احصائيات

الردود
1

المشاهدات
4265
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
01-25-2015, 08:49 AM
المشاركة 1
01-25-2015, 08:49 AM
المشاركة 1
افتراضي الصورة الفنية والرمز في مقطوعة "فجر العودة" بقلم الناقد: عبد المجيد جابر

أولا: النص
"فجر العودة"
قمــرٌ بلا ليـلٍ ولا أشعـارِ
وربيعُ حُلمٍ تائهِ الأطيارِ
وأقولُ في رجعِ النَّدى وغنائنا
قلبي غدا عزفًا بلا أوتارِ
أمشي على نَفَسِ الصّدى لو مرَّ بي
صوتُ الحياةِ يجولُ في الآثارِ
يتكـوَّمُ التـاريخُ مثلَ حجـارةٍ
والحاضرُ الموءودُ مثلَ غبارِ
أجثو على الأطلالِ ركعةَ نائحٍ
وأحدّثُ الآثارَ عن أخباري
مَنْ غيرُنا ما زال يبكي منزلاً
وأحبَّةً ويقولُ: أينَ دياري؟
المنزلُ القمريُّ شُرِّدَ شملُهُ
ويقولُ: أهلي هم مدى أنظاري
تتحاورُ الأحجارُ في الذكرى التي
تخطو كحلْمٍ تائهِ المشـــوارِ
مـــدُنٌ معلّقةٌ على أحــــلامنا
سُفُنًــا بلا بحـــرٍ ولا بحّـارِ
ها تذرفُ الذّكرى على أيّامنا
خمرًا كعِطرٍ في هوى السُمّارِ
فأكادُ ألمسُ عشقَهمْ ونشيدَهمْ
ويكادُ يسقطُ دمعُهمْ بجواري

صوتُ الصبيِّةِ في المعالمِ عائمٌ
جُمَلٌ مقطعَّةٌ وجرحٌ جارِ
لو تُجْمَعُ الأحجارُ تَنزِفُ قصةً
أو تُرفعُ الأسرارُ تُعْرَفُ داري
ومخيّــمٌ أوتـادُهُ مدقـوقةٌ
في مفصلِ التاريخِ والإصرارِ
في ليلهِ قمرٌ يضيءُ حكايةً
في صبحهِ أملٌ يسوقُ مساري
والفجرُ يُشرقُ من نشيدِ عشيقةٍ
غنّتْ لليلٍ كامنِ الأنوارِ
تأتي مجازًا قادرًا أن تلتقي
فيهِ الحياةُ ورونقَ الأعمارِ
سطعَ الحنينُ على تجبّرِ ليلها
ليُطّلَ فجرًا من أفولِ قفارِ
ونقولُ للكفِّ التّي حجبتْ سنا
كفُّ الحقيقةِ فوقَها كالنّارِ
صُبّارُنا شوقٌ فشوكُ حنينهِ
وَخَزَ المدى بتأبُّدِ الصبّارِ
ويُشيرُ نجمُ الهَدي إِنْ سارَ الهوى
نحو الجليلِ لقِبلتي ويساري
فالأرضُ قلبي والهوى في مهجتي
إيقاعُ سيرٍ في خطى أقماري
المسجدُ الأقصى تسامى واعتلى
فوقَ الزّمانِ وسطوةِ الأقدارِ
هيَ قدسنا أنوارُها محجوبةٌ
خلفَ الضّبابِ وأنجمٍ ونفارِ
مكيّةٌ قد هاجرتْ ليعيدَها
مجدُ الرّسولِ ونُصرةُ الأنصارِ
وكنيسةٌ صاغتْ قيامةَ روحنا
صُلبتْ على جرحٍ بدونِ قرارِ
ستقومُ من تحتِ المساءِ مشاعلاً
كفًّا بلا ألمٍ ولا مسمارِ
ثانيا: التحليل الأدبي
يقول الشاعر:
فجر العودة

قمــرٌ بلا ليـلٍ ولا أشعـارِ
وربيعُ حُلمٍ تائهِ الأطيارِ
وأقولُ في رجعِ النَّدى وغنائنا
قلبي غدا عزفًا بلا أوتارِ
أمشي على نَفَسِ الصّدى لو مرَّ بي
صوتُ الحياةِ يجولُ في الآثارِ
يتكـوَّمُ التـاريخُ مثلَ حجـارةٍ
والحاضرُ الموءودُ مثلَ غبارِ
أجثو على الأطلالِ ركعةَ نائحٍ
وأحدّثُ الآثارَ عن أخباري
ثانيا: التحليل الأدبي
صورة قمر لكن لا ليل يعتريه، ولا شعر يقال فيه يخلو من السمّار والخلان، وربيع حلم الشاعر تائه من هول الوقع، وصورة قلب الشاعر يود الغناء والعزف لكن لا يوجد ما يطربه كالربابة بلا وتر، والتاريخ لم يرحم، وحاضر الشاعر، موءود كوأد الغبار، وصورة الشاعر يقف على أطلال بيوت هدِّمت وخلت من أهلها، يكلمها الشاعر ويهمس لها عن واقعه الأليم.
إن هذا التصوير المتقن الذي دبّجته الصور التشبيهية بين المادية الصريحة والمعنوية المجردة، وهذه الصور تجمع ما بين المتباينات والتقابلات، لقد بنى الشاعر أبياته هذه على التضاد، وهو سمة كثيرة الحضور فـي الـشعر الرامز بصفة عامة، وفيه جمالية مكثفة تكشف عن أساس الحياة انطﻼقا من كـون الثنائية خيطا رفيعا ينتظم أشياء الحياة وانسجامها في الوقت نفسه. لكن اﻷهم من كـل هذه الجوانب الشكلية الفنية هو انطباق التسمية علـى الواقـع الـسياسي المحلـي والقومي على السواء، فالوطن قمر جميل، إﻻ أنه مليء باﻷهوال النابعة من احتلال وطن وما ينتج عنه، فالقمر في الوطن بلا ليل ولا سمر فيه ولا سمّار، وربيع شباب تائه مضطرب، وقلب يعزف لكن بلا وتر لآلته، وحاضره موءود متبعثر طائر كما الغبار، وتاريخ جامد كما الحجارة، وصوت يجول بين أطلال ديار كانت ديارا، والشاعر يجثو راكعا باكيا يسأل الدار عن صاحبا، فالشاعر أثرى النص من خﻼل عاطفته الشجية المتدفقة المنفعلـة الحزينـة، جـراء الواقع الذي يعيشه من احتلال وسلب لوطن وللحرية، كل ذلك أفضى على واقـع كئيـب حزين، إن هذه المعاناة في واقع الشاعر جعلت من هذه الـصور التـشبيهية المتتابعة صورا ليست عادية، بل هي صور ارتسمت في وجدان الشاعر وفي أحاسيسه وتعدت شعوره، ولم تعتمـد علـى رؤيـة عادية، وإنما أصبحت وليدة الرؤية الداخلية الخاصة للشاعر ، ثم جاء التجسيد في العبارات والشطور التالية ظاهرا جليا:
(قمــرٌ بلا ليـلٍ ولا أشعـارِ), و(وربيعُ حُلمٍ تائهِ الأطيارِ)، و(قلبي غدا عزفًا بلا أوتارِ)، و(والحاضرُ الموءودُ مثلَ غبارِ( و(وصوتُ الحياةِ يجولُ في الآثارِ)، و(يتكـوَّمُ التـاريخُ مثلَ حجـارةٍ)، (والحاضرُ الموءودُ مثلَ غبارِ)، و(أجثو على الأطلالِ ركعةَ نائحٍ)، و(وأحدّثُ الآثارَ عن أخباري): وشبه تكوُّم التاريخ بالحجارة، تشبيه مرسل مجمل، فوظيفة التـشبيه ليست (لرسم اﻷشكال واﻷلوان محسوسة بذاتها كما تراها ، وإنما لنقل الشعور بهذه اﻷشـكال واﻷلوان من نفسٍ إلى نفس(1)
والصور المتلاحقة هنا كلها جاءت تصويرا وتأكيدا وتجسيدا لعمق اﻷسى واﻷلم المخطوطين فـي وجدانه، إن الحال النفسية للشاعر وعواطفه الصادقة والمتأججة، جعلت التعبير بهذا الوضوح أكثر جمـاﻻً وقدرة على تأدية العمل الفني بنجاح، والشاعر.
ولقد بدأ الشاعر قصيدته بأسلوب خبري لتأكيد الذات، والتعبير عن هول الواقع في هذا الوطن.
ويقول الشاعر:
مَنْ غيرُنا ما زال يبكي منزلاً
وأحبَّةً ويقولُ: أينَ دياري؟
المنزلُ القمريُّ شُرِّدَ شملُهُ
ويقولُ: أهلي هم مدى أنظاري
تتحاورُ الأحجارُ في الذكرى التي
تخطو كحلْمٍ تائهِ المشـــوارِ
مـــدُنٌ معلّقةٌ على أحــــلامنا
سُفُنًــا بلا بحـــرٍ ولا بحّـارِ
وهنا ينتقل الشاعر للأسلوب الإنشائي فالاستفهام ب "من" يفيد النفي، فلا أحد من شعوب العالم يعاني محنة الفلسطيني من هجر واستيلاء على الأرض وتهويد وتشويه للتاريخ وسرقته وقتل ودمار وتفريق لجمع الأهل والأحبة، والاستفهام ب "أين" يفيد التعجب، فالفلسطيني يتعجب من واقعه ويتساءل أين ذهبت الديار والأوطان؟ وفي البيت الأول يذكر الشاعر المنزل "الجزء" ويريد به الوطن " الكل" مجاز مرسل علاقته الجزئية، وفي عبارة "المنزلُ القمريُّ" رمز موح يرمز للبيت الجميل، وفي عبارة "مدى أنظاري" مجاز مرسل ذكر المكان وأراد من فيه، مجاز مرسل علاقته المكانية؛ إي على طول النظر، وفي "تتحاور الأحجار" كناية عن التشريد، ولقد شبه الشاعر الحجارة بإنسان يتكلم ويتحاور بعدما شُرِّد الفلسطيني من وطنه، وفي قوله: "تخطو كحلْمٍ تائهِ المشـــوارِ" فقد شبه الذكرى بكائن حي تخطو وتسير في مشوار لها، أو كناية عن السير المضطرب بسبب هول المأساة، وفي عبارة "مدن معلقة" ذكر الشاعر المدن المحل وأراد أهلها، مجاز مرسل علاقته المحلية، وهي أيضا كناية عن اندماج الوطن في وعي الفلسطيني، وفي عبارة "بلا بحر ولا بحار" كناية عن الفقد والضياع، وفي عبارة "المنزلُ القمريُّ شُرِّدَ شملُهُ" :كناية عن التشتت الذي لحق بالشعب الفلسطيني المتحضر الجميل، واﻻستعارة والكناية يلجأ إليهما الـشاعر؛ ليزيـد المعنـى وضوحا ويحرك اﻷذهان.
، والصورة المتلاحقة المتتابعة فيها التشخيص والتجسيم والتصوير، تتمثل في صورة الفلسطيني يتساءل ويقول: لا أحد يبكي منزله وأحبابه في هذا العالم سواي
وأثر الصورة الفنية في وعي السامع كبير جدا، ولها وظيفة كبيرة "والتخيل أن تتمثل للسامع من لفظ الـشاعر المتخيـل أو معانيه أو أسلوبه ونظامه ، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها ، أو تصور شيء آخر بها انفعاﻻً من غير رؤية إلى جهة من اﻻنبساط واﻻنقباض"(2)
ويتابع الشاعر شدوه:
ها تذرفُ الذّكرى على أيّامنا
خمرًا كعِطرٍ في هوى السُمّارِ
فأكادُ ألمسُ عشقَهمْ ونشيدَهمْ
ويكادُ يسقطُ دمعُهمْ بجواري

صوتُ الصبيِّةِ في المعالمِ عائمٌ
جُمَلٌ مقطعَّةٌ وجرحٌ جارِ
لو تُجْمَعُ الأحجارُ تَنزِفُ قصةً
أو تُرفعُ الأسرارُ تُعْرَفُ داري
صورة الفلسطيني ترافقه الذكرى، ذكرى النكبة والتفكير بالعودة ، والدموع معطرة نقية وصادقة، كصدق حديث السمّار، وصورة الشاعر يتحسس عشق الفلسطيني الجمعي لوطنه ويتخيل عيونهم تذرف دمعا، وصورة ثالثة تتمثل في تخيُّل الشاعر للصبية الفلسطينيين في المنافي، يعشقون ثرى بلادهم وينشدون باسمها نشيد الحرقة والشوق والتحنان. وصورة رابعة تتمثل في الحجارة التي كانت من مكونات وعناصر البيوت قبل هدمها تروي قصة التشريد وهدم البيوت...إنها صور متتابعة متلاحقة، فيها التشخيص والتصوير والتجسيم، تجسد عمق المأساة الفردي للشاعر والجمعي للشعب الفلسطيني.( فالصورة الفنية أغنى من الواقع لأنها ليست انعكاساً مرآوياً لـه ولا صورة لوعينا له، بل صورة لانفعالنا به بعد رؤيته ووعيه(3).
والشاعر يكرر "أكاد"، وتلازمه أحاسيسه، وتخيلاته ببصيرته، فيحسن الاستكشاف، ويقول: " فأكادُ ألمسُ عشقَهمْ ونشيدَهمْ" و"ويكادُ يسقطُ دمعُهمْ بجواري" (إن مسألة اﻹحساس مﻼزمة للنفس اﻹنسانية منذ اﻷزل، وﻻ يمكن التخلـي عـن الشعور اﻹنساني، سواء أكان سلباً أم إيجاباً في النظرة والتفاعل مـع الواقـع، وهـذا ﻹحساس مصدره الفكرة والقصيدة، وإن الشعور الذي توقظه مسحة جمالية تعبيريـة يكون البيان طرفاً فيها من خﻼل عمل صورة، أثر ما في اﻹبانة واﻹفهـام .. فجمـال النص يرسم مﻼمحه أداء بياني نتيجة للحظة اﻻنفعالية(4).
ويستخدم الشاعر أسلوب الشرط كما في البيت الأخير للإثبات والإتيان بالحجة والإقناع.
كما أنه يكثر من استخدام الفعل المضارع كما في نحو: "تذرفُ، فأكادُ، ألمسُ، ويكادُ، يسقطُ، لو تُجْمَعُ، تَنزِفُ، تُرفعُ، تُعْرَفُ" ليبيّن استمرارية المأساة وبث الحركة في النفوس.
ويقول الشاعر:
ومخيّــمٌ أوتـادُهُ مدقـوقةٌ
في مفصلِ التاريخِ والإصرارِ
في ليلهِ قمرٌ يضيءُ حكايةً
في صبحهِ أملٌ يسوقُ مساري
والفجرُ يُشرقُ من نشيدِ عشيقةٍ
غنّتْ لليلٍ كامنِ الأنوارِ
تأتي مجازًا قادرًا أن تلتقي
فيهِ الحياةُ ورونقَ الأعمارِ
وبالنظر لشريط الصور المتتابعة صورة المخيم بأوتاده المثبتة في مفصل التاريخ، والذي يروي قصة تهجير شعب في المنافي، وصورة العشيقة الفلسطينية في ليلة مقمرة، تتصفح حكاية تهجيرها والأمل يراودها بالعودة، وهي تنشد نشيد أمل العودة.
إذ عبر الشاعر من خـﻼل رمز (المخيم) الذي يرمز للتيه والرحيل والضياع وسلب الكرامة بعيدا عن الوطن، فقد حمَّله الشاعر إيحاءات ودﻻﻻت تكشف عن واقعـه النفـسي وإحـساساته، المرتبطة بتجربته الذاتية يقول: ومخيّــمٌ أوتـادُهُ مدقـوقةٌ
في مفصلِ التاريخِ والإصرارِ
والفجرُ يُشرقُ من نشيدِ عشيقةٍ
غنّتْ لليلٍ كامنِ الأنوارِ
إن التقارب الظاهري بين طرفي الرمز (الـشاعر والمخيم) وبين (العشيقة والفجر)، قـد أوصل الـصورة الرمزية لديباجة يستمد منها اﻹيحاء بعداً نفسياً مشيرا إلى المكان الذي يحول بين المحبـين (الشاعر الوطن) والعشيقة الوطن) بسبب التغيير الذي يجريـه الـزمن بحيـث يكـون استحـضار الوطن غربة مكانية وحصاراً نفسيا، ولذلك يكون اﻹحساس بانتصار الزمن في وعي الشاعر، فالليل مقمر، والفجر يشرق، والعشيقة تنشد ..إنه الأمل بالعودة، وقوة الحق التي لا تضيع مخيمة على وعي الشاعر والوعي الجمعي أيضا.
وهنا تتزاحم رموز الأمل بالعودة كما نرى في الألفاظ والتعابير:
ليلهِ قمر،ٌ يضيءُ، صبحهِ أملٌ، والفجرُ يُشرقُ، نشيدِ عشيقة، غنّتْ لليلٍ كامنِ الأنوارِ، فيهِ الحياة، ورونقَ الأعمارِ .
"كما أن الرمز من حيث أنه وسيلة تصويرية في القصيدة ليس عنصراً خارجياً عن التجربة الشعرية، وإنما في توظيفه في سياق شعري في القصيدة. فالصورة البلاغية أو الرمزية أو الأسطورية ما هي إلا وسائل لصناعة الصورة الشعرية وليست لها أهمية في ذاتها(5).
"والرمز يوحي ويومئ ولا يحدد أو يصف. وعلى هذا الأساس يمكن أن نميز بين الإشارة والرمز، لأنَّ الإشارة تحديد للشيء، والرمز إيحاء بشيء ما دون تحديد(6).
ويتابع الشاعرة مقطوعته:
سطعَ الحنينُ على تجبّرِ ليلها
ليُطّلَ فجرًا من أفولِ قفارِ
ونقولُ للكفِّ التّي حجبتْ سنا
كفُّ الحقيقةِ فوقَها كالنّارِ
صُبّارُنا شوقٌ فشوكُ حنينهِ
وَخَزَ المدى بتأبُّدِ الصبّارِ
ويُشيرُ نجمُ الهَدي إِنْ سارَ الهوى
نحو الجليلِ لقِبلتي ويساري
فالأرضُ قلبي والهوى في مهجتي
إيقاعُ سيرٍ في خطى أقماري
المسجدُ الأقصى تسامى واعتلى
فوقَ الزّمانِ وسطوةِ الأقدارِ
وهنا مجموعة من الصور المتتابعة المتلاحقة: صورة الفلسطيني الذي يملأ قلبه الحنين إلى وطنه رغم قسوة الزمن وصعوبة تغيير الواقع المر، يحذوه الأمل بفجر العودة، والفجر رمز للعودة، ويستخدم الشاعر أسلوب الحوار، فالحوار ظاهرة فنية استخدمه شاعرنا سامي, بوصفه أسلوباً فنياً , ووسيلة تعبيرية للكشف عن مكنونات ذاته, وبسط فلسفته في الحياة والتعبير عما يدور في خلده بأسلوب فني, وأدبي مثير.
وأسلوب الحوار هنا هو الأسلوب الوصفي التصويري، من خلال صور فنية ومشاهد حوارية واقعية، وجمع الشاعر في هذا البيت بين المتقابلات، بين الحنين والتجبُّر، وبين الفجر والأفول.
والصورة الثانية المحاورة بين المحتل الذي احتلت أرضه وبين الاحتلال، وتتمثل في صورة كفّ القوي المحتل الذي أخفى كل بهجة وسرور في نفس الفلسطيني، وفوقها كفّ أقوى من كفّه، وهو كفّ صاحب الحق أو كفّ الديّان، وفي عبارة "كفّ الحقيقة" انزياح إضافي، يتمثل في المفاجأة التي ينتجها حصول اللامنتظر من خلال المنتظر؛ أي أن يتوقع المتلقي مضافاً إليه يتلاءم والمضاف، كأن يتوقع بعد كلمة "كفّ" وجود مضاف إليه كوجود كلمة "الرجل" مثلا، لكن يتفاجأ المتلقي بوجود كلمة "الحقيقة" ومن هنا يصبح لدينا انزياح إضافي شعري جميل.
ويقول:
صُبّارُنا شوقٌ فشوكُ حنينهِ
وَخَزَ المدى بتأبُّدِ الصبّارِ
وهذه الصورة منتزعة من الواقع والبيئة الفلسطينية، فمن مظاهر حياة القرى والبلدات الفلسطينية زراعة شجر الصبر "الصبار" حول بيوتها، وعندما احتلت فلسطين وهُدِّمت بيوتها وقراها وبلداتها بقي نبات الصبار شاهدا على كل بلدة وقرية يرى بأم عينه الرحيل والخراب والتهجير والقفار، فالصورة هنا تتمثل في أن الصبر مشتاق لأهله، وشوكه كله حنان مدى الدهر، فلقد أسند الشاعر الشوق للصبار، والحنين لشوكه، فللصبر شوق ولشوكه حنين يخز المدى، والمدى يشعر بالوخز ويتألّم.
ويُشيرُ نجمُ الهَدي إِنْ سارَ الهوى
نحو الجليلِ لقِبلتي ويساري
ولقد اهتم الشاعر بالتشخيص والتصوير والتجسيم، فللنجم هدي وصوَّره بالرجل الذي يشير، استعارة مكنية، والهوى يسير، وهنا أيضا استعارة، والجليل قِبْلة الشاعر وهديه وسيره، وهذا تشبيه بليغ. (فالشعر تصوير لعلاقة خاصة بأشياء العالم، يعتمد الخيال في بناء عالمه الخاص والخيال يقوم بعملية التحليل والتركيب. فهو يبني ويهدم، علاقات قديمة ويبني علاقات جديدة، يخلق صورة جديدة مغايرة للمألوف، ولما استقر في الذهن أيضاً. يقول كولردج: "إنه يذيب ويلاشي ويحطم لكي يخلق من جديد، وحينما لا تتسنى لـه هذه العلمية فإنه على الأقل يسعى إلى إيجاد الوحدة وإلى تحويل الواقعي إلى مثالي"(7).
ويقول:
فالأرضُ قلبي والهوى في مهجتي
إيقاعُ سيرٍ في خطى أقماري
صورة فلسطين منغرسة في قلب الشاعر، وهواها في مهجته يهديه في سيره كالقمر المضيء يرشد الساري ليلا حيثما يريد، والقمر تعبير رمزي فيه إيحاء.
المسجدُ الأقصى تسامى واعتلى
فوقَ الزّمانِ وسطوةِ الأقدارِ
وهنا يشير الشاعر إلى المسجد الأقصى وأهميته ومكانته في قلوب العرب والمسلمين، رغم الصعاب والأهوال، ويستخدم الشاعر الترادف كما في نحو: "تسامى" و"اعتلى"
ويقول الشاعر متغنيا بالقدس:
هيَ قدسنا أنوارُها محجوبةٌ
خلفَ الضّبابِ وأنجمٍ ونفارِ
ويبدأ شاعرنا البيت بضمير الشأن "هو" من أجل التشويق والدلالة على شأن وأهمية ما بعده، وهو القدس، التي حجب نورانيتها ووهجها الاحتلال، وفي عبارة "خلفَ الضّبابِ" :كناية عما يفعله الاحتلال بالقدس، "وأنجمٍ ونفارِ" :كناية عن مكانة القدس التي يتصارع عليها كل من العرب واليهود.
مكيّةٌ قد هاجرتْ ليعيدَها
مجدُ الرّسولِ ونُصرةُ الأنصارِ
وهذه المدينة؛ أي القدس هي الثانية في القداسة بعد مكة، وهي قبلة المسلمين الأولى.
وكنيسةٌ صاغتْ قيامةَ روحنا
صُلبتْ على جرحٍ بدونِ قرارِ
وفي القدس كنيسة القيامة، وهي كنيسة داخل أسوار البلدة القديمة في القدس. بنيت الكنيسة فوق الجلجلة أو الجلجثة، وفي عبارة "صُلبتْ على جرحٍ بدونِ قرارِ" إشارة لمكان الصخرة التي يعتقد أن المسيح صلب عليها.
والمتلقي يشعر بالقيمة الجمالية الخلّاقة في هذا الأدب الإنساني، الذي يعلج قضية شعب ووطن (ولأن النص الشعري يشمل الجمالي والدلالي: المتعة والفائدة معاً كان أثره كبيراً في النفس. فللشعر من حيث هو قول مخيل سلطان على النفس بحيث تنبسط أو تنقبض بدون روية أو تفكير(8) وللنص الشعري أسلوب خاص وطريقة تعبير متميزة تؤثر في المتلقي. "ويرى جيرو أن الأسلوب هو مجموعة ألوان يتوفر عليها الخطاب تقنع القارئ وتمتعه وتشد انتباهه وتثير خياله بصورة أكثر حيوية وأكثر جاذبية وأناقة وجمالية (9).
ويقول شاعرنا:
الأمةُ العرباءُ تمسحُ دمعها
بعزيمةٍ رُفِعتْ لكلِّ ذمارِ
صورة الأمة العربية وهي تمسح دموعها لفقدها مدينة القدس، وقد عقت العزم على إرجاعها، ويحذوها الأمل بعودتها لحماها وذمارها، فلقد شبه الشاعر الأمة العربية بامرأة تمسح دمعها، استعارة مكنية،(فأمـا اﻻستعارة فهي أحد أعمدة الكﻼم وعليها المعول في التوسع والتصرف وبها يتوصـل إلى تزين اللفظ وتحسين النظم والنثر(10).
شاميـةٌ مصريةٌ يمنيـةٌ
وبمغربٍ وبمشرقِ الأنهارِ
ستعيدُ أسفارُ الرجوعِ نشيدَها
وستمسحُ الظلماءَ كفُّ نهارِ
"شاميـةٌ مصريةٌ يمنيـةٌ" و"وبمغربٍ وبمشرقِ الأنهارِ": كناية في كل عن توحد العرب بالعودة، وفي عبارة "وستمسحُ الظلماءَ كفُّ نهارِ" : انزياح تركيبي
وهو مخالفة التراتبية المألوفة في النظام الجملي. من خلال بنى النص، فقد قدّم الشاعر المفعول به "الظلماء" وحقه التأخير على الفاعل "كفُّ نهار" وحقه التقديم.
هذي فلسطينُ التي في أفْقِها
صاغَ الزمانُ توهّجَ الأقدارِ
وهنا يعود الأمل لقلب الشاعر ووجدانه، فها هو يتغنى بفلسطين وبتاريخها
يﻼحظ أن التوجه النقدي الحديث إزاء الصورة ووظائفها، يطرح مقوﻻت تـومئ إلى وجود عﻼقة بين الحال النفسية والتجربة والواقع الذي يعيشه المبدع، وأثر ذلك في نتاج اﻷديب، و على ضوء معطيات النقد الحديث ، هل هناك إيماءات أو إشارات فـي النقد القديم، تشكل جذورا تاريخية لهذه اﻵراء؟ (11).
أرضٌ تحطُّ الفجرَ تحتَ جبينِها
وسماؤُها نهرُ الإلهِ السّاري
وهنا يصور الشاعر أرض فلسطين بامرأة تضع الفجر والأمل المشرق تحت جبينها، وتظهر عاطفة الشاعر الدينية في قوله: "وسماؤُها نهرُ الإلهِ السّاري" كناية عن قدسية فلسطين.

وتقولُ: غيبتُها كمهديٍّ خطى
في الغيبِ في سرِّ الزمانِ يواري
ويستخدم الشاعر أسلوب الحوار، "ومن وظائف الحوار في العمل الأدبي بعث روح حيوية في الشخصية، ومن شروطه أن يكون مناسباً، وموافقاً للشخصية التي يصدر عنها، إذ لا يعقل أن يورد الكاتب حواراً فلسفياً، عميقاً على لسان شخصية أمية، غير مثقفة (12). ومن الشروط الفنية للحوار التركيز والإيجاز والسرعة في التعبير عما في ذهن الشخصية من أفكار حيوية.
والأمة العربية توّاقة لعودة فلسطين كما المسلمين تواقين لعودة المهدي لها، ليملأ الأرض عدلا بعدما انتشر الفجور والظلم في ربوع الدنيا، وفي عبارة "سرى الزمان" مجاز مرسل علاقته الزمانية، فقد أسند الشاعر السير للزمان، وأراد إسناده للناس الذين يعيشون فيه.
وتقولُ: كعبةُ شوقكمْ من أضلعي
هَلاَّ يطوفُ العشقُ حولَ سواري
وفي عبارة "كعبةُ شوقكمْ من أضلعي" :كناية عن الحب والحنين.
جسدي صدى أرضي وروحيَ رجعُها
والليلُ مأواها وفجريَ داري
وهنا يسند الشاعر صدى الأرض لجسد الأمة، ورجع فلسطين لروحها، وماؤها لليل، والدار لفجرها، ونلاحظ في هذا البيت أربع جمل يجمعها التساوي، ويظهر هنا التوحد بين الشاعر والقدس وبينها وبين الأمة.
"ويعمل تناوب السرد والحوار في تشكيل القصيدة على تنوع الإيقاع، فالقصيدة التي تبدأ بداية سردية، فإن إيقاعاً بطيئاً بعض الشيء هو الذي يبدأ حضوره، إذ يتجه الخطاب نحو التفصيل والدخول في الجزئيات واستلهام أجواء ذاتية خاصة تقرب كثيراً من المونولوج الداخلي، الذي يستدعي إعمال الذاكرة التأملية وما فيها من بطء وهدوء واستكانة، ينسجم تماماً مع الأسلوب الحكائي الذي جاء عليه السرد (13).
ونلحظ في هذه القصيدة أن الشاعر صور فيها تجربته اﻷليمـة وحالتـه المأسـاوية ونظرتـه إلى الواقع، ويكشف فيها عن معاناته الشديدة واﻹحساس بالتمزق النفـسي والفقد والضياع، لـذا ذهب يترقب لحظة اﻻنعتاق لنفسه العاشقة للحرية، وزوال عالم السطوة والاحتلال وانتهاء اﻷلم الحاد والولوج إلى عالم الحرية والنور، المتمثل في الحرية له ولشعبه يؤازره العرب في كل مكان، مـن هنـا جـاءت الـصور الشعرية متوالية محملة بشحنة عاطفية متفجرة بالحزن واﻷسى، فكانت صورة (جسدي صدى أرضي)، و (وروحيَ رجعُها)، و(والليلُ مأواها)، و(وفجريَ داري ) كلها صور تنهض على التجسيد والتشخيص من أجل تعميق اﻹحساس والشعور بالمعاناة والقهر ومـصادرة الحريات، فتنامت الصور مرتبطة مع بعضها بتأثير فكرة الشاعر وتجربته النفسية المهيمنة والمنغرسة في أعماق ذاته، وتسيطر الرؤية الداخليـة للـشاعر علـى عناصر النص، ويعمل كل من التجسيد والتشخيص التأثير في النص،
وبذلك استطاعت الصور أن تنقل الحال اﻻنفعاليـة للشاعر وتعبر عنها وأن تنقلها للمتلقي بيسر وسهولة، مبرزة القيمة الجمالية في النص، فالجمال (في اﻷسلوب مصدره السمو في التعبير، وهي صفة نفسية تـصدر عن خيال اﻷديب وذوقه(14).
ولقد نظم الشاعر قصيدته على بحر الكامل، وهو من البحور الصافية، وتميزت المقطوعة بإيقاع موسيقي عذب، لاءم جوها وغرضها، ساعد على ذلك القافية وحرف الروي والتكرار إضافة إلى عنصر الحركة، وصوت الراء جاء في نهاية كل بيت كقافية " والراء كاللام في أن كلا منهما من الأصوات المتوسطة بين الشدة والرخاوة، وأن كلا منهما مجهور فلتكوّن الراء يندفع الهواء من الرئتين ماراً بالحنجرة فيحرك الوترين الصوتيين، ثم يتخذ مجراه في الحلق والفم حتى يصل إلى مخرجه وهو طرف اللسان ملتقيا بحافة الحنك الأعلى فيضيق هناك مجرى الهواء. والصفة المميزة للراء هي تكرر طرق اللسان للحنك عند النطق بها " (15) وبرشاقة طرف اللسان في أدائه، قد قدم للعربي الصور الصوتية المماثلة للصور المرئية التي فيها ترجيح وتكرار، وتأرجح ذات اليمين وذات الشمال، وذلك "حذوا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث، كما قال ابن جني فليس هناك أي حرف في الدنيا يستطيع صوته أن يؤدي بعض هذه الوظائف، فهو من المقومات الأساسية للغة العربية– لا بل ما أحسب بأن ثمة ما يمكن أن تخلو منه(16).

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين


قديم 01-25-2015, 08:54 AM
المشاركة 2
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
القصيدة للشاعر الفلسطيني: سامي مهنا، ولقد سقط الاسم سهوا، لذا أحببت التنويه.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الصورة الفنية والرمز في مقطوعة "فجر العودة" بقلم الناقد: عبد المجيد جابر
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تحليل قصيدة "بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ! " للشاعرة آمال رضوان بقلم الناقد د. عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 4 04-12-2022 08:28 PM
الصورة الفنية والانزياح في قصيدة "سورة الماء" للشاعرة آمال القاسم، بقلم د. عبد المجيد ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 7 12-23-2019 10:09 PM
تحليل قصيدة "الصدار الذي نسجته" للعقاد بقلم الناقد: عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 11-11-2014 07:32 PM
تحليل رواية "نساء بلا ذاكرة" للقاصة هدى درويش، بقلم الناقد: عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 09-27-2014 11:14 PM
التحليل الأدبي لقصيدة "السعادة" للشاعر سعيد يعقوب، بقلم الناقد :عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 04-26-2013 08:49 PM

الساعة الآن 05:26 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.