احصائيات

الردود
41

المشاهدات
30405
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
12,768

+التقييم
2.31

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
06-02-2011, 08:59 AM
المشاركة 1
06-02-2011, 08:59 AM
المشاركة 1
افتراضي قراءة نقدية معمقة لقصص مبارك الحمود
قراءة نقدية معمقة ومغايرة لقصص مبارك الحمود

فيما يلي قراءة نقدية معمقة ومغايرة لقصص القاص مبارك الحمود احاول فيها فكفكة رمزية وغموض هذه النصوص العبقرية وابراز مكامن الجمال فيها- عسى ان يدور نقاش حول هذه الدراسة والقراءة المعمقة:

اولا : "قصة الظل"

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما يكون الماضي ليس سوى ظل يلاحقك أينما تذهب بدون أن يلمسك, تبحث عنه بين طيات جسدك, و تفكر:" يا ترى أين هو مربوط!؟, أهنا أم هناك؟!", و حينما تذهب إلى فراشك وتُطفئ الأنوار يتبدد إليك الخوف, فكل ما حولك صار ظلا يلتهم جسدك المتكور المنهك حتى يختفى وسط أحشائه, ولكنك رغم ذلك تصحو بأمان.. إلى ظلي ذاك, الذي ظل نعم الرفيق بدون تذمر, وحتى في صحاري الشموس, أهدي هذه القصة.

الظل
انشغل أهل المدينة الصغيرة بذلك الظل الذي يظهر كثيرا في حفلاتهم, قادما من المجهول, ومستترا بأماكن الظلام, أو بظلال السمينين, والمسنين منهم.. كان الجميع يتحدث عنه ما بين متخوفٍ منه و مستهترٍ به, بين من يرى أنه خطر يحدق بهم كرئيس الشرطة سعيد الرافلي الذي أكد أنه قد رأى زحف ظلاله على بساط غرفة نوم أبناءه السابقة, وتسلله هاربا من جنبات النافذة وحوافها.. ومن يرى أنه ليس سوى أسطورة أو خرافة متخيلة أو في أقل الأحوال شخصية عادية, لص أو متشرد, بالغ الجميع واستمتع بنسجها ليملأ أوقات فراغه بها, وذلك كان رأي الدكتور وليد .. وهناك منهم من أقسم على رؤيته بوضوح, و كان من بينهم شيخ المسجد منصور سالم الذي قال أنه استطاع أن يرى عيناه المثقوبتين, وأن يرى فيهما دمعتان تلمعان كماستين معلقتين في يوم الهزيمة الكبرى.. والبعض الآخر منهم من قلل من أهميته, وأنه لن يضرهم بشيء, وخاصة أنه يخافهم, ودائما ما يولي هاربا عنهم, وكان ذلك رأي شباب المدينة ومنهم ماجد المازني, الفتى اليتيم.

كان الصغار هم أكثر من رآه عن قرب, فقد رآه أحد أبناء الرافلي على مقربة 5 أقدام منه, بملامحه الشديدة القتامة, و حاول وقتها أن يحضر الكرة التي سقطت على مقربة من الظل الذي ظهر فجأة, ونظر له مرعوبا, فولى الظل هاربا من أمامه عندما بدأ بالبكاء, قال الصغير أنه سمع همهمة الظل الغير واضحة, رغم أن فمه كان مقفل بغراء, وأنه مد يده لخطفه فبكى.. لقد كان أطول منه بقليل, يبدو شعره القصير مسترسلا, وبقية ملامحه غير واضحة أبدا, لقد كان ظلا فعلا, و انتشر بين الكل أنه كان بذلك يحاول سحرَ الصبي, ولكنه خاب.. وغلّق أهل المدينة على صغارهم الأبواب, و أصبحوا بسبب ذلك يبكرون في الانتهاء من أعمالهم.

و ذلك ما جعل ماجد زيد المازني يتحدى الجميع على أن يعرف مكان سكنه, وأن يجلبه لهم بين يديهم في وضح النهار, بشرط أن تكون له مكافاة مالية على ذلك قدرها ثلاثة أكياس من الدقيق الأبيض.. كان ماجد مشهور بين أهل المدينة بنشاطه وجده, و لذلك حين اشترط عليهم تلك الشروط وافقوا فورا.. فراقبه ساعات طويلة, وكان وقت المغرب حين رآه فجأة.. كان الظل ينظر لعائلة النجار من خلال نافذتهم المفتوحة, والشاب يراقبه بحذر و خوف.. أحس الشاب بملامح حزن تبدو على الظل, هناك ألم خفي يشعُره بذلك السواد الفاحم.. و مرت الأيام و هو على هذه الحالة, و لكن لم يستطع أن يعرف مكانه, فالظل خفيف المسير وسريع الخطى, وسرعان ما يختفي في وسط أحشاء الغابة كالشبح.

و لحل معضلة ذلك قرر الشاب مد خط طويل عريض من دهان أبيض على ما يستطيع على طول الغابة من الجهة المقابلة لمدينتهم, وفعلا نجحت خطته فقد بدت خطوات الظل المؤدية للغابة واضحة, رغم أنها تبدو متباعدة قليلا.. وصل فعلا لنهايتها, وقف عند شجرة عملاقة تبدو مخضرة الجوانب بشكل عجيب توجد فيها فتحة تكفي لدخوله, قد انتهت عندها الأقدام.. أدخل رأسه الخشنة الشعر, و إذا به أمام غابة أخرى, كأنه أخرج رأسه من الجهة الأخرى للشجرة لو لا أنه لاحظ الاختلاف بينها و بين ما ورائها, تجرأ رغم ارتعابه وخطا خطوات مترددة حتى لاحظ نورا شديدا يتفجر من بين الأحراش.. وقف على طرف مدينة تملؤها الأضواء الشديدة, حاول معها استكهان كنهها و لكنها كالحلم.. شعر بالرهبة, وهو يراقب من بعيد أهل هذه المدينة.

بدوا له كالملائكة و لكن بدون أجنحة, وهو يراقبهم من بعيد, وفي ظل اندهاشه نسي أن يبحث عن ذلك الظل, لقد كان منبهرا بسعادة و متوجسا بفضول, وهو يرى تلك المدينة الأسطورية, بسكانها المبهرين, وبدا ذلك الإبهار بالتشتت قليلا, عندما شعر أهل المدينة بوجود غريب عنهم يتلصص عليهم, فالتفتوا بوجوههم المبهمة, وتجيشوا على بعضهم كأنهم يتأهبون للهجوم عليه, أحس بسريان رعب شديد في نفسه, جعله يهيم على نفسه هاربا إلى تلك الشجرة, ليعود من خلالها إلى مدينته, يعيش حياته التي لم يعد يرى فيها الظل.


قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال منها

لا شك أن ابرز ما يميز هذه القصة هو الغموض في طبيعة الشخصية الرئيسة التي اختار مبارك الحمود أن يجعلها محورا للحدث وهي شخصية (الظل)، والذي يخطف انتباه المتلقي ويظل يشغل باله فور ولوجه إلى القصة، كما كان يشغل بال أهل تلك المدينة المتخيلة التي تمثل الفضاء المكاني للقصة.
وعلى الرغم من محاولة مبارك الحمود مساعدة المتلقي في فهم طبيعة تلك الشخصية، وذلك من خلال توفيره تقديم يحاول من خلاله رسم ملامح تلك الشخصية، وتوضيح ماهيتها، لكنها تظل عصية، ولا يستطيع المتلقي تحديد طبيعة هذا الظل حتى بعد انتهائه من قراءة القصة.

وما يزيد الغموض في طبيعة تلك الشخصية هو ما ورد في التقديم الذي جاء به مبارك الحمود ليوضح طبيعة تلك الشخصية على ما يبدو... فعلى الرغم أننا نجد مبارك الحمود يصف الظل على انه الماضي الذي يتحول إلى ظل، ويصبح يلاحق صاحبه، وبالتالي يصبح مصدرا للخوف الذي يتبدد إلى صاحب الظل عندما يذهب إلى فراشه ويطفيء الأنوار، حيث يصبح كل ما حوله ظلا يلتهم الجسد المتكور المنهك... فكيف نفهم إذا إهداء مبارك الحمود القصة إلى ظله والذي يقول عنه انه " إلى ظلي ذاك, الذي ظل نعم الرفيق بدون تذمر, وحتى في صحاري الشموس, أهدي هذه القصة.


- فمن الذي يجب أن يتذمر: اهو الظل أم صاحب الظل؟ ما دام أن الظل هو السبب في كل ذلك الخوف؟
- وهل هناك سر خلف هذا الإهداء؟
- وهل فعلا أن الظل مشكل، ومكون من تراكمت الماضي؟
- أم أن فهم القصة يتطلب معرفة كنه ذلك الظل؟
- ثم هل كتب مبارك الحمود هذه القصة بعد تخطيط مسبق لطبيعة هذه الشخصية? أم انه ترك المجال لخياله ليرسمها كيف يشاء؟
- وهل تمثل الشخصية هنا بعدا واحدا رسم بوعي (تراكمات الماضي)، أم أنها يمكن أن تمثل أكثر من بعد في نفس الوقت، وربما تكون قد خرجت من ذهن مبارك الحمود دون وعي منه؟ اليس ذلك ما يحدث عادة عندما يتولى العقل الباطن توليد النص الابداعي؟


يتبع،،،


نعود لنغوص في ثنايا هذه القصة وأعماقها التي أبدعها خيال مبارك الحمود فجاء النص المتولد عبقريا فذا يملؤه الغموض، والإدهاش، والشد، والكثير من الفنيات التي تجعله ينبض بالحيوية والحياة، والجمال.


وكما هي عادته نجد أن مبارك الحمود قد اختار كلمة واحدة ( الظل ) لتكون عنوانا لقصته هذه، وهي حتما كلمة تختزن في ثناياها ويرتبط بها الكثير من الغموض، والرهبة، وما يثر الخوف والتوجس، وربما الكثير من الأسئلة، وبالتالي فهي تمثل ثقبا اسودا يشد المتلقي لباقي النص فما يلبث أن يندفع ليتابع القراءة ليتعرف على قصة ذلك (الظل) محاولا كشف سره وفهم ابعاده وما يمثله.

ونجد إذ نبحر في النص أن مبارك الحمود قد قسمه إلى خمسة أجزاء( فقرات)، لكنه وعلى غير عادته لم يرقم هذه الفقرات أو لم يفصل بينها بحروف أو أي رموز كودية أخرى على شاكلة ما فعل في قصة (عاطل) وقصة (انتقام).


وربما أن السر في ذلك يعود لقناعته أن النص بحد ذاته غامض وكودي ورمزي بما فيه الكفاية، ولا يحتاج إلى المزيد من الرموز الكودية التي قد تجعله أكثر غموضا. حتى أننا نجده قد اضطر لوضع ما يشبه المقدمة التفسيرية للنص، آخذنا بيد المتلقي ليساعده على الولوج إلى القصة وفهم طبيعة تلك الشخصية المثيرة، ولم يكتف بما ورد على السنة الشخوص الذين قدموا وصفا لشخصية الظل المحورية في جسم النص، وهي حتما مقدمة غير ضرورية لأنها، وربما عن غير قصد، قللت من حجم الصورة الذهنية الغنية للشخصية المحورية في القصة، وهي شخصية الظل، وقللت من شأنها، وذلك من خلال حصرها بالإيحاء على أنها تمثل (تراكمات الماضي)، وكان الأجدر بالقاص أن يترك الأمر لمخيلة المتلقي ليستنبط طبيعة تلك الشخصية ويرسم أبعادها في ذهنه من خلال ما يقدمه القاص من وصف وأحداث.



ونجد أن الفقرة الأولى من النص غنية بالحيوية والحركة والنشاط، إضافة إلى شمولها على الكثير من الجوانب الجمالية، والكلمات الدالة، واستثمارا للنقائض، وهو العامل الأعظم أثرا على الدماغ. وكذلك كلمات تستثير في المتلقي الحواس، والمشاعر، والمخاوف، وهي في مجموعها عناصر جمالية، جعلت نص هذه الفقرة بالغ الأثر، خاصة أنها جاءت في بداية النص، فعمقت اثر الثقب الأسود والمتمثل في العنوان، والذي استخدمه القاص لجذب انتباه واهتمام المتلقي لمتابعة القراءة ... وكل هذه العناصر الجمالية سوف نستكشفها هنا تباعا " انشغل أهل المدينة الصغيرة بذلك الظل الذي يظهر كثيرا في حفلاتهم, قادما من المجهول, ومستترا بأماكن الظلام, أو بظلال السمينين, والمسنين منهم.. كان الجميع يتحدث عنه ما بين متخوفٍ منه و مستهترٍ به, بين من يرى أنه خطر يحدق بهم كرئيس الشرطة سعيد الرافلي الذي أكد أنه قد رأى زحف ظلاله على بساط غرفة نوم أبناءه السابقة, وتسلله هاربا من جنبات النافذة وحوافها.. ومن يرى أنه ليس سوى أسطورة أوخرافة متخيلة أو في أقل الأحوال شخصية عادية, لص أو متشرد, بالغ الجميع واستمتع بنسجها ليملأ أوقات فراغه بها, وذلك كان رأي الدكتور وليد .. وهناك منهم من أقسم على رؤيته بوضوح, و كان من بينهم شيخ المسجد منصور سالم الذي قال أنه استطاع أن يرى عيناه المثقوبتين, وأن يرى فيهما دمعتان تلمعان كماستين معلقتين في يوم الهزيمةالكبرى.. والبعض الآخر منهم من قلل من أهميته, وأنه لن يضرهم بشيء, وخاصة أنه يخافهم, ودائما ما يولي هاربا عنهم, وكان ذلك رأي شباب المدينة ومنهم ماجد المازني, الفتى اليتيم".



فكلمة ( انشغل ) وهي أول كلمة في النص، تشير إلى الحركة والانشغال والنشاط، خاصة أنها تصف حال أهل تلك المدينة الصغيرة، والتي تمثل المشهد للقصة، الذي يظهر فيها الظل. وباستخدام كلمة ( يظهر كثيرا) في وصف للظل مزيدا من الحركة والنشاط، وكلمات ( في حفلاتهم) تعنى أيضا جو صاخب مليء بالحركة والنشاط، وكلمة (قادما) تعني حركة أيضا، وكذلك كلمة (مستترا) فيها حركة أيضا، وفيها استثمار للنقائض مع كلمة (يظهر+ يستتر).



وفي هذا السطر الأول الكثير من الإثارة والشد الصاعد المتطور، كون القصة تتحدث عن (ظل) يظهر كثيرا في حفلات أهل مدينة صغيرة، فيشغل أهلها، خاصة انه قادم من المجهول، ويستتر في أماكن الظلام، أو في ظلال السمينين، والمسنين منهم. ونجد أن كلمات مثل ( مجهول+ مستتر+ ظلام+ ظلال+ سمينين+ مسنين) تشتمل على دلالة تساهم في بناء مشهد وجو مخيف اقرب إلى أجواء أفلام الرعب، ذلك الذي يظهر فيه الظل.



ونجد أن القاص يستخدم في هذه الفقرة هنا، عددا كبيرا من الكلمات التي تشتمل على حرف السين أو الشين، وهي أحرف الهمس التي تساهم في بناء ذلك الجو المخيف الذي غالبا من يبدع القاص مبارك الحمود في بناؤه، ويخدم كعنصر مهم من عناصر الشد، والإدهاش، والتشويق، والإثارة.



وفي كلمات ( يتحدث عنه + يرى ) استثارة لحواس المتلقي. وفي وصف الحالة التي ينظر فيها الناس إلى ذلك الظل حيث ينقسمون إلى أقسام منهم من هو (متخوف منه) ومنهم من هو (مستهتر به)، ومنهم من يراه خطرا محدقا بهم، خاصة أن من بينهم رئيس الشرطة كونه خطر عليهم...ما يساهم في تعقيد وتطوير جو النص المخيف الذي يسعى القاص لوضع المتلقي فيه بإضافة عنصر الصراع المؤثر.



وفي تسمية رئيس الشرطة (سعيد الرافيلي)، وتأكيده بأنه (رأى) زحف ظلاله على بساط غرفة أبناؤه السابقة، ما يدفع المتلقي إلى الشعور بدفق هائل من مشاعر الخوف والرهبة، أولا لان المتحدث يبدو شخصيا حقيقيا من مشهد واقعي، جرى في المدينة الصغيرة المجاورة، وهو حتما ليس شخصا عاديا كونه رئيس الشرطة، وهو يؤكد بأنه رأى الظل شخصيا وبأم عينه، ورآه وهو يزحف على بساط غرفة نوم أبناءه (السابقة)، وتسلله هاربا من جنبات النافذة وحوافها، وفي ذلك ما يضخم مصداقية الحديث عما حصل لما يمثله الشرطي من هالة وقوة ومصداقية، ويجعل ما حصل اقرب إلي التصديق كون المتحدث شرطي يروي ما شاهد بأم عينه. لكنه في نفس الوقت يشير أيضا إلى أن الشرطي كان قد انتقل من البيت (السابق) هربا وخوفا من الظل...وفي ذلك ما يزيد في دفق مشاعر الخوف في نفس المتلقي. ولا يفوتنا أن نشير بان كلمة (زحف) تعني الكثير من الحركة، وبالتالي تضيف الكثير من الحيوية للنص النابض بالحيوية أصلا نظرا لتكرار كلمات تشير إلى الحركة والنشاط.



وفي تسمية الدكتور وليد كممثل لفئة أخرى من الناس من بين سكان تلك المدينة الصغيرة، والذين يعتقدون هذه المرة أن ( الظل- مجرد أسطورة أو خرافة متخيلة أو في اقل الأحوال شخصية عادية، أو لص متشرد، بالغ الجميع في نسجها ليملأ أوقات فراغه)، ما يزيد من مصداقية الحدث وواقعيته، ونجد في هذا الموقف إبراز لصراع بين فئات مختلفة من الناس، فئة يقودها شرطي وتتعامل مع الأمور من منطلق الأمن، والاحتمالات الواردة، ويتصرف بناء على ذلك، وفئة أخرى يقودها دكتور أي إنسان متعلم فهو بذلك يمثل العقلانية والشريحة المتعلمة، ولذلك نجدها تشكك في كل ما يقال دون دليل مادي ملموس. ونجد هنا أيضا استثارة للحواس من خلال استخدام كلمة (يرى)، وفي استخدام كلمة (نسجها) ما يشير إلى مزيد من الحركة والنشاط.



ولكن الصراع يزداد حده عندما يُدخل القاص شخصية جديدة إلى النص تقود فئة ثالثة من جمهور المدينة الصغيرة تلك، يقودها هذه المرة رجل دين هو شيخ المسجد منصور سالم، حيث نجد أن القاص يجعله يقسم على رؤية الظل بوضوح، وهو أمر لم يفعله الدكتور وليد مثلا، وفي ذلك مغزى مهم كونه رجل دين، لا بل وان يقدم وصفا هو اقرب إلى وصف لشخصية من عالم الجن (وكان من بينهم شيخ المسجد منصور سالم الذي قال أنه استطاع أن يرى عيناه المثقوبتين, وأن يرى فيهما دمعتان تلمعان كماستين معلقتين في يوم الهزيمة الكبرى..) أي أنها فئة تؤمن بالغيبيات وبوجود عوالم أخرى غير العالم المادي الذي نعيش فيه ولا بد ان ليوم الهزيمة الكبرى رمزية ما لها علاقة بهذا الايمان الغيبي؟. وهنا نجد مزيد من الكلمات التي تستثير في المتلقي حاسة البصر حيث تم تكرار حاسة الرؤيا أكثر من مرة ( رؤيته+ يرى + عيناه + يرى+ دمعتان ) وكلها كلمات تشير إلى حاسة البصر، وتخدم في زيادة مصداقية الرواية التي تتبناها هذه الفئة من جمهور المدينة، مما يجعل الحدث اقرب إلى الواقعية، والشخوص اقرب إلى الناس العادين الذين يمكن أن نلتقي بهم في الأسواق أو في الحي المجاور للذي نسكنه.



ولكن الصراع لا ينتهي هناك، فنجد القاص يدخل فئة رابعة من سكان تلك المدينة وهم شباب المدينة، ويقودهم هذه المرة فتى (يتيم) اسمه ماجد المازني... وهذه الفئة تقلل من أهمية الظل وتعتقد حتى لو انه كان موجودا كما يقول الشيخ والشرطي فهو لن يضرهم بشيء، وليس ذلك فقط بل هو يخافهم ودائما ما يولي هاربا عنهم. وفي كلمة (يولي هاربا) مزيدا من الحركة والنشاط. وفي إلصاق صفة (اليتم) في هذه الشخصية التي تقود فئة الشباب ما يوحي بالكثير...وكأن القاص يريد أن يقول بأن ما يصيب اليتيم من فجيعة يجعله صلبا، قويا، جسورا، شجاعا، وأكثر إخافة من الظل المخيف للكثير من أفراد الشعب. وفي منحه اسم (ماجد المازني) ما يجعله شخصية اقرب إلى الواقعية...ونجد هنا ان هذه الشخصية تدخل في صراع مع شخصيةالظل فيما تبقى من النص وهو ما يزيد من حدة الصراع في النص ويضاعف الاثر...وهي شخصية يكررها القاص ويجعل لها دورا محوريا في الكثير من قصصه مثل قصة المريض.



وكأن القاص هنا ومن خلال رسمه بإتقان وحرفية للشخصيات الأربعة، ( الشرطي سعد الرافلي، والدكتور وليد، والشيخ منصور سالم، واليتيم ماجد المازني) والتي تقود الفئات الأربعة من جمهور المدينة تلك، يريد أن يقول بأن ما تؤمن به كل فئة من فئات تلك المدينة ممثله بهذه الشخصيات، هو في الواقع نتاج لذلك الرصيد من الأفكار والمعلومات والمثل العليا والتجربة المتراكمة في (الأنا العليا) حسب تقسيمات فرويد للشخصية... فوصف الشيخ لشخصية (الظل) لم يأت من الفراغ، وإنما من تراكمات ما يؤمن به في (أناه العليا)، والذي هو حتما مشبع في الغالب بقصص الجن وعوالم ما وراء الطبيعة ولذلك نجده الوحيد الذي يقسم على ما شاهد. أما الدكتور وليد فيقف على نقيض الشيخ ولا يؤمن بوجود (الظل) بل يعتبره من نسج الخيال، وأسطورة وهو اذ شخصية دارونيه. وبينما نجد أن الشرطي تصرف بحسه الأمني، بأن قام على تغيير مكان سكنه بعد أن استشعر بالخطر لمشاهدتة الظل يزحف في غرفة نوم اولاده، نجد أن الشاب (اليتيم) ماجد المازني يمثل موقف صلب ليس فيه أي خوف بل هو يعتقد بأن الظل هو الذي يخاف فيولي هاربا منه ومن جمهور الشباب الذي يمثله.




وظني ان القاص قد لجأ الى ابراز مثل هذه الصراع ومن ثم الاشارة الى دور الانا العليا فيه بهدف التمهيد لما سيأتي لاحقا؟؟؟!!!

ولا شك أن القاص قد ابدع في رسم شخوص القصة وجعلها تبدو حقيقة، وتتمايز عن بعضها البعض لا بل وتتصارع في مواقفها...مما جعل النص ينبض بالحيوية والشد والادهاش..


يتبع،،،



التعديل الأخير تم بواسطة ايوب صابر ; 06-02-2011 الساعة 09:09 AM
قديم 06-02-2011, 05:55 PM
المشاركة 2
احمد ماضي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
التألق الاستاذ ايوب صابر

تحية من القلب لك

دائما تأتي بالجديد المفيد

سأكون بالقرب تقبل تواجدي حيث جمالك وجودك

لك الود




لا سواكِ يكبلني بالحُب

قديم 06-03-2011, 06:38 PM
المشاركة 3
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اشكرك استاذ احمد

لقد وجدت ان قصص مبارك الحمود تعالج قضايا النفس البشرية باقتدار، ووجدت ان عقله يعمل بطاقة البوزيترون، والعملية الابداعية عنده بركانية متفجرة في طبيعتها، لذلك نجد نصوصه رمزية، كودية، غامضة وعميقه وتشتمل على الكثير من عناصر الجمال والشد والادهاش مثل تسخيره المكثف والدائم للحركة والصراع والتضاد والالوان والارقام وهي اللغة الكودية الاكثر تأثيرا على عقل المتلقي.

وهنا احاول تقديم تطبيق عملي على طرحي المغاير بأن دور الناقد فكفكة النص واستخراج عناصر الجمال والادهاش منه وفهم لغة الكودية وليس محاكمة النص وصاحبه.. لان النقد يجب ان يكون اشبه برحلة استكشافية لمعطيات ومخرجات عقل المبدع والذي قد يكون يعمل بطاقة البوزيترون فتكون مخرجاته الابداعية غاية في العمق والرمزية المعبرة.

يسعدني ان اسمع رأيك فيما اقدمه من قراءة نقدية ورأي من يهمه فن النقد وفن كتابة القصة القصيرة كوني انوي اصدار هذه القراءات في كتاب...هذا هو محتواه:

مشروع كتاب:

قراءة نقدية مغايره لابداعات
مبارك الحمود القصصة

--------
المحتوى،،

1- لحظة فعل الكتابة الابداعية القصصية عند مبارك الحمود .....مبارك الحمود.
2- الابداع واللحظة البوزيترونية....ايوب صابر.
3- دور الناقد الغوص وليس القنص....ايوب صابر.
4- قراءة نقدية لقصة " عاطل "...ايوب صابر
5- قراءة نقدية لقصة " نور"....ايوب صابر.
6- قراءة نقدية لقصة " المريض"...ايوب صابر
7- قراءة نقدية لقصة " المهلهل"....ايوب صابر.
8- قراءة نقدية لقصة "انتقام".....ايوب صابر
9- قراءة نقدية لقصة " الظل ".....ايوب صابر.
10- قراءة نقدية لقصة رجل الظل.
11 - الابعاد المغايرة وعناصر الجمال والتأثير في قصص مبارك الحمود...ايوب صابر.

قديم 06-03-2011, 06:49 PM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مباركالحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمالمنها

يعود القاص مبارك الحمود في الفقرة الثانية ليتحدث عن (الظل) الذي يجعله شخصية محورية في القصة، ولذلك نجده وهو يصفه على السنة الشخصيات الثانوية ويرسم ملامحه لاستكمال بناء صورة تلك الشخصية في ذهن المتلقي. ونجد كما في الكثير من قصص مبارك الحمود انه وعلى الرغم من وجود حبكة فيها أحداث صاعدة تساند بعضها بعضا، أي انها قصة سردية، لكننا نجد هذه القصة تتمحور حول شخصية الظل التي تكاد تصبح حية مع تطور الحدث، ونحن نراها تتحرك ونسمعها وهي تهمهم، وهي حتما شخصية ديناميكية متطورة، لنجد أنها وفي نهاية النص أصبحت شخصية مستديرة round character ، وهي حتما مصدر للأحداث في القصة ككل.

ونجد في هذه الفقرة أيضا الكثير من عناصر الجمال التي تجعل النص مؤثرا:

كان الصغار هم أكثر من رآه عن قرب, فقد رآه أحد أبناء الرافلي على مقربة 5 أقدام منه, بملامحه الشديدة القتامة, و حاول وقتها أن يحضر الكرة التي سقطت علىمقربة من الظل الذي ظهر فجأة, ونظر له مرعوبا, فولى الظل هاربا من أمامه عندما بدأ بالبكاء, قال الصغير أنه سمع همهمة الظل الغير واضحة, رغم أن فمه كان مقفل بغراء, وأنه مد يده لخطفه فبكى.. لقد كان أطول منه بقليل, يبدو شعره القصير مسترسلا, وبقية ملامحه غير واضحة أبدا, لقد كان ظلا فعلا, و انتشر بين الكل أنه كان بذلك يحاولسحرَ الصبي, ولكنه خاب.. وغلّق أهل المدينة على صغارهم الأبواب, و أصبحوا بسبب ذلك يبكرون في الانتهاء من أعمالهم.

ونجد أن القاص يستثير في المتلقي حواسه من خلال حشده عدد كبير من الكلمات الدالة على الحواس أو المرتبطة معها فنجده يكرر حاسة البصر في أكثر من 5 مواقع ( رآه + رآه+ ونظر+بكاء+ فبكى) كما ذكر حاسة السمع ( سمع همهمة الظل) وذكر الفم أيضا ( رغم أن فمه كان مقفل بغراء) وحاسة اللمس ( وانه مد يده ).

ونجد في الفقرة استخدام للأرقام، والأرقام لغة كودية لها سحر خاص( على مقربة 5 أقدام منه). وهي حتما مليئة بالحركة والنشاط ( حاول وقتها أن يحضر الكرة+ التي سقطت على مقربة من الظل+ ظهر فجأة+ فولى هاربا + مدي يده + وغلق). كذلك هناك تسخير للتضاد من خلال استخدام كلمات ( أطول + القصير). وقد أجاد القاص إذ اختار شخصية طفل ليعرفنا على ملامح الظل المخيفة التي هي أشبه بصفات الشخصية الأسطورية للغول ثالث المستحيلات، وذلك في تسخير حاد للتضاد ( طفل+ الظل) مما ضاعف من هالة، ووقع ملامح الظل المخيفة أصلا في نفس المتلقي.

والقاص بوصفه التفصيلي لشخصية الظل يكاد يجعلنا نراه، حيث أتقن رسم ملامحه، وقدم شخصنه وجعله اقرب إلى شخصية إنسان عادي، رغم اختلاف وغرابة ملامحه... فهو ذو ملامح قاتمة، وقد ولى هاربا عندما أحس بالخطر كنتيجة لبكاء الطفل، ابن الرافلي، ورغم أن فمه مقفل بما يشبه الغراء، لكنه يصدر همهمة غير واضحة، كما أن له يد مدها ليخطف الطفل، وهو يقوم بأعمال ما؟ أشبه ما تكون بعمل السحر كما أن بقية ملامحه غير واضحة (ملامحه شديدة القتامه+ يظهر فجأة+ ولى هاربا+ وله همهمة غير واضحة+ فمه كان مقفل بغراء+ مد يده+ حاول سحر الصبي_ بقية ملامحه غير واضحة). ونجد أن هذا الوصف يكون له بالغ الأثر على مشاعر المتلقي، لأنها تستثير فيه مخاوفه.

كما نجد أن القاص يلمح في هذه الفقرة إلى قانون السببية وذلك من خلال وصفه لما أصبح الناس يقومون به من حيث غلق الأبواب، ويبكرون في الانتهاء من أعمالهم كنتيجة لوجود الظل.

يتبع،،

قديم 06-03-2011, 06:56 PM
المشاركة 5
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال منها :

في الفقرة الثالثة من القصة نجد أن القاص مبارك الحمود يستمر في تصعيد حدة التشويق، والإثارة والشد في القصة، من خلال استخدام كلمات تثير في نفس المتلقي مثل هذا الشعور. حتى أننا نجد بأن القاص يزيد على اسم البطل اليتيم، وهو الشخصية المحورية الثانية في القصة (نقيض البطل) كلمة (زيد) ففي المرة الأولى اسماه ماجد المازني فقط، وهنا اسماه ماجد زيد المازني، وبما يوحي بالزيادة في حدة التشويق حتى من خلال الإضافة على الاسم باستخدام كلمة توحي بالزيادة. لكننا نجد بأن هذه الفقرة تشتمل على عدد بارز من عناصر الجمال التي تجعلها ذات اثر كبير ووقع مهول:


و ذلك ما جعل ماجد زيد المازني يتحدى الجميع على أن يعرف مكان سكنه, وأن يجلبه لهم بين يديهم في وضح النهار, بشرط أن تكون له مكافاة مالية على ذلك قدرها ثلاثة أكياس من الدقيق الأبيض.. كان ماجد مشهور بين أهل المدينة بنشاطه وجده, و لذلك حين اشترط عليهم تلك الشروط وافقوا فورا.. فراقبه ساعات طويلة, وكان وقت المغرب حين رآه فجأة.. كان الظل ينظر لعائلة النجار من خلال نافذتهم المفتوحة, والشاب يراقبه بحذر و خوف.. أحس الشاب بملامح حزن تبدو على الظل, هناك ألم خفي يشعُره بذلك السواد الفاحم.. ومرت الأيام وهو على هذه الحالة, و لكن لم يستطع أن يعرف مكانه, فالظل خفيف المسير وسريع الخطى, وسرعان ما يختفي في وسط أحشاء الغابة كالشبح.


ونجد أن القاص في هذه الفقرة يبرز الصراع من جديد بين شخصية الفتى اليتيم ( ماجد زيد المازني ) وشخصية الظل الأسطورية، وذلك من خلال جعل ماجد (يتحدى) الجميع على انه يعرف مكان سكنه، وانه سيكون قادر على أن يجلبه بين يديهم في وضح النهار، وفي ذلك قمة التحدي، والشجاعة التي يمكن أن يتصف بها شخص يواجه شخصية أسطورية، خرافية ذات صفات مخيفة وملامح مرعبة كتلك التي يتصف بها (الظل)...ولذلك ونظرا لصعوبة المهمة لم يتردد سكان تلك المدينة الصغيرة في تخصيص مكافأة له عبارة عن ثلاث أكياس طحين ابيض إن هو فعل.

ونجد أن القاص يستخدم في هذه الفقرة الألوان أو كلمات توحي بالألوان وبما يضفي على الفقرة ملامح فنية جمالية غنية بالألوان، وكأنها لوحة فنية، مثل كلمات ( في وضح النهار + الطحين الأبيض+ وكان وقت المغرب+ السواد الفاحم)، كما انه يستخدم الأرقام (ثلاثة أكياس) والأرقام كما نعرف هي لغة كودية لها سحرها الخاص، وقد جاء استخدامه للرقم ثلاثة في الفقرة الثالثة...مما يضخم من المعنى الكودي فلماذا لم يقل خمسة أو أربعة أو اثنان من أكياس الطحين مثلا؟

والفقرة غنية بالحركة والنشاط من خلال استخدام كلمات توحي بذلك، مثل وصف نقيض البطل وهو الفتي اليتم ماجد وهو الشخصية المقابلة لشخصية البطل Antagonist ( كان ماجد مشهور بنشاطه وجده)، وأيضا من خلال وصف حركة البطل Protagonistthe (الظل) وبما يضفي مزيد من الحركة والنشاط على النص (فالظل خفيف المسير وسريع الخطى وسرعان ما يختفي). وهو ما يجعل النص حيويا يضج بالحياة.

وفي استخدام كلمات مثل (راقبه ساعات طويلة + رآه فجأة+ كان الظل ينظر لعائلة النجار من خلال نافذتهم المفتوحة) تشويق وإثارة وحركة ونشاط، وما يشير إلى حدة الصراع بين البطل ونقيضه. ونجد في النص الكثير من الكلمات التي تستثير في المتلقي الحواس، ويصبح المتلقي مُستنفر وكأنه يسمع ويرى مع البطل أو نقيض البطل أو سكان المدينة، ومن ذلك كلمات ( فراقبه+ رآه فجأة+ كان الظل ينظر+ والشاب يراقبه). ونجد في الفقرة أيضا استثمار للتضاد (النهار+المغرب، خفيف المسير+ سريع الخطى)، وفيها أيضا حشد من الكلمات التي تستثير في المتلقي المشاعر (يتحدى+ حذر + وخوف+ أحس+ ملامح حزن+ هناك الم خفي + يشعره بذلك السواد الفاحم) . وفي السطر الأخير تشخيص للغابة إذ يجعل القاص الظل يختفي في وسط أحشائها وفيه تشبيه، إذ يقارن الظل بالشبح....وفي ذلك مزيد من الرتوش التي يضيفها القاص لرسم الصورة الذهنية لشخصية البطل (الظل) في القصة، فهو إضافة إلى ما سبق من وصف، نتعرف هنا على انه (يظهر في الليل+ يظهر فجأة + كان ينظر من خلال نافذة مفتوحة + مخيف + فيه ملامح حزن + يبدو وكأنه يشعر بألم خفي + لونه يميل إلى السواد الفاحم + خفيف المسير+ سريع الخطى+ سرعان ما يختفي+ مثل الشبح)، وذلك لا شك وصف تصويري، تفصيلي جميل للغاية يساهم في بناء شخصية البطل ويجعله حيا يسمع ويرى ويحزن ويتألم فينعكس ألمه على وجهه سواد فاحم، وكأنه شخص عادي رغم غرابة تلك الملامح. وقد أجاد القاص في رسم الصورة الذهنية لنقيض البطل ( الفتى اليتيم) إذ جعله يُبدي تعاطفه مع البطل ( الظل ) رغم انه كان يراقبه بخوف وحذر؟!

يتبع،،،

قديم 06-04-2011, 12:40 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال منها:

يبدأ القاص الفقرة الرابعة بذكر صراع آخر ثانوي هذه المرة، ويشير إلى ذلك في حديثه عن مشكلة بحاجة إلى حل وهي مشكلة اختفاء الظل بين أحشاء الغابة (لحل معضلة ذلك)، وهذا الصراع يضاف إلى الصراع الرئيسي بين البطل ونقيضه، وصراع أهل المدينة ككل مع الظل. والمعروف أن مثل هذه الصراعات الرئيسية والثانوية هي التي تصنع الحبكة، وتكون بمثابة الرابط بين الأحداث.

والفقرة غنية بالحركة وعناصر الجمال الأخرى، ولكن العنصر الأهم في هذه الفقرة هو شمولها على لحظة كشف وانقلاب حادة تقدم إضاءة مهمة لفهم القصة على مستوى آخر عميق وغير ذلك المستوى الظاهر الكلاسيكي الذي يتمثل في ملاحقة الفتى اليتيم للظل ليمسك به مقابل حصوله على مكافأة هي عبارة عن ثلاث أكياس طحين:

و لحل معضلة ذلك قرر الشاب مد خط طويل عريض من دهان أبيض على ما يستطيع علىطول الغابة من الجهة المقابلة لمدينتهم, وفعلا نجحت خطته فقد بدت خطوات الظلال مؤدية للغابة واضحة, رغم أنها تبدو متباعدة قليلا.. وصل فعلا لنهايتها, وقف عند شجرة عملاقة تبدو مخضرة الجوانب بشكل عجيب توجد فيها فتحة تكفي لدخوله, قد انتهت عندها الأقدام.. أدخل رأسه الخشنة الشعر, و إذا به أمام غابة أخرى, كأنه أخرج رأسه من الجهة الأخرى للشجرة لو لا أنه لاحظ الاختلاف بينها و بين ما ورائها, تجرأ رغم ارتعابه وخطا خطوات مترددة حتى لاحظ نورا شديدا يتفجر من بين الأحراش.. وقف على طرف مدينة تملؤها الأضواء الشديدة, حاول معها استكهان كنهها و لكنها كالحلم.. شعربالرهبة, وهو يراقب من بعيد أهل هذه المدينة.


فبالإضافة إلى تضمين النص مزيد من الصراع بين شخصيتين جعلهما القاص تبدوان متكافئتين في القوة على الرغم أن واحدة منهما عادية لكنها تمتلك شجاعة أسطورية وهي شخصية الفتى اليتيم، والأخرى فوق عادية لما تمتلك من ملامح أسطورية مخيفة لكنها تتألم ويبدو عليها الحزن كشخصية عادية، نجد أن القاص يحشد محسنات فنية ذات اثر بالغ مثل تسخير التضاد في أكثر من موقع في النص مثل (خططويل + عريض ، المدينة + والجهة المقابلة لها، ادخل رأسه الخشنة الشعر+ اخرج رأسه ، ظل + واضحة ، الاختلاف بينها وبين ما ورائها ، تجرأ + ارتعابه، خطى + وقف ).

وهو يذكر مزيد من الألوان (دهان ابيض + تبدو مخضرة بشكل عجيب + نورا شديدا+ الأضواء الشديدة)، فيجعل النص مزدهر بهذه الأنوار.

أما الكلمات التي توحي بالحركة والتي جعلت النص ممتلئ بالحيوية والنشاط فهي كثيرة أيضا مثل ( قرر الشاب مد خط طويل عريض+ بدت خطوات الظل المؤدية للغابة واضحة+ وصل فعلا لنهايتها+ تكفي لدخوله+ انتهت عندها الأقدام+ ادخل رأسه + أخرج + تجرأ وخطى خطوات مترددة ).

ولكن الأهم في هذه الفقرة، وكما قلت سابقا، هو ما يمثله ويرمز إليه إدخال الفتى اليتيم رأسه الخشنة في فتحة الشجرة التي تبدو مخضرة الجوانب بشكل عجيب، ليجد نفسه أمام غابة أخرى تشبه كثيرا الغابة التي كان يسير فيها متتبعا خطوات الظل، لذلك ظن وكأنه اخرج رأسه من الجهة الأخرى للشجرة (كأنه اخرج رأسه من الجهة الأخرى) ليرى الجزء الآخر للغابة التي كان فيها، لكنه لاحظ الاختلاف بينها وبين ما ورائها، وذلك الاختلاف يتمثل في تفاصيل ما شاهده في الغابة الجديدة والتي بدت مرعبة ولذلك خطى خطوات مترددة إذ لاحظ نورا شديدا يتفجر من بين الأحراش، ثم شاهد مدينة تملؤها الأضواء الشديدة، وهو أمر لم يشاهد مثله من قبل ولذلك حاول استكهان كنهها أي الغابة وما فيها ووجد أنها اقرب إلى الحلم...

وهذا الوصف وخاصة تشبيه ما شاهده في تلك الغابة بالحلم يشير إلى أن القاص لا يتحدث هنا عن غابة واقعية، وهو في الواقع لا يعبر عبر فتحة في شجرة في غابة، وإنما المقصود هو دخول من العقل الواعي إلى العقل الباطن... حيث يشبه القاص العقل الواعي بغابة تسكنها الأفكار الواعية والمواقف التي برزت نحو ( الظل ) منها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الشرطي ومنها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الدكتور ومنها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الشيخ ومنها ما هو على شاكلة ما يفكر فيه الفتى اليتيم الذي قرر أن يلاحق الظل ليعرف من أين يأتي فوجد انه يأتي من أعماق العقل الباطن حيث شبهه القاص بغابة مرعبة وكل ما فيها كالحلم....

وفي ذلك إشارة تؤكد أن الرحلة هي إلى العقل الباطن. وكأن القاص أراد القول من خلال هذه اللغة السردية الجميلة والبليغة والتي يشخص فيها العقل الظاهر وكأنه غابة والعقل الباطن وكأنه غابة تشبه الأخرى في الظاهر لكنها في أعماقها عالم آخر أشبه بالحلم... يفصل بينهما برزخ لا يمكن العبور من خلاله إلا لمن امتلك جرأة زائدة أو تلقى مساعدة من طبيب نفسي كما هو الحال عند فرويد ... ونجده أيضا يشخصن الأفكار وما إلى ذلك من محتويات العقل الباطن في الفقرة التالية ويرسمها على شكل شخوص لكن دون ملامح واضحة...وهو ما يؤكد من جديد قصده بأن الرحلة هي عبور إلى عالم العقل الباطن الذي هو مكان سكن (الظل)... ومن هنا نفهم تفسير القاص في المقدمة بأن الظل هو عبارة عن تراكمات الماضي.

وكأن القاص أراد القول بأن الطريقة الوحيدة للتخلص مما تمثله تراكمات الماضي من مخاوف يمكن أن تتجسد على شكل ظل مخيف للكثير من الناس هو جلسة مصارحة فرويدة مع النفس وعبور إلى أعماق النفس للتصالح معها حيث يختفي ( الظل ) إذا ما حصل ذلك العبور وتم التعامل مع مكبوتات النفس. وهذا ما حصل مع الفتى اليتيم الذي تجرأ كونه يتيم وشاب في مقتبل العمر، وقرر أن يعبر إلى أعماق عقله الباطن الذي شبهه القاص بالغابة السحرية المخيفة، ومجرد أن فعل حصل التصالح مع النفس فلم يعد ماجد المازني يشاهد الظل بعد ذلك ويبدو ان القاص يرمز إلى فعل التصالح بتلك الأضواء التي تتفجر في ثنايا العقل الباطن. فهذه الاضواء هي التي تجعل الظل يختفي.

وهذا هو ملخص علم النفس التحليلي عند فرويد والذي يقوم على دفع المريض النفسي الذي تتملكه تصورات معينه ومخيفة أو جنونية قد يكون من بينها مشاهدة ظل أو ظلال، بأن يتحدث عن تجارب الماضي وتراكماته المكبوتة في عقله الباطن، حيث يقول فرويد بأن التجارب الأكثر مأساوية وألم هي التي نعمل لا إراديا على كبتها في عقلنا الباطن، وهي التي تكون مصدر للجنون أو المرض النفسي أو التخيلات الأسطورية حينما تتفلت تلك المكبوتات وتحاول الخروج لاحقا فتظهر على عدة أشكال منها شكل ( الظل ).

ومن هنا نفهم مواقف الفئات المختلفة من سكان المدينة تجاه الظل ومنهم الشرطي، والدكتور، والشيخ، واليتيم الذي وكنتيجة لحياته المأساوية كان الأكثر حاجة للتصالح مع ماضيه... ونجد أن اليتيم كان الأكثر جرأة في التصرف للتوصل إلى المكان الذي يأتي منه الظل ربما لأنه كان الأكثر تألما.

ولا شك أن القاص قد أجاد هنا حيث تمكن من تفسير نظرية التحليل النفسي من خلال هذا التصوير السردي القصصي الجميل والتشخيص التصويري الاستثنائي الذي بسط فيه فكرة علمية نفسية مهمة ومعقدة للغاية تعالج موضوع الصحة النفسية والعلاقة بين عالمي العقل الواعي والعقل الباطن... وقد تمكن في هذه الفقرة من إحداث نقله نوعية تتمثل في لحظة العبور عبر فتحة الشجرة فكانت هي لحظة الكشف والانقلاب الحادة التي قدمت الإضاءة المهمة لفهم القصة على هذا المستوى العميق... وهو ما يشير إلى أن القاص لديه دراية واسعة في علم النفس التحليلي وان لم يكن فلا شك أن عقله يعمل بطاقة بوزوترونية تجعله قادر على تصور وتخيل وتصوير مثل هذه العمليات النفسية وتبسيطها لتخرج بطريقة سردية جميلة على شاكلة ما حصل هنا.

يتبع،

قديم 06-08-2011, 10:42 AM
المشاركة 7
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال منها:

في الفقرة الخامسة وبعد أن قدم القاص لنا إضاءة في الفقرة السابقة تشير إلى انه يتحدث عن عبور إلى العقل الباطن، عبر تلك الفتحة في الشجرة والذي جعلها القاص مثل الفتحة في البرزخ الذي يفصل بين الوعي واللاوعي أو العقل الباطن، نجده هنا يصف سكان تلك المدينة التي وصفها بالأسطورية، وفي ذلك ما يدلل ويؤكد على أن القاص يتحدث عن تجربة الغوص في ثنايا العقل الباطن والذي هو مخزن المكبوتات من ناحية والأفكار والخيال والقدرات التي لا حدود لها ولا يمكن تصورها بشكل واعي.
"بدوا له كالملائكة و لكن بدون أجنحة, وهو يراقبهم من بعيد, وفي ظل اندهاشه نسي أن يبحث عن ذلك الظل, لقد كان منبهرا بسعادة و متوجسا بفضول, وهو يرى تلك المدينة الأسطورية, بسكانها المبهرين, وبدا ذلك الإبهار بالتشتت قليلا, عندما شعر أهل المدينة بوجود غريب عنهم يتلصص عليهم, فالتفتوا بوجوههم المبهمة, وتجيشوا على بعضهم كأنهم يتأهبون للهجوم عليه, أحس بسريان رعب شديد في نفسه, جعله يهيم على نفسه هاربا إلى تلك الشجرة, ليعود من خلالها إلى مدينته, يعيش حياته التي لم يعد يرى فيها الظل".

وهو يصف تلك التجربة على أنها مبهره ومصدر للسعادة لأنها تمثل عبور إلى عالم آخر أسطوري في صفاته، لكنها مصدر للخوف والتوجس أيضا ، نظرا لهول المشهد الذي حاول القاص هنا أن يصوره للمتلقي على انه مدينة يقطنها سكان مبهرين، هم مثل الملائكة لكنهم بدون أجنحة، مما يؤكد بأنه لا يتحدث عن عالم ما ورائي، ولهم وجوه مبهمة، ولا شك أن في مثل تلك التجربة، وهي العبث في المكبوت والغوص في ثنايا النفس والعقل الباطن الذي لا حدود لقوته، مما يبعث على الخوف، وهو أمر غالبا ما يكون شديد الألم عند من يعمل على استحضار تجارب الماضي المؤلمة أو يُدفع لاستحضار الماضي في جلسة تحليل نفسي لما يمثله الماضي من تجارب مؤلمه مكبوته هناك في ثنايا العقل الباطن عند البعض كما يقول فرويد.

ولذلك نجد القاص يصف لنا بأن الفتى ماجد المازني قد شعر برعب شديد في نفسه عند عبوره إلى ثنايا العقل الباطن، ربما لأنه في ذلك العبور استعادة لمشاعر الألم التي أصابته حينما فقد والده، كونه يتيم، من بين أشياء أخرى كثيرة تراكمت عبر الزمن لتشكل ظل مخيف، ولذلك عاد هائما على نفسه إلى حيث أتى... أي إلى تلك الفتحة من الشجرة ليعود من خلالها إلى مدينته، أي العودة إلى الواقع الواعي، ويبتعد عن مكنونات النفس ومكبوتاتها، وحيث أنه قام بالعبور وكشف المستور حصل الشفاء كما يقول فرويد، فاختفى الظل بفعل تلك الأضواء الكاشفة التي شاهدها في المدينة الأسطورية، وفي ذلك كناية عن حصول الشفاء الذي حصل لمجرد الخوض في تجارب الماضي، ودون البحث عن الظل، وهو ما يؤكد خبرة، وقدرة، القاص على التصوير مكنونات النفس البشرية، ولتجربة التخلص من تبعات مكبوتات العقل الباطن.

ونجد أن الفقرة غنية كسابقاتها بعناصر الجمال: فهي تبدأ بكلمة تدل على حاسة البصر ( بدوا له)، يتبعها تشبيه وتجسيد، حيث شبة الأفكار وما إلى ذلك من مكنونات النفس البشرية أي العقل الباطن، بالملائكة لكن دون أجنحة، وفي ذلك تشخيص للأفكار وتجسيد لها. ثم يلي ذلك استثارة لحاسة البصر من جديد ( وهو يراقبهم )، ثم يسخر حاسة البصر من جديد ( وهو يرى تلك المدينة )، ثم مرة أخرى ( وبدا ذلك الإبهار)، ثم مرة أخرى باستخدام كلمة تدل على الرؤيا ( يتلصص عليهم) ، وأيضا باستخدام كلمة (فالتفوا بوجوههم) ، ومرة أخرى ( لم يعد يرى فيها الظل)، وهو ما يشير إلى أن القاص قد استخدم هنا حاسة البصر أو ما يدل عليها في أكثر من موقع ( سبع مرات ) مما كان له بالغ الأثر على المتلقي، وكأنه يشاهد بأم بعينه وقد استنفرت حاسة البصر لديه لرؤية ما يجري في تلك المدينة الأسطورية.

كذلك نجد أن الكاتب قد حشد عدد من الكلمات الدالة على الإحساس والمشاعر، وذلك في تصعيد مستمر للإدهاش والتشويق والإثارة مثل ( يراقبهم+ اندهاشه+ نسي+ منبهرا+ سعادة+ متوجس+ فضول+ المبهرين+ الإبهار+ شعر+ تجيشوا+ يتأهبون للهجوم+ أحس سريان رعب شديد+ يهيم على نفسه هاربا).

ونجد أن القاص قدم نهاية غير متوقعة فقد اختفى الظل عند نقيض البطل ( ماجد المازني) رغم كل تلك الصفات الأسطورية التي يملكها البطل (الظل)، وبذلك يكون نقيض البطل قد حقق انتصارا لم يكن متوقعا عند المتلقي....وربما هذا ما قصده القاص حيث سعى بأن يوصل لنا فكرة القصة والتي تمثل دعوة للتصالح مع الماضي، والتعامل مع مكنونات النفس، من خلال التعامل مع مكبوتاتها ليحدث الشفاء وتختفي الظلال المخيفة من حياتنا.

وهو لا شك قد أبدع في تصوير مخاوفنا المتمثلة في الظلال وما يلزم للتخلص منها ممثله في ما يلزم القيام به من إجراء للحصول على الشفاء.

يتبع،،

قديم 06-14-2011, 09:04 AM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

والان الى :
قراءة نقدية معمقة لقصة انتقام للقاص مبارك الحمود

قديم 06-14-2011, 09:08 AM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
انتقام

-1-

مئتان وتسعة وسبعون كيلو هي ما تبقى على قتلها, على نشرها وهي حيةٌ بهذا المنشار الكهربائي.. هذه المسافة البعيدة التي أمامي.. المسافة التي تخضع للقوانين الفيزيائية بخنوعٍ وخضوع, الشيء الجميل والرائع فيها أنها آخذةٌ في الاقتراب.

-2-

اعتقدت أني لن أعرف مكانها, وأن بعدها سيجنبها القتل على يدي, اعتقدت ذلك بسذاجة غريبة.. دوسي يا أقدامي بقوة, فالفارق بيني و بينها خطوة واحدة على دواسة الوقود.. ما أجمل الانتصار الذي يطول, فالاستمتاع فيه لذيذ.. آآآه الغبية ظنت أنها من فعلتها ستنجو.. ويحها! كيف تجرأت وتسلل إليها هذا التفكير, ألا تعرفني؟؟!.. سأجعلها تدرك ذلك كله, فكما يبدو أنها طالبة بليدة لم تستوعب الدروس التي قدمتُها لها في السابق.

-3-

ها هي المسافة تنقسم نصفين, إني أتحرق شوقاً لرؤية وجهها المتفاجئ برؤيتي, المرتعب و الخائف, وشحوبه الذي يزداد شحوبا.. اهدئي يا طبيعة المسافة ولا تستعجلي, دعيني أستمتع أكثر وأكثر بلحظاتي هذه.. سأقف لأخذ وجبة صغيرة, لا أشعر بالجوع و لكنها المتعة, إني أعشق الانتقام و خصوصا إذا كان شديدا, وأتى بعد ألم.. كيف تجرأت أن تفعل ذلك!, إنه شيء لم أعهده منها, الجرأة في فعل شيء يغضبني, قد يكون حبي ودلالي المبالغ لها هو السبب!.

-4-

لم يكن شكي بها ليتحول ليقين لولا إني رأيتها بنفسي, لقد خرجت بذلك الفستان الأحمر الذي أعشقه, وعطرها الثمين الذي أهديته لها بمناسبة ولادتها لطفلتنا الثالثة يلاحقها كشبح.. خرَجَتْ في منتصف الليل بعد أن اطمأنت أنني أصبحت في مدينة أخرى, تتلفت يمينا و شمالا بخوف و حذر, وقعقعة كعبها العالي على الرصيف تدوي في أرجاء الحي الفارغ.. أوقفتْ أول سيارة أجرة في طريقها, واستقلتها بعجلة و بدون تفكير.

تابعتها حتى وقفت عند تلك المستشفى, و خرجت بعد نصف ساعة, أنا متأكد أنها قامت بذلك رغم إنكارها, والدليل على ذلك أنها هربت مني بعد مكاشفتها بذلك, ويحها كيف تعرفت عليه, بدون شك إنه طبيب ولادتها, شكرا لله أنني قمت بقتله, بيدي هاتين اللتين ترقصان طربا الآن, ولم أرسل أحدا ليقوم بذلك عني, آآآآآه ما ألذها من متعة, إنه بالتأكيد الانتصار.

-5-

وها أنا في الطريق لانتصار آخر, كما عادتي.. قهقهاتي المصطنعة لا تتوقف, إني أقترب أكثر وأكثر من ذلك.. يا ترى ماذا تفعل الآن؟, بالتأكيد إنها تقف باطمئنان أمام نافذة بيت مزرعة والدها التي ورثتها منه, تتخيل مستقبلها بدوني, ولم تدر أنها ستراه واقعا أقرب مما تتوقع.. الطريق الذي يبدو كشعرة متقصفة مسافته تقصر, ونصري يقترب.. قلبي يخفق كطبول حرب, وهاهو.. هاهو البيت, يقبع بكل براءته على مقربة من الشعرة المتقصفة, وقدماي.. قدماي تتبادلان المقدمة باندفاع وحماس.

-6-

السكون يعم المكان, ورائحة القش المبتل مسترخية.. الباب أمامي.. أطرق بقوة, ولكن العنيدة لا ترد, تتظاهر بعدم وجود أحد, إني أشم رائحة عطرها تعربد حولي بإصرار, وأنا لا أخطئه, وصرختُ.. إني أدفع الباب وأهشمه, لا أرى أحدا, بالتأكيد إنها تختبئ في زاوية من زوايا البيت, تندس كالفأر.. جبانة كعادتها.. إني أحب ذلك, متعتي بدأت تزداد.. هل هي هنا تختبئ وراء ستائر الحمام؟, "هاهاي كلا", عيناي تتابعان و تترقبان, أوووه بالتأكيد إنها هنا تحت الكنبة.. أيضا لا, يا إلهي إنها تجيد الاختباء ولكن تحت قوانين أرضي التي أحكمها بإحكام.. لم يتبق سوى غرفة النوم في العلية, بالتأكيد إنها هناك.

-7-

اصدح أيها المنشار وغني.. هاهي الدرجات.. 1, 2, 3,..., 13, هيلا هوب, لقد وصلت.. "أتسمعينني أيتها الصماء البكماء, لقد أتيت", وقفت أمام الباب, وأنا أشعر بقلبي يخفق بشدة, الفضول الشديد ذلك ما أشعر به, أريد أن أرى ردة فعلها, أوووه قد يكون حبيب آخر معها الآن وهي خجلة مني, تخجل أن أراها مع شخص آخر.. قبضت على المقبض بقوة, وأدرته إلى اليمين.. إني أفتح الباب وأنا أضحك بأعلى صوتي.. صدمة, صدمة, ذلك ما أصابني, وجعلني أشعر بضيقة تخنقني, وكأن مشنقة من الشوك تحاول جز رقبتي.

-8-
المنشار يسقط من يدي, ويبتر قدمي اليمنى.. أزحف إليها باكيا لا أشعر بألم ساقي التي ينفجر منها نهر أحمر. ممدة وجدتها على السرير الذي تيبس من دمائها.. حبيبتي ميتة, لا نبض فيها, تبدو هادئة كعروس نائمة لولا الدماء التي تغطيها.. ضممتها بقوة فسقطت ورقة بقربها, يبدو أن شيئا مكتوب عليها, كان خطا متعرجا مرتعشا.. "هذا ما جنته يداي", ذلك ما كان مكتوبا. أمسكت الورقة بين أصابعي وعصرتها, ووضعتها في جيبي وأنا أكاد أن أختنق بدموعي .. حملت المنشار وتمددت بجانبها, فاصطبغت الغرفة باللون الأحمر القاني إلى الأبد.

قديم 06-14-2011, 09:17 AM
المشاركة 10
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود

محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

حينما نتعمق في دراسة النصوص القصصيه لـلقاص مبارك الحمود نجد أن عقل القاص هنا يعمل خارج اطر السائد والمألوف وهو يرفض الخضوع للأطر والقوالب الجاهزة...فعلى الرغم انه يكتب قصة قصيرة باحتراف، ونجده يسخر لذلك كل عناصر القصة القصيرة، لكننا نجد في نصوصه ما يجعلها مميزه دائما وخارج الأطر التقليدية المعهودة...فهو مثلا يُقدم في كل مرة على تقسيم نصه إلى وحدات أو فقرات غالبا ما يفصل بينها بأرقام أو أحرف أو إشارات، رغم درايته بأن ذلك أمر غير مألوف في كتابة القصة، كما أننا لا نجد أن مثل هذا التقسيم يؤثر على وحدة النص أو استمرارية السرد، وهو ما يشير إلى أن الإضافة غير التقليدية، إما أن تكون مقصودة بهدف التدليل على محاولة القاص الخروج على الأطر السائدة، أو ربما أن مبارك الحمود يحتفظ لنفسه بما يبرر وجودها ... أو أنها تأتي كجزء من نشاط ذهنه الاستثنائي اثناء الكتابة الابداعية فتشكل جزء من اللغة الكودية التي يبدو أن نصوص مبارك الحمود تمتاز بها.

ونجد مبارك الحمود يتقن دائما اختيار العناوين لنصوصه، وغالبا ما يقتصر العنوان عنده على كلمة واحدة تكون غاية في الدلالة مثل ( عاطل ، المهلهل، المريض الخ..)، وهي هنا كلمة "انتقام"... وهي أشبه ما تكون بقنبلة ذهنية موقوتة تتفجر في ذهن المتلقي فور أن تقع عيونه عليها، فتثير في ذهنه الكثير من الدهشة والشد والاهتمام والصدمة والأسئلة وتخلق الاندفاع نحو الاستمرار في القراءة، فيندفع المتلقي لمتابعة القراءة لمعرفة محتوى النص التالي، ولعله يحصل على إجابات لتلك الأسئلة الكثيرة التي يجدها قد تدفقت فجأة في ذهنه مثل: من الذي سينتقم؟ ولماذا؟ وما سبب الرغبة في الانتقام؟ وكيف سينتقم؟ وهل سينتقم؟ وكيف سيحدث ذلك؟ وهل سينجح في مسعاه؟ فيندفع في متابعة القراءة ليجد بأن النص ليس بأقل اثراً من العنوان المشوق.

أما السمة الأخرى التي تمتاز بها نصوص مبارك الحمود فهي قدرته على رسم شخوصه باقتدار وبصورة تكاد تجعلهم أحياء... يطلون برؤؤسهم من بين السطور...هو لا شك قادر على معالجة البعد النفسي لشخوصه بحرفية...فيجد المتلقي انه مشدود للنص بصورة مهولة، يتابع تسلسل الحدث الذي يظل صاعدا في قوته وشده... وحينما نقترب من النهاية التي نتشوق لمعرفتها ونكاد نقفز لمعرفتها لنستريح او ندهش اكثر...نجده وقد فاجأنا بنهاية ملتوية غير متوقعه تترك أثرا مهولا ومزلزلا وغاية في الادهاش.

يتبع،،،


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قراءة نقدية معمقة لقصص مبارك الحمود
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الافتراضي المأمول، والواقع المحروق قراءة نقدية في رواية (ذرعان) للروائي (محمد الحفري) محمد فتحي المقداد منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 2 11-19-2020 12:12 AM
قراءة نقدية في ديوان "حرف وأمل" للشاعرة أمل سليمان بقلم د. عبد المجيد جابر اطميزة ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 01-13-2018 06:48 PM
قراءة معمقة لبعض روائع الشاعر عبد اللطيف السباعي ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 46 01-20-2017 03:32 PM
قراءة نقدية فى قصيدة " بوح الحروف " جبار دهر جبار منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 01-02-2013 02:53 PM
قراءة نقدية لنص ( ظلال شبه عارية ) للشاعرة السورية غادة قويدر غادة قويدر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 12-09-2011 11:35 PM

الساعة الآن 08:52 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.