قديم 03-11-2015, 09:19 PM
المشاركة 21
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
على موعد مع القادم .وننتظر بشغف ...سلم اليراع وسلمت قادحاً زناد الإبداع ......
مودتي
المبدع المثابر .. زياد القنطار
لن أتركك تنتظر كثيرا يا صديقى ..ولك أهدى حلقتين
وودى وتقديرى

قديم 03-11-2015, 09:22 PM
المشاركة 22
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الثاني عشر
_____________

وقف عبدالباسط مبهوتا، وهو يقلب بصره من حوله، بعد أن وصلوا إلى أطراف القرية الواقعة في أطراف إسنا، وفي بطن جبل يسمى بوادي الجن. شاهد الأراضي المحروق بها الأخضر واليابس، ولون السماء الأسود، ورائحة الهواء اللاذعة التي تحرق الأنوف والصدور..
وجد عبد الباسط والدكتور البنهاوي نفسيهما محاطين برجال ملثمين،
يحملون بأيديهم أسلحة نارية يهددونهم بها، اقتادوهم إلي خيامهم المنصوبة حول بئر مياة خارج حدود القرية المنكوبة.
حين وقع بصرشيخهم الكبير على الدكتور البنهاوي، تهلل وجهه في بشر مرحبا بالدكتور، وعادت الطمأنينة إلى وجه عبدالباسط، بعد اصفراره وهروب الدم منه ظنا منه أن هؤلاء من أعوان الملعون..
احتضن كل منهما الآخر في ود، وبادره الشيخ بالسؤال..
- ما الذي عاد بك يا شيخنا، بعد أن كدت تفقد حياتك..
أومأ البنهاوي برأسه في تجاه عبد الباسط، مجيبا..
- لقد حلت رحمة الله عليكم، وأرسل لكم جندي من جنوده المخلصين ليخلصكم من الملعون..
التفت الشيخ إلى عبدالباسط، محدقا به في تعجب ودهشة..
- أهذا الفتى الغر هو من سيخلصنا من هذا الملعون؟!..
فى صوت ملأه الحزن واليأس ..
- انظر جيدا يا سيدي إلى القرية والخراب الذي حل بها.. استمع إلى أصوات الفاسقين الفاجرين الذين تبعوا الملعون وآمنوا به.. انظر إلينا نحن الذين رفضنا اتباعه، تركنا القرية..
هنا، علا صوت عبد الباسط في نبرة قوية إيمانية رجت أركان المكان..


بسم الله الرحمن الرحيم..
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ
صدق الله العظيم..
ثم التفت إليهم مشيرا بكلتا يديه للجميع ..
-إذن أنتم عباد الله المخلصون، وليس له من سلطان عليكم، فثقوا بالله، وواجهوا الملعون بقلوب ثابتة وإيمان راسخ، فسيظل الشر إلى قيام الساعة، وسيدحره الحق ويهزمه في كل مكان وزمان.
هذا وعد الله لعباده المخلصين، وسيظل الله معهم وناصرهم..
صرخ الشيخ من قلبه مرددا..
- الله..الله.. يا شيخنا.. نحن معك وكلنا ثقة في الله. هيا يا رجال اذبحوا الذبائح، واقضوا واجب الضيافة لضيوفنا المباركين ببركة الله..
التفت إليهما:
- ضيافتكم عندي بداري بالقرية طوال إقامتكم، مهما طالت..
وغدا، تتقدمنا يا شيخنا لدخول القرية لتطهير أرض الله من نجاسة الملعون، وكلنا من ورائك..


قديم 03-11-2015, 09:27 PM
المشاركة 23
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الثالث عشر
_____________

تقدم عبد الباسط، وعلى يمينه البنهاوي، وعلي يساره الشيخ، وخلفهم باقي الرجال يتقدمون في تردد وخوف.. الجميع في رهبة ينظرون إلى عبدالباسط ليستلهموا منه القوة والعزم. عندما وصلوا إلى أطراف القرية، سمع الجميع أصوات الكلاب تنبح عاليا من جميع أرجاء القرية، متجهة نحوهم، مقتربة من مكانهم..
برزت الكلاب من كل صوب، نابحة بنباح ليس كالكلاب، بل نباح يزرع الخوف والرعب في قلوب أعتى الرجال وأشجعهم، وبصورة ليست كصورة الكلاب، بل كأقبح الوحوش وأشرسها، يخرج الزبد الأخضر من بين أنيابها البارزة،عيونها الحمراء بلون الدم يتطاير منها الشرر..
تجمعت هذه الوحوش الشيطانية أمامهم، تكشر عن أنيابها استعدادا لنهش أجسادهم.. تراجع الرجال مهرولين فارين فزعا وخوفا؛ إلا عبد الباسط والبنهاوي والشيخ، الذين أغمضوا أعينهم، وأخذوا في قراءة الشهادتين..
رجلان وقفا خلفهما في تردد.. يتقدمان خطوة ويتقهقران خطوة..
نظر عبد الباسط إليهما في اندهاش، فأخرجه من دهشته رد الشيخ..
- هذان زوج الفتاة وأبوها..
ابتسم لهما عبدالباسط في بشاشة وود..
- أطمئنا وثقا في الله.. وبإذن الله سترد إليكما وديعتكم..
استدار عبد الباسط مواجها لزبانية الملعون.. حدق في عيون الوحوش الحمراء بلون الدم.. قلب بناظريه فيها، محدقا في عيونها بثبات وحدة وغضب.. رأي الهالة السوداء المحيطة بأجسادها، فتذكر كلام أبيه، وأخذ يردده..
"سيهديك الله سواء السبيل، فثق بالله، فأنت من جند الله وستحميك هالتك"..
تقدم بخطوات واثقة ثابتة نحوها، محدقا في عيونها.. وكلما اقترب منها ازداد نباحها شراسة، وبرزت أنيابها وازداد الزبد الأخضر اندفاعا من أفواهها، متحفزة لنهشه ..
والبنهاوي والشيخ والرجلان ينظرون إليه في ذهول، تسمرت أقدامهم بالأرض، والرعب يكسوا وجوههم. ركع عبدالباسط على ركبتيه، ملأ كفيه بحفنة من تراب الأرض، ووقف وهو يطوح كلتا يديه في الهواء، ناثرا التراب على وجوهها، صارخا من شغاف قلبه، وبصوت قوي كلة ثقة وإيمان..
"وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ"..
بُهت الجميع، عندما رأوا الكلاب وقد عادت إلى هيئتها، وتسمرت في مكانها دون حراك، وتوقفت عن النباح المسعور.. وصمت المكان كصمت القبور في الليل البهيم..
مر عبدالباسط بينها، وهو يربت على رؤؤسها في حنان، والكلاب تقبل بلسانها يديه وقدميه، حتي تخطاها ووقف خلفها..والتفت إليهم مبتسما ليدخل الطمأنينة إلى قلوبهم ثم أشار إليهم أن يتقدموا،
فتقدم البنهاوي والشيخ والرجلان، وهم في حالة ذهول بما رأوه، أقدامهم تصطك بعضها ببعض.. وعلامات الفزع والرهبة بادية علي وجوههم وهم يمرون وسط هذه الوحوش الشيطانية، دون أن تراهم أو تلتفت إليهم..
وواصلوا المسير خلال طرقات القرية، متجهين إلى دار الشيخ..


قديم 03-13-2015, 06:22 PM
المشاركة 24
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الرابع عشر
____________

ثلاثة أيام قضاهم عبدالباسط في ضيافة الشيخ، تفقد خلالها ما آلت
إليه القرية من دمار وبؤس، وخراب في الذمم والضمائر.. ما هاله وأثار غضبه هذا الفُجر الفاضح، ففتيات القرية الصغيرات تقفن شبه عاريات أمام دورهن يعرضن أنفسهن لمن يدفع الثمن.. الغش في البيع والشراء.. جحود الأبناء لآبائهم.. السرقة وبلطجة القوي على الضعيف..
رأى بأم عينه ما فعله الملعون في أرض الله، وما عاثه من فساد.. التفت للبنهاوي والشيخ وقد تبدلت ملامح وجهه..
- لقد ضاق صدري بما رأيت.. دلني يا دليلي على مكمن الملعون.. الآن..
في رجاء رد عليه البنهاوي..
- أصبر يا بني حتى تسترد كامل قوتك..
- لم يعد في قوس الصبر من منزع.. الملعون نازع الله في ملكه وعاث فيه فسادا..
أما سمعتم الحديث القدسي عن رب العزة:
"العزة ردائي والكبرياء لساني.. من نازعني فيهما قطمته ولا أبالي"..
في هذه اللحظة، فوجئ الجميع بأهل القرية يحيطون بهم في دائرة، وبوادر الشر على وجوههم. تقدم نفر منهم، وأبعدوا الشيخ والبنهاوي وزوج الفتاة وأباها. وأصبح عبدالباسط وحيدا محاطا بزبانية ومريدي الملعون ومن اتبعوه. تقدم رجل منهم، وحاول أن يضع ابتسامة ودودة على وجهه قائلا:
- ماذا تريد يا بني من سيدنا؟ وما الفائدة التي ستعود عليك؟ إذا كنت تريد مالا، جمعنا لك من المال ما أغناك عمرك.. أما إذا كنت تروم جاها وسلطان، حكمناك علينا وأصبحت الآمرالناهي فينا..
أومأ الرجل برأسه لبعض الفتيات الجميلات الصغيرات، فأحطن بعبدالباسط وهن شبه عاريات في محاولة لإغرائه، فدفعهن في غضب وقوة، غاضا لبصره عنهن، فصاح الجمع المحتشد من حوله في غضب، وضاقت الدائرة عليه..
فجأة.. برز رجال ملثمون يطلقون الرصاص في الهواء، يقتحمون الدائرة، ويحيطون به لحمايته، ففر جميع من كان يحيط به في خوف ورعب.. أرادوا اللحاق والفتك بهم ولكن منعهم عبدالباسط وشكرهم ، وهنأهم على ثقتهم بالله واقتحامهم القرية وعودتهم لإيمانهم وقتل الخوف بنفوسهم من الملعون وأتباعه،
وأخذ يخطب فيهم بأن هؤلاء العصاة ما هم ألا أهلهم وعشيرتهم الذين ضلوا عن طريق الحق وغواهم الملعون، ويجب أرشادهم إلى طريق الهداية والتوبة، وأن الله ما أرسله فى مهمته تلك،ألا لينقذ أرواحهم التى ضللها الملعون بوسوسته وغوايته .. وإخراجهم من غيهم وضلالهم الذى وقعوا فيه ،
وعودتهم لطريق الحق ،وأن الله سوف يغفر لمن تكون توبته نصوحة ،
بعدها اتجه الجمع إلى البيت الذي يقبع فيه الملعون ابن الملعون، ينشر منه شره وخرابه ويعيث فسادا في أرض الله ،يتبعه أهل القرية جميعا
سار عبدالباسط في طريقه في عزم وإصرار.. لكن فجأة، انتابته قشعريرة ورعدة في جسده، وكأنها ذبذبات تستقبلها هالته! رفع عينيه،
فوقع بصره علي بيت يحوطه ضباب أسود اللون، يكاد أن يخفيه، تعلوه سحابة سوداء داكنة كسواد الليل البهيم ..
وقف في صمت يحدق في البيت.. التفت للحشد وراءه قائلا..
- انتظروني هنا، فسأدخل وحدي..
تقدم منه البنهاوي، وفي عزم..
- أنا لا أستطيع تركك تدخل وحدك، فأنا دليلك حتى تتم مهمتك.. وهذه مهمتي.
طلبا من الشيخ أن ينتظر في الخارج، فتناول الشيخ يد عبد الباسط في رجاء وتوسل..
- أُقَبل يدك يا شيخنا ألا تحرمني من أكون من جند الله المخلصين
- حتى لوكانت حياتك هي الثمن؟
- حتى لو كانت حياتي هي الثمن..
- شريطة ألا تتدخل بشيء، وتثبت قلبك وإيمانك وتثق في الله.. توكلنا علي الله القادر الجبار على كل جبار..
أحاط أهل القرية جميعا بالبيت، حتى أتباع الملعون، ينتظرون في شوق ولهفة نتيجة المواجهة الحاسمة..
بين أمير الشر الأسود ..وابن إبليس اللعين ..
وبين جند من جنود الله ..




لقاؤنا القادم مع الفصل الأخير ..

قديم 03-15-2015, 10:33 AM
المشاركة 25
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الخامس عشر
______________

تقدمهم عبد الباسط بخطوات ثابتة، يتبعونه بخطوات مرتعشة ووجوه مصفرة.. تنافر من حول جسده الضباب الأسود، عندما لامس جسده وهالته، وفتح ممرا ممتدا حتى باب الدار.. دخل إلى صحن الدار، يتبعه الشيخ والبنهاوي، ووقف يقلب بصره في أرجاء المكان الصامت صمت القبور ..
رأى أمامه ثلاثة أبواب، فالتفت إليهم متسائلا عن أي الأبواب يكمن خلفه الملعون.. أشار البنهاوي إلى الغرفة المكبلة بها الفتاة في سريرها.. هنا، واجههم في حزم، وصوت لا يقبل الرفض..
- هنا انتهت مهمتكم..
توجه عبد الباسط إلى الغرفة بخطوات ثابتة.. فتح باب الغرفة، وأغلقه وراءه.. أخذ يقلب بصره في الغرفة، باحثا عن الفتاة المكبلة بسريرها..
بُهِتَ عندما لم يجد الفتاة على سريرها، بل وجد بدلا عنها أباه.. تهلل وجهه في فرحة غامرة، حين رأى أباه جالسا على السرير، مرتديا عباءته، ماسكا سبحته العاجية يسبح عليها، كما كان يراه في غرفته ببيتهم.. جري عليه فرحا، فأوقفته إشارة من يده قائلا..
- قف مكانك واسمعني جيدا، وأطعني دون جدال.. وقتي قليل معك..
في حبور وسرور رد:
- كلى آذان صاغية..السمع والطاعة لك يا أبي..
- لقد أعفاك الله من مهمتك وهو راضٍ عنك، وجعلني أقوم أنا بها بدلا منك، وبعون الله وأمره طردت الملعون ابن الملعون من هذه الأرض، فعد من فورك إلى أمك وأبلغها سلامي.. الآن دون تباطؤ..
- سمعا وطاعة يا أبي..شكرا لله على أن جعلني أراك، وأتم المهمة على يديك..
تراجع عبد الباسط بظهره ليغادر الغرفة، وهو يحدق في أبيه في حب، والفرحة تغمر وجهه بإتمام المهمة علي يد أبيه، وهو على قناعة أن أباه فعل ذلك حبا له وخوفا على حياته.. اقتحم البنهاوي الغرفة صارخا..
- اهزمهم وانصرنا عليهم يا الله.. اهزمهم وانصرنا عليهم يا مالك يوم الدين.. لا يخدعنك هذا الملعون.. تذكر كلام أبيك لك بالمقبرة، سيدلك دليلك.. وهذه آخرمرة تراني فيها. هذا ليس بأبيك، بل هذا من كيد الملعون ابن الملعون، وإن كيد الشيطان كان ضعيفا..
انغلق باب الغرفة بقوة، محدثا دويا هائلا، واختفى الأب، وظهرت الفتاة المكبله بالسلاسل، وهي تزوم بأصوات مخيفة، والزبد الأخضر يخرج من فمها بغزارة. نظرت إلى البنهاوي بعينين يتطاير منهما الشرر الأحمر الناري، وحركت أصبعها إلى أعلى، فطار البنهاوي في فضاء الغرفة، ثم حركتها بسرعة في اتجاه الحائط، فأرتطم جسده بشدة في الجدار، ثم حركتها في اتجاه الحائط المقابل، فطار جسده وارتطم به.. تهشم رأس البنهاوي تماما، وانفجر الدم من رأسه، وتناثر في أرجاء الغرفة، وسقط جسده على الأرض مفارقا الحياة..
تنبة عبدالباسط، واستعاد رباطة جأشه التي فقدها للحظات.. ركع علي ركبتيه صارخا في قوة وإيمان..
- اهزمهم وانصرنا عليهم يا الله..اهزمهم وانصرنا عليهم يا مالك يوم الدين..
صرخت الفتاة صرخة مدوية، اهتزت لها أركان المكان.. سرت صرختها في جميع أرجاء القرية، تحطم على أثرها زجاج نوافذ الغرفة وتطاير في أرجائها.. كان الزجاج يتساقط أمامه دون أن يمسه.. رفعت الفتاة أصابع يدها لأعلى، فطار أثاث الغرفة في الهواء، وأخذ يحوم حوله دون أن يمسه.. أشار بيده إلى الفتاة، وفي صوت قوي:
- أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.. بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله.. بسم الله توكلت على الله واستعنت بالله واعتصمت بالله واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله.. وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير..
حسبنا الخالق من المخلوق.. حسبنا الرازق من المرزوق.. حسبنا الرب من العباد..
ثابت هو، دون توقف، في عزم وأصرار، والفتاة تصرخ عاليا لتغطي على صوته. مواصلا في إصرار:
- حسبنا الله وكفى.. سمع الله لمن وعى.. يا ودود يا ودود.. يا ذا العرش المديد.. يا فعال لما تريد.. نسألك بعزك الذي لا يرام..وملكك الذي لا يضام..وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك..
هنا ارتفع صوته وهز أركان المكان..
- أن ترد أذى الشياطين.. اهزمهم وانصرنا عليهم..اهزمهم وانصرنا عليهم.. شاهت الوجوه فانصرنا عليهم..
ارتفع السرير في فراغ الغرفة، واعتدل على حده، مقتربا منه..
رفعت الفتاة رأسها إلى أعلى..
بدأت رقبتها تطول وتطول، ثم تلف في نصف دائرة، مقتربة من وجه عبد الباسط، وهو علي حاله، و قد بدأ صوته يعلو على صوتها..
عندما تقابل وجه الفتاة ووجهه، صرخ فيها:
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ
شاهت الوجوة فاهزمهم وانصرنا عليهم..
فتح عينيه، وأخذ يحدق في عينيها في قوة و ثبات، فوجد في كل جفن من جفنيها عينين،عين عسلية اللون، والأخرى حمراء بلون النار..
بدأ الضعف والوهن يسري في جسد عبد الباسط، ودقات قلبه تتسارع.
شعربجدران الغرفة تدور من حوله من التعب والإرهاق والضغط العصبي الذي تعرض له.. هنا سمع صوت الملعون في عقله يخاطبه..
- ألا تعرف أنك بمواصلة تلاوتك للقرآن تحرقني، وتخالف بهذا عهد الله لأبي إبليس بإمهاله ليوم النفخة العظمى ويوم تبعثون، وهذا العهد له ولذريته؟..
استجمع قواه رادا عليه..
- بل أنت وأبوك من خالفتم العهد بوجودك المادي على أرض الله، فمهمتك أن توسوس لضعاف النفوس وقليلي الإيمان.. تزين لهم سبيل الشر بالوسوسة إليهم وتدعهم هم من يخربون ويعيثون فسادا في الأرض، وحسابهم عند الله في يوم البعث العظيم، والذي سيكون نهاية شر إبليس وشرك ومن اتبعوك من العاصين، و قد كان هذا عهد الله مع الملعون أبيك إبليس.. ولكن بمخالفتك للعهد، حق عليك الحرق، ومهمتي إخراجك وطردك من أرض الله، وليس حرقك، فأخرج من فورك وإلا أحرقتك..
- إذًا دعني أخرج من رأسها..
- لا تخرج من رأسها..
- سأخرج من عينيها..
- لا تخرج من عينيها..
- سأخرج من رحمها..
- لا تخرج من رحمها، فتنجسها بنجاستك..
- من أين إذًا تريدني أن أخرج..
- اخرج من إصبع قدمها الأصغر لقدمها اليسرى، وغادر الأرض ولا تعد مرة أخرى، وألا ستُحرق..
وانفجر إصبع الفتاة الأصغر لقدمها اليسرى..
بعد أن عادت رقبتها لمكانها، عاد أثاث الغرفة كل في مكانه..
وعندما طرق أذنه صوت بكاء الفتاة. نظر إليها، ورأى توقف خروج الزبد الأخضر من فمها..
عندها شعر بالغرفة تدور به، واستسلم جسده، وسقط مغشيا عليه..


الفصل الأخير
_________

كَبر أهل القرية جميعا من مؤمنين وعصاة..
الله أكبر..الله أكبر..
ومن شغاف قلوبهم المكلومة، بعد أن انزاح من على صدورهم هذا الشر الأسود، انقشع الضباب الأسود، واختفت السحابة السوداء من فوق الدار المنكوبة.. تبدل الهواء الذي كان يحرق الأنوف والصدور إلى هواء ريفي عليل، واقتحموا البيت مُكبرين مهللين..
كان أول من اقتحم البيت هو زوج الفتاة وأبوها، فحطما باب الغرفة، وحررا الفتاة من قيودها ..
جلس الشيخ إلي جانب عبد الباسط الفاقد للوعي، واضعا رأسه على حجره، وبكى بحرارة محتضنا إياه، وهو يمر بيده على شعره، الذي ابيضت خصلاته.
دخل بعض عجائز القرية، وستروا جثة البنهاوي برداء أبيض ، وقرر أهالي القرية بناء ضريح للبنهاوي، جعلوه مقاما ومزارا ليتباركوا به..

وسيظل الصراع بين جند الله وإبليس وذريته إلى أن يرث الله الأرض
وما عليها..

تمت بحمد الله

قديم 03-16-2015, 04:39 AM
المشاركة 26
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
مبارك لحرفك إنجازه أستاذ رضا ,سررنا برفقته ,وأرجو له مزيداً من الألق والإبداع ,هذا مرور للتحية والمباركة .ولي عودة إن شاء الله إلى روض حرفك ,لمناقشة تفاصيل العمل .
مبارك مرة أخرى ,,خالص الود

هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 03-18-2015, 01:09 AM
المشاركة 27
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ رضا الهجرسي.
عمل أدبي يستحق التقدير ,ومفردة سردية وافية ألبست الفكرة ثوباً ضافياً ,ولغة سلسلة استعذبتها الذائقة خلت من التقعير والإبهام ,في الفكرة اشتغال على الإرث العقيدي للمتلقي بمسوغات الإيمان والغيبية المساندة التي تدخل في عمق إيديولوحية البناء النفسي والعقائدي والتي لاتحتمل إلا التسليم ,وهذا ماجعل من وجهة نظري سير العمل الروائي ضمن المتوقع والتسليم بالنهاية التي لا يمكن إلا أن تكون كما كانت في نهاية العمل , وهذا أيضاَ جعل التشويق رغم الحرص على نهايات للمقاطع فعلت فعلها في شد القارئ للمتابعه لكن على خلفية تفاصيل الأحداث وليس الخاتمة المسلم بها منذ الحرف الأول لهذا العمل ,وبهذه أيضاً مساحة ضيقة لحالة الترقب في ذهن القارئ ,حيث أن العمل طعّم بآيات من الذكر الحكيم أخذت القارئ إلى حيث انتصار لايمكن أن يساوره الشك به .
في العمق .
شخصيات العمل بدت غير مؤثرة وإنما تعمل بدافع التأثير الذي لا خيار آخر لها فيه ,ومحاولات الشيطان على الطرف الآخر المتجسد في شخصيات ثانوية لم يكن دورها باعثاً لقلق يعتري المتلقي ,فكان التدخل على الجهة الأخرى سريعاً خاطفاً وكأني بمن تابع بمأمن ألا يحييد البطل عن مهمته لأسباب تتعلق بحتمية انتصار الخير , واكتفى بأن يجلس منتظراً حلاً سريعاً بتدخل البنهاوي لحل المعضلة ,ووجهة نظر في شخصية البنهاوي كان يمكن أن يؤخر انكشافها ,بتوقع أن تأخير انكشافه كلن سيخلق الكثير من التساؤلات في ذهن المتلقي بحثاً عنه وعن مهمته ..
نهاية .
أنا لا أدعي الوقوف ناقداً على هذا العمل الرائع ,وإنما أسجل ملاحظات بوجهة نظر قارئ ربما كان يبحث عن دهشة وافية ,استطاع غيره تلمسها بقراءة أخرى وزاوية رؤية مغايره ,,لك دائماَ خالص التقدير وكم يسعدني تتبع هذا الحرف وإبداعه والذي سأبقى حريصاً أن أترع كأس الذائقة من نضحه العذب ..خالص ودي وتقديري

هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 03-19-2015, 04:19 PM
المشاركة 28
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ رضا الهجرسي.
عمل أدبي يستحق التقدير ,ومفردة سردية وافية ألبست الفكرة ثوباً ضافياً ,ولغة سلسلة استعذبتها الذائقة خلت من التقعير والإبهام ,في الفكرة اشتغال على الإرث العقيدي للمتلقي بمسوغات الإيمان والغيبية المساندة التي تدخل في عمق إيديولوحية البناء النفسي والعقائدي والتي لاتحتمل إلا التسليم ,وهذا ماجعل من وجهة نظري سير العمل الروائي ضمن المتوقع والتسليم بالنهاية التي لا يمكن إلا أن تكون كما كانت في نهاية العمل , وهذا أيضاَ جعل التشويق رغم الحرص على نهايات للمقاطع فعلت فعلها في شد القارئ للمتابعه لكن على خلفية تفاصيل الأحداث وليس الخاتمة المسلم بها منذ الحرف الأول لهذا العمل ,وبهذه أيضاً مساحة ضيقة لحالة الترقب في ذهن القارئ ,حيث أن العمل طعّم بآيات من الذكر الحكيم أخذت القارئ إلى حيث انتصار لايمكن أن يساوره الشك به .
في العمق .
شخصيات العمل بدت غير مؤثرة وإنما تعمل بدافع التأثير الذي لا خيار آخر لها فيه ,ومحاولات الشيطان على الطرف الآخر المتجسد في شخصيات ثانوية لم يكن دورها باعثاً لقلق يعتري المتلقي ,فكان التدخل على الجهة الأخرى سريعاً خاطفاً وكأني بمن تابع بمأمن ألا يحييد البطل عن مهمته لأسباب تتعلق بحتمية انتصار الخير , واكتفى بأن يجلس منتظراً حلاً سريعاً بتدخل البنهاوي لحل المعضلة ,ووجهة نظر في شخصية البنهاوي كان يمكن أن يؤخر انكشافها ,بتوقع أن تأخير انكشافه كلن سيخلق الكثير من التساؤلات في ذهن المتلقي بحثاً عنه وعن مهمته ..
نهاية .
أنا لا أدعي الوقوف ناقداً على هذا العمل الرائع ,وإنما أسجل ملاحظات بوجهة نظر قارئ ربما كان يبحث عن دهشة وافية ,استطاع غيره تلمسها بقراءة أخرى وزاوية رؤية مغايره ,,لك دائماَ خالص التقدير وكم يسعدني تتبع هذا الحرف وإبداعه والذي سأبقى حريصاً أن أترع كأس الذائقة من نضحه العذب ..خالص ودي وتقديري
المبدع الواعى .. زياد القنطار ..
سعدت جدا بتحليلك وقراءتك العميقة للرواية ..
وودى وتقديرى لعقليتك المتفتحة لأننى كنت مترددا جدا لعرضها لصعوبة الموضوع ..


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الهالة و الملعون .. رواية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضاءات المكان في رواية الملعون المقدس، بقلم: محمد فتحي المقداد محمد فتحي المقداد منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 5 12-18-2023 07:58 AM
رواية رديئة محمد عبدالرازق عمران منبر مختارات من الشتات. 4 02-24-2012 05:49 PM

الساعة الآن 06:32 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.