قديم 06-08-2011, 06:11 PM
المشاركة 11
سناء محمد
كاتبــة الشمــس
  • غير موجود
افتراضي
بارك الله بك اختي الطيبة ريم بدرالدين على العبورالجميل

قديم 06-08-2011, 06:13 PM
المشاركة 12
سناء محمد
كاتبــة الشمــس
  • غير موجود
افتراضي

استرخى على المقعد .. وأنزل نفسه قليلاً .. ثم وضع قبعته على وجهه , أما أنا فكنت أقلب وجهي بينه وبين ذات النافذة .. أستعين بها على انقضاء وقته في النوم .. إلا أنني استسلمت أنا الآخر للنوم دون أن أشعر, بالرغم من قسوة البرد .. وبعد مدة من الوقت شعرت به وهو يضع معطفه على جسدي المتكوم على بعضه .. نظرت إليه بعينين متعبتين .. فأشار إلي أن أبقى نائماً .. فغرقت في نومٍ عميق بعد أن بدأت وخزات البرد تكف عن لسعي

تبعثرت لحظات الانتظار رغماً عني .. وأخذ الوقت مكانه بعيداً عن حساباتي .. أثقال تعبٍ تجبرني على الاستسلام لها دون حراك .. وفوضى جديدة تعبث بالمكان لمن أراد النزول عند محطتهم .. وأنا لازلت على حالي ..

قاومت النوم والتعب وتحاملت على نفسي أن أرجع إلى صحوتي قبل أن تنال غفوتي مني مجدداً .. تحسست معطفه وهو يغطيني .. ومررت أصابعي بين طياته .. ولكني تذكرته , فنهضت سريعاً من مكاني دون أن أجده .. أخذت أقلب نظراتي بين الناس ثم أرمي بها بعيداً من تلك النافذة التي آنستني على طول الرحلة .. ولما تأخر قلقت عليه وقمت أسأل من حولي .. هل رآه أحد ؟؟ فكانوا يومئون لي بلا .. قمت من مكاني قلقاً .. وأخذت أبحث في كل مقطورة عنه دون كلل أو ملل .. وفي كل مرة أمني نفسي أنني سأجده أصاب بعدها بخيبة الأمل .. بدأ الخوف يجتاح عقلي وقلبي .. وبدأت الوساوس تطعن طمأنينتي , ولكني تمسكت بخيطٍ رفيع أعلق عليه ما بقي من آمال .. لمحت من بعيد ذلك العامل البدين وهو يقف بجانب عامل آخر .. شعرت بالامتعاض أن أقترب منه أو أسأله , ولكني ضربت بكل مشاعري عرض الحائط وتقدمت بخطواتٍ ثابتة نحوهما ..ولكنه نظر إلي والشرر يتطاير من عينيه وقد تذكرني .. فوجهت كلامي للرجل الآخر فزاد من حنقه علي ..

-
أردت أن أسأل عن الرجل الذي كان يجلس بجانبي على المقعد

-
صفه لي

فوصفته بدقة و كأنني أراه أمامي ..

-
اعذرني يا فتي .. في كل ساعة أرى أناساً كثيرة تنزل وتصعد ..

فابتسم صاحبه بسخريةٍ و قال وهو ينظر إلي :

-
ذاك الرجل الذي حدثتك عنه .. هو من دفع ثمن التذكرة بدلاً منه ..

-
آه .. نعم تذكرته .. لقد توقف عند محطته ونزل ..


ما إن قال ذلك حتى شعرت بصفعة الحقيقة وهي ترتطم بوجهي .. وعلامات الذهول قد رسمت على ملامحي ..

-
ماذا .. أمتأكد أنه نزل ؟؟


-
نعم .. هو من نزل .. من حوالي الساعة ..

-
ربما كان غيره .. صدقني .. فمعطفه لا يزال معي ؟؟

فرد علي الرجل البدين بفظاظة :

-
ألا تفهم قال لك أنه نزل

سكت لبرهة ثم قلت له متوسلاً :

-
أرجوك .. ألم يقل لك شيئاً قبل أن ينزل ؟؟

أشار إلي بلا .. فأدرت ظهري وفي داخلي مرارة ما حدث .. في لحظاتٍ صار قلبي فارغاً من كل شيء .. وفي رأسي مئات الصور لا تكمل واحدةً الأخرى ..

صاح العامل بي مجدداً :

-
أنت .. تذكرت ..

عدت إليه مسرعاً علي أصل إلى شيء ..

-
نعم .. قال لي أن المعطف الذي بين ذراعيك هو من أعطاك إياه .. حتى لا نظن بأنك سرقته ..

تجمدت الدماء في عروقي .. وتوالت الصفعات على وجهي .. ولم ألبث أن شعرت بالمعطف إلا وكأنه قطعة مشتعلة تحرق يداي .. لم أقوى على حمله فوقع مني على الأرض ..

-
هو من قال ذلك ؟؟

شعر العامل بالحرج مني ولكنه سكت

-
أنا لست سارق .. كما أنني أضعت التذكرة ..

-
اسمع .. ربما .. صدقني .. ربما فهمت ما قاله خطأ ..

نظرت إليه بعينين يملأهما حنقٌ وانكسار وقلت بصوت مرتجف :

-
لا .. أنت لم تفهمه خطأ .. أنا من فهمه خطأ ..

أدرت وجهي عنه قبل أن يرى دموعي وقد بدأت تنزل , وهو يقول لي :

-
يا فتى المعطف .. خذ المعطف ..

حاولت تمالك نفسي بين الضجيج من حولي .. ولكني فشلت .. إييييه .. ما بك ألا ترى ؟؟ ... انتبه يا هذا .. كلماتٌ هنا وهناك لم تتجاوز مسامعي .. أخذت بوضع يديَ مستنداً على كل مقعد مخافة أن أقع .. وما عدت أتبين وجوه من حولي من فرط دموعي .. كل ما أبصره بعض ملامح باهتة لممرٍ كنت أمشيه منذ لحظات إلى أن وصلت إلى مقعدي دون أن أدري كيف وصلت ..

جلست عليه بمفردي و أشحت بوجهي عن مكان جلوسه .. أمسح أطراف عيني محاولاً إسكاتها ..و لم أعد أشعر بأي برد .. بل كانت حمماً تجتاح جسدي كله ..

آآآآآه .. ما الذي حدث ؟؟ ما الذي حدث ؟؟ لماذا رحل هكذا دون أي كلمة ؟؟ ألا يستحق ما كان بيننا وداعاً لائقاً ؟؟ ما أظلم ما صنع ..

أخذت أتخبط بين جميع الصور , وأجد نفسي ضائعاً بين كل ما حدث .. أهي سخرية الأيام منا .. أم أننا من يسخر من بعضنا البعض ؟؟ ما كنت أعرف أن وقتي قد تمزق لحظة إصراري على البقاء .. قد شطرت قلبي مناصفةً لي وله .. وتجاهلت محطتي من أجله .. ولكني لم أعرف أنني ضيعت أكثر من ذلك .. قد ضيعت نفسي لما تعلقت بأطراف الوهم .. أما هو فقد مضى في طريقه دون جزع أو ألم .. يا لقهري .. لا ألوم غيري .. فلا ذنب له أن قتل سعادتي برحيله .. بل كانت حماقةً مني ..

توقف القطار عند آخر محطاته .. ونزل من بقي من الناس .. أما أنا فبقيت وحدي لاأزال أصارع كل ذكرياتي معه .. وكأن هذه الرحلة رحلة عمرٍ بأكمله .. تمنيت لو لم أعرفها .. فما أصعب أن تحصل على سعادتك .. وما أسهل أن تفقدها ..

كان عامل القطار صاحب العصا يتفقد المقاعد ومن لم ينزل منها .. فلما رآني اقترب مني وجلس بجانبي وقال بصوت متألم وكأنه شعر بي :

-
يا فتى .. انزل لم يبق غيرك .. هيا .. هذه آخر محطة ..

نظرت إليه وآثار الدمع مازالت في عيني

-
نعم ..لا بد أن أنزل .. لا بد أن أرجع ..

وقفت متثاقلاً على أقدامي .. وأدرت ظهري إليه متجهاً إلى البوابة .. فأحسست بيدٍ حانيةٍ تمسح على كتفي ... أنه هو .. نعم هو .. هذه يديه .. لم ينزل من القطار بعد .. أدرت وجهي متلهفاً لصاحبها .. فوجدتها يد عامل القطار وهو يبتسم لي ويقول :

رحلة سعيدة..




تمت.....


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: رحلة سعيدة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
(( حكايات سعيدة )) / أزهر عمر قاسم أزهر عمر قاسم المقهى 12 11-28-2022 10:00 AM
الفرق بين: (رحمة الله) و (رحمت الله) .. ماجد جابر منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 9 11-29-2019 07:52 AM
رحلة شوق رشيد الميموني منبر الشعر العمودي 2 12-07-2018 02:29 PM
الفرق بين (( رحمة الله - رحمت الله)) ..!!؟؟ هند طاهر منبر الحوارات الثقافية العامة 2 01-09-2016 10:45 AM
دارميات للعيد..... ايامكم سعيدة أميرة الشمري منبر الشعر الشعبي والمحاورات الشعرية. 10 09-05-2011 09:04 AM

الساعة الآن 05:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.