قديم 05-13-2015, 11:52 AM
المشاركة 1361
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 96- قامات الزبد إلياس فركوح الاردن


أجرى الحوار: سميرة عوض


- لاقت الرواية 0 ارض اليمبوس) حفاوةً لم أكن أتوقعها بصراحة، داخل الأردن وفي الخارج، رغم إدراكي أنها شكّلت حَفْراً وتحوّلاً ومغايرةً في كل من بنيتها، ولغتها، وتضمنها لأسئلة الكتابة الخاصّة بالرواية الحديثة.

- ولأكُنْ أكثر صراحةً : لأنَّ ما يشبه الجفاء النقدي الذي قوبلت به الرواية السابقة، ' أعمدة الغبار'، وبحجّة صعوبتها، هو ما حال بيني وتوقـُّع الانفتاح على ' أرض اليمبوس' بهذا التفهُّم والفحص والقراءات الذكيّة المحترمة لها كعملٍ يتطلب بذل الجهد المقابل، وبالتالي التقدير. فأين كان يختفي ذلك كلّه؟ أكان ' الخلل' ( سأسمح لنفسي باستخدام هذه المفردة) في الرواية والأعمال السابقة الأخيرة، أم في ' الوَسَط الثقافي' الكسول المُقْبِل على الأعمال السهلة التي تُقرأ بسرعة، والابتعاد بالتالي عن أعمالٍ يراها ' صعبة' فيكتفي بما هو شائعٌ عنها دون تكبُّد عَناء قراءتها؟!

- أعتبرُ ' أرض اليمبوس' رواية محظوظة ـ بمعنى تراكُب جُملة عوامل لا يمكنني تحديدها بدقة، أدّت للالتفات الجاد إليها، وبالتالي كشف ما تحمل من قيمةٍ تخصّها. وكذلك، وبسبب هذا، أعتبرُ نفسي محظوظاً بها.

- * لطالما كان لمفردة ' اليمبوس' وقْعها الجاذب لي. أوّلاً لغرابة الاسم وإثارته لمخيلة الصبي الذي كُنتُهُ حين تلقيته لأوّل مرّة في درس الدين. كان ذلك في مدرسة ' الفرير'، في القدس، وهي تابعة لرهبانيّة كاثوليكيّة متبنّية لمفهوم اليمبوس، بينما لم أكن قبلها قد سمعتُ به، إذ جئتُ من أُسرة أرثوذكسيّة يونانيّة الانتماء. وثانياً؛ لأنَّ اليمبوس منطقة رحيمة ناسَبَت مخيلة الصبي وروحه؛ فهي رَحْبَةٌ تثيرُ فيه حيوية تشكيل ما يشتهي من صُوَر. ليست الجَنّة وليست الجحيم، حيث رُسِمَ هذان العالمان على نحوٍ قاطع ومفهوم. أما اليمبوس، فعالَمٌ ثالث كَسَرَ ثنائيّة الأبيض والأسود، والخير والشَّر، متيحاً لِمَن ليسوا هنا أو هناك حيّزاً للخلاص!

- وكذلك، لأنَّ حالة ' الما بَين' شَكّلت لي موضوعةً مركزيّةً في الروايتين السابقتين ـ وعَلّها أحد ملامحي الداخليّة الغائرة عميقاً داخلي، حيث تتم ترجمتها في رفضي الدائم لأن أكون عند واحد من موقفين متناقضين يزعمُ كل واحد منهما حيازة ' الحقيقة'. فالعالَمُ أكثر رحابةً وأوْسَع مدىً وغَنَيّ ٌ بالتعدد، وأنا لا أطيق اختزاله ( وبالتالي اختزالي) في نقطتين وحيدتين حين الاحتكام إلى منطوقهما فتستقر ' حقيقته' في نقطةٍ واحدة فقط! ـ أقول: ما دامت حالةُ 'الما بَين' موضوعة مركزيّة في العملين السابقين، والرواية الأخيرة هي ثالثةُ هذه الثلاثيّة غير المُعْلَنَة؛ فإنَّ ' اليمبوس' كجزء من عنوانها أو اسمها سيكون إعلاناً مضمراً وصريحاً في الوقت نفسه لجوهر المعنى الكامن فيها. إضافةً إلى مجاورة ما هو مادي ومحسوس في مَشاهد القدس، ورهبان المدرسة، والأرض الحَرام بين القدس الشرقيّة والغربيّة قبل الاحتلال، لِما هو مَجازي بحيث تتسّع الدلالات ويغتني التأويل.

- *في الحقيقة أنا لم أفكّر، عند كتابة الرواية، بمقولة المعتزلة ' المنزلة بين المنزلتين'، رغم معرفتي المنهجيّة بها؛ إذ كانت مثلها مثل ' اليمبوس' مصدر جَذب، ولكن لإعمال العقل هذه المرّة لا المخيلة ـ فلقد كبرَ الصبي الذي كُنتُهُ وباتَ شابّاً يدرس الفلسفة كتخصصٍ أساس. وعَلَّ صداها كاجتهادٍ عبقري انشبكَ مع اليمبوس دون وعيٍ حاضر، مما نتجَ عنه موقفي حيال مسألة الاختيار المرفوض مني لأن أكون هنا .. أو هناك! لا شك، ثمة تقاطُع وتَدَاخُل بين هذين المفهومين رغم اختلاف المصدر والغاية. فـ'اليمبوس' اجتراحٌ لاهوتيٌ أُتيَ به من أجل إيجاد حَلٍ لمعضلة المصير ما بعد الموت لفئةٍ من الناس. بينما ' المنزلة بين المنزلتين' اجتهادٌ عَقليٌ خالص احتكمَ إلى المنطق الفلسفي ليطرحَ مَخْرَجاً لثنائيّة منزلتي الإيمان والاجتهاد، أو التوفيق بين النَقْل والعقل.

- وفي رده على سؤال: *تعتمد أسلوب الاسترجاع ـ الفلاش باك ـ في كتابتك الروائية، وهو أسلوب سينمائي يصور ويستشرف ويشرح، فضلاً عن تعدد الأصوات، الغائب منها والحاضر. إلى أي مدى استلهمتَ السينما في روايتك؟ يقول: لطالما كانت السينما أحد عناصر تكويني التخييلي. أذكرُ أن أبي اعتاد القول كلّما طلبتُ منه السماح لي بالذهاب إلى السينما حين كنتُ صبيّاً: ' أنتَ إذا عصرتكَ، فلسوف تخرجُ منكَ الأفلام!' كان ذلك منذ بداية وعيي على العالم، فبدوتُ وكأني أوائمُ بين هذا العالم ' الواقعي' والعالم ' المتخيّل' كخيالات تتحرك على شاشة السينما، بحيث امّحت المسافة بينهما فشكّلا عالماً واحداً في داخلي.

- بالكتابة، وهي عمليّةُ حَفْرٍ أمارسها لداخلي غالباً، تستحيلُ مَشاهدُ الرواية إلى مُقتَطعات قائمة بذاتها ـ إنْ قرأناها هكذا. وكذلك، يمكن من خلال وعيٍ فني وقدرة تأويلٍ ورَبْط أن تنشبك تلك المَشاهد المقتطعة لتشكّلَ بانوراما الرواية بكافة مستوياتها. وكما أرى، فإنَّ تقطيعاً سينمائيّاً ( مونتاجاً) أصاب الرواية، فساعدني في التنويع على مبدأ التشظية للزمان، وللشخصيات، وللأحداث.

- * ربما يشكِّلُ صوت الروائي القابع في داخلي بلاغةَ أو انكشاف المعنى الذي أختزنه للمرأة. وربما هي المرّة الأُولى التي عثرتُ فيها، عبر الكتابة، عن طبيعة الصِلة الواصلة بينها وبين الحرب. هنالك تلازُمٌ بينهما على امتداد الرواية، اعترفتُ من خلاله ببديهيّة أنَّ المرأة تُناقِضُ الحربَ في كونها عنصر إخصابٍ ومساحة لواذٍ للرجل، بينما تمثّل الحرب العنصر النافي، والمدّمر، والقاتل، والإجداب. فغالباً، وعند ورود الحرب في المَشهد، أجدني باثّاً فيه المرأةَ كأنما هي ملاذي وعلى صدرها أبيحُ لبوحي عن ضعفي حريّة الانطلاق.

- غير أنَّ هذا ليس إلاّ وجهاً من وجوه التقابُل بينهما، وهو تقابُلٌ ضِدي ومتكرر وعام. الجديد الذي أتت به الرواية، عبر الكتابة وليس قبلها كفكرةٍ مسبقة، كان كشطي لهذه الطبقة من العلاقة وإظهار أنَّ التلازم لا يكون بالضرورة، ودائماً، تلازماً لعنصرين أو كينونتين متناقضتين. فالحربُ، بالنسبة للرجل، هي امتحانه لرجولته وذكورته حيال المرأة. ثمة ما يقاربُ التوتر في المساحة بينه وبينها. وغالباً لا يستند هذا التوتر إلى ما يُفسّره ـ وأنا أقصد الرجل هنا ـ حيث انه كلّما تخطاها مقترباً منها وداخلاً عالمها، باتت هي الكاشفة له عنه لا عنها!

- بالحربِ نمتحنُ جوهرنا الصامد أمام محسوس الموت ومَجازه. وبالمرأة نفحصُ جوهرنا الحائر حيال ' الفكرة / الإرث' أننا، كرجال، الأطول صبراً والأنفذ فكراً والأكثر حكمةً والأقلّ عاطفة. وهنا تحديداً نسقطُ، كرجالٍ بالعموم، في الامتحان؛ إذ كانت ' مريم' أو ' ماسة' أو ' العَمَّة' أو ' منتهى' الذوات الأسطع حضوراً من شخصيات الرواية الذكوريّة! فنحن، عبر علاقتنا ذات الأوجه المتعددة بالمرأة، نفاجأ بأننا لحظة اعتقادنا باقترابنا منها إنما نكون اقتربنا فعلاً من عَرضنا لأنفسنا دون مبالغة على شاشة وعيها.

- العلاقة بين المرأة والحرب لدى الرجل علاقة ملتبسة تحتمل أكثر من وجه، وتحمل أكثر من معنى، ولهذا كانت وستبقى موضوعة أساسيّة من موضوعات الرواية المتحركة في فضائهما.

- *ردّاً على سؤال مُعِدّ ومذيع أحد البرامج الثقافيّة في إذاعة أجنبيّة عن السبب وراء انشغالي بالحروب والسياسة في رواياتي كلّها، بما فيها ' أرض اليمبوس'، كما في روايات عربيّة أُخرى كثيرة، أجبته بأنه من المستهجَن أن لا ننشغل بذلك في كتاباتنا. فكيف يمكن لنا أن نتغافل عنهما في حين كانا السبب الرئيس في رسم طبيعة حياتنا العربيّة، كجماعات وأفراد، وأيضاً في قوة تأثيرهما على مصائرنا!

- نحن، بالإجمال، نشكّلُ الحَصاد المُر لأكثر من ستين عاماً من السياسة الفاشلة والحروب الخاسرة. نحن، كأفراد، شخصيات أعطبتها التفاصيل السياسيّة لَمّا تجلَّت في طبيعة العلاقة الشائكة بينها وبين السلطات والحكومات والأنظمة القائمة على تسيير وتيسير شؤون هزائمها. نحن، كمجتمعات، نُصاب بالتشوهات والنمو المنقوص دائماً والمعكوس نتيجةً لهيمنة التخلّف والاستبداد الداخليين من جهة، ولهيمنة القوى الكبرى على دولنا بإملائها لـ' سياساتنا' العرجاء العمياء والعاجزة!

- علاقة الروائي العربي بالأحداث السياسية علاقة عضوية بكل معاني الكلمة. ومن جهتي؛ شكلَّت تلك الأحداث المناخات الدائمة التي أنتجت شخصياتي الروائيّة، والتي تحركت فيها وعاشت تتنفس هواءها الملوث بالخسارات، كما كانت الفاعلة والحافرة فيها إذ تجَلَّت كخلفيّة تؤشّر على تحولاتها.

- أنا لم أكتب عن الأحداث السياسيّة والحروب، لكنني كتبتُ عنهما في قوة فعلهما داخل الشخصيات وتأثيرهما الكبير في تكوينها. لا مهرب لنا، كروائيين عرب، من السياسة وإن اختلفنا في كيفيّة معالجتها.

- ويقول في رد على سؤال: *كيف تشعر إزاء أبطال رواياتك الذين يعانون غالباً من بؤس الحياة وظلمها؟ *الحياة ذاتها ليست هي البائسة والظالمة، بل القائمون على التحكم بتسيير مجتمعاتنا والعالم هُم مَن يحوّلون جَمالها ومفرداتها الرائعة إلى مسلسل لا ينتهي من البؤس، فيقع الظُلم بشتّى مسمياته: الظُلم الاجتماعي، القهر السياسي، السحق الاقتصادي، فتكون الحصيلة بالتالي إنتاجهم لعالَمٍ يُدار وفقاً لقانون الغاب: الأقوى يبطش بالأضعف ويعمل على نهشه، ليصل البعض مِنّا إلى تمني الموت لكي لا يشهد هذا الانحطاط الإنساني المريع!

- أبطال رواياتي أبطالٌ مهزومون مقهورون غالباً. أبطالٌ لا يملكون من البطولة إلاّ ما استطاعوا الاحتفاظ به من إنسانيتهم ـ وهذا يكفي لمعاينة القليل من الحُب المفجوع، والدفء المنقوص، والقُبلات المحترقة الشِفاه، ولمسات الحنان المضروب: هذا يكفي لأن أُصَفّق لهم وأن أرثي أحلامهم النائسة في آن.

- *إلياس فركوح يكتب لنفسه أولاً، ومن داخله، وفي داخله ـ وهو بسبب ذلك إنما يكتبُ لكِ ولكل مَن يرغب مشاركته هذه المدونة الشخصيّة الخاصة. فإنْ تحققَ له أن حازَ على قارئ أو أكثر؛ فإنه يكتب لهم. إنه يكتبُ لقُرّاءٍ محْتَملين يؤمن بوجودهم رغم جهله بهم. باختصار: إلياس فركوح يكتبُ لِمَن يرغب في أن يقرأ، وبشرط المَحَبّة.

قديم 05-13-2015, 11:54 AM
المشاركة 1362
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...


بقلم : عمايرة. خريس.

- الروائي والقاص إلياس فركوح يُعدّ من رموز الكتابة الأردنية، وهو واحد من جيل يشكل الآن صدارة الرواية في الأردن.

- حملت أعماله ما يمكن وصفه بـ"رؤيا جيل" كامل، أولئك الذين وسموا بنكبة فلسطين عام 1948 وحملوا لاحقا نكسات العرب وانهياراتهم.

- هذه الموضوعات ظهرت بقوة في أدب فركوح وخصوصا في ثلاثيته الروائية: "قامات الزبد"، "أعمدة الغبار"، و"أرض الينبوس"، وهي الأحدث والأكثر قربا، وربما التصاقا بشخص فركوح، الذي يتعين حضوره في الشخصية الرئيسية، بقليل من المجاز والكناية والتمويه!

- في الإجابة على السؤال يقول فركوح: "إذا ما اتفقنا من حيث المبدأ على أنّ الحياة لا تتعيّن "موضوعاً"، في الفن كما في الحياة، إلاّ بوجود "ذات" لا تعاينها فحسب، بل تعيشها كشرطٍ يوجب التلازم معها، فإنّ لجوء الكاتب إلى حياته الشخصيّة لكتابة أدبه يصير أمراً مفهوماً".

- ويرى فركوح ان المفهوم (concept) يتوجب النظر إليه "ليس باعتباره حجّةً، أو ذريعةً، أو مبرراً، وإنما هو حالة تكتسب مشروعيتها واستقلالها ضمن الكتابة المتصلة بالواقع الممسوك من خلال شخص يقع في القلب منها إلى درجة يتحوّل إلى موشور لها بكل المعاني".

- وبحسب هذا "المفهوم"، كما يقول فركوح، "تنتفي الذاتية أو الشخصنة عن كتابةٍ كهذه"، لتكون هي بذاتها "واقعاً آخر ممهوراً ببصمة كاتبها وتوقيعه". ويبقي فركوح أجابته مفتوحة إذ يقلب السؤال ويقول: "أهي رؤية/ رؤيا للعالم، أم "تذويتٌ" له؟ أهو "حَرْفٌ" لوقائع العالم الحقيقية، أم "تحققٌ وتحديقٌ" لعالمٍ طاله الحرف والتزييف في وقائعه؟".

- يرى فركوح في المخيلة "ما هو أبعد من مجرد الاختلاق والاختراع والكذب الجميل"، ويقول ان المخيلة الأدبية تعني كذلك، "الأخذ بواقعة شخصية وإعادة تركيبها لأتمكن من إشباعها بدلالات لم تكن لتتحلّى بها في الأصل. وإني، عبر متوالية هذا الفعل، أكون اخترعتُ شخصيةً أخرى ليست أنا بكل تأكيد، تماماً مثلما لم تعد الواقعة الجديدة تملك تحديدات أصلها وحدوده في الواقع الذي جُلبت منه".

- ويقول فركوح ان ما بين عمليتي "الجَلْب" و"الجَبْل" ثمة مسافة من "التخييل يتطلب تعبئتها بما هو أكثر من مجرد الخيال الواسع"، اي "بمخيلة مثقفة ترى إلى باطن ما تعنيه التغيّرات الحاصلة في جملة الجبلة الحادثة وفي تفاصيلها"، موضحاً "أنّ ذلك يتجاوز محددات الشائع عن "الجرأة"، بمعنى التجاسر على كشف المستور من سيرة الشخص، بما يعني، بدوره، السير في اتجاه "الفضيحة" أو ما يظللها في عيون مجتمعاتنا المحافظة. إنها جرأة الخروج على مألوف الكتابة، وعلى مألوف مفهومها، وعلى افتراضات الواقع، والأهم: الخروج على مفهوم الخيال والمخيلة".

قديم 05-13-2015, 11:56 AM
المشاركة 1363
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ...
بقلم د. محمد عبد القادر

- تمثل رواية أرض اليمبوس لإلياس فركوح، والتي وصلت الى القائمة القصيرة لجائزة "البوكر" للعام 2008، نموذجاً للسمات المميزة للرواية الجديدة أو لرواية "الحساسية الجديدة" على حد وصف إدوارد الخراط.

- وبصدور هذه الرواية يكون إلياس قد أبدع ثلاثية روائية بدأت بـ"قامات الزبد"، تلتها "أعمدة الغبار"، ثم "أرض اليمبوس"، لتشكل في مجملها مشروعاً روائياً نهل فيه الكاتب الكثير من مكوناتها الفنية، من تجارب ذاتية، هي في حقيقة الأمر ليست ذاتية محض، بقدر ما هي حصيلة لذاكرة جماعية أيضاً.

- ومن هنا تبرز إشكاليتان أساسيتان فيما يتصل بكتابة إلياس فركوح الروائية: الأولى: هل يظل النص السردي المرتكز الى السيرة الذاتية عملاً ينتمي بجدارة الى عالم الرواية؟ والثانية: إلى أي مدى يشكل الواقع متن الرواية، وأي دور للمخيلة في إنتاج رواية فنية يلعب فيها التخييل دوراً رئيساً في إنتاج العمل الفني؟

- إن قولنا أن إلياس عكف على كتابة مشروع ثلاثية روائية – حتى الآن في أقل تقدير – يدعونا الى توضيح الصلة الأساس بين رواياته الثلاث:

- في قامات الزبد يرسم الكاتب ملامح مرحلة معينة تبدأ بانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة وتواجدها في كل من الأردن ولبنان باعتبارها رداً على هزيمة حزيران 1967 مروراً بأيلول 1970، وحرب تشرين 1973، وسقوط مخيم تل الزعتر في عام 1976. على أن السرد الزمني في الرواية لا يتسم بهذا التسلسل التاريخي المتصل، لعلاقة ذلك بالأداء الفني، وكذلك الحال في الروايتين التاليتين.

- ثم صدرت أعمدة الغبار، لتتناول مرحلة أعقبت سقوط تل الزعتر، ثم زيارة السادات لفلسطين المحتلة، واندلاع الحرب العراقية-الإيرانية ثم الحصار الاسرائيلي لبيروت.
وها هي أرض اليمبوس تستكمل بعض الحلقات عبر تداعي السيرة بدءاً من الولادة في العام 1948 والتنقل ما بين عمان والقدس، ثم سقوط القدس الشرقية في العام 1967، وامتداد السيرة حتى مشارف اندلاع الحرب على العراق في العام 1991. ولست أزعم بذلك اكتمال المشروع الروائي لالياس فركوح، فالحياة ما تزال زاخرة بالتجارب الفردية والجماعية وإن كانت ذات طبيعة مأساوية في غالب الأحيان.

- وما يدل على مشروع الثلاثية الروائية أيضاً، هو البناء السردي المتشابه الى حد كبير في الروايات الثلاث، وهو بناء قائم على تفجير الفضاءات الروائية بأمكنتها وأزمنتها وأحداثها وشخصياتها، ليقدم لنا الكاتب عالماً من التشظي والتفكك والانقطاع، وبالذات ذلك الانقطاع الوجداني الإنساني الذي يخلفه انقطاع مسار الذاكرة. كما أن الروايات الثلاث تحمل الكثير من الآراء والأفكار السياسية والفلسفية والأدبية (الفنية) المشتركة، وليس هذا بغريب على كاتب ينهل في رواياته من عالمه الفكري والوجداني والثقافي والسياسي.

- إن لفظة "اليمبوس" قد وردت في مغزاها ودلالاتها على لسان خالد الطيب في الرواية الأولى قامات الزبد، في سياق وصف دقيق للصراع الداخلي الوجودي الحاد الذي تعيشه الشخصية والذي عبر عن نفسه في "مونولوج" أو حوار ذاتي

- على أن لفظة اليمبوس تولد بحروفها ودلالاتها في أعمدة الغبار

- وظلت اللفظة في سياقها تعكس ثيمة من ثيمات الروايتين، حتى إذا ما صدرت "أرض اليمبوس"، وإذا بالفكرة تحتل المشهد بكامله لتغدو ليس فقط عنوان الرواية، أو عنوان قسمها الأخير بل عنوان مرحلة تصوّر أزمة أمة، ومأزق بناها الفكرية وقياداتها. إنها المراوحة عند منطقة الوسط. حين يستعيد السارد الشاب مرحلة من حياة الشباب الأول يقول لنفسه "علّني تورطت في منطقة الوسط، ما بين مناظر صالات السينما ونقاشات المقاهي عن آخر كتب قرأناها."

وهنا تكون منطقة الوسط تعبيراً عن غياب الوعي وغياب الطريق. ولكنها في سياق لاحق ستكتسب دلالات أخرى ذات صلة بالهوية حين يستدعي الشاب الباحث عن دور وطني فاعل السؤالين اللذين تلقاهما من مصدرين مختلفين:لست منا فلماذا تكون معنا؟
لست منهم فلماذا تكون معهم؟

- وهنا لا نتحدث عن شاب يقع ضحية نزق أو لامبالاة بل نرى شاباً وطنياً يواجه نماذج من الوعي البدائي المتمثل بالتمييز على أساس العرق أو الدين، أو أي شيء آخر، ليقذف به في منطقة اليمبوس.

- ثم يبرز القسم الثالث تحت عنوان "اليمبوس" لتستقر الدلالة بأن جمهور الأمة ومثقفيها يقفون في الأرض الحرام، بلا فعل، وبلا رؤية، وبلا قدرة على القيادة. لكن السارد إذ يخاطب قرينه لا يغلق الباب أمام الحركة، ذلك أن اندماج الوعي بالفعل سيبقى هو الطريق. في نهاية الرواية نقرأ الخاتمة التالية: "حاول. أنت تعرف. لن أكون بعيداً عنك. يدي في يدك، ولسوف نعبر معاً الى الضفة الأخرى بأقل الخسائر".

- ولا شك أن "أرض اليمبوس" استلهمت مخزون الذاكرة الواقعية والتاريخية لكاتبها، عبر انتقاءات من سيرة ذاتية، فكان أن حضرت حروب شهدتها الساحات العربية من العام 1948 حتى العام 1991، وحضرت رموز وشخصيات حقيقية: جورج حبش ومنيف الرزاز، وصادق جلال العظم، وحضرت مدن القدس وعمان ويافا واللد ومخيم الوحدات ومدارس وكالة الغوث، وغير ذلك، وحضرت تجارب سياسية وحزبية ووجدانية وعلاقات اجتماعية لها ارتباطات بشكل ما بالسيرة الذاتية.

- لقد كان حضور الواقع ملموساً الى حد بعيد، وما كان في مقدور ذلك الواقع ببصماته السياسية والتاريخية والاجتماعية من دون التخييل أن ينتج عملاً إبداعياً. هذا التخييل الذي بدأ من عنوان الرواية والذي يفضي إلى مرجعيات دينية وأدبية ورمزية وثيقة الصلة بالواقع في ظلالها ودلالاتها.

- لا بل إن المشهد الروائي الفني الأول يحيل الى التخييل حين ينظر الراقد في المستشفى الى لوحة السفينة التي تتقاذفها الأمواج مشارفة على الغرق، فيخترق التأمل العالم الفني وينفذ الى الواقع عاقداً مقارنة بين المشهد التشكيلي والواقع الخارجي، إذ يتماهى المشهدان بحيث لا يستطيع القارئ أن يميز بين سفينة توشك على الغرق وواقع عربي موغل في التردي والسقوط.

- على أن القيمة التخييلية الأساس في أرض اليمبوس تكمن في البناء السردي الذي شيده الكاتب، متجاوزاً خط السرد الواقعي التاريخي للحدث وإلاّ كانت روايته سرداً موضوعياً تاريخياً لسيرة ذاتية خالية من الأبعاد الجمالية والفنية التي يخلقها التخييل.

- أرض اليمبوس رواية تخلو من الحبكة أو العقدة أو التسلسل الزمني للأحداث، بل هي سرد مركب تتعدد فيه أصوات الساردين ويغيب المؤلف كسارد، بل يصبح شخصية أساسية من شخصيات العمل، ويمضي الى أبعد من ذلك بأن جعل الشخصية تخلق قرينها تعبيراً عن الازدواجية القائمة فيها، ما يساعد على تأمل الشخصية لذاتها، ومساءلتها، ومساندتها، أملاً في أن تتوحد الشخصية والقرين ليصبحا كياناً إنسانياً واحداً بوعي فاعل وطريق واحد.

- في هذا البناء السردي المفتوح، لا توجد قمم ولا تلال، لا مد ولا جزر بل سهل فني منبسط تتعدد فيه أساليب السرد، فأحياناً يكون الوصف، وأحياناً تكون الذاكرة الشفوية عبر آلة التسجيل، وأحياناً توظف النصوص وقصاصات الصحف، وأحياناً الحلم أو الكابوس، والمونولوج (حوار الذات وتأملها)، وأحياناً الحوار بصوت عال مع القرين.

-هذا البناء التخييلي يجد له جذوراً في الواقع: الذاكرة انقطعت عن أزمنتها وأمكنتها، العالم فوضى لا ضابط لها، والأحداث شظايا متناثرة على امتداد العمر. كأن الياس يكتب محاوراً ذاته: أي عمر هذا؟ تولد في عام 1948 فتضيع فلسطين! فيصبح عام ولادتك عام شؤم، ويشتد ساعدك فتى قبل العشرين فتضيع القدس وينقطع امتداد التجربة والذاكرة، وما أن تدخل مرحلة الشباب حتى يسقط تل الزعتر، ويمتد بك الشباب قليلاً فإذا بيروت تحت الحصار الكامل، وإذ تغدو كهلاً تشهد حرب التحالف على العراق.

- هي وقائع على أية حال لا تخص المؤلف وحده، بل هي ذاكرة الجيل الذي شهد هذه المرحلة، وذاكرة أمة ما تزال تبحث عن بوصلة.

- في مشروعه الروائي الناجز قدم إلياس فركوح محاولة لإدراك الذات من الداخل، وإدراك الذات في تفاعلها مع الواقع بأحداثه وناسه، ليكتب رواية تستند إلى سيرة الذات باعتبارها سيرة جماعية أولاً وقبل كل شيء، ولا شك في أن قيمتها الفنية العالية هي التي بلغت بها قمة الصفوة الروائية العربية للعام المنصرم


قديم 05-13-2015, 11:59 AM
المشاركة 1364
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....

- يخلص الناقد د.فيصل دراج في شهادته المعنونة 'إلياس فركوح في أرض اليمبوس: الحقيقة المؤجلة في الإبداع الروائي' إلى أن 'الياس فركوح وصل في (أرض اليمبوس) إلى عمله الروائي الأكثر إتقاناً، منتهياً إلى نص نوعي يضيء معنى الكتابة الروائية'،

- منوها إلى 'سعي إلياس فركوح، منذ بداياته الأولى، إلى تمييز ذاته، مدركاً أنّ الشخصية الكتابية أسلوب لا يختزل إلى غيره، وأنّ كتابة تائهة الأسلوب لا ضرورة لها.

- وسواء احتفى القارئ بروايتيه: (أعمدة الغبار) و(قامات الزبد) أو لم يحتفِ بهما، فإنّه سيذكر منهما، إن كان قارئاً جاداً، أمرين: أولهما عمل في اللغة يقترب من الصناعة، وثانيهما وحدة العملين الأكيدة، التي تعيّنهما عملاً واحداً، أو تكاد.

- ولعلّ هذين البعديْن الإيجابييْن، فاشتقاق الشخصية من الأسلوب فضيلة كبرى، هما اللذان يفرضان على القارئ أن يقرأ عمليّ فركوح بين روايات عربية أخرى، طالما أنّ صاحبهما لم يرغب، منذ البداية، في أن يكون كاتباً مطمئناً يداعبه الاستسهال، بل أراد أن يكون روائياً حقيقياً، يحاور غيره من الروائيين، ويقدّم إضافة خاصة به'.

- وبيّن دراج أن الناقد 'يستطيع، ربما، أن يقع في العملين السابقين على آثار روائييْن متميّزيْن: أولهما غالب هلسا، الذي قاسمه فركوح فكرة (النثر اليومي)، إذ الرواية شكل من اليوميات أو ما يشبهها، تدور حول مفرد يتكلّم ويوزّع كلامه على غيره. وثانيهما: إدوار الخرّاط الذي أخذ منه إلياس، ربما، الصناعة اللغوية، التي هي ردّ جمالي على واقع لا يلبـّي من رغبات الروائي شيئاً كثيراً. هناك، في الحالين، مغترب نموذجي، يشتق خفة التاريخ من رخاوة نهار قوامه الرتابة، ويردّ على ما يخدش الروح بلغة مصقولة، لا ترحّب بها اللغة اليومية كثيراً. بيد أنّ الياس، الذي وحّد بين الشخصية والأسلوب، لا يكتفي بمحاكاة غيره، مُؤْثراً حوار ما يمكن حواره والذهاب إلى مساحة خاصة، لا تلتبس بغيرها. ولهذا يفترق إلياس عن هلسا في شكل التعامل مع اللغة، وينفصل عن الخرّاط مدرجاً 'التاريخ القومي' في الخطاب الروائي. وواقع الأمر أنّ 'الما بيْن'، الذي سيقول به الروائي في عمله الأخير: 'أرض اليمبوس'، كان ماثلاً في تصوّره منذ زمن، أي منذ أن أدرك، مبكّراً، أنّ العمل الروائي الذي لا تحتشد فيه أعمال سابقة عليه لا يأتي بجديد'.

- ويواصل دراج: 'يصل إلياس فركوح في (أرض اليمبوس) إلى عمله الروائي الأكثر إتقاناً، بل يصل إلى عمل يجد لذاته مكاناً مريحاً بين أفضل الروايات العربية التي ظهرت العام 2008 - وقت نشر الرواية - يتكئ هذا الحكم النقدي على الموضوع الذي عالجه الروائي، لكنّه يتكئ أكثر على العناصر التقنية التي أنتجت الخطاب الروائي.

- والموضوع هو: اللايقين، أو النقص المتوالد الذي لا سبيل إلى تجاوزه، أو المعنى المخادع الذي كلّما توهّم الإنسان القبض عليه تسرّب من جديد . ومع أنّ الرواية، من حيث هي جنس أدبي، تجعل من المعرفة الحوارية، أو من نسبية المعرفة، عنصراً أساسياً في بنيتها الكتابية، فإنّ الأعمال التي تحقّق ما تقول به النظرية ليست كثيرة، إن لم تكن قليلة، أو تتاخم القليل. أراد فركوح لروايته ألاّ تنزاح عن النظرية كثيراً، مدركاً، بحذق كبير، أنّ معنى العمل الروائي يقوم في التقنية التي صاغته، التي تتفق مع النظرية وتوسّع آفاقها.

- وفي إضاءة نقدية لبنية الرواية يبين دراج 'بنى الروائي عمله، كما يردّد بشكل إيقاعي، على فكرة النقص، فلا شيء يكتمل، ويظل ناقصاً إن استعان بآخر.

- يقود هاجس النقص إلى التعدّد، طالما أنّ المفرد لا ضمان فيه، وأنّ التعدّد يفصح عن اللايقين، فلو كان اليقين ممكناً لما التمس المفرد عوناً من غيره.

-وبسبب هذا المنظور تستدعي كل علاقة روائية علاقة أخرى وتحيل كل علاقة، مهما كان شأنها، على عنصر، أو عناصر، مبرهنة أنّ المعنى لا يقوم في العلاقات بل في الفسح القائمة فيما بينها، ذلك أنّ (الما بيْن) هو المعنى الأخير، الذي لا يراهن عليه.

- تبدو (أرض اليمبوس)، في مستهلها، رواية، أي فضاء متخيلاً يتوسطه 'مركز لغوي'، هو صورة أخرى عن 'مركز حكائي'، يسرد حكايته، ويترك آخرين يسردون حكاياتهم أيضاً.

- بيد أنّ الفضاء المتخيّل، المطمئن إلى مركز مزدوج، لا يلبث أن ينتج ارتباكاً، فنياً، يضع إلى جانب المتخيّل الصريح 'سيرة ذاتية'، تدلّل على وجودها 'الأنا' الساردة ومراجع واقعية، محدّدة المكان والزمان.

- وواقع الأمر أنّ الروائي، المسكون بفكرة اللايقين، لا يطمئن إلى أحادية الصوت، بل انّه لا يطمئن إلى تعددية الأصوات، إلاّ بقدر، فيضع الشخصية إلى جانب شخصيات، كي تتحاور وتتداخل، متحوّلة إلى شخصية إنسانية شاسعة يخترقها القلق'.
فركوح يمرعلى فلسطين وعام 1948

- وزاد: 'تنتج سطوة النقص تعددية المكان، الذي يبدو واضحاً وشديد الوضوح حيناً، ويبدو واهن الملامح، حيناً آخر، مسقوفاً بالأطياف وغيوم الذكريات. تتداخل عكا ويافا والقدس وعمّان، إذ في الأولى حياة مضت وفي الثانية ذكريات هاربة وفي الثالثة حنين موجع وحكايات منقضية والأخيرة موقع حكايات شتائية وسيرة حياة طافحة بما يسر ولا يسر، وعلى الرغم من تراصف الأمكنة المحددة الاسم، فمعناها جميعاً ماثل في الحكايات، الصادرة عن ذاكرة تخون ولا تخون، ذلك أنّها أشبه بغربال جيد الصناعة، لا يحضر المكان بل يحضر ظله، ولا يحضر المكان إلاّ إذا استضاف آخر يضيء عتمته، فصور الأمكنة جميعاً رهن بذاكرة قلقة يخالطها البَدَد. غير أنّ الأمكنة، ثابتة الأركان كانت أو عرضة لوهن الذاكرة، لا معنى لها خارج الأزمنة التي تغلّفها، تلك الأزمنة الجامحة التي تبدو كنثار من الوقت، بعيداً عن زمن تتابعي واضح المفتتح وثابت الخطا. ومع أنّ فركوح يمر، كعادته، على فلسطين وعام 1948، ثم على هزيمة العرب في الـ 67، وصولاً إلى حصار العراق وهزيمة العرب في العراق، فإنّ أزمنته المتعددة تنبثق من الحكايات لا من تواتر التاريخ المستقيم، وتنبجس من (مناخ الوعي)، إن صحّ القول، إذ في الكآبة ما يستذكر هزيمة، وإذ في رائحة القماش ما يضع شوارع القدس تحت بصر الذاكرة'.

- لا شيء له مركز- كما يبين دراج - والمركز الصلب الذي يدّعي قول الحقيقة فاسد، وجميع المراكز لا وجود لها، فما يوجد هوامش متعددة، طالما أنّ الذاكرة مكشوفة الغطاء ومليئة بالشروخ. وبسبب غياب المراكز، بلغة الجمع والمفرد، لا يكون للسارد الأول غبطة ممتلئة، كما كان يفعل الراحل جبرا إبراهيم جبرا، فهو موزّع على شخصيات يسردها وتسرده باحثة، جميعاً، عن حكاية لا تكتمل. فإلى جانب السارد الأول، الذي يروي من حياته الذاتية أشياء كثيرة، هناك الفلسطيني المتأنّق الذي يحشر الحديث عن فلسطين بين كماليات أخرى، وفلسطيني آخر مليء بالنقاء والعذوبة، وصور النساء المتلاشية التي أسبغ عليها النسيان صفة وحيدة، وشخصية الأب المنسوجة من التواضع والحكمة والندى، ومرايا الإشراق والانطفاء . كل شخصية توجد واضحة، كما يأمر بها مبدأ المساواة الروائي لكنها لا توجد، على مستوى المعنى إلاّ بغيرها، ذلك أنّ صورة الفلسطينيين كامنة في تأويل يتجاوزهما . اتكاء على مبدأ المساواة وإضاءات التأويل المتبادلة، واتكاء على منظور روائي يرى العالم في تعدّده، أدرج الروائي في نصه لغات متعددة: الحوار الموجز واللغة التأملية الكثيفة ولغة السرد البسيطة واللغة العامية ولغة غامضة ملتبسة، تتاخم الشعر أو تساكنه. والتعدّدية اللغوية، بهذا المعنى، ليست مصطنعة وهي بعيدة عن التصنّع والصناعة لأنّها استجابة مطابقة للمنظور الروائي، تضيء تعدّدية الأمكنة وتستضيء بها، وتحاور زمناً روائياً بعيداً عن الصلابة والتماسك. فما يتعدّد ينقسم، وما ينقسم يتصل بغيره وينفصل عنه، وعلاقات (أرض اليمبوس) مرايا مختلفة لجدل الاتصال والانفصال.

- أدرج إلياس فركوح في روايته إشارات دينية متعددة، لكنّه - بحسب دراج - وهو الروائي المأخوذ بفكرة النقصان، حوّل ما يبدو دينياً إلى مادة روائية بين مواد أخرى. وفي الواقع فإنّ فركوح، المفتون بلغة خاصة، ليس مهجوساً بفلسطين بل بما يحيل عليها، ولا بالدين بل بما يرمز إليه، ولا هو مشدود إلى هذا المكان أو ذاك، لأنّه مشدود إلى الصور البشرية المتناثرة على الأماكن جميعاً. لذا يحوّل المادة الروائية، في مصادرها المختلفة، إلى علاقات قيميّة ـ جمالية. فإذا كان التصوّر الديني للعالم يطمئن إلى فكرة 'الأصل' الذي ينكر التغيّر، فجميع العلاقات في رواية فركوح متبدّلة متغيّرة، ترضى بـ 'اسم' معيّن وتقع، لاحقاً، على اسم آخر. وهو ما جعله يبدأ بـ 'مريم' وينتهي إلى 'ماسة'، التي هي مجرّد قناع لوجه واسع لا وجود له، كما لو كان لا يقبل بالموضوع إلاّ إذا انزاح عن موقعه وجاور موقعاً آخر.

- لا تصدر دلالة العمل الروائي عن مضمونه، قال بالنقص أو بالكمال، إنّما تتعيّن، وتتحدّد وتقاس بالعناصر التقنية التي أنتجت معناه. وبسبب ذلك تُقرأ رواية 'أرض اليمبوس'، في علاقاتها كلها، انطلاقاً من التقنية الفنية المندرجة فيها. وبداهة فإنّ تعددية المعنى، التي تفتح أمام القرّاء أفقاً واسعاً، لم تكن ممكنة من دون العناصرية التقنية التي أعلنت عن 'مأساة النقصان' بأشكال مختلفة. يستهل الروائي عمله بمجاز 'السفينة'، تلك الملتبسة المتماوجة الغامضة التي تنتهي إلى موضوع، وإشارة: فهي موضوع من حيث هي صورة ملوّنة مؤطرة تشيع ملامحها إيحاء قاتماً، وهي إشارة إلى روح إنسانية مضطربة، تهجس بالغرق واللهب وما يدع كيان الإنسان خارجه. وإضافة إلى المجاز الموحش، الذي يحايث الرواية بإيقاع لا انقطاع، استعمل الكاتب تقنية القرين، حيث في الشخص المتكلّم شخصية أخرى، تحاوره وتتدخل في حديثه وتضاعف تساؤله. بل انّ السارد الذي حذف المسافة بينه وبين شخصيات قريبة منه، رحّل قرينه إلى هذه الشخصيات، واستولد من كل منها قريناً جديداً. وتكثير القرين، أو القرائن، درب إلى تعددية الكلام، التي تعلن عن القلق والسخرية في آن. لن تختلف وظيفة الفصل بين الزمن الفيزيائي المباشر، الذي يأتي بارداً مربوطاً بتاريخ معروف، والزمن النفسي، الذي يحوّل التاريخ البارد إلى دوّامة من الأسئلة، ويقترح لغة تنوس بين الوضوح والغموض. لا غرابة في تصوّر ينصاع إلى عتمة الذاكرة أن يحضر، بعفوية كاملة، تيار اللاوعي وأن تحضر فسحة زمنية واسعة.

-وإذا كان تيّار اللاوعي يستحضر الأحداث معتمداً على صدفة لاهية، يزاملها لون أو رائحة أو صوت وكل ما يترجم الحدث العارض إلى صورة وإحساس، فإنّ عمق الذاكرة القلقة هو الذي يفرض زمناً مديداً، يمتد من بواكير الطفولة إلى أبواب الكهولة مروراً بـ 'صبا'، اختلط بكثير من الرغبات والنزوات. وعلى الرغم من أزمنة متراكمة لا متجانسة يظل زمن الطفولة، في رواية إلياس، هو الأكثر جمالاً وكثافة، لأنّ في زمن الطفولة من الأسرار ما يساوي أسرار سور الصين.

- وبين دراج أن الياس فركوح 'التمس من العناصر التقنية ما يحتاج إلى دراسة مفصلية. فإلى جانب القرين والمجاز الاستهلالي وتيّار اللاوعي ميّز الكاتب بين النص و(عتبة النص)، فوضع لكل فصل روائي مدخلاً خاصاً به، هو تمهيد وتعليق وتأويل في آن، موحياً بأنّ السرد لا يقول تماماً بما يصرّح به، لأنّ وراء كل نص صريح نص مضمر أكثر اتساعاً. وزّع الروائي نصّه على أقسام ثلاثة أولها: السفينة، المدخل المحمّل بالقلق والالتباس وثانيها: الأسماء، القسم الناطق بسخرية مضمرة، ذلك أنّ اسم الإنسان الحقيقي هو ما تقترحه الذاكرة المتحوّلة، التي تخلع على الإنسان اسماً ليس له وتخلع عنه اسماً عرف به منذ الطفولة. لن يكون القسم الأخير، أي اليمبوس، إلاّ امتداداً منطقياً لما سبقه. يتحدّث الروائي في الصفحة الأولى عن اليمبوس فيقول إنّه: (المنطقة الوسط، بحسب المفهوم الكاثوليكي، أو الثالثة، ما بين الجنة والجحيم'، فلا الجحيم الخالص موجود، ولا وجود لجنة كاملة، مثلما أنّ الصواب المبرأ من الخطأ مجرّد احتمال لا أكثر. وسواء انتهى الروائي إلى (المنطقة الوسط) أو بدأ بها، فإنّ علاقات عمله كلّها تقول بالاحتمال ولا تقول بغيره. '

- وختم دراج شهادته بالقول: 'ملاحظتان أخيرتان عن معنى الكتابة والحكاية لدى إلياس فركوح: ليست الكتابة عند الروائي وسيلة تسجّل موضوعاً، إنّما هي الموضوع الذي ينجز تحققه بوسائل عديدة. كتابة حرّة، تحاور إمكانيات الكتابة، بعيداً عن كل كتابة شفافة مستقيمة. ولهذا تكون الحكاية هي البحث القلق الدؤوب عن كتابة الحكاية، ذلك أنّ فعل الكتابة الروائية هو الحكاية الكبرى، لأنّ فعل الكتابة إشعار بالنقص ومحاولة محدودة لحصار مساحته.

- أعلن الروائي الياس فركوح في نهاية شهادته 'هذا أنا. في جميع هذه البؤر. وأدركُ بأني ما زلتُ الناقص الباحث عن اكتمالٍ ما من غير أطماعٍ أو أوهام، كبيرة أو صغيرة'، وكان فركوح قسم شهادته إلى ثلاثة محاور أولها عنونه بـ 'أرض اليمبوس.. وأحمال الذاكرة '، وثانيها: 'الرواية رؤية ذاتية'، وثالثها: 'الذات ليست سطحاً واحداً'.

- يقول فركوح في الجزء الأول من شهادته 'كنتُ أعتقد بأنني، إثر انتهائي من كتابة (أرض اليمبوس)، سأكون قد نحيّتُ جانباً الجزء المتبقي الأكبر من مخزون الذاكرة وأثقالها. غير أنني اكتشفتُ، رغم الصفحات الكثيرة، أنَّ المسألة ليست بهذا اليُسْر أو تلك البساطة؛ فثمّة تداعيات تتبع الكتابة تستدعي، بدورها، نُتَفَاً أخرى كانت مخبوءة أو مطموسة جاءت الكتابة لتحييها من جديد ولتطالبني بمستحقاتها. إنها مستحقات ذات خصوصيّة شخصيّة تنفردُ بي وأنفردُ بها، ولا تشكّلُ بالضرورة مادةً جديدةً للكتابة؛ اللهم إلاّ إذا ساقتها النصوصُ القادمة من تلقائها واحتاجتها داخل متنها في سبيل اكتمال أوجهها'، مؤكدا: 'نعم، لقد استطعت التخلّص من بعض أثقال الذاكرة ـ مع الأخذ بالاعتبار أنَّ الإنسان، وبعد أكثر من خمسة عقود عاشها وعاينَ خلالها هذا الكم الكبير من الشخصيات والأحداث الكبيرة والصغيرة، إضافةً إلى التغيّرات التي أصابت تقييمه لمجريات حياته، إنما يحتاجُ إلى مجموعة روايات!'.

- ويوضح فركوح بخصوص مسألة دمجه أو توفيقه بين الخاص والعام، 'ربما يكمن السبب في أنَّ حياتي الشخصيّة ـ الداخليّة والظاهر منها للخارج - ضمن خطوطها العريضة ومحطاتها الرئيسية، كانت إما استجابة للوقائع العامة الكبرى أتحركُ على إيقاعها متفاعلاً معها ومحاولاً التدخل (بحجم شخصي الصغير طبعاً) ليكون لي دوري المأمول فيها. أو هي مجموعة الأسئلة التي طَرَحَتْها تلك الأحداث العامة على الجميع، والتي بقدر ما تبدأ بالحيوات الكُليّة للمجتمع فإنها، في الوقت نفسه، تنتهي في عقل الإنسان الفرد لتقلب له يقينياته وتجعلها عُرْضَةً لعصف المساءلات. نحن، كأفراد، لسنا سوى التفاصيل البانية لمجموع المشهد البانورامي'، خاتما بالسؤال الوجودي 'ألسنا كذلك؟'.

- ويواصل فركوح في الجزء الثاني من شهادته القول 'أشرتُ في غير موضعٍ إلى أنَّ الرواية باتت، لدى فئات واسعة من القُرّاء والمثقفين والكُتّاب ودارسي علم الاجتماع، وبمعنىً معيّن، إلى مُدّوَّنة حديثة لمجريات الحياة العربيّة تسجِّل الأحداث من زوايا جديدة ليست هي الموافقة الكُليّة، وليست المعترضة كُُليّاً، وليست هي الحاذفة للبشاعات والتشوهات، أو تلك المضفية عليها أفضالاً وجماليات مزعومة. الرواية، ولأنها (بانوراما ذاتيّة) تتشكَّل وفقاً لرؤيا ذات كاتبها / كاتبتها؛ فإنها التدوين الأدبي المتحلّي بفنيات الكتابة ذات التجنيس لعلاقة التفاعل - الكاملة أو الناقصة المضروبة ـ لإنسانٍ عربيٍ بعينه لتاريخٍ ومجتمع معيشين كان لا بُدَّ من تسجيله وتوثيقه'.

- ويستدرك فركوح 'كان الشِّعرُ تاريخنا العربي، في جزء كبير منه، أو تاريخ حياتنا العربيّة، موزوناً مُقفّى، ولكن بحسب أنساق وموضوعات ذاك العصر: راثياً، ومادحاً، وهاجياً، وباكياً على الأطلال. وبحسب منظور ذاك العصر أيضاً (هي عصور على أي حال) كان تاريخاً يتصفُ بالمبالغة غالباً، وبالتزوير والتحريف أيضاً. حتّى الحُبّ؛ كان حُبّاً مبالِغاً في عِفته المزعومة، طامساً لحقيقة الاشتهاء الحِسّي وطاقته الدافعة للشاعر لأن يُلقي على الملأ ظاهرَ الحالة باحتشام، ولنفسه الباطنيّة يهمس بالاحتراق اللاسع!'.
الرواية هي التدوين

- لذلك كله يؤكد فركوح أنَّ 'الرواية هي التدوين (وأشدد على أنها تدوين، بمعنى أنها كتابة وليست شيئاً آخر، صوتاً كالشعر مثلاً) يصيرُ من خلالها إيصال وجهة نظر صاحبها، أو مجموع أسئلته، لآخرَ مجهول لكنه مُفْتَرَض، ليس مرئيّاً ومباشراً بحيث تَحولُ الأُلفةُ المفقودة دون الصراحة في التصريح. كما أنها كتابة تتطلبُ في الجانب الثاني منها، أي القراءة، درجةً من التخصص والتعمُّق والذائقة وخبرةً في النوع الكتابي من دونها جميعاً تبطل فاعليّة العمليتين: الإرسال والاستقبال!.

- من خلال الرواية، كما الحال مع صنوف الآداب المكتوبة الأخرى، تتحاور الكائنات البشريّة / الاجتماعيّة تحاوراً عن بُعْد! لكنه التحاور الحميم، والصادق، وغير المسدود بأي حواجز يخلقها واقع ووقائع ما هو خارج النَصّ. فعلى أرض الكتابة نمتلكُ قدراً كبيراً من حُريّة التعبير عن أسرار أسرارنا، وعليها أيضاً نمتلك ذاك القدر من حُريّة المشاركة والتأويل على نحوٍ ليس له مثيل على أرضٍ أخرى على الإطلاق!.

- إذا صادقتُ على المأثور القائل بأنَّ الشاعر العربي القديم كان ينطق بلسان الجماعة؛ إذ هو ناطقها الإعلامي، أو ضميرها الجمعي!؛ فإنَّ الروائي العربي لا ينطق بغير لسانه هو. لم يعُد الفنان/ الكاتب بمعناه الحقيقي في زماننا يتماهى مع الجماعة وينوب عنها في قول ما تريد. باتت مكانة الفرد، داخل الفرد، هي محل التقدير والاحترام والأخذ بالاعتبار، وليس العكس.

- بتواضع: لم أجد حتّى الآن هُويةً خاصّة للرواية العربيّة؛ اللهم سوى لغتها العربيّة، ومناخاتها الاجتماعيّة. أما أن نذهب أبعد ونزعم بوجود هُوية مفارقة تقف بلونها المختلف إلى جوار رواية أميركا اللاتينيّة مثلاً (وهذا بحاجة لتدقيق أكبر، إذ ليس هنالك 'ماركة' واحدة تجمع الروايات الطالعة من هناك؛ اللهم سوى مرجعيتها القاريّة)؛ فإننا نكون نقفز عن الحقائق. ثم؛ هل من اللازم أن يكون للرواية العربيّة هُويةً مخصوصةً في زمن التلاقح والتداخل المعرفيين والثقافيين وما ينتج عنهما من مشترَكات تدخل في الِبنى المكوّنة للأشكال الأدبيّة؟!'

- ويذهب فركوح إلى القول: 'إنَّ جُملة تلك الضروب من الكتابة ليست سوى محاولاتي من أجل استكمال صورتي الكائنة في داخلي، والتي أنظرُ إليها باعتبارها إمكانيات متفاوتة في نسبة وكثافة منسوبها تحثّني على أن أحققها، لأتحققَ أنا على هذا النحو تارةً، أو على غيره تارةً ثانية. إني من المؤمنين بأنَّ الإنسان يمتلكُ في أعماقه، وبعد عقود من التجربة الحياتيّة والثقافيّة، عدة مستويات أو طبقات، هي خُلاصته. أي: الإنسانُ ليس سطحاً واحداً، ليس كائناً مسطحاً، ليس هو 'الإنسان ببُعدٍ واحد' ـ بحسب تعبير هربرت ماركوز. ولأنَّ الأمر هكذا؛ فإني أزعمُ وجودي في جميع تلك المجالات الكتابيّة / الأدبيّة / الثقافيّة. لكنه، وينبغي عليَّ التنبُّه والتنبيه، وجودٌ ناقص وسيبقى ناقصاً حتّى النهاية. ثمّة اللازمة المتكررة في رواية 'أرض اليمبوس'، والتي باتت بمثابة الأيقونة كمفهومٍ أرى وجوباً أخلاقيّاًً وفكريّاً اعتبارها حِكمةً تستوقف الكثيرين مِنّا، ألاْ وهي: 'لا شيء يكتمل'. أنا أحاول أن أكتمل عبر توزعي على جميع الأنشطة المذكورة، مع يقيني بأني أسعى وراء سراب! لكنه القَدَرُ.. بمعنى من المعاني.

- أكتبُ القصة والرواية لأطرح أسئلتي، وأمتحن رؤيتي، وأتعايش مع شخوص الحياة عبر تعالقنا جميعاً وانضفارنا بحبال الخيال الذي يُشهدُنا على أحوالنا من مسافة. وأقومُ بالترجمة لأنَّ نصوصاً قرأتها فأعجبتني، ولكلّ واحد منها خصوصيته، الجماليّة أو المعرفيّة، فأحببتُ نقلها لآخرين مجهولين مفتَرَضين يشاركونني محبّة الجَمال وتوق التعرُّف. وكتبتُ مجموعة شهادات لأفضي برؤيتي لِما أكتب وأشهدُ عليَّ من الداخل، وكذلك لأقول رأيي المتواضع بما أقرأ لغيري وماذا رأيتُ في ذلك كلّه. وأعملُ بالنشر لأني، ومنذ البداية، عرفتُ بأني لستُ مؤهلاً على مستوى النجاح التجاري أو الاقتصادي، ولا أطيق وضعيّة الموظف

قديم 05-13-2015, 12:00 PM
المشاركة 1365
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وقفة متأنية: «أرض اليمبوس» أم متاهتنا العربية؟

* بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي
هذه واحدة من أجمل الروايات العربية التي قرأتها، وكانت لجنة جائزة البوكر العربية محقة في ترشيحها ضمن قائمتها القصيرة عام 2008، والرواية عنوانها «أرض اليمبوس» ومؤلفها الكاتب الأردني الياس فركوح.
لقد احتفى عدد من النقاد العرب بهذه الرواية وكتبوا عنها عددا من المقالات أمثال: فيصل دراج، مصطفى الكيلاني، حاتم الصكر، فاروق يوسف، عالية ممدوح، يوسف ضمرة، محمد معتصم، أماني سليمان، وغيرهم. وقد ثبّت المؤلف مقتطفات من مقالاتهم على الغلاف الأخير والصفحات الاخيرة من الرواية.
وإلياس فركوح ناشر (صاحب دار أزمنة)، وهو روائي (له رواية أخرى بعنوان قامات الزبد 1990 حائزة على جائزة الدولة التشجيعية)، وله أيضا رواية ثالثة بعنوان «أعمدة الغبار» 1996، ولكن منجزه الكبير يتمثل في أعماله بالقصة القصيرة إذ له عدة مجموعات وحاز بعضها على جوائز تقديرية من اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة في الأردن. منها الصفعة (1978)، طيور عمّان تحلق منخفضة (1981)، احدى وعشرون طلقة للنبي (1982)، من يحرث البحر (1986)، أسرار ساعة الرجل (1991)، الملائكة في العراء (1997).
وله منجز مهم في مجال الترجمة سواء كانت بالاشتراك أو قام بها بمفرده.
لعل ما يلفت الانتباه ان إلياس فركوح اجتهد كثيرا من أجل أن يكتب روايته هو، أن يمنحها التميز الذي لابد منه لكي تتميز عن غيرها، وتحقق هوية كتابية ذات بصمة خاصة.
وهو في هذا لم يبتعد عن روايات السيرة الذاتية التي صارت سمة لكل الروايات الجديدة التي تكتب في البلدان العربية وجلها لأسماء جديدة لم يعد فيها مركز ولا أطراف بعد الثورة الاعلامية التي وحّدت وقرّبت الأدباء من بعضهم، بل صرنا كلنا مركزا بقدر ما نحن أطرافا في الآن نفسه.
وبمعزل عن تقرير لجنة تحكيم بوكر التي رأت هذا (وحّد إلياس فركوح في هذه الرواية، بنية السيرة الذاتية لانسان محدد الهوية والانتماء وسيرة الانسان المغترب بشكل عام (كما ورد نصا)، نقول بعيدا نجد الرواية هذه رواية سيرة ذاتية لا باعتماد (بنية) هذه السيرة (اذ هناك أكثر من بنية) لكونها تعتمد على الكاتب نفسه الذي انشأ النص ومما أشرناه أنه يستمرئ التخفي له ولمن حوله، فمريم مثلا التي تحدث عنها منذ سنوات الروضة وحتى الشيخوخة ـ ان كانت الخمسون شيخوخة ـ مريم هذه تتخفى وراء عدة أسماء فمرة منتهى وأخرى «ماسة» ويكاد اسم «ماسة» ان يكون اسم كل من عرف من النساء.
ثم ان بطل الرواية يدور حول اسمه ولا يقوله، حتى انه فضّل ان يكون «رفيق» وهذه الكلمة يطلقها أعضاء بعض الاحزاب على بعضهم (مثل حزبي البعث والشيوعي)، وقد جاءه الاسم بعد أن انضمّ الىأحد فصائل الثورة الفلسطينية.
وصديقه الذي تعرّف عليه بعد حرب 1991 القادم من الكويت ليقيم في عمان تخفى وراء اسم نجيب الغالبي، هكذا يحب أن يكون اسمه وهكذا يحب ان ينادى رغم أن يافطة الباب النحاسية المثبتة أمام باب شقته تحمل اسم عزيز رزق ا&، حتى ان (رفيق) فكّر: (أهذه احدى متاهات بورخيس؟).
وعندما فتح نجيب الباب سأله: (من هذا العزيز رزق ا&؟) فردّ ببساطة (أنا عزيز).
هنا نحن أمام انسان فصل ما بين الاسم الذي يحب أن يحمله والاسم الاخر الذي هو اسمه الرسمي (شهادة تقدير السن، وجميع اوراق الثبوت الرسمية وجواز السفر، وعقود البيع والشراء الى آخر هذه الشكليات).
ومبرره لهذا أعلنه جوابا: (مللت اسمي، رأيت أنه لا يناسبني، ببساطة).
(رفيق) هذا (وقد تماهيت مع ما ارتكن عليه هذا اللامسمّى) المولود في القدس سنة النكبة 1948 يورد تفاصيل يكاد ينفرد بها نصّه من مرصده الخاص حول ما جرى في فلسطين والقدس تحديدا وبعد ذلك التحول الى عمّان مع أسرته.
سيحكي الياس فركوح عن الحياة في القدس، رياضها، مدارسها الداخلية، أناسها، كنائسها، ثم احتلالها بالكامل عام 1967 وهجرة الكثير من سكانها.
ونجد أيضا ان الكاتب قد أثرى نصّه بكل الطقوس والعادات المسيحية التي تمارسها أسرته البسيطة، الأب الخياط النسائي، والأم ربة البيت والاخوة.
كما أثرى نصّه بحديث مدينة عمان وكيف نمت وتوسعت وامتدت ورأى أنها قد أفادت من محن مدن أخرى في هذا مثل بيروت وبغداد ومدن فلسطين. ثم أحداث الكويت، وهو إذ يؤشر هذا في حواره مع مريم لا يرى فيه مأخذا على المدينة بل وصف لحالتها.
و(رفيق) هذا يريد أن يكون كاتبا متفرغا، يعيش من كتاباته، ولكنه لا يريد أن يبقى في موقع المراقب لما يجري من مسافته بل اختار أن يعيش في الخضم، ومثلما فعل ذات يوم عندما انتمى الى أحد الفصائل الفلسطينية وحمل الرشاش فإنه لا يكتفي بمراقبة ما ينتظر العراق ـ الحاضر بآلامه في الرواية ـ من عدوان وشيك تم عام 1991 فوقّع البيانات وانخرط في المظاهرات المنددة بالعدوان، واعتصم وأضرب من أجل العراق.
هذه الرواية غارقة في التفاصيل الساخنة النابتة من الوجع العربي الذي يتّسع ولا يلتمّ.
تتداخل الضمائر فمتاهة بورخيس هي متاهته أيضا، ولكنها متاهة قد تبدو بسيطة أمام المتاهة العربية المتفاقمة حيث تتلاشى ومضات الأمل وتحتجب الاحلام موؤودة في حفرها، وتهوي النجوم من سماواتها في خلوات الرمل والخرس والموت.
في الرواية خبرة لغوية فاتنة، تأتت من ممارسة كتابية ثريّة في الدلالة وفي العديد من الشخصيات التي تتحرّك بحيوية في فضاء هذه الرواية.
أما عنوانها فيشرحه المؤلف بقوله: (ان اليمبوس هي المنطقة الوسط حسب المفهوم الكاثوليكي، أو الثالثة بين الجنة والجحيم).
فهل نحن في هذه المنطقة حقا في (المطهر)؟ لا أظن هذا.

قديم 05-13-2015, 12:02 PM
المشاركة 1366
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فركوح: المصادرة منطق الرقابة

حوار مع الروائي الأردني إلياس فركوح 4/2 شوكوماكو أجرى الحوار: محمد ديبو "أوليست هي
الحروب ما عَلَّمَ وحفرَ وفرزَ وخلَطَ وولّدَ وأدّى وكشفَ وخَبّأَ وطمَرَ وعَرّى عارَ مجتمعاتنا وأنظمتنا السياسيّة راعية هزائمنا وداعمة خسارات أرواحنا وأحلامنا .. وأراضينا" يمتاز الروائي الأردني الياس فركوح عن غيره من الروائيين العرب بنشاط متنوع الاهتمامات, وطاقة موزعة على حقول متعددة تبدأ بالرواية ولا تنتهي عند حدود القصة والمقالة والترجمة ودار النشر التي تستنزف وقته وعمره, محاولا البحث عما يعينه على تحمّل مأسي العالم من جهة , ومنقبّا من جهة أخرى عن كوّة نور يطل من خلالها على الأمل . شوكوماكو التقى الروائي الياس فركوح وحاوره حول وصول روايته” أرض اليمبوس” إلى القائمة المصغرة لجائزة البوكر العربية في دورتها الأولى وحول أمور أخرى. للروائي : في الرواية :أعمدة الغبار – قامات الزبد – أرض اليمبوس في القصة: حقول الظلال – من رأيت كان أنا ...‏ - ولدتَ عام 1948، هذا العام الذي يصادف ذكرى النكبة، والآن يحتفل العالم بذكرى “تأسيس إسرائيل” بينما نحيي ذكرى النكبة الستين وسط خَجَل عربي فاضح. ماذا يعني لك هذا على الصعيد (الشخصي والعام؟ وهل ولادتك في ذكرى النكبة أثرّت على شخصيتك لاحقاً وزرعت فيك جينات ستجعل منكَ لاحقاً كاتباً مغموساً بالهم العام والكتابة عن فلسطين؟‏ أن تولد عام 1948 يعني أنَّ الحياة باشَرَت، ومنذ بداية بداياتك، بحفر علاماتها الجارحة في روحك. معناه أنَّ “صُدفةً تاريخيّةً ما” عملت على تكريسك، ربما بنصف وعي أحياناً، شاهداً رغمكَ على محطات الحياة العربيّة المعاصرة، ومنخرطاً منغمساً في تفاصيلها اليوميّة. معناه أنَّ تلك البداية وضعتكَ داخل سياق عَيشٍ أنتَ لم تختره اختياراً حُرّاً صافياً في عمومه، إذ لم تترك لكَ سوى هامش الموافقة على أن تكون إبناً لهذا السياق تتفاعل معه وتفعل فيه بقدرٍ شخصي ضئيل .. أو تخرج منه (إنْ استطعت) فتخسر الخسارات الكبرى واهماً لتكسبَ، بالمقابل، ذاتاً مُعَرّاة ومنعزلة تتغذّى على ذاتها دون شَبَع. هي حالةٌ أو معادلةٌ لا مكان فيها لأي بطولة مفتخرة بنفسها، لأنَّ منطق قاعدتها لا يسمح أو يمنح أبناء جيلنا فرصة إلاّ أن يكونوا ضحايا/ مقاتلين، أو إنْ شئت، هُم: المقاتلون/ الضحايا. كأنما صدى “ البحرُ من ورائكم، والعدو من أمامكم، فأينَ تنفرون وتفرون!” هو النداء الوحيد، أو القَدَر المرسوم الذي أطبقَ على مصائرنا طوال أكثر من خمسة عقود، بدايةً من نفير 1948 الأوّل! ثمة الكثير من المعاني لهذه الولادة من حيث التاريخ. وكذلك، وهذا في غاية الأهميّة كما أرى، من حيث الجغرافيا. فالأردن هو وجه فلسطين الآخر، عَبْر دلالات مجازيّة تفكريّة وواقعيّة أرضيّة لا تُحصى. فكيف لي أن أهرب من فلسطيني اللصيقة بي، أنا الأردني!‏ - عشتَ ودرستَ في القدس وعمّان وبيروت، هذه المدن التي نجدها مزروعة في روح نصوصك. إلى أي حد سكنتكَ المدينة؟ وإلى أي حد أسكنتها في أعمالك عموماً ورواياتك خصوصاً؟‏ أنا إنسانُ مدينةٍ في معظم طبقات تكويني الشخصي. أنا كذلك لأنني لستُ سليل أُسرة ريفيّة، كما لستُ ابن صحراء أو بادية. صحيحٌ أنَّ مُدننا العربيّة لم تُمْنَح ما يكفي من الوقت لتستوي مُدناً تنمو (وتتطور وفق “أُسس وقوانين” نشوء المُدن، إذ ضُرِبَت مبكراً بريفٍ هَجَّرَهُ الجوعُ وأجبره على غزوها ومَلئها، فأعاقها وشوهها رغماً عنه وعنها ـ إلاّ أنَّ ذلك كلّه لم يَحُل دون تميّزها وتميّز أبنائها بهويةٍ مختلفة وأُخرى مغايرة لسواها. هي ليست أكبر شأناً بالضرورة، لكنها ليست أقلّ أصالة بالتأكيد. ولأنني كذلك؛ ولأنَّ المدينة تشكّل فضاءً طبيعياً لي، فضاءً ليس مُعادياً، أو صادماً، أو باعثاً مستفزاً لاختلاق ما يشبه كذبة عَيش “الغُربة” الرومانسيّة المفتعَلَة التي يدّعيها عدد من الكُتّاب القادمين من خارجها لأسباب وحجج شتّى؛ لأنني كذلك، كانت القدس كعمّان، في تحليها بمبادىء المدينة الصغيرة وفق الطراز البسيط لذاك الزمان، فما وجدتُ فيها سوى التنويع على أمرٍ أوّل أليف مألوف. أما بيروت؛ فجاءت فيما بعد لِتُزْهِرَ فيَّ قابليّة القبول بالمدينة الكبيرة والرضا الهادىء السلس بها. نعم. المدينةُ تعيشُ فيَّ لأنها رحمي الأول ومالكة تكويني. ولأنني، قبل كل شيء، عشتُ فيها كمكانٍ أصْل فعاشتني كحالةٍ متناميّة. فأنتَ، بعد عُمْر، تتحوّل من ابنٍ لها لتصبحَ أباً لتوالي تحولاتها المستمرة، وبذلك تصيرُ بانياً لها صفةً تضيفها إلى مجموع صفاتك. فإذا كان ذلك كذلك، فلا مفر من حضورها الكبير في نصوصي. هي وحدها المكان ـ البطل. إني من الكُتّاب الذين لا يقتربون، بالكتابة، من عوالم وفضاءات أزعمها معرفةً، لكنني لم أعشها حياةً وحالات.‏ “-أرض اليمبوس” روايتك الأخيرة التي دخلت قائمة البوكر العربيّة، تتداخل فيها السيرة الذاتيّة بالسيرة العامة للتاريخ العربي في نصف قرن. هل كنتَ تكتب سيرتك الشخصيّة، أم سيرة عَمّانك وقُدسك، أم كنتَ تصفّي حسابك مع تاريخ عربي أكلَ عمركَ وروحكَ ولم يهبكَ سوى الهزائم وبُكاء اللغة؟‏ بين السيرة الذاتيّة أو الشخصيّة، وانتقاء محطات معينة من تجربة الكاتب الحياتيّة يراها منسجمة ومتآلفة مع السياق الروائي ومعززة لدلالته .. ثمة فرق. هذه نقطة أراها حاسمة للتمييز بين مَعنيين يجري خلطهما أحياناً، فيأخذ أحدهما مكانَ الآخر مستبدلاً بذلك هويةَ أو ماهيّة الجنس الكتابي، وهذا خطير؛ إذ تقع عمليّة القراءة في شَرَك الشواش أو قُلْ الانحراف باتجاهٍ آخر تماماً. وفي أحسن الأحوال يصير لاجتهاد القارىء سبيل تسميّة العمل المكتوب بـ”سيرة روائيّة”، أو “رواية السيرة”، أو “رواية ـ سيرة”، أو “رواية سيريّة”. ومع أني منفتحٌ تماماً، لا بل أدعو وأحضُّ على طموح توسعة الهوامش في أي جنس كتابي، لتتضمن ضروباً وافدة من أجناس أخرى، إغناءً له وتجريباً واعياً مسؤولاً؛ إلاّ أنني أخشى سوء القراءة والاستنتاج الذي يجعلُ العملَ يندرج في جنسٍ حائر! فبقدر ما يتحمّل الكاتب غير المتمكّن مسؤوليّة إضاعة هويّة كتابته، إذا ما لجأ إلى تهجينها عبر توسعة هوامشها من غير تدبُّر مكين؛ كذلك الأمر في ما يتعلّق بالقارىء المتسرّع الذي يجد نفسه كمن وقع على اكتشاف مفترَق طُرُق: أأقرأ النصّ روايةً؟ أم سيرةً؟ .. ثم يريح نفسه في منطقة الوسط ليجلس حيث هو بينهما: هي رواية سيرة! عَليَّ الإقرار بأنَّ درجةً عاليّةً من التماهي أوْجَدتُها واعياً بين شخصيتي ككاتبٍ للرواية يمتحُ من تجربته الحياتيّة، وبين شخصيتي المكتوبة كراوٍ متعدد الأصوات وزوايا النظر داخل الرواية، وهذا ما دفعَ معظم ـ إنْ لم أقُلْ جميع قُرّائها ـ إلى تأويلها على أنها رواية سيرية. ولعلّي أبالغُ في تحسسي لمفردة “سيرة ذاتيّة” جرّاء أخذ نفسي بشدة عند الالتزام بِدِّقة معاني المفردات وحدودها قبل استخدامها، كتابةً أو حواراً مع آخرين. ثمة الخِشية من إضاعة اللغة المشتركة ، بمعنى عدم الاتفاق الضمني والأولي على معنى أو دلالة اللفظ قبل النُطق به! إضافةً إلى ذلك، وهذا ما لم يلتفت إليه أحد ممن كتبوا قراءاتهم للرواية، هنالك توسعةٌ أزعمها في تطبيق مفهوم الكتابة ما بعد الحداثيّة. فإذا كانت، في أحد جوانبها، معاينتها لنفسها ككتابة ومحاورتها من وفي داخل النصّ حين يتخلّق ومساءلتها لنفسها؛ فلقد أُخضِعَت شخصيّة الكاتب هي أيضاً لأسئلتها عنها، ولضروب التشكيك في ذاكرتها، وبالتالي لمدى مصداقيّة أو موثوقيّة ما تكتب، حين تكتب نصّها عنها وعن سواها! جُملة ما تخرج به القراءة تنضفرُ في سَلَة أسئلة تجافي الذهاب إلى أن الرواية سيرة تتستر برداء رواية. فالسيرة وقائع أكيدة الحدوث ليست كتابتها سوى عمليّة تدوين لوقائعها كما وقعت .. وإنْ بقليلٍ من التعديل. وقائع ليست موضع تساؤل أو تشكيك، يسجّلها صاحبها عنه وعنها، وبذلك يسجّل سيرته، وسيرة آخرين، وسيرة الأمكنة وأزمنتها. لا أنفي ولا أعترض على أنَّ جانباً من “أرض اليمبوس” أُوكِلَت إليه مهمة كهذه، غير أن الرواية ليست هذا فقط، كما أنها ليست تأريخاً إلاّ بقدر ما يكون التاريخ، في الأدب والفن، إعادةُ كتابةٍ مَرَّت في موشور الذاكرة المنتقيّة الحاذفة والمضيفة (كما ورد هذا حرفيّاً داخل النصّ)، ومصافي اللغة المتفكّرة، و”شياطين” الرغبات الفالتة من شروط “الملائكة” المحافظين على سكون الخليقة، كما هو، عند أوّل بزوغها.‏ - تمارس الترجمة إلى جانب نشاطاتك المتعددة، كيف تقيّم حال الترجمة /من وإلى/. هل نستطيع القول أننا بتنا موجودين على قوائم الترجمة العالميّة، أم أننا ما زلنا متخلفين عمّا يحصل في العالم في هذا الأمر أيضاً؟‏ لا زلنا على الصعيد العربي، بمؤسساتنا الرسميّة وشبه الرسميّة وكذلك بدور النشر الأهليّة ضئيلة القدرات الماليّة الممولة لمشاريع الترجمة، في وضعٍ متخلّف بكل معنى الكلمة. وإني هنا أشير إلى حال (الترجمة من لغات العالم إلى لغتنا العربيّة. فبالإضافة إلى تقرير اليونسكو الذي نشر قبل سنوات قليلة بهذا الخصوص والأرقام الصريحة الواردة فيه والتي تشكّل فضيحةً ثقافيّةً حضاريةً ينبغي لكل مشتغل بالثقافة ومَعْنيّ بها التفكير بمدلولها الخطير؛ أقول: إضافةً إلى هذا التقرير، بإمكان أي متابع لحركة الترجمة، وفي جميع حقول المعرفة، وضع اليد على أننا في آخر دول العالم عنايةً واهتماماً والتماساً لضرورتها، رغم أننا الأحوج في هذا الراهن من التاريخ إلى نقل معارف الآخرين إلى لغتنا وبالتالي إلى إنساننا الذي لا يتقن سوى لغته الأُم. أما عن ترجمة نتاجنا الفكري إلى لغات العالم؛ فحدّثْ ولا حَرَج! فإذا كان تقرير اليونسكو يشكّل فضيحة؛ فإنَّ الجانب الآخر لهذه الفضيحة أكثر فضائحيّة وأشد مرارة. ناهيك عن السؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعاً: هل لدينا في نتاجنا المعاصر والحديث من المعارف (غير الرواية والشعر والقصة القصيرة) ما ليس مُتاحاً للآخرين هُم بحاجة إليه يسدون به نقصاً ما في دوائر معارفهم؟‏ - نلاحظ في رواياتك الثلاث (قامات الزبد، وأعمدة الغبار، وأرض اليمبوس) حضور الحرب كحدث مركزي. هل تسعى لتأريخ الحروب العربيّة روائياً؟ وكيف تتجلّى لديك العلاقة بين الحرب والرواية؟ أي، كيف تستطيع أن تُخضِع الحرب كوثيقة ومعارك وموت ودمار و.. لمفهوم الرواية وأدواتها، دون أن تخسر الرواية وتقع في مطب المحاكاة الساذجة لواقع قائم وترتفع بها نحو مصاف الإبداع الخالص؟ ﴿ بدأتُ قاصّاً منشغلاً برصد النُتَف الصغيرة في يوميات أفرادٍ يمثّلون ذواتهم مثلما يمثّلون، في الوقت نفسه، غيرهم. لكنني، حين كنتُ أكتب ذلك، وجدتني أسجّل رؤيتي لعوالم غلُبَت عليها العاديّة لفرط تكرارها في حياتنا، كل يوم، ومن خلالها كنتُ أكشفُ عن قسطٍ من موقفي حيالها: بمعنى أني كنتُ أكتشفُ لحظةَ الكشف قسطاً مني أنا شخصياً. وهكذا تحوّلَ وعيي على الكتابة ليكون وعياً للذات الكاتبة أيضاً، وبذلك صرتُ أرددُ قائلاً بأنَّ القصة تكتبني شيئاً فشيئاً كلّما تدرجتُ بكتابتها مشهداً مشهداً. كانت »قامات الزبد« روايتي الأولى بعد مجموعات قصصيّة عدة، وما كنتُ أعرف ماذا سأكتب بعد انتهائي منها. ثم، وإثر نشري لها بسنوات، وقعتُ على أنني لحظة شروعي بالكتابة الروائيّة، مستنداً إلى محطة في حياتي، إنما باشرتُ التأسيس للكتابة عن جيلٍ أنتمي إليه مَرَّ بكل المحطات التي مررتُ بها. وهكذا اتضحَ لي مشروع ثلاثيّة روائيّة غير معلَنَة تغطّي المفاصل الرئيسة في حياتنا، فكانت »أعمدة الغبار« ثم انتهت بـ »أرض اليمبوس«.ما المفاصل الرئيسة في حياتنا، إذَن، إنْ كنتُ أسجّل روائياً سيرةَ جيل ولِدَ عام ١٩٤٨؟أوليست هي الحروب ما عَلَّمَ وحفرَ وفرزَ وخلَطَ وولّدَ وأدّى وكشفَ وخَبّأَ وطمَرَ وعَرّى عارَ مجتمعاتنا وأنظمتنا السياسيّة راعية هزائمنا وداعمة خسارات أرواحنا وأحلامنا.. وأراضينا؟ ست حروب خلال ستة عقود، كأنما ثمة حرب في كل عقد هدية لكل جيل! لستُ أسعى لتأريخ الحروب روائياً، ولستُ مَيّالاً للكتابة عنها إلاّ بقدر ما تعمل هي على كشف التوتر داخل الشخصيات التي مرَت بها، أو مرّت الحربُ عليها، ولكن كأمرٍ مسبب وكخلفيّة تصبغ المناخات وتحدد الإيقاع. يَرِدُ ذِكر الحرب كعامل استفزاز يكشف عمّا هو أهمّ منها: الفردُ الذي طحنته نتائجها المدمّرة. كما أني، بالكتابة، إنما أدوّنُ دواخل الشخصيات وتاريخها على وقْع الحرب وصداها المتردد في أعماقها. الحربُ ليست موضوعاً مثيراً لكتابتي إلاّ بقدر ما تشير إلى »الحرب الأخرى« الدائرة بين »نحن المكشوفة« و»نحن المطمورة«. لن يجد القارئ في رواياتي حرباً أحاول وصفها وتصويرها، بمفرداتها العسكريّة ومعاركها وجنودها وقتلاها وضحاياها وأبطالها ومشاهد ساحاتها، إلخ. ذلك ليس هَمّي أبداً. وبالتالي فأنا لا أحاكيها ولا أحاكي سواها. كتابتي »فـي« الأشياء وليس »عـن« الأشياء. والعلاقة بين الحرب والرواية التي أكتبها بحسبي، هي علاقة بين إشارة استفزاز تعمل على إثارة الأسئلة عن حروب ذواتنا. أسئلة عني أنا أيضاً، تماماً مثلما فعلتُ في كتابة القصص، كما بدأتُ ممهداً للإجابة. تعدّد - كتبتَ الرواية، والقصة، والمقالة، والبحث، والترجمة، والشهادة، إضافةً لدار النشر التي تملكها. لماذا هذا التعدد؟ هل هو صدى لروحك المتشعبة؟ وأين يجد الياس فركوح روحه أكثر؟ ﴿ لو أنكَ سألتني هذا السؤال قبل سنة أو سنتين، لربما أجبتكَ على هذا النحو: روحي تحققُ ذاتها في هذه الأنواع الكتابيّة جميعها، ولكن بِنِسَبٍ متفاوتة بالطبع. فما دام المرء الواحد ينطوي على مستويات أو طبقات عدة تبتغي التعبير عن طاقاتها، وهنالك ما يكفي من الوقت لأن يتوزع صاحبها عليها منشغلاً بها؛ فليس ثمة مشكلة. هذا صحيح من حيث المبدأ. وصحيح أيضاً قبل سنة أو سنتين، حين لم ألتفت إلى ضرورة ترتيب الأولويات بإعطائها حقها الأوفر من الجهد، والانشغال، والوقت ـ وهو الأمر الذي بِتُّ أعيش إشكاليّة توفيره الآن. ولم يعد المتبقي من العُمْر يكفي للإحاطة بهذا »التَرَف«! تحضرني بهذا السياق حكاية نيكوس كازانتزاكيس ووقوفه عند زاوية الشارع متسوّلاً المارّة شيئاً من الوقت يدّخره لإكمال أحلامه الكتابيّة! كما ينبغي للمرء، في هذه المرحلة من عمره، أن يواجه نفسه بعنوانه الأوّل أو الرئيس، وبذلك يكون قد تحلل، ولو نسبياً، من مُلحَقات العنوان باعتبارها تفريعات له. ربما لا يتمكن من التخلص منها نهائياً كونها تشكّلُ إعاقةً لمشروع العنوان، لكنه سينصرف حتماً إلى الحَدّ منها ليتفرغ لِما يراه يتحلّى بالأولويّة. التعدد سِمة جوهريّة في الكائن، والعمل على إشباع مكوناته يحققُ له التوازن. لا شك في هذا. إنما، وبالنسبة لي والآن، معترفاً بفضل هذا التعدد في إثراء جوانبي المعرفيّة الثقافيّة، أصبحت عمليةُ تلبيتها مرهقة ومسببة للتشتت وفقدان القدرة على التركيز. وبذلك، أصبحتُ بدوري أنحو باتجاه الانصراف إلى الرواية، إعداداً، وقراءات، وتفكراً، لتكون عنواني الأوّل. دار النشر مشروعٌ وعملٌ جميل! مشروع وعمل مِعطاء وصاحب رسالة بمعنىً ما. لكنه غولٌ يلتهم الوقت، والجهد، والتركيز، والمال القليل، ويستنفد أنايَ الكُليّة التي ما عادت قادرة على تلبيّة حاجاته واحتياجاته من ذلك كلّه. لن يكون باستطاعتي التخلص من الدار؛ فليس سهلاً تصفيّة ما يشبه مؤسسة طفقت تحقق نجاحاً ثقافياً وحضوراً لافتاً محترماً، ومحو منجزها وشطب طموحاتها. وهذه مشكلة حقيقية تؤرقني. رقابتان - الرقابة في العالم العربي أمر محيّر ومربك للكاتب، وفي الوقت الذي يعتبر أغلب الكُتّاب خارج الأردن أن الرقابة السياسية أخطر أنواع الرقابات وأشملها؛ نراك تركّز على الرقابة المجتمعيّة. لماذا؟ وماذا عن الرقابة الدينيّة؟ كيف تؤثر الرقابة على عملك الإبداعي بالدرجة الأولى وعلى عملك كناشر؟ وهل سبق أن اضطررت للمراوغة بشكل ما أمام الرقيب؟ وما الحل برأيك للتعامل مع الرقابة السياسية من جهة، والرقابة المجتمعيّة والدينية من جهة أخرى؟ ﴿ لستُ مستخفاً بأي من الرقابتين السياسيّة أو الدينيّة على الإطلاق. أبداً. فأنا أعي تماماً بأنَّ الرقابة المجتمعيّة بقدر ما تنطوي على أثقال الرقابة الدينيّة وممنوعاتها الخافيّة المتخفيّة بالمحافظة على »دين وأخلاقيات وقيم وعادات« المجتمع والأُمة. أو تلك الجاهرة بتكفير كل ما/ ومَن تراه خارجاً على منطوقها اللفظي بشروحاتها الجامدة أو شروحاتها المتطرفة ـ فإنها أيضاً تتضمن، في أُسها وأساسها، منطق المَنْع والمصادرة، وتمنح نفسها سلطةً على الجميع هي مستمدةٌ أصلاً ومدعومة من السلطة السياسيّة المتراجعة أمامها خوفاً، أو مجاملةً لتيّارٍ زاحف يصطبغ بشعبويّة ساخطة، أو بالتواطؤ، أو عبر عَقدٍ تضامني (هو مرحليٌ بالضرورة) يكفلُ للطرفين مساحاتهما السلطويّة. عندما أركّز على الرقابة المجتمعيّة (وليس الاجتماعيّة) فإنني أدعو إلى تفكيك عناصرها المكوّنة لها لاكتشاف أنها مجموع الرقابتين السياسيّة والدينيّة، ومعاينة آليات فعلهما المشترك داخل البِنيات الاجتماعيّة المؤدية إلى: انحباس في الرؤيا، وتَعَصُّب في التعامل، وحَظْر للحِراك المدني والاجتهاد الفكري بعمومه، ومصادرة للاختلاف، وفِتنة في المعتَقَد، ومعاكسة لمتطلبات العدل والمساواة، وضرب لمفهوم المواطنة القائم على عدم جواز التفريق بين المواطنين بسبب اللون، أو الدين، أو الجنس، أو الأصول، أو القرابة، أو العشيرة، أو المال، أو النفوذ المتوارَث، إلخ. السلطة المجتمعيّة بمواصفات كهذه وراهن كهذا، وبالتالي رقابتها المتأتيّة عنها، لن تنتج بلداً بمؤسسات مدنيّة مرتكزة إلى قواعد ديموقراطيّة حقيقيّة غير زائفة أو شكليّة ترسم حدوداً واضحة للحريات، ولأذرُع السلطات التي تتغوّل، في حالاتنا العربيّة، السلطةُ التنفيذيَة لتهيمن على التشريعيّة والقضائيّة! نعم، هذه هي الرقابة المجتمعيّة في خُلاصتها. وهي شاذة. وهي أخطر بما لا يُقاس من مجرد رقابة سياسيّة تمنعُ كِتاباً بمقدورنا تسريبه إلينا وقراءته رغماً عن أنف الحدود والرقابات البلهاء. نحن الآن بصدد أزمة انغلاق أُفق، وحالة تخلُّف شديدة التعقيد في تركيبتها تتجاوز المفهوم السياسي لدولٍ باتت رهن التحلل والارتهان لقوىً إقليميّة وعالميّة شارعة بتسيُّد العالم وإعادة اقتسامه، مزيحةً من طريقها هذه »الدول« المشكوك بسيادتها السياسيّة على أراضيها! أما عن الشق الثاني من سؤالك؛ فأود الإشارة إلى أن تجربتي الكتابيّة علّمتني كيفيّة التعامل مع الرقابة الرسميّة دون أن تتنازل عن منطوقها من جهة، أو أن تُنْزِل الضرر بمستواها الفني. فلكّل رقابة، وبحسب التجربة الشخصيّة، تخومها وحدودها على الكاتب والناشر معاً معرفتها ليصار لكلٍ منهما أسلوبه في إدارة ما أسمّيه »سِجال الذكاء« المفتَرَض والمفروض عليهما. ثمة قاعدة اجتهدتُ خلال ما يقرب الثلاثين سنة من الكتابة في بنائها، تتلخص في أنَّ على الكاتب (والناشر) أن يحترم نفسه فلا يبتذلها! والابتذال عادةً ما يكون بواحدة من طريقتين: إما أن يتجاوز الخطوط الحُمْر بمباشرة وانكشاف وصراخ بحيث يُجبر الرقيب على فعل المنع، فيتحوّل إلى »شهيد« بالمَجّان، لكنه يصبو في الوقت نفسه لأن يصنع من نفسه »نجماً« ضمن منطق إعلام الإثارة وسوق فبركة الأبطال. مع ملاحظة أنَّ المباشرة والانكشاف والصراخ، في الأدب والفن، تستدعي معها، غالباً، لغةً وأسلوباً يقعان خارج البناء الفني وعلى حسابه. ولذلك، فإنَّ قراءةً نزيهةً ونبيهة وبريئة من طغيان »نجوميّة شهيد الحريّة« لكثير من »النصوص الممنوعة« تدلّنا على فقرٍ كِتابي داخلها تم تعويضه، أو التستر عليه بالأحرى، بضجيج الحظر والمنع. أما طريقة الابتذال الثانيّة، فإنها ببساطة الخضوع لاشتراطات الرقابة على نحو مبالغ فيه يصل عند البعض إلى درجة المهانة، فيتنازلون عمّا ليس مطلوباً التنازل عنه! ليس هنالك من حل واحد في التعامل مع الرقابات، السياسية والمجتمعيّة والدينيّة. ليست هنالك صيغة جاهزة. أنتَ تبني صيغتك بحسبكَ وبحسب تجربتك. أما الحل الجذري؛ فبإلغاء الرقابات كافة، واستبدالها برقابة الضمير، وروح احترام الكتابة كاحتراف له شروطه. -قلتَ لنا في الأردن إنك تعتبر أن المستقبل سيكون للنصّ النخبوي، وأن الثقافة تتجه لأن تكون نخبويّة. ألاْ ترى أنكَ بذلك تلغي القارئ من المعادلة الثقافيّة التي تموت دونه؟ ﴿ لستُ أنا مَن يلغي القارئ من المعادلة الثقافيّة؛ بل هو النظام التعليمي، والتربوي، والتثقيفي الآخذ بالتفكك والانحلال على طول الوطن العربي وعرضه. هنالك عمليّة تَخَلٍ كامل من قِبَل المؤسسات ذات الشأن عن مسؤولياتها تجاه تنميّة ثقافيّة، عريضة وعميقة ومستمرة، تطال مواطنيها عبر جميع المراحل، بحيث تعودُ للمعرفة المتجاوزة حدود المتطلبات الأكاديميّة ومستلزماتها قيمتها داخل المجتمع، وبالتالي داخل الحياة الخاصة لكل فَرد عربي. ثمة إفقارٌ في الوعي الثقافي للإنسان العربي، وإجدابٌ في التذوق الفني والأدبي لديه، كأنما بقصدية ووعي وهذا أمرٌ مُريب! وإنْ كان ليس كذلك، فالأمرُ ينذر بكارثة قادمة على مستوى عُمق الشخصيّة العربيّة كنتيجة حتميّة لهذه المقدمة. مثلما يدلل، في الوقت نفسه، على تَرَدٍ فاضح في كفاءة أصحاب المسؤوليّة، وغياب منهجيّة أو استراتيجيّة عارفة متأتيّة عن رؤيا واضحة بعيدة المدى تعي مفهوم »الوطن« حقاً، وتُعنى بمستقبله. فلنكُنْ أكثر صراحةً: حين يتحوّل الفسادُ إلى ظاهرة متفشيّة وراسخة في المجتمعات العربيّة، فإننا لحظة اعترافنا به والتسليم بصعوبة اجتثاثه كونه أصبحَ مؤَسَساً (بفتح السين) إنما نعاينُ ونشهدُ انفلاشه خارج المؤسسات الرسميّة الحكوميّة وأجهزتها، ليغطّي ويتغوّل على معظم جوانب البِنية المجتمعيّة.. اللهم بعض الدوائر الصغيرة والمشتتة من المثقفين والشرفاء، والمعزولة للأسف. هي دوائر تم عزلها بفعل إدبار الجسم الأكبر من المجتمع عن التعاطي مع ضروب الإنتاج الثقافي، فباتت نتوءاً شاذاً ربما يُلتَفَتُ إليه كرنفاليّاً وعلى سبيل استكمال الديكور باقتطاع يومٍ ما من روزنامة السنة للتذكير به بدافع (رفع العَتَب)، ثم يُنسى! معارض الكتب تشهدُ تراجعاً واضحاً في زوّارها، وخسارات تؤكد أرقامها في مبيعاتها، وانفضاضاً عن الكتب الموسومة بـ»ثقيلة الدم« مقابل الهجوم على تلك الموصوفة بـ»الصفراء« المبشّرة بعذاب القبر، والموصية بأي من القدمين عليكَ دخول المرحاض، وكيف للزوجة أن تجذب زوجها وتحتفظ به عبر سُبُل الإثارة والإغراء، والصفحات التي تُطلعك على حظك كل يوم في كتب تدّعي علم الفلك والإبحار بين النجوم! أي صورة يمكنكَ رسمها عند الحقيقة القائلة بأنَّ عدد النسخ المطبوعة من أي كتاب، قبل عشرين سنة، كان ثلاثة آلاف ـ بينما الآن، رغم تكاثر الجامعات والأكاديميات على اختلاف تخصصاتها تكاثراً بكتيريّاً، لا يتجاوز الألف نسخة! والبعض من الكتب، الشعر خصوصاً، الخمسمائة! عند تدقيقنا بهذا الحال، هل تتوقع قارئاً مثقفاً يتجاوز دائرة النخبة بمقدوره التفاعل مع النصوص الأدبيّة الحديثة؟ هل تتوقع أن يكّف الكُتّاب عن المضي عبر تحولات الأجناس الكتابيّة، ليتوقفوا عند نقطة الانقطاع الثقافي والفني والأدبي ـ المعرفي عموماً ـ للمجتمع، بانتظار صحوة شاملة تأخذ بالاعتبار تعويض ما فاتها؟ هنالك نخبوية على صعيد الكتابة لأنَّ هنالك نخبويّة، ومن قبل، على صعيد القراءة. وهنالك غُربة بين الفئتين تكاد تقتل. - نلاحظ في كتابتك عموماً اهتمامك الكبير باللغة، حيث تغدو لغتك معجميّة صافية ومنحوتة بإدهاش، وتقترب من تخوم الشعر. كيف تتعامل مع اللغة؟ هل تتقصد أن تكون لغتك هكذا وأنتَ تكتب، أم أن الأمر يأتي تلقائياً؟ ومن جهة أخرى، ألاْ تخشى أن تُبعدك هذه اللغة عن القُرّاء؟ ﴿ من الأقوال المأثورة: »الكاتبُ هو الأسلوب« ومن الخُلاصات التي خرجتُ بها عبر تجربتي الكتابيّة وعنها: الكتابةُ هي اللغةُ كعلامةٍ فارقة تشير إلى كاتبها، تماماً مثلما هي بصمةُ الكائن الواحد التي لا تتكرر. من دون لغة خاصة يتعرّى النصُّ وينكشفُ خفيفاً فاقداً لخصيصة صاحبه، ويتحوّل إلى مجرد كتابة تشبه غيرها من كتاباتٍ سواها، فلا يبقى ما يشير إليها إلاّ موضوعها وطريقة بنائها. وبالرغم من أهميّة هذين العنصرين (الموضوع وطريقة البناء)، لكنهما لا يكفيان لوحدهما ليوجدا للكاتب حيّزه الخاص على خريطة الجنس الكتابي الذي ينخرط فيه. أما عن خِشيتي من ابتعاد القُرّاء عن كتابتي بسبب هذه اللغة؛ فإني أحيلك إلى إجابتي السابقة بخصوص نخبوية القُرّاء. ناهيك عن وجهة نظري الرائية إلى أن ليس ثمة وجود للقُرّاء (بأل التعريف) .. بل ثمة قُرّاء معينون لكل كتابة معينة. لقد انتهت أسطورة جمهور القُرّاء، أو الوهم بوجودهم ككتلة متجانسة واحدة في مستوى وعيها الفني والثقافي، والخروج بالتالي بنتيجة علمية قياساً إليهم وإحالةً عليهم. - العلاقة بين المبدع والسلطة بطبيعتها علاقة إشكاليّة من حيث طبيعة كل منهما، ولكن في العالم العربي تغدو تلك العلاقة مدمرة وتناحرية. كيف تقرأ العلاقة بين السلطة والمثقف؟ وهل من الضروري أن يكون المثقف نابذاً ومواجهاً لأي سلطة، على الأقل معنوياً؟ ﴿ لم تتسم العلاقة بين المثقف والسلطة يوماً، خاصةً في الوطن العربي، بالتوافق أو الانسجام، اللهم إلاّ إذا تقاطعت رؤية كل منهما أو المصلحة لديهما عند نقطةٍ ما. وهذا نادر الحدوث. تاريخنا يشهد على ذلك، والمشهد المعاصر تكملةٌ ليست نشازاً لذاك التاريخ الطويل. إنَّ طبيعة الأنظمة العربيّة، على اختلاف شعاراتها وتسميات عناوينها، بما تتضمن من أُحاديّة في وجهة النظر وفرضها: وانعدام مساحة القبول الحقيقي بالاختلاف والتعامل الموضوعي معه، والتعارض الجوهري مع مبدأ تداول وانتقال الحكم، والاستناد إلى قبليّة وعشائريّة المجتمعات وعصبياتها بما يحول دون بناء الأسس الراسخة لمجتمع مدني يفرز أحزابه السياسية الحقة، وجمعياته النقابيّة غير المشتراة، وصحفه الحرّة حقاً؛ كل ذلك أفضى إلى هذا التوتر التاريخي في العلاقة بين المثقف العربي وسلطاته الحاكمة. هذه الأنظمة بطبيعتها والتي تجيز للرئيس أو للرجل الأول، أياً كان، الاستمرار بالحكم رغم عجز حكوماته وبالتالي عجزه هو عن حل المعضلات المعيشيّة في الداخل والاختلالات الهائلة بين الشرائح الاجتماعيّة من جهة، وإفقاد بلده لوزنه الدولي لإضاعته دوره مهما بلغ حجمه من جهة ثانية، وفشله في ردّ الاعتداءات المباشرة أو استرداد الحقوق الوطنيّة من جهة ثالثة .. ومع ذلك؛ نراه يترسخ مع الزمن ليتحوّل إلى »زعيم« و»محط الآمال«! يتحوّل من حاكمٍ مطلق إلى حكيمٍ بصير وضرورة تاريخيّة! يتحوّل شخصياً ليكون هو المؤسسة، والدولة، والمرجع الأول والأخير، والتجسيد الملموس لروح الأُمة، والموّجه للسياسات الداخلية والخارجية ملغياً بذلك كافة المؤسسات الدستورية، وناسفاً حتّى الديكورات الكاذبة لديمقراطيّة شوهاء، وبالتالي يحق له تمثيل مقولة: »أنا الوطن، والوطن أنا«! من بعد؛ هل لنا أن نتصور نظاماً كهذا يتقبّل المثقف، أو تسمح تركيبته بدورٍ عضوي للمثقف يلعبه باتجاه إحداث تغييرات حقيقية، تنويرية وتثويرية وتثقيفية وتعليمية تقلب المعادلة السائدة طوال ما يقرب قرن من الزمان؟! ثمة خطوة ناقصة يحلم بها المثقف، حتّى البراغماتي الاتجاه، تعجز عنها السلطات المبنيّة على الفرد الواحد. خطوة التسليم بأنَّ الحاكم ليس ظِل الله على الأرض، وأنه مجرد لحظة خاطفة في التاريخ. هذه من ثوابت التاريخ العربي. إضافةً إلى أن النقد، وعدم الرضا، والتعفف عن تبييض ذِمة الحاكم، تعتبر من لوازم المثقف ومن صفاته الجوهريّة. باختصار: إنَّ مكان المثقف الدائم يقع خارج مؤسسات السلطة. على هامشها. وكلّما عسفت السلطة نأى المثقف عنها وتعاظمت حالةُ التوتر بينهما. السلطة، وفق النظام العربي، هي المُطْلَق، بينما المثقف هو النسبي. الأولى خارج التاريخ لأنها مضادة للعلم والمنطق. والثاني ضحيّة تاريخه رغم محاولاته لأن يدخل تاريخ الانسانيّة. أسماء وأسماء - نلاحظ في العقد الأخير وصول النتاج الأدبي الأردني إلى العواصم العربيّة، ولكن رغم ذلك نرى أن الأمر محدود بعدد قليل من الأسماء وكذلك الأمر في دول عربيّة أخرى بحيث تطغى أسماء معينة على كامل الحضور الثقافي لبلدٍ ما. إلامَ تعزو هذه الظاهرة، وهل فعلاً أن هذه الأسماء هي الأفضل في كل بلد عربي، أم أن علاقات الصداقة والشلليّة والعلاقة الجيدة مع السلطة هي التي تجعل من هذه الأسماء واجهة لبلدانها؟ ﴿ أبدأ بالقول أنَّ هذه ظاهرة حاضرة وشاملة جميع البلدان العربيّة، للأسف، وإنْ بِنِسَب مختلفة، آخذين بالاعتبار التمييز الدقيق بين الغثّ والسمين في مجموعة »الواصلين« تلك، على صعيد النتاج الأردني أو سواه. وبقدر ما يدعو انتشارها للاستفزاز والغيظ فإنها، في الوقت نفسه، تجلب معها أسئلةً كأسئلتك. لماذا؟ والسبب، بحسب اجتهادي، ليس واحداً بل هو متعدد يتصف بالتركيب وأحياناً، عند التدقيق باسمٍ ما، بالتعقيد بحيث يصعب الحصول على إجابة مقنعة تشفي الغليل. يمكن لي أن أعدد الآن مجموعة أسباب ليست من اكتشافاتي بالتأكيد؛ إذ يعرفها الجميع مثل الشللية، واحتكار المنابر الإعلاميّة، وأمزجة المسؤولين الثقافيين ومستواهم المعرفي وشبكة علاقاتهم، وتبادل المنافع هنا وهناك، واجترار الأسماء عينها في كل المؤتمرات والندوات، واحتراف صناعة العلاقات العامة بما تجلب معها الأضواء والمانشيتات لزوم »الشهرة«!، ثم تأتي درجة العلاقة مع السلطة في آخر سلم الأسباب. فأنا لم أعرف أديباً واحداً على علاقة جيدة بالسلطة ظل محتفظاً ببريقه الإعلامي، وبسبب من هذه العلاقة وليس نتيجة إبداعه العميق، في أي من الحالتين التاليتين: موته الفيزيقي هو نفسه، أو انهيار السلطة التي عملت على رفعه والترويج له. ربما أكون صادماً في رأيي حين أقول بأنَّ هشاشةً ما تتسم به الحالة الثقافيّة في بلداننا العربيّة سببت هذه الظاهرة، ولسوف تستمر في تغذيتها ما دامت الهشاشة والخِفّة والاستسهال من طبيعة الحالة الثقافيّة، وبالتالي من طبيعة المتحركين ضمن دوائرها. وما دامت روافع الأديب جُلِبَت من خارج نصوصه الأدبيّة بما تحمل أو لا تحمل من قيمة فنيّة وفكريّة! ثمة أبعاد أخلاقيّة ذات صِلة بالقِيَم والمبادئ تمَ التخلّي عنها وهَجْرها لصالح الشهرة السريعة والسهلة المأخوذة من مانحٍ لها (شلة، منبر، علاقات، إلخ) ارتضى لنفسه أن يقبض وأن يقايض. فإنْ كُنا تطرقنا للفساد في موضعٍ سابق من الحوار، فإنَّ فساداً مفضوحاً يمكن معاينته بسهولة، أو استنتاجه، عند قراءتنا لهذه الظاهرة. ثمة ما يمكن النظر إليها وتسميتها بحالات »الرشوة«! وكذلك، ثمة ضحالة ثقافيّة سمحت بانتشارها.

قديم 05-13-2015, 12:03 PM
المشاركة 1367
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الياس فركوح
المصدر : موقع القاص والناقد ايــاد ع. نصــار


- ترتبط سنوات السيرة الذاتية لالياس فركوح بمحطات عربية هامة. هل للصدفة أهمية هنا؟ لعلها كذلك. ولكن بلا شك شكلت هذه المحطات معالم رئيسة في تطور وعي الياس فركوح وأدواته السردية وعالمه الروائي الخاص به نحو انجاز مشروعه الذي يطمح الى تحقيقه وخاصة بعد الاستقبال الكبير الذي لقيته روايته الاخيرة أرض اليمبوس من قبل الساحة الثقافية والنقدية العربية والذي تمثل في ترشيح الرواية ضمن القائمة القصيرة للترشيحات النهائية لجائزة البوكر العربية لعام 2008، مما يذكرنا كذلك بالاستقبال الذي لقيته مجموعته القصصية الثالثة "واحد وعشرون طلقة للنبي" التي صدرت عام 1982 ونالت جائزة رابطة الكتاب لافضل مجموعة قصصية تلك السنة.

- ولد الياس جورج باسيل فركوح ابن العائلة ميسورة الحال في عمان في العام ذاته الذي شهد النكبة الفلسطينية 1948، وقد درس المرحلة الابتدائية في مدارس الفرير دي لاسال في عمان. كما درس المرحلة الثانوية في القدس حيث كان طالباً في القسم الداخلي في المدرسة ، وقد امضى اربع سنوات من حياته المدرسية في القدس ، انتقل بعدها الى عمان.

- شكل ضياع القدس وهزيمة عام 1967 حدثاً مأساوياً ليس على الصعيد العام بالنسبة له كأديب وروائي بلا شك وحسب ولكن على الصعيد الشخصي الذاتي لانه ضاعت بذلك ذكريات مرحلة مهمة من تاريخ حياته الاولى.

- كانت هناك ثلاث محطات رئيسة في حياته لعبت دورا مبكراً في تنمية موهبته الابداعية واتجاهه نحو كتابة القصة والرواية. شكل اطلاعه الواسع المبكر على أعمال نجيب محفوظ في الرواية وأعمال يوسف ادريس في القصة القصيرة بالاضافة الى القصص القصيرة المترجمة بداية الطريق نحو الابداع، ثم هزيمة عام 1967 وما تلاها من اضطرابات سياسية وعسكرية وفكرية وأدبية خلخلت بنية المجتمع العربي والاطلاع في تلك الفترة على الفكر السياسي والثوري اليساري وتجارب المقاومة الشعبية في كوبا وفيتنام. كما أثرت فيه ترجمات الشاعر العراقي سعدي يوسف لشعر الشاعر اليوناني الوطني المعروف بنضاله من أجل الحرية يانوس ريتسوس.

- كانت اول قصة نشرت له في الصحافة الاردنية المحلية في اليوم الاخير من سنة 1976 وشكلت ذكرى جميلة لا تنسى بالنسبة له.

- في المجال الاكاديمي حصل الياس فركوح على ليسانس فلسفة وعلم نفس من جامعة بيروت العربية. أما على الصعيد العملي فقد عمل في الصحافة الثقافية خلال السنوات 1977 - 1979، وشارك في تحرير مجلة المهد الثقافية، كما شارك الشاعر طاهر رياض العمل في إدارة دار منارات للنشر خلا السنوات 1980 -1991، ثم أسس دار أزمنة للنشر والتوزيع عام 1992 حيث يعمل مديراً لها لغاية الان. وهو من مؤسسي اتحاد الناشرين الأردنيين، وعضو فيه. وهو عضو في اتحاد الكتاب والادباء العرب.


- كما شغل عضوا في الهيئة الادارية لرابطة الكتاب الاردنيين لعدة دورات.

- حازت روايته "قامات الزبد" على جائزة الدولة التشجيعية للعام 1990، كما حاز على جائزة الدولة التقديرية في حقل القصة القصيرة عام 1997. نال الياس فركوح جائزة محمود سيف الدين الإيراني للقصة القصيرة من رابطة الكتاب الأردنيين، كما نال جائزة أفضل مجموعة قصصية للعام 1982 من رابطة الكتاب أيضاً عن مجموعته القصصية "أحدى وعشرون طلقة للنبي". وفي عام 2008 نال جائزة تيسير سبول للرواية التي تمنحها رابطة الكتاب الاردنيين عن روايته أرض اليمبوس في حفل أقيم خصيصا لتسلم الجائزة. تعد أرض اليمبوس عملاً روائياً مهماً ينهل في بعض مصادره من جوانب من السيرة الذاتية للمؤلف، مع المحافظة على الجانب الابداعي التخيلي للسرد الروائي.

- نشر في عام 2002 مجموعة نصوص بعنوان "الميراث الاخير" تحت إسم مستعار هو "راكان خالد" . حاول في هذه النصوص المقاربة بين الشعر والنثر دون الدخول في توصيف النصوص، رغم أن الياس نفسه يراها أقرب الى قصيدة النثر. وقد نشرها بالاسم المستعار حتى يتسنى له معرفة وجهة نظر الساحة الادبية في محاولته الشعرية الاولى وتلمس ذوق ووجهة نظر القاريء في عمله، ولكنه نسبها لنفسه لاحقاً.

- علاوة على مجموعاته في القصة القصيرة والروايات، فقد قام بترجمة عدد من القصص القصيرة وقصص الاطفال والروايات. كما نشر عدداً من الدراسات والشهادات الادبية والمقالات.

قديم 05-19-2015, 11:37 AM
المشاركة 1368
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 97- عصافير الفجر ليلي عسيران لبنان

- عاشت الأديبة ليلى عسيران محنة الحرب بضميرها وإحساسها، فحلقت بخيالها وواقعها في ضمائر البشر المرهفين بنزيف الأرض وغضبها، وجالت في خواطرهم وعاشت معاناتهم، وإيمائهم بالعاصفة والثورة التي ستنفجر الحياة بعد الموت. فلقد استشهد خالد فولد أحمد، وقاتل سليمان ليُحرر والده الأخرس، نسفت البيوت فراحت النساء تزغرد، وبين قلب مريم وسهير ولد حب جديد طاهر مهّد تراب أرضه لتخطو عليه أقدام المقاتلين برقة. وظل مازن عينين نقيتين، وفؤاداً طاهراً، يحمل حزناً عجيباً لأنه استطاع أن يطلق من عبراته بسالة الشجاعة وأعجوبة الفرح، وفي رهبة الليل تصاعدت أنفاس "الختيار" تتخطى لهاث خطوات الخطر المهيمنة على "العاصفة" في كل التفاتة. ولكن الشمس كانت تشرق في سواد الليل فجراً، في نسمات اليقين والاطمئنان، العاصفة، الثورة،


-أحداث ناشدتها المؤلفة وهي أهم من الحرب تفردها عصافير الفجر قائلة: الثورة حتى النصر.

قديم 05-19-2015, 05:16 PM
المشاركة 1369
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع .....

- ليلى عسيران صحافية، وروائية صدرت لها ثلاث روايات عن الفداء

- كانت اول امرأة تقيم بين الفدائيين في قواعدهم العسكرية. ونتيجة لهذه التجربة صدرت لها روايتان: "عصافير الفجر" و"خط الافعى"...

- عاشت في منطقة جسر الباشا المحاصر اثناء الحرب الاهلية (1975 – 76) وكتبت عن هذه التجربة رواية "قلعة الاسطى"...

- ترددت على قرى الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني المحتل حيث صورت الصمود والنضال في وجه الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية المتكررة في روايتها "جسر البحر"...

- منحت عام 1997 وسام الاستحقاق اللبناني من رتبة فارس تقديرا لاعمالها الروائية...

- من اقوالها في حديث لها مع مجلة "الاداب": "كان في حياتي صراع دائم بين الطوق الادبي وارتباطي بالحدث القومي، وان قصتي "المدينة الفارغة" تعبر عن احباط...
-
تصوروا انني وصفت بيروت المتألقة بالمرأة الجميلة التي لا عقل لها ولا ذكاء، وبعملي هذا اقترفت جريمة بحق بيروت...

-كانت كتبي ممنوعة من دخول الاردن، ومنحت تأشيرة باذن خاص لاكتب عن الحرب... كتبت عن شهداء فلسطين الاحياء...

- من الصعب أن تنسى امرأة وجوه جرحى النابالم...

- ساعات طويلة امضيتها تحت الشمس أشاهد نزيف النزوح، وهذه المشاهد محفورة في نفسي.

- وبعد أن قرأت بعض ما قالته أديبتنا، وبعد ان تشبعت بقراءة بعض رواياتها التي تفوح منها روائح القومية، والاسلوب الفلسفي والشفافية النسائية والانسانية، الى جانب مواقفها السياسية الرائعة، سعيت الى لقائها في منزلها العريق في بيروت، حيث كان لي معها هذا الحديث المتواضع، قياسا بآفاقها الادبية والفلسفية.

- وإن كنت التقي معها عند الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني المحتل حيث الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية المتكررة، وحيث الصمود والنضال كما صورتهما في روايتها "جسر البحر" ولكنني سأبقى بانتظار ان يرفرف علم لبنان فوق هذا الجزء العزيز المحتل، وان يسجل التاريخ العربي ما كتبته الاديبة ليلى عسيران الحافظ عن ذلك الصمود الاسطورة.

- تقول لقد دخلت عالم الصحافة من باب تجربة الحياة، وتخصّصت في التحقيق
السياسي والفلسفة في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم كتبت عددا لابأس به من القصص القصيرة كتجارب ادبية اولية. لقد استفدت كثيرا من اجواء السياسة، التي انغمر في غمارها امين الحافظ، وذلك قطعا اخذ يضيف الى تجربتي مع الناس في كل مستوياتهم، وكذلك اخذ وقتا من تفرّغي الكامل لبيتي ومطالعاتي وتجاربي في ممارسة الادب والنشاطات

- وتقول انا أؤمن أن تحرير المرأة يبدأ من العقل والفكر والوجدان، وينتهي بالاكتفاء المادي لها. الا أن المجتمع اللبناني لم يزل لا يعطي المرأة كل حقوقها، مثله مثل العالم أجمع، إذ أني أقرأ عن العنف المستعمل ضد المرأة في اميركا وفي اوروبا. لكن في كل الاحوال لا أؤمن ولا أقرّ الا أن تكون المرأة انسانة لها كرامتها وليست منصاعة ومقهورة ومنساقة الى ظروف الحياة القاسية، سواء أكانت تلك الظروف مادية، أو نفسية.

من مقابلة اجرتها : نجاة فخري مرسي

تركت ليلى عسيران العديد من الرويات التي حكت فيها قصص قريبة للواقع من يوميات المعراك في المخيمات الفلسطينية على ضفاف نهر الأردن، إلى يوميات حرب 1967م، وصولا إلى الكتابة عن بيروت ومعاناتها وغيرها من الخيبات العربية، حتى قيل أنّ ليلى عسيران هي مؤرخة الخيبات العربية.

قديم 05-20-2015, 12:46 PM
المشاركة 1370
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...

- عندما كتبت ليلى عسيران: «مسح الغروب ألوان الدنيا من أعيننا، وانقض سواد باهر ساطع، وزف إلينا حلول الليل بهيبته وعظمته»، لم تكن تقصد لحظة غارت عيناها أمس، وانخطف الضوء من حياتها إلى الأبد، إنما كانت تصف إحدى الليالي التي قضتها في مخيم للمقاومة الفلسطينية، على ضفاف نهر الأردن، في كتابها «خط الأفعى» الذي كتبته عام ,1972 وأضافته إلى مؤلفاتها التي بلغت سقف الدزينة من الكتب.

- ليلى عسيران التي كان لها شرف المساهمة بالقلم والفعل في يوميات المقاومة الفلسطينية منذ نشأتها، وقد عبرت عن ذلك في روايتها الأخرى «عصافير الفجر»، كانت الصوت المدافع عن ثورة عبد الناصر، وكل ثورة عربية ووطنية في عالمنا العربي، وصولاً إلى المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، خصوصاً أنها ابنة هذا الجنوب، أحبت وجسدت معاناته في كتابها «جسر الحجر»، ولم يسعفها العمر كي تحقق رغبة بقيت دفينة فيها، وهي كتابة رواية عن «معتقل الخيام» ومعاناة الجنوبيين في سجون العدو الاسرائيلي.

- إبنة الجنوب المتعاطفة مع قضية العرب الأولى، فلسطين، عاشت عمرها مع ابن قاضي القضاة في فلسطين، أعني ابن طرابلس، الرئيس أمين الحافظ، الذي ضيّق السياسيون الخناق عليه عندما وصل إلى الحكومة، و«أبعدوه» عنها بسبب مواقفه الوطنية والقومية، وقد استمر، هو المثقف، مع زوجته التي شربت الثقافة مع حليب الطفولة، في فتح بيتهما لاستقبال سياسيين ومنفيين ومثقفين من كل الألوان، متخطين حواجز المناطق والطوائف وكل الحساسيات البغيضة.

- تلك المرأة، التي حولت بيتها إلى خلية ثقافة ونضال، لم تهدأ، فقد عملت، منذ البداية، من أجل تحرير المرأة، تبع رؤية خاصة اقتنعت بها، وهي أن تمارس المرأة نضالاً مشتركاً مع الرجل، من أجل القضايا الوطنية العامة. وهذا ما تجلى في أولى رواياتها «لن نموت غداً». ورفضت أن تستسلم لليأس، ووقفت ضد تعميم تعبير «النكسة» على هزيمة عام ,1967 ذلك أن الفعل الفلسطيني، برأيها، من خلال المقاومة، قلب اليأس تفاؤلاً.

- هذا ما أكدته في كتابها «شرائط ملونة» الصادر عام ,1994 والذي ضمنته العديد من محطات سيرتها، وجاء كأنه رواية الروايات، أو سيرة السير، أتبعته بسيرة معاناتها مع المرض، في «غيبوبة»، آخر ما خط قلمها، قبل أن ينكسر.

- وإذا كانت ليلى عسيران تنتقي فسيفساء السيرة وتشكلها بالألوان التي تريد، تسمي الأشياء بأسمائها مرة وتحاذر أسماء أخرى، أو تغض النظر عن تفصيل محرج هنا وتفصيل مسيء هناك، فلم تكن الكاتبة الراحلة بعيدة عن الجرأة في المواقف والكتابة، لا في وصف المظالم ولا في نقد السلبيات، ولا حتى في الكلام على الحب والجنس.

- هي جدية حتى اندماجها بالثورة قولاً وفعلاً، وتصدر عن هوى وجنون ومزاج جاهز للانقلاب. رومنسية حتى لتشعر أحياناً أن روايتها أغنية حنين، أو نشيد شعب، أو رسالة حب.

- لم تكن الأرض تتسع لليلى عسيران، فعاصمتها بيروت، التي خافت عليها في روايتها «المدينة الفارغة» (1966) وتوقعت أن تملأ حرب ما هذا الفراغ فيها، لم تكن تملأ عينيها، لذلك كان جمال روما يبهرها أكثر.

- كان الطموح يقتلها، إلى درجة كانت تشعر فيها أن التعبير بالكلمة، عما يجول في النفس، وفي وصف شخصيات الرواية، لم يفها بالغرض، فكانت تشعر أحياناً بأنها تقصّر عما تقدر الصورة الفوتوغرافية أو اللوحة على تصويره أو التعبير عنه.

- كانت ليلى عسيران تشعر بأن الحياة يجب أن تتسع لإبداع أكثر، وحب أوسع، وجمال لا ينتهي... لكن الضوء انطفأ في الغرفة، وفارقتها طيور المخيلة، وبقيت رواياتها تكرر سيرتها الفاتنة.

من مقال بقلم : احمد بزون


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 46 ( الأعضاء 0 والزوار 46)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 02:11 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.