حول امكانية ممارسة الجنس على الزوجة الميتة من زوجها ، كما استحضر فتوى تزويج الفتيات في سن التاسعة حسب فتوى أخرى أثارت زوبعة في المجتمع الحقوقي المغربي . لكن المشكل يكمن في طريقة اقحام هذه الجملة في النص .



أطلقت حنان صيحة رهيبة، و صل دويها سهيلا، و السهى، بل تجاوز صداه سدرة المنتهي .


ما أروع هذه الصورة أخي محمد الشرادي ، هناك اشتغال عملاق على موسيقى الجملة ، و تمنيت لو حذفت كلمة تجاوزت و لو أنها مجازية فربما سدرة المنهى هي قمة النهاية ، فيمكن أن نقول بل جاور صداه سدرة المنهى .
اخترت هذه الجملة لأشرح سهيلا : وهو نجم من النجوم ، والسهى كوكب بعيد مخفي . وعلى ذكر ـ سهيلا ـ فقد أبدعت باستحضار رائعة عمر بن ربيعة إذ يقول :



أيها المنكح الثريا سهيلاً
عَمْرَك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت
وسهيل إذا استقل يماني



تقبل مروري أستاذ محمد . فالنصوص الغنية تحتاج دائما لمن يحاورها .
أهلا اخي ياسر
أولا دعني اعبر لك عن فخري و اعتزازي ان يكون مشرف بهذه النظرة النقدية الواعية التي أحاطت بالنص من أولى عتباته إلى قفلته.، و هذا عمل من صميم المشرف الجيد.
ثانيا أشكرك على هذا النقد البناء و هو خطوة ضرورية بها نرتقي جميعنا كتابا وقراء ة نقادا.
بالنسبة للسؤالين في الفقرة التي أوردتها.هما سؤالان إنكاريان يحملان الجواب في طياتهما، و يؤتي بالسؤال الإنكاري لتاكيد فحوى السؤال.فلذلك ليس من الضروري ان يكون لهما جواب.
ما ورد كرد على السؤال هو مرافعة كانت طويلة جاءت بتدخل مباشر من الكاتب، لأن القضية المطروحة قضية صادمة تتجلى في تعرض المهمشات إلى الاعتداء الجنسي و هو عمل مخز يحتاج إلى أن نرافع عنه بصوت عال. و لكني اختزلت تلك المرافعة الطويلة لأنها أثرت على النص.
و هذه المرافعات ستجدها إن شاء الله في بعض النصوص التي تعالج قضايا إنسانية حساسة و ذات خطورة اجتماعية.
فيما يخص تجاوز سدرة المنتهى هو مبالغة محودة لتصوير هول الفاجعة.و أنا أعرف أن سدرة المنتهى عندها ينتهي علم الخلائق، و لا يبقى إلا علم ربي ذي الجلال و الإكرام. لا يتجاوزها إلا من نال رخصة الخالق. فجبريل عليه السلام بكل جلاله لم يقدر على تجوازها، بينما الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه و سلم تجاوزها بإذن من الخالق.
وجدت اقتراحك باستبدال كلمة تجاوز ب جاوز أجمل و أكثر انسجاما مع أيقاع الجملة.
شكرا أخي ياسر على تعلقك المائز، و اتمنى منك ان تستمر في توجيه ما تراه مناسبا من نقد لكل ما أكتبه لا تتردد فأنا أتسم بسعة الصدر و تقبل آراء الآخرين.
بالمناسبة هل أنت مغربي.؟
تحياتي أيها الجميل.

قديم 09-22-2014, 11:34 PM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هذا نص سردي سحري اخر شديد الروعة للأستاذ محمد والذي اجده متمكن من حشد عدد من عناصر التأثير على المتلقي.

يقال ان اعظم عناصر التأثير على الاطلاق على ذهن المتلقي هو تسخير التضاد ونجد في هذا النص ان الاستاذ محمد لم يمهل المتلقي اي وقت دون ان يعصف بذهنه حينما تحدث في العنوان عن قبور في السماء ففجر بذلك قنبلته الاولى بالغة التأثير .

ولا شك ان العنوان يحمل في ثناياه ايضا الكثير ويورط المتلقي مباشرة الذي يندفع لقراءة النص للتعرف على ىسر هذه القبور التي في السماء.

اما العنصر الاخر من عناصر التأثير البليغ على المتلقي فيتمثل في استحضار التراث الديني والذي يبدو ان الاستاذ محمد يتقنه في كل قصصه ويعكس ثقافته الدينية التي منحته قوة التعبير اللغوي المستمدة من النصوص القرانية ، وقد فعل ذلك هنا باستخدام عدد من الكلمات التي تحمل الكثير من المعني كونها مقتبسه من القران الكريم مثل (اعتصم بجبل و لا تسمع فيه لاغية) وفي اخر النص يتحدث عن دم الشهيد وأجسام نورانية مما يمنح النص بعدا اضافيا كون هذه الكلمات ذات دلالة عميقة ويرتبط فيها قداسة يستحضرها المتلقي تلقائيا عند قراءتها.

طبعا الحوار من اهم عناصر التأثير في النصوص السردية لانه يجعل ابطال النص وكانهم احياء بيننا وهو ما يمنح النص حياة ويجعله بالغ التأثير ونجد ان الاستاذ محمد لجأ الى استخدام هذا الحوار لمنح نصه الحياة ويجعله بالغ التأثير .

أيضاً استخدام تكنيك القصة داخل القصة اسلوب ناجح في لفت الانتباه للحدث الرئيسي الذي أراد القاص ايصاله للمتلقي وهنا نجد ان بطل القصة ليس المتحدث وليس صديقه الذي يحاوره في مطلع القصة وانما هم شخصيات ثانوية ، بل هو تلك الفتاة التي تم الاعتداء عليها( حنان ) والتي اسهب القاص في وصفها ووفق في بناء شخصيتها وجعلها مكتملة البناء round character وكانها من بنات الحي وليست بطلة في نص قصصي .

وهو هنا أيضاً يلجا الى تكنيك البطل ونقيضه حيث نجده يجعل المعتدي نقيض البطل ولا نكاد نعرف عنه شيء سوى تصرفة الاجرامي تجاه هذه الفتاة المسكينة البائسة ، وهو أيضاً اسلوب مؤثر في المتلقي لانه يعكس الصراع الذي تتمحور حوله الحبكة . والنص الذي يتمحور حول صراع هو نص مؤثر لانه تقليد للحياة التي تقوم على الصراع.

واتصور ان الاستاذ محمد انما اختار اسم ( حنان ) حتى يستدر تعاطف المتلقي مع بطلة النص .

طبعا الوصف جميل للغاية وجملة النهاية والحديث عن اصوات اجراس الكنائس والأذان والأجسام النورانية يمنح النص شكل من اشكال القدسية ولو كان ذلك على مستوى اللاوعي وذلك له وقع شديد على المتلقي.

ونجده أسهب في استخدام حرف السين او مشتقاته مثل الصاد والشين وهو الحرف الذي له جرس موسيقي بديع بالغ الوقع والتأثير في المتلقي وهو من احرف الهمس كما في الجملة التالية :
( أطلقت حنان صيحة رهيبة، و صل دويها سهيلا، و السهى، بل تجاوز صداها سدرة المنتهي.أعقبتها صرخة ثانية. كان ثمرة هذه اللذة الملعونة توأمان سقطا غدرا في ساحة الحمام.
خيم على الجميع صمت كثيف كدم الشهيد... ثقيل ككلمة الإخلاص . تناهت إلى مسامعنا دقات أجراس حزينة من كنائس بعيدة...سمع الجميع الآذان يرتفع في مساجد المدينة كلها. )

اسلوب سردي رائع وبالغ التأثير ويستحق التصفيق.


قديم 09-25-2014, 04:31 PM
المشاركة 10
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
هذا نص سردي سحري اخر شديد الروعة للأستاذ محمد والذي اجده متمكن من حشد عدد من عناصر التأثير على المتلقي.

يقال ان اعظم عناصر التأثير على الاطلاق على ذهن المتلقي هو تسخير التضاد ونجد في هذا النص ان الاستاذ محمد لم يمهل المتلقي اي وقت دون ان يعصف بذهنه حينما تحدث في العنوان عن قبور في السماء ففجر بذلك قنبلته الاولى بالغة التأثير .

ولا شك ان العنوان يحمل في ثناياه ايضا الكثير ويورط المتلقي مباشرة الذي يندفع لقراءة النص للتعرف على ىسر هذه القبور التي في السماء.

اما العنصر الاخر من عناصر التأثير البليغ على المتلقي فيتمثل في استحضار التراث الديني والذي يبدو ان الاستاذ محمد يتقنه في كل قصصه ويعكس ثقافته الدينية التي منحته قوة التعبير اللغوي المستمدة من النصوص القرانية ، وقد فعل ذلك هنا باستخدام عدد من الكلمات التي تحمل الكثير من المعني كونها مقتبسه من القران الكريم مثل (اعتصم بجبل و لا تسمع فيه لاغية) وفي اخر النص يتحدث عن دم الشهيد وأجسام نورانية مما يمنح النص بعدا اضافيا كون هذه الكلمات ذات دلالة عميقة ويرتبط فيها قداسة يستحضرها المتلقي تلقائيا عند قراءتها.

طبعا الحوار من اهم عناصر التأثير في النصوص السردية لانه يجعل ابطال النص وكانهم احياء بيننا وهو ما يمنح النص حياة ويجعله بالغ التأثير ونجد ان الاستاذ محمد لجأ الى استخدام هذا الحوار لمنح نصه الحياة ويجعله بالغ التأثير .

أيضاً استخدام تكنيك القصة داخل القصة اسلوب ناجح في لفت الانتباه للحدث الرئيسي الذي أراد القاص ايصاله للمتلقي وهنا نجد ان بطل القصة ليس المتحدث وليس صديقه الذي يحاوره في مطلع القصة وانما هم شخصيات ثانوية ، بل هو تلك الفتاة التي تم الاعتداء عليها( حنان ) والتي اسهب القاص في وصفها ووفق في بناء شخصيتها وجعلها مكتملة البناء round character وكانها من بنات الحي وليست بطلة في نص قصصي .

وهو هنا أيضاً يلجا الى تكنيك البطل ونقيضه حيث نجده يجعل المعتدي نقيض البطل ولا نكاد نعرف عنه شيء سوى تصرفة الاجرامي تجاه هذه الفتاة المسكينة البائسة ، وهو أيضاً اسلوب مؤثر في المتلقي لانه يعكس الصراع الذي تتمحور حوله الحبكة . والنص الذي يتمحور حول صراع هو نص مؤثر لانه تقليد للحياة التي تقوم على الصراع.

واتصور ان الاستاذ محمد انما اختار اسم ( حنان ) حتى يستدر تعاطف المتلقي مع بطلة النص .

طبعا الوصف جميل للغاية وجملة النهاية والحديث عن اصوات اجراس الكنائس والأذان والأجسام النورانية يمنح النص شكل من اشكال القدسية ولو كان ذلك على مستوى اللاوعي وذلك له وقع شديد على المتلقي.

ونجده أسهب في استخدام حرف السين او مشتقاته مثل الصاد والشين وهو الحرف الذي له جرس موسيقي بديع بالغ الوقع والتأثير في المتلقي وهو من احرف الهمس كما في الجملة التالية :
( أطلقت حنان صيحة رهيبة، و صل دويها سهيلا، و السهى، بل تجاوز صداها سدرة المنتهي.أعقبتها صرخة ثانية. كان ثمرة هذه اللذة الملعونة توأمان سقطا غدرا في ساحة الحمام.
خيم على الجميع صمت كثيف كدم الشهيد... ثقيل ككلمة الإخلاص . تناهت إلى مسامعنا دقات أجراس حزينة من كنائس بعيدة...سمع الجميع الآذان يرتفع في مساجد المدينة كلها. )

اسلوب سردي رائع وبالغ التأثير ويستحق التصفيق.

أهلا اخي أيوب
لست ادري ما أقول امام هذه الإضاءة الرائعة للقصة.
سأكون بسيطا و أقول لك شكرا على هذا البهاء.شكرا على التحليل الحرفي الجميل.
أتمنى ان تواكب ما سأكتبه في هذا المنتدى، و اتمنى ان أكون في مستوى وعيك النقدي.
ابق بالقرب أيها الجميل.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قبور في السماء
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كل هذه السماء أزهر عمر قاسم منبر البوح الهادئ 6 07-28-2023 01:13 PM
(( بعد السلام )) موسى غلفان واصلي منبر الشعر العمودي 4 01-27-2021 01:18 AM
كيف السلام نبيل أحمد زيدان منبر الشعر العمودي 7 10-04-2020 03:32 PM
ما كان موسي عليه السلام خائفا , ولا كان سليمان عليه السلام أنانيا محمد جاد الزغبي منبر الحوارات الثقافية العامة 8 08-20-2019 01:27 AM
قبور بلا زهور فاضل الحلو منبر شعر التفعيلة 8 02-07-2011 12:09 PM

الساعة الآن 02:10 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.