سيدة النبؤات
رواية قصيرة
الحلقة الاولى
يهز أعماقك انكساري وتجتاحكِ الشفقة تجاهي وهذا خطأ ارتكبته قبلكِ- لذا تم اختيارك كما اختاروني قبلك... تدونين شيئا ما في مذكرتك...ألقى نظرة على معطفك الأبيض وعلى السماعة المعلقة في رقبتك فابتسم في زهو فكم حلمت أن أصير طبيبة. تجتاحني رغبة في إنهاءالقصة الآن لكن الطقس يطلب أن اروي لك الأمر..
تنصتين باهتمام – هل أثرت فضولك!! أم هو عملك فقط ؟ أعود بذاكرتي لعشرين عاما مضت لرحلة الجامعة للأقصر وأسوان، لن اسرد كثيرا من التفاصيل، فانا لا اذكرها، لا اذكر سوى حين رست الباخرة في ادفو، اندفعت كباقي زميلاتي على الرصيف لشراء الخواتم والعقود المصنوعة بمهارة فائقة وبأسعار زهيدة.
كانت هناك تجلس منزوية عجوز واهنة، وقد نامت في استكانة، تلف ذراعيها اتقاء لبرد الصعيد المسائي، وبضاعتها أمامها لا يقربها احد. هز أعماقي انكسارها، واجتاحتني الشفقة تجاهها. لمستها بخفة لتستيقظ، نظرت لي بعيونها اللامعة وهى تعرض على بعض العقود، لم التفت لشيء سوى أن أعطيها بعض النقود، لمستُ يدها بخفة فارتعشتُ من برودة أناملها.
مضت الرحلة بسلام، ومضت ورائها أعوام، كنت حقا بارعة في عملي، أجيد اقتناص الفرص، وأفضل الأسعار للعروض السياحية، بينما تزوجت كثير من الزميلات، وتباعدت من تباعدت، وبقيت من بقيت على اتصال بي عبر الشبكة العنقودية.
كنت اخصص وقتا للشات في المساء.. تراصت كلمات صديقتي على شاشة اللاب... زوجي مريض هذه الأيام ولا اعرف ما به؟
كتبت لها هو مريض بالذنب لأنه تزوج عليك، وأضفت ابتسامة السخرية والتهريج الشهيرة.
أما الأخرى فكتبت لي تصف معاناتها مع زوجها، إنها تفكر في تأجيل الإنجاب، ولكن زوجها يضغط عليها. كان ردى لها أيضا بكل سخرية أنها لن تنجب أبدا، وان بها علة ما..
أما الثالثة فكانت تحدثني عن هيام زوجها بها، واهتمامه بها، وبطفلهما الوليد، ولا اعرف أي شيطان جعلني اكتب لها وهل أخبرته أن الطفل ليس منه؟!
وهل كان لي أن اعلم أن زوجها بجانبها؟ وانه لا يأخذ الأمر على محض العبث والتهريج؟ وانه سيعمل كثير من الفحوصات؟ وأنها ستدخل مكتبي منهارة وتدعى على بالخراب كما خربت حياتها بعد أن تابت واستقرت حياتها، وان ما فعلته خطأ واحد لم يعرفه احد، فكيف عرفته وكشفت سرها؟!
أنقذوني منها بأعجوبة.. وأنا في ذهول؟ كيف هذا؟!
لم يكن هذا نهاية المطاف فقد تحققت النبوءتان الأخريان، فقد اكتشفت الأخرى زواج زوجها وخيانته وتحطمت حياتها. أما الأخرى فقد عملت بعض الفحوصات لتثبت أنها عاقر، وتحطمت حياتها أيضا.
انتشرت الحكايات الثلاث كالهشيم، وصرت اللعنة المقدسة لدى الأصدقاء والأقرباء. ويبدوا أن الأمر كان هكذا منذ البداية... إني اعلم أشياء خلف الأستار! حينما سألني الطبيب النفسي الذي لجأت إليه:
- هل مارست أي نوع من أنواع السحر؟ استفزني السؤال فركزت في وجهه لماذا تحتملها؟؟!!
- غمم بخفوت مقيت يمارسه كل أطباء النفس من!!
- زوجتك إنها في هذه اللحظة بالذات تخونك مع هذا الجار المسمى هشام..
أي جنون فعلته بهذا الطبيب المسكين ليتصدر اسمه عناوين الصحف؟... "طبيب نفسي شهير يطارد زوجته وعشيقها بمسدس بعد ضبطهما يمارسان الرذيلة"... رميت الجريدة بإحباط ...إنى بحاجة للابتعاد ...لا احد من الصديقات يجيب اتصالاتي، وحيدة في عيد ميلادي الثلاثون.
هاجر أخي الوحيد وتركني...في آخر اتصال لي معه طلبت منه أن يترك كاتي زوجة صديقه ويلي فى حالها...أغلق في وجهي الخط، وحذف كل حسابات البريد الاليكتروني التي تربطني به... يبدو انه كان يعرف شيئا ما عنى منذ البداية!؟ شيئا لم اكتشفه إلا مؤخرا...ألقيت صوره وصور العائلة في سلة المهملات...
مزيد من الذكريات تؤرقني، غير أنها الصور تنبئني بإحداث مقززة مرت بهذا البيت وبكل ما تحويه الصور من خالات وأعمام وأولادهم.
حينما اصمت تعاودين النظر إلى باهتمام وفضول... ترغبين بالمزيد... لك وجه رقيق، وأنامل صغيرة، أيتها الطبيبة...يحزنني أنهم اختاروك كما اختاروني... إني هنا منذ سبع سنوات لم أتكلم مع احد سواك...
يتبع،