احصائيات

الردود
2

المشاهدات
19915
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
09-27-2014, 11:07 PM
المشاركة 1
09-27-2014, 11:07 PM
المشاركة 1
افتراضي تحليل رواية "نساء بلا ذاكرة" للقاصة هدى درويش، بقلم الناقد: عبد المجيد جابر
العنوان: " نساء بلا ذاكرة "
نساء: خبر مرفوع لمبتدأ محذوف تقديره "هنّ" وشبه الجملة "بلا ذاكرة" في محل رفع صفة، ففي العنوان انزياح بالحذف.
نعود لتفحص معنى العنوان و"يمثل العنوان العبارة المفتاحية للنص، مهما كان النوع الأدبي، سواء كان قصة أو شعراً أو رواية أو مقالة، فالعنوان هو أول ما يفاجئ القارئ، وعليه فإما أن يجذب القارئ أو يبعده، أو يبقيه على الحياد مع نص قد يكون غنياً أو عادياً، إضافة لما في العنوان من دلالات معرفية ذات أبعاد مختلفة الأطياف، تكشف عن ثقافة صاحب النص، وغوصه في المكنون الفكري الذي يستلهمه أو يعيشه أو ينتظره، من الماضي والمعاش إلى الحالة المستقبلية، لذا أولى النقاد مسألة العنوان أهمية كبرى، وكانت له مكانته في الدراسات النقدية النصية(1).
والنساء في اللغة: جمع امرأَة من غير لفظه .(المعجم: المعجم الوسيط)، وذكرت القاصة "نساء" وهو اسم نكرة تفيد العموم والشمول، ولقد اتكأت القاصة في موضوعها على تجاربها الشخصية، متناولة، قضية المرأة في الجزائر خاصة وفي الوطن العربي عامة، متغلغلة في خبايا النفس البشرية وسلوكها وأهوائها، وعلى تجارب الآخرين: متناولة المجتمع بالنقد والتحليل، واستندت على ثقافتها متناولة موضوعات فكرية وفلسفية، وفي العنوان تناص يتقاطع من اسم قصيدة لغادة السمان بعنوان "عاشقة في مدن بلا ذاكرة" وعند استعادة المرأة لذاكرتها -أي لتاريخها وما حوى من أحداث- نعتمد في المقام الأول على سلاسل طويلة من العلاجات النفسية والدروس والمحاضرات والحكايات، وقد لا تنجح، فالفعل متغلغل في اللاشعور.
أجزاء الرواية:
والرواية تتضمن ثلاثة أجزاء
الأول: نصف حياة.
ويتضمن معاناة وهيبة بطلة القصة مع زوجها عبد القادر وقهره لها، وموته، وحبها الأول لسليم وسفرة والتقائها به صدفة في سوسة وزيارتها هناك لصديقتها حياة ومعايشتها لطلاق صديقتها من زوجها منصف.
الثاني بعنوان "قيثارة الحب".
وفيه تلتقي وهيبة بمن أحبت وهي صديقتها أوديت في باريس، وتشهد رحيل خالد عن باريس للجزائر، وهي من أحبته بصدق في شبابها، وحصول حادث سير ماتت على إثره أوديت وأصيبت فيه وهيبة، وتلتقي وهيبة بزياد الذي أحبها وأحبته بصدق، حيث يرافقها في المستشفى قبل أن تتعرف عليه، وتحس بحبها له في باريس، ويركز هذا الجزء على كيّ شعور المرأة، وأن الأهوال والأحداث تجعلها تعيش في اللاشعور، وقسوة معاملة المرأة تجعلها تعيش فاقدة للذاكرة.
الثالث: حكاية روز:
تتقصى وهيبة ظروف روز لتتعرف على عالمها الخاص، وفيه تتم زيارتها، وتستغل وهيبة حصول حادث سير لروز، وتسرع لمرافقتها والعناية بها في المستشفى، وتكسب ثقتها في نهاية المطاف، فكان لديها رغبة لتقصي أخبارها والكتابة عتها، وتدرك أن هذه المرأة الفنانة قد قاست الويلات في طفولتها، فبينهما وجه شبه كبير، حيث عانت روز اليتم وعاشت في كنف عمها، وبعفويتها تعجب بأستاذها الجامعي ويفض بكارتها ويهرب عنها، وتحمل منه بعد أن وثقت به، وتعاني من جراء ذلك الكثير الكثير، فتصبح سهلة الصيد لرواد الشوارع والبارات والحانات، وتترك طفلها عند عجوز، وبعد سنين من عبث العابثين بمشاعرها وكرامتها، تحاول الرجوع لوليدها الذي كبر ودعاها للعودة إليه وأنه سيسامح لها فعلتها،...تعود لتجد أن العجوز التي ربّته قد ماتت، وأن الغلام بعدها قد انتحر، فتفقد روز رشدها وتعيش بلا ذاكرة.
وفي مستهل الرواية تهدي القاصة عملها قائلة:
_ إلى كلّ امرأة أوجدتها الحياة بين حكايات القدر وحملتها موجات الأيام تائهةً بين المرافئ...
من يومها وأنا على مكتبي أحاورُ الورق؛ لأجلي
لأجلها...لأجلكِ...لأجل كل أنثى لم تولد بعد...
من يومها و كل بهجة من بين ضلوعنا ترحل...
إلى كل من تذكرهم هذه الرواية بصفات إيحائية...
إلى العذبة "ماريا دال بيلار" التي أهدتْ كتاباتي صورة بلا ذاكرة...
واقع الرواية:
وتصنّف رواية: " نساء بلا ذاكرة " ضمن الروايات الواقعية، فهي تستمدّ أحداثها وشخصياتها من الواقع، فهي تنقل بصورة درامية أحداثاً قد تحدث ويتقبَّلها العقل على أرض الواقع، وتعتبر هذا الرواية رصداً اجتماعيا شيقاً لبعض جوانب اجتماعية في الجزائر خاصة والوطن العربي عامة، وتحاول القاصة إلقاء الضوء عليها ووضع حلول لها من خلال تفاعل شخصيات الرواية مع بعضها البعض، ومن مميزات روايتنا هذه: سهولة الرصد الدرامي للحدث الاجتماعي داخل الرواية، وقربها الشديد من الواقع حيث يلمس القارئ بعض الأحداث التي من الممكن جدا أن تكون قد حدثت معه، وهي تصف ظواهر اجتماعية متشابه إلى حد كبير مع الواقع الذي نعيشه.
والآن وقفة مع عناصر الرواية، وأهمها:
1- الشخوص:
هي التي تشكل بتفاعلها ملامح الرواية, وتتكوَّن بها الأحداثُ, لذا فعلى الروائيّ أن ينتقيَ شخوصَ روايته بحكمة بحيث يجعل الشخصية المناسبة في المكان المناسب و "تعد الشخصية عنصرا أساسيا في بناء الرواية، فهي تعبر عن دور الإنسان في الحياة، فلا يمكننا أن نفهم منظومة الكون والحياة والطبيعة إلا من خلال رؤية الإنسان و ذات الإنسان"(2)
ويمكن تقسيم الشخصيات من حيث الدور الذي تقوم به إلى:
شخصيات رئيسة:
و"قد ألف النقاد أن يطلقوا على هذه الشخصية مصطلح "البطل" ويعنون به الشخصية الفنية التي يسند القاص إليها الدور الرئيسي في عمله القصصي، ويعني أحمد منور بشخصية البطل، الشخصية الفنية التي تستحوذ على اهتمام القاص، وتمثل المكانة الرئيسية في القصة، وقد تكون سلبية، كما تكون إيجابية، أو متذبذبة بين هذه القصة وتلك، قد تكون محبوبة، أو منبوذة من طرف القارئ، المهم أنها تمثل المحور الرئيسي في القصة والقطب الذي يجذب إليه كل العناصر الأخرى ويؤثر فيها(3).
والشخصية الرئيسة قد تكون واضحة يمكن معرفتها بسرعة كما في روايتنا هذه كشخصية وهيبة، وقد تكون صعبة التمييز, وفي هذه الحالة تحظى بالمركزية الشخصية المؤثرة على باقي الشخصيات.
ومن الشخصيات الرئيسة في الرواية:
وهيبة، وعبد القادر زوجها، وحياة صديقة وهيبة وروز وإيديت وزياد.
وتمثل الشخصيات الرئيسة:
شخصية وهيبة:
تمثل المرأة المتعلمة الممتهنة كرامتها من الرجل، مجروحة الجوانح من رجل مستبدّ، يعاملها بأسلوب الاحتقار والإهمال، وجاء في الرواية: "فكم من شخص في حياتها يا ترى حضر مواقفها المريبة مع عبد القادر... لم يعطها يوما قيمة الزوجة، ومن هذه المرأة التي مهما كانت صبورة ترضى على نفسها ألا يشاركها زوجها أيّ قرار؟ ومن المرأة التي تعايش تجارب الخيانة ودلائلها كل يوم وتسكت؟ ومن الأنثى التي ترضى في حقها الإهانات الجارحة والمفردات المتطايرة غير اللائقة في التجريح المتعمّد والإذلال؟ كل هذا تحملته وهيبة لا لشيء سوى لأنها تتحمل نتائج الزواج المدبّر بين اثنين من أشرف العائلات الوهرانية وأشهرها على الإطلاق ... من تلك الأنثى التي تكتم داخلها صرخة الضياع ولا تتكلم إلا بصمتها المنشود أمام كدمات وجهها اليومية التي تصارعها بأفتح ألوان الكريمات والماكياج ؟ لا لشيء سوى لأن محافظة العائلات بعضها خصوصا في مجتمع التسعينيات الجزائري الذي يكون فيه آخر يوم رسميّ للمرأة في بيت أهلها هو يوم زفافها ولا تعود له بعد ذلك سوى زائرة خفيفة الظل غالبا وبرفقة زوجها"
وتقول وهيبة ترثي نفسها من زوجها المستبد:
"...دخلتُ مكتب زوجي لأول مرة، وكم هذا غريب! لم أكن أدخله إلا لتنظيفه أو لترتيبه تحت نظرات عبد القادر الساحقة، التي جرّدتني من أنوثتي ومن ثقافتي وجعلتني راضية بأن أحاصر نفسي في صورة المرأة العادية جدا, بل في صورة خادمة ما لها من خيار سوى طاعة الأوامر وتنفيذها ... فمصيبتي الأولى أنني ارتبطتُ به وغيّرتُ نفسي، وأعترف بأنني كنت ضعيفة جدا، واستسلمتُ لقدري معه ...ومصيبتي الثانية، أنه اليوم قرّر السفر بعيدا عني وتركني تائهة في نمط حياة اعتدتُ عليه، ولكنني لم أقتنع به يوما، وبذلك كان همي ّالوحيد هو البحث عن الحرية, الحلم الكامل الذي لم أظفر به يوما في وجوده".
وتستمر في بكاء حالها:
"... وسوف اكتب ... لم يترك لي عبد القادر في حياتي شيئًا سوى الكتابة أو لقب أرملة الكولونيل، الذي كان يزن وزنًا كبيرا تلك الأيام في الجزائر, تركتُ بلادي تشتعل ووهران شاحبة مليئة بالخوف، تركتها آملة لحظة الخروج منها أن أعود إليها أو لا أعود، و أنْ اسمع عنها على الأقّل أنّها أصبحتْ بخير".
وتسرد حكايتها غير مأسوفة على زوجها:
"شعري متناثر على كتفي بألوانه البنية اللامعة تحت شفق الانتظار، تداعبني نسمات البحر ونغمات الحنين، بينما كنت أستحضر مدينة سلبني فيها عبد القادر عذريتي وكرامتي, وضع يده على معطفي".
قصة الحب الأول لوهيبة:
وهذه تبين مزاجية الرجل الذي يبدي حبه ويتخلى عنه بسهولة من أجل المال والسفر للخارج، فتقول:
"وماذا عني, هل عودة سليم لي تحمل في طياتها نبل الحنين ...؟ ولكن ما الذي يجعل رجلا يفي لهذا الحب المضمحل وسط شقراوات بروكسل وستراسبورغ ...؟ لقد عاد إلي متزوجا طالبا مني الرجوع، والحل بسيط جدا سوف يتخلى عنها مقابل ذلك ...فكرتُ مليّا بقلبي فوافق... بأنوثتي فوافقتْ... بروحي التي ما زالت تحتفظ بجراح عبد القادر فوافقتْ أن أعود لحب مضى ليمحو كل الآثار والآلام، ولكنني عندما فكرّتُ بعقلي و مبدئي كلاهما رفض... كيف أرضى لامرأة أن يكون مصيرها كمصيري تمام.
ندب وهيبة حظها خاصة وحظ المرأة الجزائرية عامة، وهي تمثل مأساة المرأة كما في الجزء الثاني وهي قي المستشفى: "الكلّ في هذه الحياة في عناية مركزة، ليس لأحد أن ْيدّعي أنّه بخير ... لكلّ منّا عُقَدٌ وعقبات وأفراح ونزوات ودمع وابتسامات هكذا علمتني الحياة"
شخصية أم وهيبة:
وهي امرأة مثلها تماما (مثل وهيبة) عايشتْ أقدارا مدبرّة ومرسومة من طرف أناس آخرين، حيث ربّاها عمها وزوجته التي من كثر ما ذاقت بها ذرعا لم تتردد في التأثير على زوجها بأن يُزوّجها أول خاطب يدق الباب, فهل لها أن تفهم.."
تخشى دوما على ابنتها من الطلاق ويمثل ذلك قولها مخاطبة:
"ما قلتلكش_ بعيد الشر_ تعرفين وردة بنت الجيران ...تطلقّتْ من زوجها البارحة ..."
وقول أم وهيبة لابنتها ناصحة لها بأن تبقى زوجة لوحش مستبد خير لها من الطلاق- وكأن الطلاق مصيبة كبيرة لا تُغتفر في المجتمع الجزتئري:
_ "الحمد لله لا ينقصك شيء في بيتك لأذهب أنا الآن".
شخصية عبد القدر:
تمثل شخصية الزوج الأناني المستبد والجنرال الجزائري بعقليته العسكرية في بيته، الذي لا يراعي مشاعر المرأة ولا مشاعر أهلها، لا يعرف احترامها ولا يسلك مسلك اللين معها، سلاحه إيذاء الروح والجسد، ودليل ذلك قول وهيبة فيه حتى بعد موته:
"حيرّني وجوده ودوخّني غيابه، شكّكني في انتمائي وفي نوايا نفسي المقهورة ... وشّككني في كل من حولي بقسوته ومرارة العيش معه, وها هو اليوم شبحه يطاردني في حضرة الغياب، ويواصل تحويلي إلى إنسانة أخرى... ما عدت أعرفها... ما أصعب جنس الرجال! إنْ أحببناهم تحوّلوا، واِنْ كرهناهم تحوّلنا وانصهرتْ ذواتنا في قالب غريب الشكل والمحتوى ..."
شخصية حياة صديقة وهيبة:
تمثل شخصية المرأة المتعلمة التي أحبت بصدق وتزوجت من منصف، لتكتشف بعد ذلك خياناته، وتقول وهيبة واصفة حال صديقتها حياة:
"انفصلت صديقتي عن منصف بعد مدة من الخيانة المستترة تحت غطاء الأعمال والأسفار ...قصة حياة عقَّدتني لا لشيء إلا لأني أصبحت لا أثق بأحد ...كيف لمنصف ذلك الملاك الراقي أن يفعل كل هذا بها بعد قصة حب دامت عشر سنين ... أ ليس ذلك غريبا".
شخصية اوديت: مارونية رائعة بريئة وعفوية وصادقة، ولا تعترف بالفوارق بين الأديان، تعيش بجمال روحها الشفاف ولنستمع لوصف وهيبة لها:
"كم أحببتها وهي التي حققّت نجاحا في الوصول إلى وجداني في وقت قياسي صغير ...لبراءتها؛ لعفويتها, لصدقها؛ لمحبتها التي زادتني اقتناعا أن المحبة لا تعترف بالأديان, مارونية كانت أوديت، ورائعة وتوأما للوجدان أصبحتْ, رغم أنني قضيتُ سنين في الجزائر أبحث عن أصدقاء من ديني ومن وطني، وشاء الله أن يجمعني وإياها بمحبته رغم اختلاف طقوسنا في عبادته، واختلاف دعواتنا وأماكن صلواتنا ...هي أيضا كانت تعيش بجمال روحها الشفافة كالشمس, تقضي مساءات الأحد في الكنيسة دائما... كنت إذا تعبتُ من همي ومن سقمي عجّلتْ لأجلي في الصلاة، في مكان روحه عذبة، يجوز لمسلمة مثلي أن تقضي فيه صلاتها..." ولقد ماتت في حادث سير في باريس لتترك وهيبة وحيدة تصارع الأقدار.
شخصية خالد:
يمثل حالة العربي الذي ملّ الغربة وكره عادات الغرب وفضّل الرجوع إلى وطنه، والذي يضحّى بالحب وبريق المال من أجل الوطن.
شخصية زياد:
تمثل حالة من ينتمي للسلك الدبلوماسي الجزائري، وأحد أهم كوادر السفارة الجزائرية بباريس، والإنسان في رجوليته وصدقه وعذوبة منطقه وأحاسيسه.
وتصف وهيبة خصاله:
لم يكن زيادا شاعرا ولا بوهميا كما هي طبيعتي، لكنه كان أميرا جعلته خصاله حلم كل امرأة، وشهامته التي تجعلني أحب فيه نقائضه وغرابته أحيانا ... صمته وبوحه وعزفه وطريقة غضبه.
شخصية روز:
تمثل المرأة المتعلمة التي خدعها الرجل قبل زواجها، وتركها حاملة لتعاني هي وطفلها من الأهل والمجتمع الأمرين، وتصفها وهيبة عندما أرادت التعرف عليها بأنها سيدة متوسطة العمر, راقية اللباس, باريسية المظهر تقف وعيناها في الأسفل، وعندما فقدت ذاكرتها لهول ما حاق بها من المجتمع والرجل، بأنها كانت تسكن في المبنى المقابل لوهيبة ينطلق صوت البيانو كل ليلة في غرفتها... لا تشتعل الأضواء سوى لحظات العزف، لتطفئ من جديد إذ عاد الهدوء إليها, عزف بأنامل الحزن لا بأنامل الآلة, فيه شيء من رائحة الأنثى ... وتصف وهيبة حالتها في غرفتها: "لا أدري كيف اكتشفتُ أنّ التي تعزف امرأة, هل من ذاكرة لديها يا ترى وهل من حكاية...؟ وتخرج بعد ساعات إلى شرفتها, تحضر لوازم الرسم, تضع شيئا من السيمفونيات الايطالية الغريبة وتبدأ في الرسم دون انقطاع".
وتصف وهيبة حال روز قي موضع آخر من القصة:
"دقائق مرّت لينطلق صوت الفيولون, سيمفونية تشبه ما كنتُ أعزفه ارتجالا, بدأتُ أسمع دقاته... ذلك اللحن لا تطرب له سوى أذن من ذاق طعم الهزيمة، ولا تأنس له سوى روح من بللّه مطر الضياع، وهو يمشي وحيدا في طرقات المجهول ليلا... ما عجبتُ له هو أنها كانتْ تعزف بنفس الأنفاس ونفس الشذوذ أحيانا... ذكرتني بما كان قبل إطلالة قدري الجديد. كل ذلك الضجيج أصبح هدوءا لا يضاهى من حولي"
والمجتمع لا يرحم ولا يحسّ بمن يصدمه ويدمّر روحه، وعندما تسأل وهيبة الفتى البائع عن شخصية روز يضحك بسخرية, قائلا:
_" لا عليك سيدتي ... هذه امرأة معقدة لا تكلّم أحدا..."
ويضيف الفتى البائع ردا عن سؤال وهيبة له:
"تسكن في المبنى المجاور, وهي سيدة فرانكو جزائرية مترّفعة لا أحد يعرف حقيقتها في الحي.
ورأي الناس فيها كما تقول وهيبة: عندما سألتُ أكثر عنها قيل لي أنها روكية جزائرية ...كانت لها ليالٍ حمراء بباريس ...بكباريهاتها وباراتها, كانت إذا خرجتْ ولو لقضاء حاجياتها تغامز عليها كلّ من مرّت بهم ... حتى بعض الجارات مُنِعْنَ من التسليم عليها من طرف أزواجهن؛ لأنها امرأة مشبوهة ...
ولكن قلة قليلة من المجتمع الجزائري من يعذر المرأة التي أفقدها الرجل ذاكرتها، كوهيبة وزياد، ويقول زياد لوهيبة متوقعا حالة روز قبل أن يتعرفا على حقيقتها:
"أنا أقول عنها باختصار، هي سيّدة مجروحة ولا شيء غير عمق الجراح يجعلنا نهرب من الناس كثيرا، ويجعل بعضهم أو كلّهم يهرب من همومنا أيضا ويرفض حتى أن يجالسنا ... "
شخصيات ثانوية.
والشخصيات الثانوية، هي كالعامل المساعد في التفاعل وربط الأحداث ببعضها أو إكمالها, وهذا لا يعنى أنها غير مؤثرة, بل هي مؤثرة لكنها غير مصيرية، وهي في الرواية:
سائق سيارة وهيبة وزوجها، وحارس العمارة التي تقطنها وهيبة مع زوجها عبد القادر، وأم وهيبة، والنساء المعزِّيات في مقتل عبد القادر وقريباته، وصديقتها حياة وزوجها منصف في عنابة، وأم حياة، وسليم الذي أحبته وهيبة قي شبابها، ويظهر في الرواية شخوص كنابليون وجون دارك والملك شارل، يديت بياف ، وايف مونتون، خالد من أحبته وهيبة والذي فضّل الرجوع للوطن على الغربة، وخوليو المطرب، واغليسياس الموسيقار، ودكتور جزائري حاذق عالج وهيبة في فرنسا، والمرأة الشقراء التي دقّت باب زياد ليلا والتي كانت عشيقة له وأصبحت بلا ذاكرة، وأمّ روز ووالدها وعمها، وأستاذها، وزوجة عمها، وأبناء حارتها، وبنات عمها، والممرض في المستشفى الذي أقامت فيه روز، والطبيب الشاب الذي كشف حمل روز، والمرأة القوادة التي حاولت تشغيل روز، وطفل روز، والعجوز التي احتضنت الطفل، وشبكة الدعارة في فرنسا ومرسيليا التي لاحقت روز.
ولقد أجادت الروائيّةُ اصطفاء الشخصيات الملائمة بالصفات المناسبة للأحداث فكانت بدايته موفقة بوضعها الأساس الأول الذي ستجري عليه الأسس الأخرى.
2- الزمن:
ويتجلّى الزمن في العصر الحديث، ويظهر ذلك في هذه الأيام، حيث الفقر يغزو غالبة الناس في الجزائر، والتفاوت الطبقي نتيجة للثروة النفطية، ويظهر الزمن جليا واضحا في الرواية في الستينات وما بعدها من القرن المنصرم، وزمن سطوة العشكر، وتظهر فيها المساءات، حيث مساءات وهيبة، فتقول:
"غريبة هي مساءاتي برونقها غير المفهوم وبعواطفها غير المرتبة ...هي مساءات كليالي العشاق، مضمحلة كضوء قمر خافت من طول السهر"
ويظهر الزمن في حديث روز عن نفسها وعن حالها في المهد وعن طفولتها المعذبة، وهي في سن السابعة عشر:
كنت صغيرة مغامرة يتيمة تتجول كل مساء في أزقة الأبيار بالعاصمة، باحثة عن لعبة ملقاة تصلح لأن أتسلى بها، لا أذكر وجه أبي؛ لأنه مات وأنا في المهد بلا ذاكرة... أما أمي فأذكر من ملامحها شيئا من القهر والتعب, أستحضرها مع كل صورة لها, ترعرعت ونشأت في بيت عمي ولم أسلم يوما من لسانه ولا من يده ...عشت ُفي جو من الخوف والإهانات.... لم اذكر يوما أنني دخلتُ مطعما فاخرا كباقي صديقاتي بالثانوية ...لم اذكر أنني لبستُ فستاناً جديدا يوم العيد، ولا أن أحدا ذكرني ليلة عيد ميلادي ولو بزهرة, كنتُ طالبة بقسم آداب ولغات ...كنتُ أحب الرسم كثيرا، ولا أغادر فضاء المكتبة أيضا... لا لأنة لم يكن لدي بيت فحسب، بل لأنني من وحدتي عشقتُ شيئا من الفن وأنا في السابعة عشر من عمري ... أذكر أنني بدأتُ أقرأ ورقا غير الجريدة وغير لوازمي المدرسية, بدأتُ أقرأ الروايات والحكايات، وحينها علَّمتني الحلم، فبدأت أحلم دون انقطاع، وألهث وراء الحرية.
ويظهر الزمن جليا في قول روز:
"لم أحسُّ بالسعادة قط منذ تلك الأيام, منذ حوالي ربع قرن من الزمن ... غريبة هي لحظات الحب قبل أن تسلبها نشوتها الجراح".
وقد ركّزت الكاتبة على تقنية الاسترجاع، والاسترجاع هو ذكر أحداث وقعت سابقا, وقد يكون داخليا يتمثل في الرجوع إلى أحداث ذكرت في الرواية, أو خارجيا يكون بالرجوع إلى أحداث وقعت خارج المتن الروائي، ومثاله في روايتنا كما جاء على لسان وهيبة قولها: "من الغريب أننيّ لم أصحُ من تلك المتاهة الضبابية إلى يومنا هذا, أما عبد القادر، فقد زاد ذلك الضباب عتمة ًورحل ... كلاهما رحل وتركاني في هذا الطقس الغريب لا أدري من أنا ومن أكون".
ويظهر الزمن في حديث روز:
فكّرت ُأنّه من الأفضل له أن يكون بلا ذاكرة (للطفل) على أن يكون له ذكرى تكشف أن أمه امرأة مثلي، ومن ثمة لم يكن في حياتي سوى الروك والسهر وبعض الحبوب المهلوسة... إلى أن شاهدت نفس العجوز ذات يوم في حصة تلفزيونية لفائدة المفقودين, أذكر أنني عانقت التلفاز بنظراتي وبكل دقة لأرى وأتأكد من ملامحها التي لم تتغير, فقط شاخت عليها خمس عشرة سنة. كما تظهر ليالي فترة ضياعها: "عندما سألتُ أكثر عنها قيل لي أنها روكية جزائرية ...كانت لها ليالٍ حمراء بباريس ...بكباريهاتها وباراتها.."
وترجع وهيبة للزمن المنصرم، وهي زوجة مع عبد القادر واصفة غضبه وأنانيته:
"كم أصبح البيت في غيابه واسعا ...يا الهي...! أستطيع التنفس, كيف لا وقد كان يقاسمني هواء هذا البيت، ويستهلك نصف الأكسجين الموجود فيه في مواقف الغضب والتعنت ..."
ويظهر الزمن في مدة الزواج بين كل من منصف وحياة"
" كيف لمنصف ذلك الملاك الراقي أن يفعل كل هذا بها بعد قصة حب دامت عشر سنين ... أليس ذلك غريبا".
وعادة يلجأ الروائيون إلى استخدام الاسترجاع أكثر من الاستباق, لأنهم بالاسترجاع يربطون الأحداث أو يكملون الوقائع, أما الاستباق فمن شأنه أن يفقد السرد عنصر الإثارة والتشويق, فذكر ما سيكون يُكَوِّنُ صورة عامة في ذهن القارئ عن الأحداث اللاحقة، الأمر الذي يجعل القارئ يعزف عن إكمال القراءة, فطبيعة الإنسان أن يترك قراءة ما يعلمه سابقا أو يعرض عما يتوقعه لاحقا. هذا بالنسبة للزمان في الرواية وما يتعلق به..كما في قول وهيبة تتحدث مع ذاتها:
وكما في قولها في صديقتها أوديت بعد مقتلها:
"كم أنت معجزة أيها القدر, أخذتَ مني صديقة قرأت اسمها على لوح قبرها وكأنني أنطقه لأول مرة, تراها ماتت بلا ذاكرة هي الأخرى، حيث لم يسأل عن غيابها أحد غير امرأة مثلي لم تذكر منها حتى بريق عينيها المنطفئ،. ماتت ككثيرات من النساء دون ذاكرة، وأصبحت في المغيب ذاكرة من العدم، وذكرى بلا معنى قابعة في جوف فارغ كجوفي".

يتبع


قديم 09-27-2014, 11:11 PM
المشاركة 2
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

3- المكان:
والمكان تتم فيه أحداث الرواية، و"يعد المكان من أهم المكونات الأساسية في العمل الروائي، ويشغل حيزاً كبيراً في بنيته السردية، ويشكل مع باقي الأمكنة فضاء الرواية الشامل.والمكان هو الأرضية التي تتحرك عليها الأحداث، والصراع بين الشخصيات في إطار المتن الحكائي المتماسك، لا يحدث في الفراغ بل في أزمنة وأمكنة متعددة ومحددة. (4)
وهو المحيط الذي تجري عليه الأحداث أو تدور فيه, ويرتبط جدًا بالزمان "إن المكان الروائي بناء لغوي, يشيده خيال الروائي, والطابع اللفظي فيه يجعله يتضمن كل المشاعر والتصورات التي تستطيع اللغة التعبير عنها; ذلك أن المكان في الرواية ليس هو المكان الطبيعي أو الموضوعي وإنما هو مكان يخلقه المؤلف في النص الروائي عن طريق الكلمات ويجعل منه شيئا خياليا، فالمكان في النص الروائي مكان متخيل وبناء لغوي، تقيمه الكلمات انصياعا لأغراض التخييل وحاجته, فهو نتاج مجموعة من الأساليب اللغوية المختلفة والمختلقة في النص، من ثم يرى بعض الدارسين أن عبقرية الأدب, حقا حيزه. وللروائي سبل شتى في تشييد الفضاء أو المكان الروائي, منها: الوصف, استخدام الصورة الفنية, توظيف الرموز, ولكل منها دوره الفعال في النص الروائي.
فالروائي حين يلجأ إلى الوصف, يبذل قصارى جهده للبرهنة على قدرته أن يجعلنا نرى الأشياء أكثر وضوحا، ذلك أن الوصف هو: ذكر الشيء كما فيه من الأحوال والهيئات, أي ذكر الأشياء في مظهرها الحسي الموجودة عليه في العالم الخارجي، فالوصف يقدم الأشياء للعين في صور أمينة تحرص على نقل المنظور الخارجي أدق النقل.
ولما كان الوصف يلائم الأشياء التي توجد بدون حركة, فإنه يختص بتمثيل الأشياء في سكونها، والروائي حين يلجأ إلى وصف المكان أو الفضاء الروائي, فإنه يرمي من وراء ذلك إلى بث المصداقية فيما يروي, بجعل المكان في الرواية مماثلا في مظهره الخارجي للحقيقة, نابعا من مرجعيته الواقعية، ذلك أن الروائي حين يصف المكان الطبيعي, يستثمر عناصره الفيزيائية لتجسيده, بحيث يجعلنا نقف على الصور الطوبوغرافية للمكان, والتي تخبرنا عن مظهره الخارجي; إذ إنه؛ يرسم صورة بصرية تجعل إدراك المكان بواسطة اللغة ممكنا, جاعلا من الوصف أداة لتصوير المكان وبيان جزئياته وأبعاده، وهو بتوظيفه عناصر المكان المحسوسة لتشكيل مكانه المتخيل, إنما يدخل العالم الخارجي بتفاصيله الصغيرة في عالم الرواية التخييلي ويشعر القارئ أنه يعيش في عالم الواقع لا عالم الخيال, ويخلق انطباعا بالحقيقة أو تأثيرا مباشرا بالواقع ... وحتى يتسنى لنا قراءة المكان قراءة واعية تؤدي إلى فهمه على نحو صحيح. اقترح الباحثون ثلاثة محاور في هذا الصدد; يتمثل أولها في الرؤية (أو زاوية النظر أو المنظور) التي يتخذها الراوي أو الشخصيات عند مباشرتهم للمكان، لأن الرؤية هي التي تقود نحو معرفة المكان وتملكه من حيث هو صورة تنعكس في ذهن الراوي, ويدركها وعيه قبل أن يعرضها علينا في خطابه. في حين يتمثل المحور الثاني في فهمنا للغة الموظفة لتشخيص أو وصف المكان، فكل لغة لها صفات خاصة في تحديد المكان أو رسم طوبوغرافيته، وبها يحقق المكان دلالته الخاصة وتماسكه، أما المحور الثالث، فيتمثل في المتلقي أو القارئ للمكان في النص الروائي، فهو يتلقى جمالياته المنبثقة عبر النص السردي والتي لها أثرها في التلقي, كما أنه يساهم في إنتاج هذه الجماليات. وفي النهاية يعد الجانب الجمالي للمكان درجة من الجودة تحسب للروائي قدرته على اختزان أمكنة مغايرة لما يعهده المتلقي أو تقديم المكان الذي يعيشه المتلقي في صورة فنية مختلفة(5).
ويبرز الفضاء الروائي الذي تظهر فيه الأمكنة والتي تظهر في بنية الرواية وتشغل حيزاً جغرافياً تتحرك فيه الشخصيات حقيقة مادية ملموسة، أو رؤية ذهنية خيالية، والفضاء الروائي الذي تجري فيه الأحداث الجزائر بما فيها العاصمة، ووهران، وتونس، وفرنسا، وبروكسل، وماليزيا، وبيروت، وتظهر في الرواية الأمكنة التالية:
شارع العربي بن مهيدي، والمباني الكثيرة التي يسكنها إطارات الجيش الجزائري، وبيت عبد القادر، والبحر، وإيديت المطربة، ومكتب عبد القادر، وميناء وهران، وبروكسل، وعنابة، وتونس، والقطار، والصحفية الجزائرية الذاهبة إلى عنابةّ في مهمة مراسلة، والتل الجزائري، وبيت حياة في تونس، وسوسة، وماليزيا، وستراسبورغ، وباريس، ونهر السين، وبيت وهيبة في باريس، وأبرشية سيّدة لبنان بباريس، وكافيتيريا "أيرل بيز"، وقسنطينة، وبيروت، والمستشفى في ليموج، وليموج، ومدينة كان الفرنسية ومستشفاها، وفيروز ونغمها، وقلعة سانتاكروز، والجامعة، وميناء سطوالي، وبلدة روز وبيتها، وساحة " أودان"، والعاصمة الجزائر، وتيبازة، والبارات والكبريهات، والحمامات، ومحطة النقل البري، وبعض الموانئ الجزائرية والفرنسية، ومرسيليا.
وللمكان دلالات، فالمستشفى رقدت فيه وهيبة، كما رقدت فيه بعدها روز وهو تعبير عن الألم والمصائب، وكلتاهما فقدتا الذاكرة لهول الأحداث وامتهان المرأة.
والجامعات لها دلالاتها النفسية، فكلا من وهيبة وروز كان تعليمهما جامعيا، لكن هذا لم يشفع لهما بالامتهان وفقد الذاكرة وهذه مفارقات.
والبارات والكبريهات رمز للضياع، وباريس رمز الثراء والتقدم، لكن خالدا يفضل حياة الفقر في وطنه ويعود إليه، وفرنسا ترمز للحرية ومهوى هجرة الشباب العربي، ووهران رمز للوطن الذي لا يرحم رجالُه نساءَهم.
4- الأحداث:
الحدث عنصر أصيل ومهم في العمل القصصي، والحدث اقتران فعل بزمن معين، ومكان معين، والكتّاب يستمدون أحداثهم من الحياة من حولهم، فكل ما في الحياة يصلح لأن يكون موضوعا للقصة، ومع ذلك فلا بأس من ذكر المصادر الرئيسة لأحداث القصة، وهذه المصادر، هي: الواقع والخيال والتاريخ(6)
وقاصتنا تعالج قضية امتهان كرامة المرأة في الجزائر في نهاية القرن الماضي المنصرم وخاصة في السيبعينات وما تلاها، وخير دليل على ذلك ما حصل معها من معاملة زوجها عبد القادر السيئة، فوهيبة امرأة متعلمة, دكتورة في الصيدلية تزوجت من الكولونيل دون معرفة مسبقة به بل بتدبير من الأسرة، ولقد قتل عبد القادر فيها الطموح وحول أحلامها من أفق الثقافة والتعليم إلى أفق لا يتعدى تكرار سيدة المنزل لكل الأشغال التي تقوم بها، كل يوم منهمكة في تنظيف بيتها، فكانت مجبرة على طاعة أبيها الذي صمّم على ذلك، ومجبرة أيضا على معاشرة رجل ينتمي إلى عالم آخر غريب عن عالمها الجميل، يسيمها الضرب والامتهان، ومن ترك حبيبها سليم لها، وما جرى من طلاق لحياة من زوجها منصف الذي خانها، ومن موت أوديت صديقة وهيبة، وتعرف وهيبة على زياد وحبهما لبعض. وما وقع من غبن وغدر لروز من معلمها والمجتمع، فمعلمها وثقت به وغدر بها وأخذ منها أعز ما تملك وهرب تاركا جنينا في بطنها، وعقابا لها من الأهل والمجتمع، ومن هول الصدمة تفقد ذاكرتها وتلجأ للكبريهات والليالي الحمراء بعد أن تركت طفلها وتخلت عنه، وفي أول شبابه ينتحر الطفل.
و" الحدث هو اقتران فعل بزمن ولا تقوم القصة إلاّ به (7).
والحدث يتشكل من العناصر الثلاثة السابقة, فكل ما تقوم به الشخصيات في حدود الزمان والمكان يسمى حدثا. ولا تستمر الأحداث على وتيرة واحدة من الحدة، إذ لا بد من التراوح بين الهبوط والصعود؛ للانتقال بالقارئ من حالة التأقلم التي تفرضها تلك الاستمرارية.
والأحداث إما أن تكون سابقة للصراع مسببة له, أو لاحقة له وناتجة عنه, أما المزامنة للصراع فهي الصراع نفسه، وتعتمد الروائية الانتقائية عند إيراد الأحداث, فتختار ما يناسب الهدف وفكرة الرواية, ويجب الابتعاد عن كل حدث لا يخدم الغاية؛ لأنه يؤدي إلى انفصام رتق الأحداث.
وتجري الأحداث بمنطقة وانسياب، ففقدت وهيبة ذاكرتها من هول تصرفات زوجها عبد القادر، ومن ترك حبيبها سليم لها وهجرته عنها، كذلك تفقد روز ذاكرتها هي الأخرى نتيجة لغدر حبيبها لها، فبعد أن حوّلها من فتاة بتول بكلماته المعسولة خدعها وسافر تاركا لها مولودا غير شرعي وسياط الأهل والأقارب، فتهرب ولا تجد لها من سبيل إلا طريق الانحراف والخديعة.
"فالأحداث يجب أن تكون مرتبطة بمبدأ السببية، وتجري أحداث الرواية بمنطقية في أجزائها الثلاثة:
ففي الجزء الأول: وعنوانه " نصف حياة".
ويتضمن معانات وهيبة مع زوجها عبد القادر وقهره لها، وموته، وحبها الأول لسليم وسفرة والتقائها به صدفة في سوسة أثناء زيارتها هناك لصديقتها حياة ومعايشتها لطلاقها من زوجها منصف.
والجزء الثاني بعنوان "قيثارة الحب".
وفيه وتلتقي وهيبة بمن أحبت وهي صديقتها أوديت في باريس، وبرحيل خالد عن باريس للجزائر، وهي من أحبته بصدق في شبابها، وحصول حادث سير ماتت على إثره أوديت، وتلتقي وهيبة بزياد الذي أحبها وأحبته، ومرافقته لها في المستشفى، وحبها له في باريس، ويركز هذا الجزء على كيّ شعور المرأة، وأن الأهوال والأحداث تجعلها تعيش في اللاشعور، وقسوة معاملة المرأة التي تجعلها تعيش فاقدة للذاكرة.
والجزء الثالث: بعنوان "حكاية روز":
وتجري فيه الأحداث بتقصي وهيبة ظروف روز؛ لتتعرف على عالمها الخاص، وتحظى بزيارة حياة لها، وتستغل وهيبة حصول حادث سير لروز وتسرع لمرافقتها في المستشفى، لتكسب ثقتها في نهاية المطاف، حيث تدرك وهيبة حقيقة هذه المرأة الفنانة التي قاست الويلات في طفولتها، وترغب في الكتابة عنها فبينهما وجه شبه كبير، حيث عانت روز اليتم وعاشت في كنف عمها، وبعفويتها تعجب بأستاذها الجامعي ويفض بكارتها وتحمل منه بعد أن وثقت به، وتعاني من جراء ذلك الكثير الكثير، فتصبح سهلة الصيد لرواد الشوارع والبارات والحانات، وتترك طفلها عند عجوز، وبعد سنين من عبث العابثين بمشاعرها وكرامتها، تحاول الرجوع لوليدها الذي كبر ودعاها للعودة إليه وأنه سيسامح لها فعلتها،...تعود لتجد أن العجوز التي ربّته قد ماتت، وأن الغلام بعدها قد انتحر، فتفقد روز رشدها وتستمر في عيشتها بلا ذاكرة
5- الصراع:
هو تصادم بين قوتين, وهو حدث مؤثر في غيره, وتلك القوة قد تكون مادية كالصراع بين شخصين أو جيشين, أو معنوية كالصراع بين الإنسان وشهوته أو القدر، والصراع يكون داخليا ويكون خارجيا, فالداخلي كالشخص مع نفسه إذ تتجاذبه قوتان, كقوة الحق وقوة الباطل, أو قوة الإرادة وقوة الإعراض, وغالبا ما يكون قصير المدة ومصيريا.
أما الخارجي فيقع بين شخصيات الرواية, ويكون طويل المدة أحيانا ومركزيا مصيريا.
ويلجأ الروائي إلى الصراع الخارجي أكثر من الداخلي؛ كي يزيد من انفعال القارئ، حيث إن الصراع هو النقطة الأكثر تأثيرا في نفس القارئ, وهو اللحظة التي تصل بالقارئ إلى أعلى درجات الانفعال والتي لا تهدأ إلا بإدراك نتائج الصراع، ومن أمثلة ذلك في الرواية:
صراع خارجي: كالصراع الذي كان يجري بين وهيبة وزوجها عبد القادر، وبينها وبين عادات وتقاليد المجتمع، وما بين حياة وزوجها منصف، وبين روز والمجتمع، ومثاله في الرواية كما جاء على لسان روز:
"قضيتُ نهاري كاملا في حمام عمومي إلى أن جلست بجانبي امرأة تتحدث عن عائلة تبحث عن خادمة وكأنها كانت مديرة لمكتب التخديم أو أنها سمسارة... لم يكن أمامي من حل سوى أن أقع بالشِّباك..."
وصراع داخلي:
والصراع يكون داخليا كالصراع الذي جرى في نفس وهيبة ، حيث عاد سليم من بروكسل وعرض على وهيبة الزواج، ويتمثل الصراع في إمكانية الزواج منه أم لا، لكنها أخيرا عزفت عن القبول بعرض سليم؛ بعد أن كان قد تركها وهاجر إلى بروكسل وتزوج من هناك، فقررت ألا تتزوج منه كيلا تصبح زوجته الأولى مثلها بل ذاكرة.
وعلى الرغم من كلاسيكية بناء الرواية، فقد استفادت القاصة من تقنيات الرواية الجديدة ومن آليات الرواية المنولوجية وتيار الوعي أثناء استعمال الحوار الداخلي والارتداد إلى الخلف واستشراف المستقبل وتوظيف الأسلوب غير المباشر الحر، كما استفادت كثيرا من الرواية الواقعية في تجسيد الواقعية الانتقادية ذات الملامح الاجتماعية، وعبث الحياة وقلق الإنسان في هذا الوجود الذي تنحط فيه القيم الأصيلة وتعلو فيه القيم المنحطة.
الاسترجاع:
ومثاله:
_ "هل فقدتُ ذاكرتي... ولكنني درستُ الصيدلية وكنت في سوسة ومن قبلها في وهران... أذكر حياة صديقتي وأمي ..."
أخرس فجأة ...ليقول:
_" أكملي ...ماذا أيضا ...؟ "
_" أذكر عبد القادر..."
_ "من عبد القادر ...؟ من هو..."
أفضل الصمت ولا أجيب ... يصمت قليلا:
_ "هل كان لديك أصدقاء في ليموج...؟ "
_أقول: " وهل كنت في ليموج...؟"
_ يسألني: " هل لديك أصدقاء في فرنسا...؟"
6- الحبكة (النظم):
والحبكة تأتي على نوعين، هما:
1.الحبكة المحكمة: وتقوم على حوادث مترابطة متلاحمة تتشابك حتى تبلغ الذروة ثم تنحدر نحو الحل، وهي "التي تقوم على حوادث مترابطة تسير في خط مستقيم لتصل إلى نهايتها، و تعتمد الأحداث على عناصر التوقيت الذي يعني سرعة سير الحوادث، والإيقاع بمعنى التنويع في درجات الانفعال و التشويق و يقصد به الحيل التي يلجأ إليها الكاتب لشد انتباه القارئ (8).
2. الحبكة المفككة: وهنا يورد القاص أحداثا متعددة غير مترابطة برابط السببية، وإنما هي حوادث ومواقف وشخصيات لا يجمع بينها سوى أنها تجري في زمان أو مكان واحد.
لكن الراوئية هدى درويش اتبعت الحبكة المحكمة في روايتها كما حصل في انتهاء علاقة وهيبة بزوجها عبد القادر، وكما حصل لحياة وطلاقها من منصف، وكما جرى لروز من أحداث ابتدأت بعلاقة حب إلى أن أوصلتها للضياع ثم بعد ذلك بفقدها لذاكرتها، ولقد أحسنت الراوية الربط بين كلّ، وهو امتهان كرامة المرأة، والحبكة المحكمة "وهي ذروة الحركة في علاقات الأحداث بالشخصيات، حيث تتجه أفعال الشخصيات جميعا نحو الذروة، إذ يكون التشويق قد بلغ مداه، بما يصحبه من قلق وتوتر وحب استطلاع، ولا بد للقارئ من امتلاك بعض خيوط الحل مما يدفعه إلى التوقع، والتخيل والتحليل والتفسير(9).
والحبكة الرئيسة تتمثل في علاقته المرأة بزوجها أو حبيبها وغالبا ما تنتهي بالفشل، وهناك حبكات فرعية، منها عودة خالد للوطن من مهجره، وعلاقة زياد بوهيبة، وعلاقتها بأوديت، وهي حبكة ساحرة "إن الحبكة الساحرة التي تضيف قوة أخرى إلى القصة، هي ما يمكن ابتداعه بسهولة، إذ إنها تقوم على الإدراك الخاطئ والتجربة الإيحائية أو السلبية ولكن بشكل غير متوقع(10
وتُنتِجُ الفكرة لدى الروائي صراعات متعددة وأحداث متفرقة تخدم غاية الكاتب, هذه الصراعات تحتاج إلى هندسة وترتيب وحسن نظم, ولا يمكن أن يقوم الروائي بعرض جملة صراعات مبعثرة، إذ لابد من تنسيق الصراعات مع الأحداث الملائمة بصورة متسلسلة بانسياب نحو الغاية حتى يمكن للقارئ أن يستوعبها ويربطها بسلاسة في ذهنه, وتنسيق الأحداث يسمى الحبكة أو النظم، وأفضل النظم الانحدار المنساب الذي من شأنه أن يحقق الانسجام والتركيز، ويمثل ذلك ما آلت إليه روز في القصة بوقوعها في فخ الرذيلة في مجتمع ومدنية لا ترحم, والانحدار المنساب أفضل بكثير من الانحدار الانكساري الذي يهبط بالقارئ من موقف إلى آخر بشكل فجائي يسبب الإزعاج للقارئ.
7- الفكرة:
فالفكرة هي أساس العمل الروائي, وكل عناصر الرواية مسخرة لتحقيق الفكرة, فهي تولد الصراع في ذهن الروائي والصراع ينتج الأحداث, والأحداث تخضع للنظم المحكم, والنظم المحكم يعطينا رواية كاملة الأبعاد.
وكل قصة أو رواية تهدف إلى فكرة معينة يريد الكاتب نقلها إلى القارئ، وقد يريد إبداء رأي في الحياة أو سلوك معين رافضاً أو مؤيّداً، وهو لا يقدم الحلول، بل يكتفي عادة بإبراز سلبيات أو إيجابيّات الموقف، وهناك كتّاب يذكرون الفكرة حرفياً في القصة- على لسانهم أو لسان أحد الأبطال، ولكن معظمهم لا يذكرونها مباشرة بل يتركون للقارئ لذّة هذا الاستنتاج كما فعل الراوي سمير الجندي في روايته هذه.
وقد استطاعت الراوية هدى درويش أن تجعل من روايتها رواية تبلغ حد معايير وشروط الروايات الناجحة، فهي تناسب مستوى المخاطب سواء كان طفلا صغيرا أو شخصا بالغا، وتثير دافعية القرّاء لقراءتها، وموضوعها يتناسب مع اهتمامات الناس وتساعدهم في حل مشكلاتهم بالعبرة منها، وتراعي فروقات الناس العقلية، وتثري المعارف لدى الإنسان باكتسابه جوانب معرفية.
ومضمونها الرئيس يتمثل في محنة المرأة الجزائرية وغالبا ما يتمّ زوجها باتفاق الكبار بين العائلتين، وامتهان كرامتها من الرجل والمجتمع على حد سواء، وبسبب الضائقة الاقتصادية والفقر والعادات والتقاليد الجزائرية امتهنت كرامة المرأة، وبلغت نسبة العوانس فيها ما يقرب من أل 35 في المائة، ولهول ما تعانيه المرأة من الرجل والمجتمع الجزائري خاصة والعربي عامة تفقد صوابها، فتغيب الذاكرة كي لا تتذكر المرأة حدثا أو أحداثا حطّمت قلبها، ومزّق أحلامها، وكسر كل الأشياء الجميلة بداخلها، وأرهق ذاكرتها، وجعلها تعيش بقايا حطام، فتغادرها الروح وتتمنى أن تعيش بلا ذاكره، كيلا تتذكر وجوها غطّاها القبح وكتم أنفاسها الحقد، وأعمى عيونها الحسد، فباتت لاهم لها سوى تحطيم الطموح وقتل الإبداع وتحوير الكلمات كيلا تتذكر أناسا يدّعون الأخوة والصداقة والطيبة، وينثرون حروفا جميله ويرتدون قناع النزاهة والمثالية، يقولون مالا يفعلون ويفاجئونك بما لا تتوقع، وهناك نساء يتمنين أن يعشن بلا ذاكره؛ كيلا يتذكرن الفجائع والمواجع التي أدت قلوبهن والظلم الذي حاق بهن وهن يرين اندثار كل القيم والمعاني، فيعشن بلا ذاكره في مرحلة اللاوعي، حيث فقدن رغبتهن في الحياة.
وتعبِّر عن هذا المضمون وهيبة بقولها:
"كم من جلسة نسائية حزينة جلستها كلّ واحدة منّا أمام مرآة أيّامها، وكم من وقفة على نافذة الاستفهام تقفها كلّ أنثى سائلة الأيّام عمّا مضى وعمنّ رحل ... لستُ وحيدة في هذه الحياة، فكلّ النساء وهيبة أمام التجربة".
والمشكلة تنعكس على الأسرة، على الأب والأم والأخ والأخت:
"وكم يسعد الآباء والأمهات وهم في استقبال من يصاهرون... وكأنهم في قمة السعادة خصوصا للأمهات، وهنّ يتفاخرن ببنات قد تزوّجن خير من اللواتي بقين عوانس أمام ناقوس الثلاثينات أو قطار الأربعينات الذي يمرّ ساحقا شباب المرأة..."
كذلك تنعكس المشكلة على العم وبنيه وبناته، وتظهر بعض المضامين والعادات العربية في الرواية وتتمثل في أن سمعة ابنة العم تؤثر في سمعة أبناء عمها، وأن المجتمع الجزائري يخاف من عنوسة البنت.:
فتقول زوجة عم روز:
" علينا أن نطردها... أتريد أن تعنس بناتي العذراوات بسبب هذه الفاسقة ... ليس لها مكان في بيتي ..."
ومن الأفكار ظاهرة النفاق عند المرأة تلجأ إليه لتحمي نفسها من سياط الناس: وجاء على لسان وهيبة في همسة بينها وبين أمها بمأتم زوجها:
"نهضتُ وعانقتها رغم أنني لا أقتنع بطقوسنا كثيرا في الرثاء، بل فعلتُ ذلك تقليدا وإرضاءً للحضور... فصرختْ بقية النسوة وتعالتْ الأصوات وأنا بين يدّي أمي أروح وآتي بعنف، وإذا بها تهمس لي: "تظاهري بالبكاء أيتها الغبية "... فبرقّت ُعيوني، وأنا لا أصدق ما الذي أسمعه منها، حيث أنّ قطعتها المسرحية تلك جعلتني أطرح سؤالا: "هل فعلا كانت أمي تحب عبد القادر إلى هذا الحد...؟كيف لها ذلك واِن كنتُ أنا زوجته لا أطيقه حتى...
ومن المضامين الفرعية فكرة الوحدة العربية، كما جاء على لسان وهيبة:
"مرّت أيام على إقامتي بسوسة, لا غربة في تونس؛ لأنّها وطني، ولأنّ تلك الجغرافيا التي جمعتْ شعوبنا في خريطة واحدة لم يكنْ أمامها الاختيار بل أجبرتها وحدة هذه الشعوب وتماثل تركيبة كل منها,
ومن المضامين التي نلحظها في الرواية، حب الوطن والحنين له، ويمثله خالد:
" خالد هو الرجل الوحيد الذي لا ألومه على الرحيل، فلا وعود كانت بيننا في إكمال مشوار الحياة سويا ...هو مثلي تماما، فكيف ألومه وأنا التي تدرك جراح الحب بداخله كيف كانت... أنا هربت من وهران بكل ضعف عندما ما وصلت بي الساعات إلى لحظة ليست في استطاعتي، وليست تحت سيطرتي في التغلب فيها على الأحزان, وهو هرب من باريس فاقدا للحب خائفا مضطربا تاركا وراءه ليلا لعينا من الألم... عائدا ربما ليبدل حب النساء بحب الوطن، وفي حب الجزائر معجزات تجعلك تدمع لمجرد أن تسمع دحمان الحراشي في لحن من العاصمة، أو أحمد وهبي في دندنة من وهران."
ومن المضامين الفرعية في القصة التسامح بين الأديان، ويمثل ذلك العلاقة الحميمة بين وهيبة المسلمة وأوديت المسيحية.
ووافقت هذه الرواية شروط الروايات الناجحة: فلم تطغَ شخصية الكاتبة عليها، وتتصرف شخوصها بعفوية وفق مكوناتها الجسمية والنفسية والفكرية، وتركت الراوية لشخوصها حرية التفكير والسلوك واتخاذ القرارات فلا تلزمها .
وهي متلاحمة العناصر: "و« لا بد لنجاح القصة الفني من تماسك عناصرها: الأحداث، والشخصيات والنسيج والأسلوب والتركيز والبيئة. بحيث يكون كل عنصر كاللبنة في البناء القوي يؤدي وظيفته في اكتمال العمل الفني، وإن ضعف أي عنصر يؤدي إلى اهتزاز بقية العناصر وبالتالي العمل الأدبي ككل»(11).

يتبع

قديم 09-27-2014, 11:14 PM
المشاركة 3
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
8- النهاية
ويسبق الحل العقدة "أما العقدة فهي اللحظة التي تصل فيها الحبكة إلى أقصى درجات التكيف والانفعال والتأزم، وهي نقطة تحول هامة في القصة، حيث تبدأ الأحداث بعدها في الهبوط ويتطلع القارئ إثرها في البحث عن الحل(12).
هي اللحظة التي ينتظرها القارئ بكل شوق ويحبكها الروائي بكل إحكام وذوق, وهي اللحظة التي تكتمل عندها غاية الكاتب, فلا حاجة بعد بلوغ الهدف إلى الإطالة, وغالبا ما ينتهي انفعال القارئ عندها..
وبعد ذلك يمكن تصنيف النهايات إلى مفتوحة ومغلقة, فالمفتوحة يترك فيها الروائي للقارئ فرصة التفكير في كيفيتها, كأن يذكر حدثا يحوي استشهاد الشخصية المركزية ثم لا يكمل الحدث بل يدعه للقارئ, أما المغلقة فيذكر فيها الروائي نهايات العناصر للقارئ فيريحه من عناء التخمين.
وكثيرا ما تجمع الرواية بين النهاية المفتوحة والمغلقة كأن يختم الكاتب روايته بحدث لا يكمله لكن هذا الحدث يشمل نهاية شخصية رئيسة.
وفي الغالب لا يرغب الروائي أن يترك جمهوره يتدخل في عمله الأدبي بتخمين نهاياته, لذا فإن النهاية المغلقة هي التي تسيطر على الروائيين نسبيا, وإن لجأ الروائي إلى النهاية المفتوحة فإنه لا يتركها مفتوحة على الإطلاق, بل تكون متوقعة على الأقل، ومثالها في روايتنا التخمين في علاقة وهيبة مع زياد، وتساؤل المتلقي إلى أين تصل العلاقة فيما بينهما. وتوقعه على الأغلب في نجاح تلك العلاقة.
9- اللغة:
وهي الوسيلة التي يتبعها الروائي للتعبير عن الحدث, وتأخذ شكلين: السرد والحوار, فالسرد هو الكلام الذي يوصله الروائي للقارئ على لسانه, ويستخدم فيه الكاتب ما يجده مناسبا للمقام, فقد يستعين بأسلوب الرسالة أو التقرير أو الإعلان التجاري, أو الخبر الإذاعي, أو المقالة, ويعتمد الأسلوب السردي على الوصف, وينشق السرد العام إلى طبائع مختلفة, فسر ذو طابع عاطفي تزينه المشاعر المرهفة, وسرد ذو طابع انتفاضي تهيجه المشاعر الثورية المقهورة, ومرجع التحديد طبيعة الحدث والشخصيات والكاتب.
واللغة في الرواية أداتها وربما غايتها أيضا، فالقارئ يعيش عالم الرواية من خلال اللغة، وربما يعيش هذا العالم في اللغة ومن اجل اللغة، ومساحة اللغة هي التي حددت مساحة الرواية وحددت طبيعة عناصرها المختلفة(13).
وتنهض الرواية في جزئها الأكبر على السرد، أما الحوار فهو كل كلام يجري على لسان شخصيات الرواية, ويأخذ أشكالا عديدة: فيكون بين الشخص ونفسه سواء كان مسموعا أو غير مسموع ويسمى حوارا داخليا, من ذلك المناجاة والغمغمة والهمهمة, ويكون بين شخصية وطرف آخر, ويسمى حوارا خارجيا, مثل: محادثة بين شخصين, أو حديث شخصية مع الطبيعة أو مع الحيوانات استئناسا بها. وهنا تستخدم أديبنا تقنية الحوار في نصها أحيانا مخاطبة البحر كحال وهيبة، فالحوار ظاهرة فنية استخدمته بوصفه أسلوباً فنياً, ووسيلة تعبيرية للكشف عن فكرتها, وبسط فلسفتها في الحياة والتعبير عما يدور في خلدها بأسلوب فني, وأدبي مثير، حيث طوّعته الأديبة ضمن سياقها النصي، وأفادت من إمكاناته وآلياته ونجحت في توجيهه الوجهة التي من شأنها أن تنعكس على هندسة الحوار في النص وتهبه القدرة على التشويق والنفاذ إلى قلب المتلقي وفكره.
الحوار الخارجي :
لقد استفادت القاصة هدى درويش من تقنيات الرواية الجديدة ومن آليات الرواية المنولوجية وتيار الوعي أثناء استعمال الحوار الداخلي والارتداد إلى الخلف، واستشراف المستقبل وتوظيف الأسلوب غير المباشر الحر، كما استفاد كثيرا من الرواية الواقعية في تجسيد الواقعية الانتقادية ذات الملامح الاجتماعية والسياسية وعبث الحياة وقلق الإنسان في هذا الوجود الذي تنحط فيه القيم الأصيلة وتعلو فيه القيم المنحطة، ومثال ذلك في الرواية الحوار الداخلي، ويظهر في هذا النص قلق الإنسان وحيرته من تبدّل الأحوال، ويتصل فيها الواقع بالخيال، وترتبك فيها المكان في مواجهة الزمان، وتتحرك شخوصها في إطارٍ من الوهم والتخيُّل والتخاطر المتواصل، فهي لذلك لا تخلو من الرمز إنْ لم أقلْ تغرقُ فيه، ولكنها لا تبتعد كثيراً عن ملامسة الواقع على نحوٍ تقصد الروائية إليه بعمديتها ووعيها الحكائي.
كما تمّ استخدام تقنية تداخل الأزمنة وتداخل الأمكنة واستعادة شخصيات من أعمال روائية سابقة، وتداخل الواقع بحلم اليقظة بالحلم في سرديةٍ كان على القارئ تفكيكها للوصول للأحداث الحقيقية وتمييزها عن الحلم وعن حلم اليقظة والتي كانت تتداخل مع الأحداث الفعلية بدون فواصل زمنيةٍ أو مكانية. وتقوم روايتنا في معظمها على السرد، وللحوار دور كبير فيها.
الحوار الخارجي : هو ما يجري من حديث بين شخصيتين أو أكثر، ويسمى بالانجليزية dialoge)) ومن أمثلته الحوار الذي جرى بين وهيبة وسليم، ويظهر فيه عنصر التشويق بتأخير وهيبة ذكر اسم حبيبها الأول الذي سافر إلى بروكسل فلم تذكر اسمه في الجزء الأول بل ذكرته في الجزء الثاني، حيث يقابلها بعد ثلاث سنوات في سوسة ويظهر فيها انتهازيته وتفضيله المال على حبه، ومنه أيضا الحوار الذي جرى بين وهيبة وحياة:
لم تسألني حياة عما أصابني، بل تركتني أهدأ قليلا إلى أن نطقت ممزقة هدوء جلسة عاشقتين_"لقد قبَّلتُه... أقسم لك أنني فعلتها وقبلته..."
_" من... أنتِ... قبلّتِ رجلا... غير معقول "
_ لا... أقصد هو من قبلّني، ولكنني تجاوبت معه كيف لي ذلك... وقد أحسستُ بالحقد بعد ثلاث سنين نحو رجل دمرني بالهجران ...
أصمتُ قليلا وأتابع قائلة: "هل تبعثين بأشواقك إلى منصف... هل هو بخير...؟"
تقطب حياة حاجبيها، قائلة: دعكِ من منصف ولا تغيري الموضوع... من التقيتِ اليوم... ؟ "
_ سليم ... التقيت به وقبّلته ولست نادمة على ما فعلت..."
_ من... تقولين من... وما الذي أتى به إلى هنا؟ سليم... يا الهي ...كم هذه الحياة صغيرة! "
_ وكم القدر كبير لأنه من صنع السماء, من كان يدرك أن آتي إلى تونس لالتقاء رجل يقطن ببروكسل... ومن يصدّق أنني رفضت كل علاقة حميمية معه، ونحن عشاق أحراراً لأرجع وأرضى بتقبيله، وهو من حق امرأة أخرى تقاسمه متاعب روحه وبهجتها... فالحياة صغيرة مهما بدت عملاقة، وكل قممها تلتقي والغريب فيها أنها قد تتصل القمم بالسفوح والسفوح بالقمم فمن قال من القدامى أن عظام الجبال لا تلتقي؟ من قالوا ذلك فقد أصابوا أو أخطئوا، فهي لابد لها أن تلتقي بالحنين وبالولع... تلتقي ولكنها قد تلتقي بعد أن تتغير وتتآكل قممها وتحتدّ ملامحها من قسوة التجربة...".
ومنه ما جرى بين وهيبة وزوجها عبد القادر ويمثل صورة ناطقة لمعاناة المرأة:
وهيبه: " لقد أخبرتكَ أننيّ سوف أتأخر ّقليلا أليس كذلك...؟"
ينظر إليها (عبد القادر) بزاوية عينه مستمتعا بخوفها, ثم يرّد بسخرية:
عبد القادر: " نعم، ولكنّك تأخرتِ دقيقتين وبعض الثواني."
تنظر إليه متعجبة بما يقول، وهي تحاول قراءة أفكاره ثم تفبرك ابتسامة خافتة:
_أدرك بأنك تمزح...ألمْ تعدّ كم تأخرّتُ من ثانية بعد الدقيقتين...؟"
تقول عباراتها تلك، وهي تقف وقفة المحروم الذي يرجو أنْ يحدث شيئا جميلا في حياته ولو كان وهما كاذبا أو كالسجين الذي يساير جلّاده فيما يأمره به دون أدنى نقاش... فيستدير نحوها, يرفعُ يده لصفعها حتى تسقط أرضا، وهو يقول:
_"تدركين عزيزتي أننيّ لا أمزح إلا مرّة ً واحدة في السنة، وإنْ قررّتُ ذلك فمع امرأة ترضيني وتجيد لغة الأنوثة جيدا..." يمسكها من شعرها وهي ترّد على الوجع بالأنين، ويستدرك قائلاً: "أما أنتِ فلستِ سوى تلك الأمَة التي عليها أنْ تنظف البيت وتطيع سيّده, لأنّك كما رايتك دائما امرأة لا تستحقين في الحياة شيئا...يكفي أنكّ خلقتِ لي، وما قيمة امرأة خلقتْ لغير الرّجال...؟"
يدفعها لتسقط على الأرض من جديد، ثم يشرع في تغيير ملابسه العسكرية وهو يستعرض قوة عضلاته التي صنعها في صالة القوى كوحشٍ بدائيّ لا يحسنُ سوى لغة القوة والصراخ...كانتْ تنظر إليه، وهي تتراجع إلى الوراء زاحفةً وبعض الدم يتسرب من بين شفتيها، ودموع ترثي معاني الحسرة والأسف على شباب امرأة ٍ ضاع في ليالٍ صامتة في أدغال غابة كثيفة
ومنه ما جرى بين وهيبة وزياد:
فقال:
_" إنّ ذكاء النساء أروع من جمالهن، ومن زادها الله جمالا مع فطنة، فحظّها وفير وستكون لا مثيل لها بين النسوة..."
قلتُ: " من أنتَ إذن..."
قال: ناديني كما يحلو لك، المهم أنني من يهتم بك بضعة أيام أو أكثر ..."
_ قلتُ: هل اسمك بشع إلى هذا الحد... إلى درجة انك لا تريد البوح به ..."
ويا لتلك الضحكة ذات الصوت الفريد! أضحكني معه، وأنا التي لا تبادل الغرباء حديثهم ولا ابتساماتهم, يصمت، ثم يقول:
_ " زياد ... هل هو بشع... ؟ "
_ قلت: "لا أدري إن كان حقا بأن هذا هو اسمك... فمقياس بروكا للكذب لا يمكنه كشفك في هذه الحال مع الأسف."
أما الحوار الداخلي: ومن أمثلة حوار وهيبة مع نفسها:
"كيف يمكنكِ النجاة من قبضة رجل قد لا يكون اسمه عبد القادر ولكنه يشبهه تماما؟ ...قد لا تدبر عائلتك الارتباط به ولكن للقدر تخطيطاته أيضا, قد أجيب خائفة من قدري: "لا...لن يحدث ذلك "...لا تخرجي بخيالك بعيدا عن هذا الورق ...ثم أبتسم ساخرة من نفسي بعدما سقط قناع اليقين و أمضي في ذهول ..."
وتقول أيضا مخاطبة نفسها: "جلستُ أتساءل عن الحلم الغريب ليلة البارحة، ولكن هل يتكرر الليلة يا ترى ...؟ لا اعتقد وعبد القادر غائب كلّ الحياة تصبح وردية ...حياة اليقظة وحياة الوهم كلاهما تصبح وردية الأمل ...لا يوجد سواها التعيسة التي تشاركني لحظات فرحتي وتطربني بصوتها كالأنتيكة الراقية في ترتيلة عزف فرنسي الرنين... ايديت بياف تدندن في غرفتي لجمهور شاحب أسير تحمله عيوني المرهقة"
وقولها في نفسها تخاطب البحر: " وقلت صارخة: "لن أبوح لك بعد اليوم أيتها الموجات اللعينة ...كم من سنة وأنا أشكو لك ما بداخلي فماذا فعلت لي ...؟ كفِّ عن الهدير ...انه يزعجني ...كفَّ عن الكذب وأنتِ التي جردَّتني من رجل أحببت, غادر ورحل عني إلى البلاد البعيدة على متن قارب من ورق ... منحتك ما يكفيك من كبريت صدري لتحرقيه، وأنتِ... أنتِ التي تواسيني الآن .ماذا فعلتِ؟ ...أطفأتِ كبريتي، وحملتْ موجاتك القارب حتى فرنسا، وتركتني أبكي تحت صفعات عبد القادر ..."
وقولها في الجزء الثاني وهي تفكر في مرافقها زياد في المستشفى:
_ يقطب حاجبيه: " ذلك قدر السماء صديقتي..." فيسرح كلانا ولا صوت سواها, يصدح صوت فيروز في فضاء الصالون، فتطرق فكرة في بالي للتو، وأتساءل: ... هل نمتُ بين ذراعيه ليلة أمس ...؟
ثم أسأل نفسي : _"هل لك أن تكوني مثل وهيبة ...؟
وبافتراض ذلك كيف تتصرفين...؟ كيف يمكنك النجاة من قبضة رجل قد لا يكون اسمه عبد القادر ولكنه يشبهه تماما؟ ...قد لا تدبر عائلتك الارتباط به ولكن للقدر تخطيطاته أيضا, قد أجيب خائفة من قدري: "لا...لن يحدث ذلك "...لا تخرجي بخيالك بعيدا عن هذا الورق ...ثم أبتسم ساخرة من نفسي بعدما سقط قناع اليقين و أمضي في ذهول ...".
وبالحوار تسعى الراوية لرصد المنطق السردي أو المسار التوليدي الذي ينطلق منه الحلم كرؤية واختيار قصدي لتشكيل نسيج سردي متميز له منطلق ومقصدية واضحة.
ومنه استخدام تقنية الحلم، ويمثل ذلك حلم وهيبة والخوف منه:
"... بين أشجار غريبة الطول والمنظر, ملتوية, متشابكة فيما بينها، في مكان مظلم حيث الضباب يسود والذئاب تعوي إلى جانب أصوات أخرى من ضجيج كائنات مخيفة، يتحرك هذا الوسط حول وهيبة التي كانت تجري حافية، وتلتفت حولها وهي لا تفهم من هذا الإبهام شيئاً ...يلاحقها ذئب يخرج في طريقها من حيث لا تحتسب، فتدخل بين الأشجار من جديد، وهي تعدو متعرّقة وخائفة ثم تحاول متابعة طريقها, وتعدو بعض الخطوات لتجده أمامها مرة أخرى مكشرا عن أنيابه، وهو يطوي العواء في صوته المضغوط، ينظر إليها بحدة, بعينين براقتين ومخالب مقوَّسة في الوحل، لتبدأ السماء بالمطر، ويصمت كل شيء ...لم يبق سوى وهيبة واقفة أمامه ترتعش من شدة الخوف والبرد، يتراجع إلى الوراء قليلا معلنا الهجوم، فتصرخ وهيبة وهي تغطي وجهها بيديها للحظات, ثم تفتح عينيها فلا تجد غيرها بين تلك الأدغال الوعرة لتلتفت وراءها فلا تجد للذئب أثرا..."
ونرى أن لغة القاصة هدى درويش تتصف باللغة الواقعية والتصويرية، تتداخل فيها الفصحى، وأحينا قليلة العامية الجزائرية لتقترب أكثر من خصوبة الواقع العربي الجزائري، لذالك استعملت الراوية تعابير العامية الجزائرية وأساليبها وألفاظها وصيغها.
وتستخدم القاصة أحينا اللغة المحكية الجزائرية، ومثال ذلك:
"الحايك" على جنب و"الحايك " أو "الملحفة" كما يقال عليها في بعض المدن الجزائرية هي لباس ما بين الأبيض والأصفر الفاتح, ترتديه النساء بأناقته التقليدية وفتحاته التي تسمح للجزء السفلي من الساقين بالظهور، ومن اللهجة الجزائرية قول أم حياة لحياة: "جبتلك حقك هاذي مدة ما جبتهولكش ..."
وقولها أيضا: "ما قلتلكش_ بعيد الشر_ تعرفين وردة بنت الجيران ...تطلقّتْ من
زوجها البارحة ..."
وقولها وهي تنوح بغرابة واستكثار كجزائرية لا غبار عليها:
_ "دار بنتي خلات... واش بقالك يا وهيبة ؟".
وقول الشيخ لروز وهي تبحث عن أستاذها الذي غدر بها:
وكأي شيخ جزائري سريع التعصب، قال: "أنا نهدر معاك وما ترديش يا خي تربية يا خي؟".
وسوف أحلل جملا وعبارات في النص، ومنها:
الخصائص الأسلوبية:
أولا:التصوير الفني
ونرى أن الكاتبة توظف في بعض الأحيان تعابير قائمة على المشابهة (التشبيه والاستعارة)، والمجاورة (المجاز المرسل والكناية)، واستعمال الرموز لتشخيص الأحداث والمواقف وتجسيدها ذهنيا وجماليا، ومنها:
1.التشبيهات
أ‌.التشبيه المفرد:
التشبيه البليغ، ومنه: "فقلوب النساء حفرة من جراح"
ومثاله: "ولكن الحياة قطار لا يعرف التوقف".
التشبيه المرسل المجمل، في نحو:
"فقبل سنين, اِرتديتُ ملابسي كالمجنونة".
ومثله أيضا: "وأن ثورة القلوب تقوم كالساعة لا علم لأحد بها سوى الله".
وفي نحو: "قدر لا ينصف أحدا دون أن يدوس على أحد, سلب مني سليماً يوما في دروب السفر ووضعه كالعطر"
ومنه أيضا: "وعلّقت عليه مستقبلا دافئا كشماعة من نحاس" ومنه: ""الرجّال كالنرجس في الحب والكراهية"
ومنه أيضا: "هي مساءات كليالي العشاق، مضمحلة كضوء قمر خافت من طول السهر".
ومن التشبيه المرسل المجمل:
"وفي غرفتي حكايات كثيرة كالكائنات الليلية".
ومنه: "وأنا حينها كنت كعصفورة الشجن"، وفي مثل: "دخلتُ غرفتها كعرافة الشجن".
ب.الاستعارة:
ومن الاستعارات المكنية، ما يلي:
"صمت الضجيج، وعاد الهدوء زاحفا إلى حياتي من جديد"
فقد شبهت الكاتبة الضجيج بإنسان يصمت، والهدوء برجل يعود ويزحف، ذكرت المشبه في كلٍّ وحذفت المشبه به.
ومنه: "رحل المودعوّن وأنا جالسة على حافة الرصيف أجامل البحر ويجاملني كاذبًا": فقد شبهت الكاتبة البحر بإنسان يُجامل ويكذب.
ومن الاستعارة المكنية، قولها: "فالحياة صغيرة مهما بدت عملاقة، وكل قممها تلتقي" فشبهت الحياة بالجبال لها قمم.
ومنه: "ولكننا نضعف ونندهش في مرحلة انتظار الموت ونحن نراه زاحفا هنالك قادما ليأخذنا دون رجعة ساخرا من أنّه حطّم في حياتنا الكثير وضعضع من أحلامنا الأجمل..."
فقد شبهت الموت بوحش يزحف يحطِّم ويضعضع.
ومنه قولها: "لكن الكتابة عن وجهك هي الوحيدة التي تسعفني وتضمد جروحي"
فقد شبهت الكتابة بمسعق يسعف ويضمد الجراح.
وفي نحو: "بين أحضان الجبال الخضراء". فقد شبهت الجبال بأمهات لها أحضان.
ومنها: "وأنا حينها كنت كعصفورة الشجن العازفة بأناملي على شعره"
فقد شبهت شَعره بوتر آلة العزف الموسيقية.
ومن الاستعارة المكنية:
"قمرٌ يرفل بالسهر" فقد شبهت الكاتبة القمر بعروس ترفل وتتبختر.
وفي نحو: "ولكننا ننسى أن القدر سوف يحسم لها النهاية، وسوف يحكم الدهر على صراخنا بالصمت وعلى قوتنا بالفناء"
شبهت الكاتبة "القدر" بإنسان يحسم، و"الدهر" بحاكم، استعارة مكنية في كلّ.
ب.الاستعارة التصريحية:
"وأن ثورة القلوب تقوم كالساعة" :فقد شبهت الكاتبة حركة القلوب واضطرابها بحركة عقارب الساعة، حذفت المشبه " الحركة والاضطراب" واستعارت عنه بالمشبه به "ثورة" استعارة تصريحية.
ومن الاستعارات التصريحية، قولها:
"تنطفئ شموع معابد المحبّة" فقد شبهت زوال الحب بالانطفاء، استعارة تصريحية،
وفي نحو: "تداعبني نسمات البحر ونغمات الحنين" حيث شبهت هبوب النسيم بالمداعبة.
3.الكناية:
"من الغريب أننيّ لم أصحُ من تلك المتاهة الضبابية إلى يومنا هذا, أما عبد القادر، فقد زاد ذلك الضباب عتمة ًورحل ... كلاهما رحل وتركاني في هذا الطقس الغريب لا أدري من أنا ومن أكون". : كناية عن التحبّط والقلق والحيرة
ومنها: "تحكي حياة شجونها، ويردّ عليها من صدري الأنين": كناية عن الألم.
وفي نحو: "بينما كنت أستحضر مدينة سلبني فيها عبد القادر عذريتي وكرامتي, وضع يده على معطفي" : كناية عن الضياع وسيطرة زوجها بالكامل عليها وطمس شخصيتها.
وفي نحو: "ولكن الله يمنحنا مع الشمس ضوءًا خافتا لا يراه سوى الحزانى في ليل وحشتهم الغريب.." : كناية عن الوحشة.
وفي مثل: "وعلّقت عليه مستقبلا دافئا كشماعة من نحاس" :كناية عن الاعتماد على الصديق.
وفي نحو: "لكن الحياة في عمقها لازالت تنبض وتستطعم أذواق السيمفونيات الغربية" :كناية عن المتعة.
ومنها: "كلّما اعتقدتْ أنها فهمت هذه الحياة تجد نفسها مجرد تلميذة هاربة من جرح إلى آخر" كناية عن العذاب.
وفي مثل: "قصصتُ له ما حدث وهو يسخر كعادته من تصرفاتي الطفولية في ثوب امرأة ناضج" .
أرادت الكاتبة أن تنسب النضج لامرأة، فعدلت عن ذلك ونسبته إلى ماله اتصال بها، وهو "الثوب" كناية عن نسبة.
ومثله قولها: "هل لأن معطفي تعّرَف" : أرادت أن تنسب الترّف على نفسها، فعدلت عن ذلك ونسبته إلى ماله اتصال بها وهو"المعطف"، كناية عن نسبة.
ومن الكنايات، قولها: "خرج غاضبا يكلّم نفسه في فناء المنزل"
كناية عن شدة العضب.
وفي نحو: "يزيد الطين بلّة" كناية عن تكبير المشكلة.
المجاز المرسل:
ومثاله: "لم أهوَ قبل هاتين العينين اِمرأة" : ذكر "العينين "الجزء" وأراد بهما الكل "الحبيبة" مجاز مرسل علاقته الجزئية.
وفي مثل: "وعندها فقط نصرخ في صدر أرض الكبت بألا تزعج أقدام رفات الراقدين"
فقد ذكرت الجزء "الأقدام" وأرادت بهما الكل "أصحابهما، مجاز مرسل علاقته الجزئية.
وفي نحو: "لم تدون حروفي بصدق ما روته السيّدة وردة"
ذكرت الكاتبة الجزء "الحروف" وأرادت بها الكل "الكلام" مجاز مرسل علاقته الجزئية.
وفي نحو: "لكن الكتابة عن وجهك هي الوحيدة التي تسعفني وتضمد جروحي"
ذكرت الجزء "الوجه" وأرادت بهما الكل "الشخص"، مجاز مرسل علاقته الجزئية.
وفي مثل: "وندّق الأرض بأقدامنا غاضبين ساخطين, لا نحترمها أدنى احترام"
ذكرت الكل "الأرض" وأرادت جزءا منها، مجاز مرسل علاقته الكلية.
وفي نحو: "وتدفننا أيادي من ظلمنا ومن أحببنا"
ذكرت السبب "الأيادي" وأرادت ما ينتج عنها، مجاز مرسل علاقته السببية.
وفي مثل: "أما الحزن الثاني، فهو صادق يبكي جراحا عميقة صنعها فينا الزمن بأيامه ولياليه"
ذكرت "الزمن" وأرادت الناس الذين يعيشون فيه، مجاز مرسل علاقته الزمانية.
ومنه: "وفي غرفتي حكايات كثيرة كالكائنات الليلية لا تصحو شاحبة إلا مساءً"
ذكرت المكان "الغرفة" وأرادت من فيها "نفسها" مجاز مرسل علاقته المكانية.
ثانيا:التعبير (اللغة والأساليب)
1.الألفاظ والتراكيب
أ‌. استخدمت الكاتبة في نصها لغة سهلة موحية تخاطب عقول الناس وقد جاءت ألفاظ معجمها القصصي مناسبا ومعانيها مطابقة للأفكار، وصفت همومها وهموم المرأة الجزائرية واختارت كلماتها من معجم يوحي بالألم والحزن والضياع والخراب.
ب. جاءت تراكيبها متناغمة بعضها مع بعض، قوية متينة موحية بما فيها من الرمز الجزئي، تعبرا عن سخطها لحال المرأة في المجتمع الذكوري، وكرهها لما يحصل من إهانات، فاستخدمت أسلوب "الاتساع" وهو واحد من الأساليب, التحويلية التي تطرأ على العبارات والتراكيب النحوية، ويعرفه المحدثون من المشتغلين بالدراسات اللغوية بأنه عملية نحوية تأتي عن طريق إضافة بعض العناصر الجديدة إلى المكونات الأساسية دون أن تتأثر تلك المكونات.
ووضّح بعض البلاغيين هذه الظاهرة وأطلقوا عليها مصطلح "الاتساع": وهو أن أكثر الوظائف حيوية للصورة الاستعارة والصورة الشعرية، أي خلق معان جديدة من خلال صلات جديدة. وهو ما يعرف بالانزياح أيضا، ومنه في النص:
أ‌. الانزياح الإضافي
ومثاله: "كتابة عن شيطنة عينيك الجميلتين وذكائك الرجولي الذي لا مثيل لها"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "شيطنة" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "الرجل" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "عينيك" مما يكسب التعبير رونقا وبهاء. ومنه أيضا: "أشعر أحيانا كثيرة أن لا مبدأ لفؤاد الرجل"
فعندما يسمع المتلقي كلمة مبدأ" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "المنافق" لكنه يتفاجأ بوجود عبارة "فؤاد الرجل"
ومثاله في نحو: "لا توقظوا الحزن النائم"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "الحزن" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "الدفين" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "النائم"
ومثاله في نحو: "ارتشفنا قهوتنا تلك بنكهة العبرات"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "بنكهة" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "التفاح" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "العبرات"
وفي مثل: "أنْ نستحضر تجربة وجع أو فرحة من ذكرياتنا الباهتة "
فعندما يسمع المتلقي كلمة "ذاكرتنا" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- عبارة "التي لا تنسى" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "الباهتة".
وفي نحو: "شعري متناثر على كتفي بألوانه البنية اللامعة تحت شفق الانتظار"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "شفق" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "الغروب" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "الانتظار"
وفي مثل: "لا توقظوا الحزن النائم"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "الحزن" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "الدفين" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "النائم"
وكذلك في: "كما أنّ للشجن طباع وطقوس يمارس بها كما الحب تماما"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "للشجن" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "أوجاع" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "طباع"
ومنه أيضا: "ونرتدي الأسود ونزيل بريق البهجة عن وجوهنا"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "بريق" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "العيون" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "البهجة"
ومنه: "تنطفئ شموع معابد المحبّة ولـــو مرّت الخيانة نعشًا ترثيه الشياطيـــــــن"
فعندما يسمع المتلقي كلمة "الخيانة" يتوقع أن تليها –على سبيل المثال- كلمة "سريعا" لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "نعشا"
ومن الانزياحات الإضافية في الرواية:
"فقد كنتَ كذبتي الصادقة التي تنعشني بخيالها، وتستهويني بدعاباته" : فبعد كلمة "كذبتي" يتوقع المتلقي وجود كلمة أخرى، مثل "الشائنة" مثلا، لكنه يتفاجأ بوجود كلمة "الصادقة".
ومثله قولها: "ظلمتني الحياة كثيرا وأحزنتني وأصّرت على تعميق أوجاعي وشجوني"، ومثله أيضا: "حروق الاشتياق".
إن جمالية الانزياح تخلق اللغة الإبداعية وتوجد هوامش رحبة، على حساب اللغة المعجمية وانطلاقاً منها، ففيها يتأتى للقارئ الإقبال على العمل الفني، وتذوقه ومدارسته ومحاورته، بشغف ونهمٍ كبيرين، إلى درجة الاستمتاع والإثارة والاقتناع به فنياً وجمالياً.‏
ب‌. الانزياح التركيبي
وقد استخدمت الشاعرة تقنية الاختراق أو الانزياح، وهو مخالفة التراتبية المألوفة في النظام الجملي. من خلال بعض الانزياحات المسموح بها في الإطار اللغوي، ومن أمثلتة، في قولها:
"واليوم ها هو يعود لي بعد أن استفاقتْ في صميمه الأشواق" :
فقد قدّمت ما حقه التأخير، وهو شبه الجملة "في صميمه" على الفاعل "الأشواق، وهذا أبلغ أثراً وأعمق دلالة.
ومن أمثلة الانزياح التركيبي أيضا:
" :ولم يبق لها من طاغور الحب شيء" فقد قدمت شبه الجملة :"من طاغور الحب" وحقها التأخير على الفاعل وحقه التقديم"شيء". ومثله: " تلك هي الحقيقة البحتة التي لم يصل منها إلينا سوى جزء وهمي"
ومنه: " أم أنني ما عدتُ أرى الناس أجسادا وذهبتْ بي غرابتي لتحليل لغة الذاكرة وأوتار الروح"، حيث قدّمت شبه الجملة "بي" وحقها التأخير على الفاعل "عربتي" وحقه التقديم. ومنه: "خرجنا وهو يحمل لي بعض أكياسي"، ومثله:
" أنا التي أوقف حياتها رجل ذات يوم"
فقد قدّمت ما حقه التأخير، وهو المفعول به "حياتها"" على الفاعل "رجل" وحقّه التقديم.
ومن الانزياحات التركيبية: "وكذلك: ليس الظلام مخيفا بقدر ما أن الجلوس فيه وحدي مخيف"، ومنه:
"غير أنني لازلت أحاول ألا أكون يوما غير نفسي" ، ومنه: "وفي غرفتي حكايات كثيرة كالكائنات الليلية" : فقد قدّمت الخبر "في غرفتي" وحقه التأخير على المبتدأ "حكايات" وحقّه التقديم. ومثله قولها: " لكل وتر منها قصة، ولكلّ نغم منها حكاية. ومثله: " لا أدري ربّما كان في أعماقي شيء من اليقين أنها سوف تبوح لي يوما بسرّ أحزانها".
الأفعال المضارعة والشرط:
إنْ عشقنا نخاف فرحة العشق ونموت خوفًا أن يسلبها القدر منّا يومًا، وإنْ فشلنا يكون فشلنا بمثابة نهاية الكون فنبكي, ننطوي ونتألم، وفي صباح ما وبمجرّد ما نزيل الغطاء عن وجهنا ونلمح ضياء شمس ٍ جديدة نقول في أنفسنا لا بأس بتجربة تعلّمنا الحياة أكثر, تسقينا الأمل والألم في الوقت ذاته، ونبتسم؛ لأننا نحبّ الحياة، نبستم لغدٍ يملؤنا بوعوده المزينّة والتي تبدي لنا أن نلتقي يومًا بأحبّاء يعلمّوننا أن هنالك صباحات تستحق أن نصحو لأجلها .
وقد اتكأت الشاعرة على مفردات الفعل المضارع كالأفعال السابقة التي تحتها خط؛ لما فيها من استمرارية، استمرارية مـأساة المرأة وامتهانها من الرجل والمجتمع الذكوري، والفعل المضارع يوحي باستمرارية الحدث وإظهار الحيوية، و برغبة الراوية في إظهار خطر ما يحصل من تدمير وتخريب لكيان المرأة وذاتها، وفيه تأكيد على موقفها الرافض لما يحصل، وهذا يؤدي لنسف القيم وضياع اللحمة والترابط بين أبناء الأمة، وفقدان الحب والمحبة. واستخدمت الفعل الماضي؛ ليفيد السرد.
واستخدمت الكاتبة أسلوب الشرط؛ في نحو: "إنْ عشقنا نخاف فرحة العشق ونموت خوفًا أن يسلبها القدر منّا يومًا، وإنْ فشلنا يكون فشلنا بمثابة نهاية الكون فنبكي, ننطوي ونتألم" لما في الشرط من حجة وإقناع.
2.المحسِّنات البديعيَّة
الطباق:
"قد لا يفرِّق بين حب الروح وحب الجسد واِنْ تظاهر بذلك, وبين ذاكرة الروح وذاكرة الجسد فرق كبير.. "
فقد طابقت القاصة بين كل من: " حب الروح" و" وحب الجسد, وبين "ذاكرة الروح و"ذاكرة الجسد"
ومنه: "كذلك الذي هاتفني بعد قصة حب كبيرة, ربما كبيرة في نظري صغيرة بحجمه الرجولي"
طابقت بين كل من "صغيرة" و"كبيرة".
ومنه أيضا: "يقلع القطار مع أول بزوغ ضوء النهار، ويتفاجأ لحظة دخوله ظلام"
طابقت بين كل من "النهار" و"الظلام".
ومنه: "أنْ نستحضر تجربة وجع أو فرحة من ذكرياتنا الباهتة"
فقد طابقت بين كل من "الوجع" و"الفرح".
ومنه أيضا: "من قالوا ذلك فقد أصابوا أو أخطئوا"
فطابقت بين كل من "أصابوا" وأخطئوا".
ومنه: "وهي تجلس على طرف السرير البنيّ تجول بعينيها يمينا وشمالا".
فطابقت بين كل من "يمينا" وشمالا".
ومثاله: "أصبحت معه لا أفرِّق بين الصحوة و الحلم ولا بين الليل والنهار"
فطابقت بين كل من "الصحوة" والحلم" وبين "الليل" و"النهار".
وفي نحو: "تحسّنتْ حالتي بين قوت الروح وقوت الجسد".
فطابقت بين كل من "قوت الروح" وقوت الجسد".
المقابلة:
ومنها: "يصاحبنا في ذلك اليأس الآمل والأمل الميئوس منه".
فقد قابلت بين كل من: "اليأس" و"الأمل" وبين: "الأمل" و"الميئوس منه".
ومنها أيضا: "فأفرح أنا وتبكي أخرى".
فقابلت بين كل من: "أفرح" و"تبكي" وبين: "أنا" و"أخرى".
ومن المقابلة: "قد نقوى على تصديق الموت بعد الحياة والحياة بعد الموت".
فقابلت بين كل من: "الموت" و"الحياة" وبين "الحياة" و"الموت".
الترادف:
ومثاله:
وأنا التي اعتدت اختيار الأجندات الفخمة والمفكرات الثمينة
كنت أختار حبرها وألوانها وأطيافها على الورق
التقسيم:
الحزن حزنان: حزن صادق أمام نفسك، وحزن عابر أمام الآخرين.
وقد قسّمت الكاتبة الحزن إلى حزنين لا ثالث لهما: "حزن صادق أمام نفسك" " و "حزن عابر أمام الآخرين" بأسلوب سلس.
فتركتني (أوديت) في ذلك الخريف الغريب وحدي في ثلاثية: أنا وصديقي والحب.
فقد قسّمت الثلاثية إلى ثلاثة أقسام لا رابع لها: " أنا" و"صديقي" و"الحب".
الحذف:
في نحو: "كانت يداي وزياد متشابكتين" والتقدير: "كانت يداي ويدا زياد متشابكتين" وهذا يجاز بالحذف.
وفي مثل: "قلتُ:"كيف أنتِ الآن روز...؟ " والتقدير: "قلتُ:"كيف أنتِ الآن يا روز...؟
الموازنة:
دخلتُ غرفتها كعرافة الشجن أمشي ببطء وأفكرّ بتردّد
فقد وازنت بين كل من: "أمشي ببطء" وبين جملة "أفكر بتردد".
تلك السعادة التي بحثتُ عنها كانت أول باب للجحيم، و أوّل تجربة، وأوّل وعد، وأوّل نهاية...
وفي قولها أيضا: "أنا كنت غريبة دون عائلة، وهو كان غريبا دون وطن"
فقد وازنة بين جملة " أنا كنت غريبة دون عائلة" وجملة "وهو كان غريبا دون وطن" ليحدث الإيقاع الموسيقي.
وكما في نحو: "تجربة في العشق كلفتني الكثير, وتجربة في الحنين علمتني الكثير"
فقد وازنت بين جملة: " تجربة في العشق كلفتني الكثير" وجملة "وتجربة في الحنين علمتني الكثير".
3. التناص
وظّفت القاصة في نصها الأدبي النصوص التراثية الإنسانية التي تغني تجربتها الشعورية وتوفر لها طاقات إيحائية واسعة، ومن التناص التضمين،
وفي النقد الحديث دخل مصطلحا (الاقتباس والتضمين) تحت مصطلح (التناص) عند أكثر النقاد، بمعنى دخول النصوص بعضها في بعض، سواء أكان ذلك عمداً وقصداً أم من فيض العقل الباطن، إذ يشبهون النص الأدبي (بالفسيفساء) التي تتكون من عدة أحجار وألوان بشكل منسق جميل يمنحها شخصية رائعة مستقلة ننسى فيها تفاصيل الأحجار والألوان، والتي يقابلها في الشعر الألفاظ والصور..
ومثاله في الرواية، الاقتباس: " يقول أوسكار وايلد: "الحياة حلم لكن لحظة الاستيقاظ منه هي التي تقتل"
يقول جون بيار فولدنغ: "لا توقظوا الحزن النائم"
ومنه قول جبران خليل جبران: "لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل..."
وفي نحو: "ويقول أوسكار وايلد: "الحياة حلم لكن لحظة الاستيقاظ منه هي التي تقتل"
ومنه أيضا الأمثلة التالية:
"يقول أوسكار ويلد: "الحياة مصيبتان: أولهما، أ لا تحصل على ما تحب، وثانيهما، أن تحصل عليه... "
"في كافيتيريا "أيرل بيز" ذات القهوة الصباحية المميّزة، وألفيس بريسلي يلقي كلماته الهادئة:
أحبيني بشدة
أحبيني بصدق ...
لا تتركيني أذهب... وسوف أظل احبك للأبد"
يقول جبران خليل جبران: "ما أنبل القلب الحزين الذي لا يمنعه حزنه عن أنْ يشارك الآخرين فرحتهم! "
وما سبق يعتبر تناصا أدبيا، ومن التناص الديني:
عدت وحبيبي والاشتياق ثالثنا، والبراءة في بريق عينيه رابع الدلائل على رجل إن أقسم لا يخون.
وهذا تأثر بجزئية من حديث رسول الله –صلّ الله عليه وسلّم- : "رُب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره"
والتناص ظاهرة لغوية معقدة تستعصي على الضبط والتقنين. ﻷننا عندما نقرأ نتاجاً فإننا نقرأ دوماً أكثر من نتاج بكثير: إننا ندخل في اتصال مع الذاكرة اﻷدبية: ذاكرتنا الخاصة، ذاكرة المؤلف، ذاكرة النتاج نفسه؛ فاﻷعمال التي سبق لنا أن قرأناها، وحتى سواها، تكون حاضرة في قراءتنا وكل نص هو كتابة مخطوطة فوق أخرى(14).
ولا نعدم ظلال الحكمة بين الفينة والـأخرى في أفياء الرواية، والحكمة وليدة التجربة، وابنة المحن، ومن أمثلتها في النص:
"أكبر عيوبكَ أنّك لا ترى عيوبك، فاِنْ رأيتها لا تعترف بها، واِن رأتك اعترفتْ عليك".
ومنها: "بعض الشعراء كالعاشقين في الخفاء ... هم أولئك الذين لم يقرأ لهم أحد، ولم يسمع عنهم أحد"
ومن الحكم: "رحلة القطار كالحياة تماماً, كلّ عربة فيه تساوي حقبة من الزمن لا تقود نفسها بل يقودها القدر إلى حيث يريد"
ومن الحكم أيضا: "نحن لا نشعر بقيمة من نحب في وجداننا لحظة لقائنا به, لكن جرعات الحب تحسبها الروح منبهات للاشتياق"
ومنها: "من ذاق طعم الجراح لا يمكن له أن يستهزئ بما تحمله حياة الآخرين من تناقضات".
ومن عيون الحكم أيضا: "لا يمكن للمرء أن يتصرف بعدوانية ما لم يكن قد خذله الكثيرون، ولا سيما أقرب الناس إليه... في زمن أصبح فيه الإنسان لا يرحم آخر يشبهه إلا إذا كان من بعد رحمته مصلحة سوف تنشأ".

ومنها: "رغم أنّ الحب حلم...إلا أنّه العلاقة الوحيدة التي تربطنا بالواقع".
ومنه: "لكنني بعدها بدأت أتعلم بذاكرتي الجديدة كيف للصمت وحده أن يكون المرء عظيما, وكيف للمواجهة غالبا ما تؤدي إلى أخطاء، وكيف للعظمة أن تتلخص في قلب وعقل واحد"
ومن الحكم: "ليتَ حياتنا نافذة لنغلقها في وجه كلّ من مرّ بها، وهو لا يستحق ... فلا تغضب ممن أساء لمحبتك، بل اتعظ بأن لا تثق في أمثاله" .
ومن الأخطاء اللغوية قولها: "سوف لن أنساك "، "فسوف" للاستقبال، و"لن" حرف نفي واستقبال، وواحدة منهما تغني.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




الهوامش

1.في نظرية العنوان.. مفتاح النص وجوهره...من الشعر إلى القصة والخطاب الدرامي عالم من الإبداع ومستويات العنونة، صحيفة الوطن، الأحد 03/31/2013
2.الأدب العربي وفنونه، د. نهاد الموسى ورفاقه،ص 308، ط1، 1993، عمان.
3.تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة 1947- 1985،شريبط أحمد شريبط، ص 24، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1998.
4.الزمان والمكان في رواية "رابع المستحيل"، للقاص عبد الكريم السبعاوي ،الدكتور عبد الخالق محمد العف أستاذ الأدب المشارك، ص3، الجامعة الإسلامية – غزة.
5.انظر: أهمية المكان في النص الروائي ،أسيلة البو علي، مجلة نزوى، العدد الثلاثون، 14/ 7/ 2009
6.دراسات في الأدب الفلسطيني، د. عاطف أبو حمادة ورفاقه، ص 289، ط 1، 2003، عمان.
7.دراسات في القصة العربية الحديثة، محمد زغلول سلام، ص11، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1988.
8.دراسات في القصة العربية الحديثة، محمد زغلول سلام، ص 27.، ط الإسكندرية، منشأة المعارف، 1988
9. الأدب العربي وفنونه، د. نهاد الموسى ورفاقه، ص 308، ط1، 1993، عمان.
10.ترجمة رعد عبد الجليل، ص 19، ط 1، 1995، دار الحوار، اللاذقية، سوريا.
11. دراسات في الرواية والقصة القصيرة، يوسف الشاروني، ص294، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1967
12. دراسات في الأدب الفلسطيني، د. عاطف أبو حمادة ورفاقه، ص 291، ط 1، 2003، عمان.
13. الأدب العربي وفنونه، د. نهاد الموسى ورفاقه،ص 309، ط1، 1993، عمان.
14. نقد النقد، نزفيتان تودوروف، تر. سامي سويدان، مركز اﻹنماء القومي، بيروت، ط1986 ،1،ص 94.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: تحليل رواية "نساء بلا ذاكرة" للقاصة هدى درويش، بقلم الناقد: عبد المجيد جابر
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تحليل قصيدة "بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ! " للشاعرة آمال رضوان بقلم الناقد د. عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 4 04-12-2022 08:28 PM
فروقات لغوية بين عبارتي: "طب نفْسا" وطبْ نفَسَا": بقلم د. عبد المجيد جابر اطميزة ماجد جابر منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 5 10-03-2020 06:21 AM
الصورة الفنية والرمز في مقطوعة "فجر العودة" بقلم الناقد: عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 1 01-25-2015 08:54 AM
تحليل قصيدة "الصدار الذي نسجته" للعقاد بقلم الناقد: عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 11-11-2014 07:32 PM
التحليل الأدبي لقصيدة "السعادة" للشاعر سعيد يعقوب، بقلم الناقد :عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 04-26-2013 08:49 PM

الساعة الآن 03:40 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.