قديم 08-20-2011, 03:07 AM
المشاركة 21
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
وشـــــــــــــــاية





ظلمة حالكة يلتحف بها, ليالٍ عجافٍ تصفعه, زنزانة حقيرة تغوّلت عليه استرجع شريط الذكريات الذي توقف عند قلمٍ مأجورٍ, طويّته سوداء قاتمة شريرة, ومداده سُمٌّ زعاف, عضّ لسانه بشدّةٍ كاد يقطعه, وامتلأ فمه بدم وابتلعه.





للكاتب السوري : محمد فتحي المقداد
بتاريخ : 05 - 08 - 2011





قديم 08-20-2011, 05:26 AM
المشاركة 22
أحمد قرموشي المجرشي
النغـم المهاجـر
  • غير موجود
افتراضي
عندما يصبح اللون الأسود قاتما








عــــاد من سفره المعتاد . . تحلق حوله أولاده الخمسة وزوجته . .






**سأل عنك إثنان من الشرطة . . عليك أن تذهب إلى الدائرة فوراً . .





**خـادمتك حــــامل . . . ادعت أنك قد اعتديت عليهـــــا . .





**إني بريء . . يمكنكم إجراء أي تحقيق ترونه مناســــــباً . . ! !





**سنطلـب من المستشفى عمل الفحوصــــــات اللازمــــــة . . ! !





بعد عدة أيام . . اتصل الضابط يبشره . .





*حصلت على البراءة . لقد أثبتت الفحوصـــات أنك لا تنجب . ! !






للكاتب السوري : أحمد فؤاد صوفي

بتاريخ : 14 - 09 - 2010
ياإلهي ماهذا الموقف المهيب ...
أنّى لزوجته الخمسة ...
أقشعر بدني وسهوت ...
نص جميل في سرده وحبكه مفجع مبكي في نهايته ...
قنطار ود .

(( ابن الملــِــكين ))
نعم ...
لاحزن ...لاحزن ...
جدتي بلقيس ...وجدي ذو يزن .
**********
قديم 08-25-2011, 05:28 AM
المشاركة 23
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
المتـــاهة - غابة الموت والضجيج -




1



إنها متاهة كالقفر الممتد اللامتناهي تعصف بين جنباته حبَات الرمال في كل إتجاه فتثير نقعا من الغبار الكثيف والزوابع الهائجة ... ثم تبدو ملامح غابة الموت والضجيج إنها جاثمة هناك في ذلك الأفق تعانق الضباب والبرد القارس والتكلس...

تبدو تلك الغابة متميَزة كالقلعة القديمة المهجورة.. إنها تجثم في ربوة عالية أو لعلَها هضبة شاسعة تطل على البحر حيث الصخور الصماء المنحوتة...

تتلاطم فوقها الأمواج العملاقة وهي تزمجر في غضب وهياج...

وفي الجهة الاخرى من تلابيب المكان يمتد الواد الطويل الصامت... وهو يختزن في أحشائه ألم السنين السحيقة مع عظام الموتى والغابرين من العابرين إلى الموت والمفقودين والتائهين في مجرَات الوطن والمتاهات الأخرى.

إنه النهر الأبكم وهو يبتلع أسراره ومراراته وغذره الصامت..

هناك صمت وسكون ورطوبة وتكلس يبدو في الجدارات السوداء الحالكة ولون القتامة شعار المكان بل شعاره الوحيد...يكفي أن تردد اسم المعتقل في غمغمات هامسة لتلمح في الوجوه ذلك الإمتعاض الدفين والحنق والقرف المزعج.

المعتقل متاهة ...إنه كعجوز من الغابرين تمتد سنين عمرها لثمانية عقود مضت ,إنصرمت من حبَات مسبحة الزمن والتاريخ....

إختزلت جداراته الصماء بين جوانحها مرارت زمن الجمر والدم والهدم والرجم والقيح والصديد... ولا يزال رغم الشيخوخة والهرم قادرا على الإبتلاع وقد إختزلت بين جوانحه آلام وصرخات وتأوَهات ملايين العابرين من دهاليزه وسراديبه السرية المنسية....

إنه تمساح لا يتعايش إلا مع التماسيح من فصيلته داخل خليج واحد

أما الضحية الغريب فمصيره الموت البطيء المحتوم.. حتمية الصراع والإبتلاع...

يجثم المعتقل أو المتاهة داخل فضاء الصمت ...أدواته القهر و كلَ ما تتطلَبه السلخانة البشرية... من صناعة الألم والضجيج....

ها قد مرَت السنوات ولا يزال قادرا على البطش والوأد الساكن الخفي والقتل اللذيذ ...ذلك القتل الصامت البارد كالثلج. إنها عتمة هي فوضى لا تعرف لونا غير الفوضى ولا تعرف للألوان لونا غير السواد ولا طعم لها فهي مرَة كالحنظل .

كريهة كرائحة الموت والتعفنات وجيف المقابر....

يزحف ـ المعتقل ـ في صمت بوحشيَته ووحوشه وكواسره الجارحة ثم يفترس فتتطاير الأشلاء وتراق الدماء وتنتثر الجماجم...

هناك في عمق المكان المقيت الذي إبتلعنا لسنوات سحيقة هي مزيج من سنوات الضياع والغربة وفقدان الإحساس بالمكان والزمان والإنتماء للوطن....

هناك كنَــــا عندما إبتلعتنا الأرض الخرساء.....


2

ذلك اليوم قررت مهادنة الوقت إنني أشعر بإنقباض يعْتريني.. وقلبي يشتد خفقانه... كنت أمشي في الطريق والتفت ـ فجأة ـ لمحتهم كانوا يتعقبونني تلك الوجوه أعرفها ..ألفتها وألفتني .. وجوه السحالي والحيَات والعقارب ...

كلمح البصر يظهرون وفي لمح البصر يختفون....

في المساء إعترضوا طريقي... بعد أن أمعنوا في استدراجي ...

سقطت في الفخ... حاصروني خارج المدينة ... هناك حيث لا حركة ولا صريخ غير الريح العابثة وسياط الشمس الحارقة ..قمَطُوني كطفل رضيع ثم وضعوني في كيس كبير وزجَوا بي في الدولاب الخلفي للسيارة " الشبح."..ثم انطلقوا وهم يتهامسون في سكون.... ونشوة غامرة

ـ طريق الغرب........

وساد الصمت السيد الحصور المهيب....

حينها حركت جذور ذاكرتي... كم من مرَة أختطف من قارعة الطريق....

مرات عديدة خضت هاته التجربة الفظيعة....

لا يحس بمرارتها وقوَة ألمها إلاَ من ذاق مراراتها القاتلة....

في جوف الليل كنت داخل السرداب الأسود فقدت الإحساس بالزمن

قلت لهم بصوت مخنوق

ـ هل أذن المؤذن للصلاة...

قال الحاج بصوت أجشَ

ـ" هنا صلَي في أي وقت ..."

الله يفك " لْوْحــايلْ "

ثمّ إنصرف.....

لكلماته صدى في أذني .. للحظات تردّدت على مسامعي كلمة " لْوْحــايلْ "

ـ لقد أصبح لديّ " وْحــايلْ " ومصائب في سجل الوطن

وهنا دار الحقْ.... من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يره

كنت أسمع هذا الشعار هناك كان يتردد على رأس كلّ ساعة عندما يصيح الجلاّد "كابيلا" في المعتقلين بصوته المزعج ولا يفتر عن الصياح والزعيق وصناعة الألم....." هنا دار الحقْ"

دار الحق هي تمارة الجحيم الذي غمرنا بالصديد والقيح....

************

عندما أغلقوا الزنزانة ومضوا .. أحسست بالقيود التي كبّلوني بها وقد كادت أن تمزّق معصمي.... وأنا مصفّد إلى الخلف والعصابة اللعينة تحجب عني البصر والمكان يوحي بالقتامة... يا له من عناق حار ّ بين الماضي والحاضر ذلك الماضي الذي كنت أعيش فيه حرّا... وهذا المصير المؤلم وأنا مقيّد معصوب العينين عاجز حتى عن قضاء حاجتي....

أما المستقبل.. إنّه ظلام ليل طويل

لا ريب أنّنا في زمن القوة المجهولة والأيدي القذرة الخفية التي تعبث بكل شيء وفي كل مكان... إنها خارج السيطرة وفوق القانون والإنسان لا تعرف للرحمة معنى ولا تكترث لها...

في المتاهة جواسيس الهواء وأشباح الليل والنهار...إنهم يبدعون في نشر الرعب ... ورسم الأسى على الوجوه... وقهر كل أمل يتسرب إلى النفوس الحائرة..............


3

مكثت داخل بطن الحوت ردحا من الزمن فقدت القدرة على الإحساس بالزمان والمكان ما أقساه من شعور... أصبحت رجلا من الماضي لا أمتلك سوى الذكريات , حتى الوجوه التي أعرفها تبددت وتلاشت داخلي تحوّلت إلى مجرّد أطياف عابرة ....

هناك داخل العتمة قرضنا بالمقاريض... أمعنوا في النحت فوق أجسادنا كانت الإهانة طبقا يوميّا نتجرّع" حسوته " في مرارة قاتلة....

هناك.. آلة جهنمية تطحن كل شيء....

الأصوات والضجيج والألم والعذاب.... هناك إراقة الدم طقس يومي إعتيادي وشواء اللحم البشري في جلسات على الجمر وصعق بالكهرباء وتجريد من الملابس و"شبْح" بالأرض حتى يتحوّل الجسد إلى قطعة من المكان الصخري

هناك ألبسونا أقنعة ... بينما أزالوا أقنعة وجوههم... تحولوا إلى وحوش ....

وحوش تفترس وتلتهم وتهشم وتتلذذ بالدم والقيح والصديد....

بعد مسافة من الزمن جاؤوا مع الفجر قمّطوني من جديد ومضوا بي في رحلة مجهولة ... في مشارف المدينة قذفوا بي في قارعة الطريق... كنوع رديء من القمامة... قيمتنا لا تعدو لديهم قيمة القمامة المأفونة

***************

هناك سمعت صراخ الألم من "عبد الحق "كان يتحمّل ما لا يطاق ربما كانت عذاباتنا جميعا نقطة في بحر العذاب الذي نتلظّى فيه ... إنه صراخ الموت ..... الموت البطيئ...

في جوف الليل كنت أسمع صراخه وألمه وتأوّهاته ... عندما يصعقونه بالكهرباء وعندما يباشرون تعذيبه بالإختناق الوهمي... والصابون والشيفون..

كانوا يسدّون فتحة الانف ثم يضعون الشيفون مبلّلا بالصابون .. في فمه.. ويعلّقونه في الهواء.. فيختنق وكلما أرغى و أزبد... زاد الصابون من الزبد والرداد في الفم... فيتضاعف الإختناق المؤلم.. وفي لحظة الذروة ... ينتزعون الشيفون ويغرقونه في الماء...

وهكذا تمتد رحلة الشقاء لساعات طويلة.......

كان يخيّل لي أنهم ينفخونه ... إحساس راودني بذلك ينفخونه حتى يكاد بطنه أن ينفجر ثم يمهل للحظات حتى يتمكن من إلتقاط أنفاسه ... ولا يرفع عنه العذاب إلاّ ليتمّ نقله إلى جحيم جديد ... أو تنتهي رحلة الجحيم بالإعتراف.

كان "عبد الحق" رجلا من طراز فريد ارتفع فوق الجراح والآ لام كان يبتسم ابتسامته كنت أحسّ بها وإن لم أرها... فقط كنت أسمعه وهو يرفض الإعتراف ويصرّ على الصمت ...يلوذ لكهف السكينة العميق

صمته كان سلاحه.... به يفتك بهم فيستشيطون غضبا ويموتون كمدا ويتميّزون غيظا... ويواصلون العذاب والألم.

بعد أيّام من الجحيم ... لفظ "عبد الحق " أنفاسه الأخيرة داخل المتاهة...

يومها إقتحموا زنزانتي أخرجوني منها لم أكن بمفردي ... نقلوا العشرات من المعتقلين في جوف الليل ... إلى عنابر تحت الارض.. أفْزعهم موته....

أحسست بهم وهم يتهامسون وأنا أحاول أن اتلصّص عليهم

ـ لقد مـــــــــــــــــــــــــــا ت

ثم يغمغمون في بلاهة وتيه ... يومها إنداحت تلك الموجة الطارئة ورفع عنا العذاب.. خشية أن يلتحق بركب الشهداء ... فرسان آخرون

ظللت معصوب العينين بين اثنين يقبضان ذراعي حتى أودعاني في الزنزانة الجديدة .... كانت رائحتها مقرفة .. إنفكّت القبضتان ... أقدم نحوي الحاج لكبير

رفع العصابة عن عيني وقال لي بكلمات ميتة

ـ هل أنت جائع؟؟؟؟

كنت جائعا للنوم.... جوع النوم أقسى من جوع المعدة الفارغة... لهذا كان جوابي الصمت السيد الحصور والآمر والمأمور......

في العتمة يرتفع جدار الصمت والقهر....

4

أزعجني الباب الحديدي وهو يغلق كان صرير المفتاح يحدث صدى في المكان يخترق جمجمتي وينغص علي لحظة السكون ويرتد صداه في القبو.

أما الظلام فينتشر طوال اليوم إنها العتمة الباهرة المقلقة والمحيّرة...

كنت هناك عندما احتدم الألم وصراع الأصوات ورعب العذاب وجحيم الإستنطاق... كانت الفلقة إحدى أدوات العذاب تأكل العصا الغليظة الأقدام حتى تتخذر ثم يصبّون فوقها الماء البارد.... وتستئنف الأيدي القذرة عملها المقدّس الفلقة واجب يومي ثم تأتي بقية أنواع القهر

خلف جدارات الصمت يفقد الزمان معناه ويمتد الصمت ...كانت لعبة الزمن احدى أدوات كسر الإرادات ... يأتي الجلاد ويصيح بصوت فج...

ـ هنا ... لا خروج إلاّ بالموت أو الاعتراف

في يوم ... أو في شهر ... او في مئة عام

الدفن هنا.....

يمتد الصمت وبينما تتقدم جحافله لتخترق الوجدان وتصمّ الكيان و تنهش الذاكرة فتردّد الألسنة بالهمسات المجنونة

ـ "حصلة هذي ....يا سيدي..... يا ربي.."...

عندما كان ينهكني الإرهاق أشعربثقل الزمن على كاهلي كما تثقلني القيود ..كنت أقرفص ثم امد رجلي في الإسفلت وأضع خدي على الأرض لعلّي أعرف موقعي منها في المكان ودائرةالزمان.

ما أقسى أن تكون في مكان يفترض ان تموت فيه ولا تعرفه.... ولن تعرفه....أبداااا

إنها الحدائق السرية للجنرال.....

عندما جاء الحجاج في الفجر حملوني إلى المجهول وهم صامتون....

خرجت من البحر من" متاهة البحر" الذي غرقت فيه إلى الأذقان..ثمّ زجوا بي في النهر الصامت الجريء...في مشارف المدينة ألقوا بي فتلقفني جلاوزة آخرون..إنه لون آخر من العذاب....

بسمة الوطن الساخرة في زمن إنقلاب الموازين....

التهمتني الطاحونة ... قال كبيرهم وهو يلهث

ـ أين كنت في رحلة الهروب..

ـ في معتقل تمارة

قلتها ببراءة جارحة

يعم الصمت المهيب وينتفض الجلاد وقد إلتف حولي عدد من أفراد البوليس السياسي ... كلهم يحدقون في ويسألون ويلحون في السؤال عن لقبي وكنيتي

ـ أبو مـــــــين

يسود الصمت ..إنني لست أبا لأحد أنا أبو نفسي...

ولكن لا حياة لمن تنادي....

في المعتقل سمعتهم يسألون أحد الضحايا وآلة العذاب تأكل جسده

ـ أبو مـــــــين...؟؟؟ ما هي كنيتك... إسمك الحركي

يعم الصمت ـ دائماـ ويزداد العذاب ويتصاعد الصراخ القاتل وأخيرا ينهار الضحية ويصيح في هستيرية مجنونة مفزعة تمزّق النياط

ـ أنا أبو الديلاصور

ـ أنا أبو الديلاصور


*****************


إرتسم الإمتعاض على وجهي وعلا سحنتي الخالية من أيّ تعبير....

قال كبيرهم وهو يمسك الجريدة بيده.... قرأت عناوينها العريضة وأنا ملتزم بالصمت... حدجني بنظرة شزراء ..ثم قال

ـ أنت أبو .......

لم أحر جوابا .. أرغى وأزبد وقد تطاير الرداد من فمه النتن وهو يروغ روغان الثعلب.... غُصت في الارض بسرعة مذهلة عندما تداعت على جسدي أيديهم وارجلهم وهم يضربون بكل قوة... انفلتت من فمي أوّل" تكبيرة" هزّت أركان المكان فتفرقوا.... كانت دهشتهم غامرة...

أيّ سحرتمتلكه كلمة " الله أكبر" ارتج لصداها مربع القهر

تهالك جسدي... حملوني إلى دولاب سيارة كبيرة ثم انطلقوا بي إلى المجهول من جديد... حينها أدركت أن المتاهة المتواصلة ستتقاذفني من مكان إلى مكان ومن معتقل إلى معتقل ومن جلاد إلى جلاد ومن أيدي قذرة إلى أيدي أكثر قذارة ومقتا وترهّلا... المتاهة .. إنها غابة الموت والضجيج...........




للكاتب : سيف الدين الشرقاوي
بتاريخ : 25 - 08 - 2011




قديم 09-02-2011, 05:07 PM
المشاركة 24
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
مذكـــرات سيــدة محتــرمة



الإهداء: إلى المرأة..* والمرأة الوحيدة..* فقط !

اليـــوم .. شعرتُ برغبة في البكاء ... وجدتُ بعض الوقت .. فبكيتُ كما لم أبكِ من قبل ..
بلل دمعي المنشفة التي كنتُ ألف بها وجهي .. بكيتُ .. وبكيتُ .. وبكيتُ .. الحسرة تأكل جزءاً كبيراً من قلبي ..
انطفأت الكهرباء ... فأزداد الجو لهيباً .. الهدوء يخيم على المنزل الخاوي ... إلاّ من جسدي .. وبقايا روحي .. والخادمة ..
اختلط دمعي بعرقي .. أحاول أن امسحهما .. الجو في الجنوب صيفاً .. لا يطاق .. لقد قرأتُ في جريدة اليوم أن صيف هذه العام أشد حرارة .
يتساقط .. العرق .. والدمع .. والدم .. !

دقات الساعة .. تزيدني بكاءاً ..
تمضي الساعات والأيام ..
والسنوات ..
تمزق الهدوء .. رنات الهاتف ..
*منْ يكون .. ؟
- منْ تكون .. ؟
- لا أحـــد ..

عاودتْ هدوءها .. وبعض بكاؤها تقلب صفحات دفترها : -
- اليوم كان بطيئاً ... مرّ وقت طويل و لازالت الساعة التاسعة صباحاً ..
- في السادسة والنصف أكون أول الحاضرات .. العم محمد..
والخالة آمنة يفتحان .. بوابة المدرسة..
حيث أذوب .. وتذوب كثير من آلامي ..
دفتر الحضور .. أمامي ..
تدلف الوكيلة ...
- صباح الخير ..
- أرد بابتسامة ..
تندلق باقي الوجوه .. الناسخة .. والمعلمات .. ثم المشرفة الاجتماعية .. دائماً متأخرة . !
بعض الوجوه كئيبة .. وأخرى سعيدة .. وبعض العيون سهرانة .. وأخرى تنطلق منها نشوة الشباب والفرح بالوظيفة الجديدة .. أوقع للجميع في دفتر تحضـير الدروس
.. " كل صفحة تحمل توقيعي الجميل " - كما تقول إحدى المعلمات* –
جو الفرح .. والحياة .. يملآن أرجاء المدرسة ..
*
في السابعة .. وكل النفوس راضية .. ُيقفل الدوام .. ونضع الخط الأحمر.. يقولون عني شخصية إدارية فريدة ..
لقد صقلتني أيام الدراسة وسنوات الخبرة كثيراً ..
.. *يا لها من سنوات ..
.. تعيد رأسها إلى الوراء .. تتراخى قليلاً ...
الخالة آمنة تضع بعض أغصان الريحان على المكتب .. ترتبها .. هكذا اعتادت منذ ثمانية وعشرين عاماً ..
.. يختلط صباحها .. بالروح .. والريحان ..

تسرح بخيالها ... سنوات من النجاحات المتتالية .. وشهادات التقدير .. وحسن القيادة .. والإدارة .. والإرادة ..
كانت هذه المدرسة حين تسلمتُ إدارتها عبارة عن فصلين للمرحلة الابتدائية .. وخمس معلمات .. وركن صغير مقصف للمدرسة .. وتراب يزكم الأنوف .. في القرية البعيدة .. عن مدينتي التي أسكن بها ..

مضتْ السنوات .. وكبُرت المدرسة .. وازداد عدد الطالبات وتعبد الطريق المؤدي إلى القرية ..
قطع تفكيرها صدى صوت جرس انتهاء الحصة الأولى .. " لابد من الخروج للجولة الصباحية " .. المكان هادئ .. المعلمات في حصصهن ..طالبات القرية يبدين أكثر انفتاحاً وبهاءاً .. تتبدل الأحوال .. والعلم نور ..
*
يمضي اليوم .. ككل الأيام .. وككل السنين ..
تعود للمنزل .. تدخل غرفتها وحيدة .. تغفو ..
عندما تستيقظ في الخامسة مساءاً تبدأ لتخطيط العمل في اليوم التالي ..
- كيف تشيع الفرح و التفاؤل في معلماتها ...؟ .
- كيف تكون عملية أكثر ؟ .
- كيف تسعد طالبات القرية و ماذا ستقدم في حفل مجلس أمهات الطالبات ؟ .
.. كل ذلك كانت تخططه في دفترها ...

تعاود القراءة .. تتوقف ..تقلب صفحات دفترها ...
غصة .. تذبح تجاويف صدرها .. وتقرأ : -
- في السابعة عشر:* كنتُ شابة جميلة .. يتوق للاقتران بها كثير من الشباب ..
- في التاسعة عشر:* الدراسة .. أولاً ..
- في الثانية العشرين*:*تخرجتُ من الجامعة .. وحصلت على وظيفة .. أصبحت معلمة وبدتْ قامتي .. أكثر طولاً ...
- في الرابعة والعشرين:*ما كانت عائلته تليق بي وقال أهلي : " أن أصله ضعيف " ..
- في الخامسة والعشرين:*كان أسمراً .. وشكله ..غير جميل .. ؟ .
- في السابعة والعشرين: أصبحتُ مديرة للمدرسة ..

- في الثامنة والعشرين:*كان متزوجاً.. ولن ابني سعادتي على تعاسة امرأة أخرى ولو أموت وحيدة*.. وبمعنى آخر لا أرضى أن أكون الزوجة الثانية!!..
- في الثلاثين:* كان أقل مني تعليماً .
- في الثانية والثلاثين:* " بدأت المدرسة تكبر .. تتوسع .. وتتشعب .. وكذا أفكاري " ..
- في الخامسة والثلاثين:* لم يطرق بابي طارق .. عدا والدتي وطرقاتها على باب غرفتي لإحضار كوب الشاي .. وبعض من النظرات التي تشعرني بالتلاشي ثم دعوات متتالية .. إلى أن يغيب صوتها ..

- في السادسة والثلاثين:* كان رجلاً كبيراً ..تجاوز الخمسين .. وكنت أنا قد تنازلتُ عن بعض شروطي .. إلاّ أن أكون الزوجة الثالثة !.
- في السابعة والثلاثين:* كان حفلاً كبيراً لتكريمي على جهودي وتضحـياتي .. وتميزي ..ووحدتي .. !!.
- الجميع صفق ليّ بحماس .. إلاّ واحدة ..
.. أمي .. !!

- في الأربعين:* مات أبي .
- في الثانية والأربعين:* بدأت أنطفىء .... !!
- في الخامسة والأربعين:* ما الذي تريده المرأة بعد هذا العمر ؟..
- في الثامنة والأربعين:* كان من العيب لسيدة في مثل عمري أن تتزوج الآن ..
لقد مضى العمر ...
*
- في الخمسين:* كنت أخطط لجعل مدرستي ....... !!!
- في الثانية والخمسين:* ... ..!! ...
-في الخامسة والخمسين:* كان حفل تقاعدي وخروجي من هذه الحياة وحيدة إلاّ من شهادات التقدير ودروع التكريم .. وسجل حافل ... حافل بالعطاء .. .. وأجيال... تلي ... أجيال ...
..تصفق ...
كلهم يصفقون .....
إلاّ .. واحدة ....

............................
......لم تكن هذه المرة ....
إلاّ .. أنا....
إلاّ .. أنا .... ؟؟!!!!!



للكاتبة السعودية : أميمة البدري
بتاريخ : 01 - 09 - 2011


قديم 09-02-2011, 05:11 PM
المشاركة 25
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
رجـــــل الظـــــــل




أنا رجل يخاف ظله, ويكره النور, يكره النور ويحاول قدر استطاعته تجنبه, فأنا أخشى أن يعرف أحدهم ذلك, رجل ظله حصان.. ذلك هو أنا, الوحيد الذي لا يشبهه ظله.. دائما ما أفكر حين حضور وليمة: (ماذا لو أقف الآن في وسط هذا المجلس, فنظر أحدهم للجدار الذي سيقف على طرفه ظلي, ماذا ستكون ردة الفعل؟)..

كنت كل يوم أستيقظ فيه أنظر أولا له, متمنيا أن يعود ظلي لطبيعته, متمنيا لو كان ظلا لفأره, أو ظلا لدودة, صغير الحجم, لا يلاحظه أحد, أو حتى لو كنت بلا ظل.

أذكر أول مرة حينما اكتشفت ذلك, وكان حينها عمري تسع سنوات, أتسابق مع رفقتي, عندها أخذت منحنيا من الطريق الضيق الذي يضيئه مصباح وحيد, فالتفت للجدار الذي يركض عليه حصان أسود محاذ لي بشكل متواز.. فتلفت حولي أبحث عن حصان أبكم الحوافر.. أصابني الفزع, ووقفت مذهولا وحدي, والخطوات العاديات من الرفقة تتعداني, كنت وقتها أفكر بذلك الشيطان الذي نجح بإخافتي, وذهبت أحكي لأصدقائي المحتفلين بالنصر علي, عن ذلك الحصان الذي وقف ينظر إلي.. ليبدأ بعدها هاجسي بمراقبته, فقد أدركت أنه عار سيظل ملتصقا بي.. الوحيدة التي تفهمت ذلك هي أمي رحمها الله, وحينها هدأت من روعي- رغم قلقها من تلك البقع الحمراء, التي بدأت تظهر على جلدي من ذلك الحين, وتتنقل في مختلف أنحاءه-.. نظرت إلي مبتسمة, وأخبرتني بأن ظلها كان مختلفا أيضا, وأنه كان غزالا, واختفى حينما كبُرَت.. ولكني كبرْت, كبرتُ, ولم يختفِ.. أصبح خوفي يزداد, وخصوصا من تلك الأمكنة التي تكثر فيها المصابيح كالملاعب والأعراس, أتخيل نفسي, وأنا تحت مجموعة من الأنوار, وأربع أحصنة حولي, إنه كابوس مخيف..

ذلك سبب عزوفي عن الزواج, فمن تلك التي ستقبل برجل ظله كظلي, بذلك الذي سيبدو في ليلة كتابة عقدها حصانا تُلبسه خاتم زوجها, بالتأكيد سيهز صراخها الأرجاء, قبل أن يصمت للأبد.

أتذكر آخر يوم كنت قريبا فيه من الناس.. كنت وقتها أتناول العشاء في مطعم صغير بعيدا عن بيتي, وحينها لاحظ النادل ظلي, ظل حصان يلتهم همبرقر, وذلك ما سبب فزعا للجميع, وبالتحديد النساء والأطفال الذين خرجوا جماعات مزدحمة من الباب.. لا أعرف لماذا!, لقد كان مجرد ظل!!!.

مازلت أرى ذلك الحلم, على فترات متعددة, ذلك الذي أرى فيه حصانا أبيض حزين, له ظلي, المكان سيرك كبير, والجمهور المندهش يضحك عليه, وهو يأكل من تبن, شعرت أن الجمهور يضحك علي, وأن ضربات السوط كانت تؤذيني, وتؤلمني أنا.

هناك مكانان فكرت فيهما كثيرا, أولهما البحر, ففي الماء تختفي الظلال, ولكن للأسف, كدت أغرق, فما أعدت الكرة, والمكان الآخر الذي ذهبت إليه مزرعة ابن خالتي, حيث لديه قطيع من الخيول, شعرت أني طبيعي هناك, ولعل وعسى يضيع ويتوه ظلي مع تلك الظلال التي تشبهه, الذي استغربته هو الشعور المتقارب المتبادل بيني وبين تلك الخيول. شعرت بأني خيال محترف حينما ركبت أحدها, ولكن تلك السعادة اختفت حينما نظرت للأرض وللحصان الذي يمتطي حصانا, كان موقفا مضحكا يدعو للبكاء.

لقد كرهت الخيول بسبب ذلك.


لكني أشعر اليوم بشيء مختلف, بتحسن وخفة بعد مرور أمراض الشيخوخة.. اشتقت لرؤية حصاني, قد لا تصدقون أن ظل الحصان رغم مرور تلك السنين ما زال يرافقني كصديق مخلص, أحسست برغبة في الركض وتحمست لممارسة الجري في هذا المساء, وظلي المميز الطويل مائل أمامي, يبدو جميلا, وحميمي, كنت عند جسر العبور فوق النهر الصغير حينما توقفت قليلا.. مشيت على الجسر فتوقفت مرة أخرى, ولكن الذي أرعبني أن ظلي لم يتوقف, ورفع قامتيه عاليا, ثم اندفع بعدها يعدو منطلقا كطائر محلق, حتى نهاية نظري, وكانت تلك آخر مرة أراه فيها.




للكـــاتب : مبارك الحمـــود

بتاريخ : 10 - 07 - 2011



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: مختارات من قصص منــــــابر
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مختارات من نزار قباني ريم بدر الدين منبر ديوان العرب 20 02-05-2021 11:15 PM
مختارات من الشعر النبطي ناريمان الشريف منبر ديوان العرب 17 12-13-2019 03:31 PM
مختارات من شعر طلال حيدر ريم بدر الدين منبر ديوان العرب 5 02-27-2011 11:23 AM
مختارات لمحمود درويش هند طاهر منبر ديوان العرب 2 12-22-2010 09:41 PM
مختارات من الشعر السويدي ريم بدر الدين منبر الآداب العالمية. 0 10-23-2010 11:31 PM

الساعة الآن 03:15 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.