قصة "مشروع كتاب الحضارة العربية في الأندلس" لسلمى الجيوسي بقلم الدكتورة مديحة عتيق/ال
قصة "مشروع كتاب الحضارة العربية في الأندلس" لسلمى الجيوسي
بقلم الدكتورة مديحة عتيق/الجزائر
سبق أن قدمت مقال عن سلمى الجيوسي صاحبة مشروع بروتا (ترجمة روائع الأدب العربي إلى الإنجليزية) وهو ليس المشروع الوحيد الذي أنجزته هذه المرأة العظيمة بل لها مشاريع أخرى منها مشروع كتاب الأندلس الذي أنجزته عام 1992 بمناسبة مرور 500 سنة على سقوط الأندلس ، دعونا نستمع إليها تروي قصّة مغامرتها مع هذا الكتاب للكاتب الأستاذ فؤاد نصر الله، تقول:
- في أواخر عام 1986م، أو بدايات عام 1987م كنت أقرأ جريدة عالمية فانتبهت إلى أن سنة 1992م قادمة، وهي توافق ذكرى مرور خمسمائة عام على سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس، قلت في نفسي: لابد من إصدار كتاب ليواكب هذه المناسبة. كتبت مخاطبة جميع وزارات الثقافة العربية، لم تفعل واحدة منها أي شيء، ولم يتنزل العـرب في إرسال أي رد بالاعتذار، بل التزمت أغلب الوزارات بالصمت. عرفت يومها أنّ أمامنا مشكلة حضارية لا يشعرون بحرجها. ولقد حزنت من قلبي على هذا المسلك. في تلك الفترة البائســة الملأى بالقهـر من استكانة العـرب، التقيت مصادفـة بأستاذة أمريكية باحثة متخصصة بالأندلس.
سألتها: كيف حالك؟
قالت: لا تسألينني عن حالي، بل اسألي عن حال العرب.
قلت: لماذا؟ قالت: أنا عائدة الآن من إسبانيا. اسمعي يا سلمى. الإسبان يعدّون احتفالات عظيمة لذكرى استعادة البلاد من العرب. والأمريكان يعدّون كذلك احتفالات هائلة في ذكرى اكتشاف كولومبس للقارة سنة1492م، كذلك فإن اليهود يعدّون أكبر مؤتمر في تاريخ الإنسانية في اسطنبول يكرسونه لذكرى طرد اليهود من إسبانيا بعد ذلك التاريخ. فماذا فعلتم أنتم؟
- لم يرض سفير عربي واحـد أن يقابلني بينما احتفى بي السفير الإسرائيلي حفاوة بالغة!
أحسست لحظتها أن النار تنبعث من بين ضلوعي. قلت لها: كنت أحـاول أن يكون لنا مشاركة، وقد كتبت لجميع وزراء الثقافة العرب فلم يردوا. لا فائدة من ذلك.
وفكرت في نفسي: تـرى هل يساعدنا الأغا خــان؟ وكان عندي صديق شهير مختص بالمدينة الإسلامية هو الأستاذ الدكتور أوليج جـرابـار، فذهبت إليه و سألته: هل يمكنك أن تساعدني في الحصول على دعم لكتاب عن الأندلس؟ هل تساعدني مع الأغا خان؟
رد علي: لِمَ لا؟ كنت أعرف أنه إذا اقتنع بالمسألة فلديه تأثير على الأغا خان، فكتبنا إليه وبدأت المشاورات. أنت تعرف أن الأغا خان هذا شخص مشهور جداً، فهو زعيم الفئة الاسماعيلية في العالم ـ ويهتم كثيراً بإنقاذ الآثـار الإسلامية، فكتبنا إليه ولم نحصل على خطاب بالإيجاب الكامـل إلا في مطلع التسعينيات بعد أن أمضيت 14 شهراً أتراسل مع وقفيته في باريس وجنيف. آه كم صبرت، ولكنني كنت واثقة من أنه سيساعدني في النهاية والحقّ أنه اختار مشروعي من بين عشرة مشاريع أخـرى عـرضت عليه. نلنا منحة منه للكتاب الأندلسي في مطلع سنة 1990م، وبإمكانك أن تتخيل مقدار السـرعة التي عملنا بها حتى ننهي كل شيء ونصدر الكتاب قبل مرور 1992م!
شراء العقول
ما فكرة هذا الكتاب؟
- أن ننشر كتاباً شاملاً كل الشمول عن الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، وذلك باللغة الإنجليزية. كانت حضارة عظيمـة سامقة هي أساس أنكره الغرب طويلاً في نهضتهم. لم أكن متخصصة بالأندلس، لكنني أعرف كيف أصمم كتاباً كبيراً وكيف أحرره مستعينة بالمختصين.كل هذا أعرفه بالغريزة، فأنا أقرأ وأكون رأياً، وأستشير الثقاة. إذا كنت ـ أنت ـ تستطيع أن تقرأ وتستوعب، وإن كان كبرياؤك لا تمنعك من أن تستشير من يفيدك، وإذا كنت قوياً وقادراً، فتستطيع أن تحرر كتاباً شاملاً كاملاً.
عندما أقرت المنحة حدثني المهندس المختص بمشروعي إن المنحة جاهزة شريطة أن أوافق على القيام بمؤتمر حول الموضوع يعقد في بيت آل ظافر وهو بيت أندلسي من القرن الرابع عشر كان الأغا خان قد أقـر ترميمه ويجهز عام 1991م. كان الوقت محشوراً بالنسبة للكتاب الذين سأكلفهم، ولكني غامرت ووافقت، بل اقترحت بأن يدعى جلالة ملك إسبانيا لافتتاح المؤتمـر وهذا ما حصل وبنجاح مرموق. إن ملك إسبانيا من ألطف الناس. إنسان في منتهى الكياسة واللطف والتهذيب. شخص متمدن جداً.
بدأت العمل الجدي ربيع 1990م، بعد أن أنهيت أعمالاً كنت مرتبطة بها. في آذار /مارس تفرغت كلياً للأندلس وتركت كل شيء عـداه. ذهبت إلى لندن، وقابلت رحمة الله عليه الأستاذ والمؤرخ الشهير ألبرت حوراني، وكان يعزني ويكرمني، جاء ثلاث مرات إلى جامعة لندن، واجتمع معي فيها، وكل مرة كان يقدم لي عدداً جديداً من المصادر. وعدت، إلى بيتي في «بوسطن» وجلست منكفئة على عملي. أكاد أقول أقفلت علي الباب، وامتنعت عن مقابلة الناس، كنت في الصباح أذهب إلى الجامعة، أراجع مصادري من الكتب كتاباً كتاباً، حتى قرأت جميع الكتب التي أعطاني أسماءها الأستاذ ألبرت حوراني، وكنت قد أخذت أسماء مصادر أخرى من أساتذة آخرين واكتشفت عدداً سواها.
وماذا عن طباعة هذا الكتاب، من تكفل به أو طبعه؟
- في خريف سنة 1991م قررت أن أحضر مؤتمر دوائر الشرق الأوسط (mesa).
وهو مؤتمر سنوي في أمريكا، ويشترك فيه جميع أكاديميي دراسات الشرق الأوسط. كانت غايتي هي أن أقابل أندريه ريموند وهو واحد من أهم المختصين بالمدينة الإسلامية (ذلك لأني كنت قد بدأت بالإعـداد لتحرير كتاب عن المدينة الإسلامية وأصبح عقلي منشغلاً بهذه الفكرة). لم أستطع أن ألتقي بأندريه ريموند، لأنني عندما ذهبت إلى الفندق الذي يقيم فيه كان قد سافر، لكنني التقيت في هذه الرحلة بممثل دار «بريل» للنشر بهولندا وكانت الدار قد نشرت لي كتابي المطول عن الشعر العربي الحديث.
سألني مسؤول الــدار: ماذا عندك من كتب جديدة؟
قلت له: كتاب شامل عن الأندلس. قال: نحن ننشره. قلت، بدهشة: أنت لم تره. فرد: نحن نعرف شغلك، ونريد هذا الكتاب.
ولكنني قلت للمسئول: سأعطيه لكم على شرط أن يصدر سنة 1992م، رد علي: إذا أنت أعطيتني إياه بحد أقصى ربيع 1992م سأصدره في الموعد الذي حددته لي.
وبالفعل، أرسلت إليه المخطوطة في إبريل (نيسان) 1992م، وصدر الكتاب الكبير في أكتوبر من نفس العام. 94 فصلاً وصــور عديدة وست خرائط، يقع في أكثر من 1200 صفحة، وقد ألمّ بجميع تفاصيل الحضارة الأندلسية من فن الطهي إلى علم الفلك، جميع مرافق تلك الحضــارة السامقة.
ارتحت كثيراً لهذا الإلهام الذي ذهب بي إلى ذلك المؤتمر وصدر الكتاب في أكتوبر (تشرين أول) 1992م."
في الختام لا يزال لنا حديث آخر عن إنجازات هذه السيدة وصدق من قال إنّها "امرأة كألف و ألف كأفّ"
التعديل الأخير تم بواسطة الدكتورة مديحة عتيق ; 09-03-2011 الساعة 05:18 PM
سبب آخر: تكرار النص