ربما كان بحثك في المكان الخطأ من الجريدة
فلا تجهدي عينيك بالقراءة في الصفحة السياسية ... فالمعنيون بهذا الباب عاطلون عن الوطن.
واغترابهم كان موزعاً بين ( الليل ) و(الخيل) - وهزي يا نواعم - ، وبين الأستجداء على عتبات
أبواب السلاطين .. كأية جارية محترفة.
وهم يعون جغرافية الوطن - بحكم اختاصهم - لذا تاجروا ( بالعگل ) في الشمال ، وفرضوا
الشراويل على الجنوب , وجهّزوا السادة والمشايخ بالقلنسوات والقبعات ..
لكنهم ( وبكل امانة ) ينزفون دما ـ را لتحقيق المحاصصات والفيدراليات , وتطبيق الدكتوقراطيه ،
بقوة السلاح طبعا ..
وهم غلمان مهرة في الغرف الرطبة والشوارع الخلفية , لترويج الاذى , وبإشراف سخل أسود ممسوخ .. وبشطارة ترضي (المس).
ولن تجدينه في الصفحة الأقتصادية .. لأنه بعثر ثروته متطوعاً تارة بين الاشقاء والأصدقاء
و( حبال المضيف ) .. ومرغماً تارةً أخرى بين الشرق وما وراء القارات ..
فصار خارج مدى الجداول الأقتصادية ودراسات الجدوى , وتنمية رأس المال ... فلا جدوى , و (لا يُصلح العطار ما أفسد الدهر).
ولن تجدينه في الصفحة الثقافية ... حيث انشطرت الثقافة الى ثقافة الداخل وثقافة الخارج
فكلاهما ناشط في الحداثة , وما بعد الحداثة , وميتافيزيقيا المشهد
ناسين أنْ : لا يؤخذ التجديد إلا من فتىً درس القديم حواشياً ومتونا
والشعراء مهووسون بالطلاسم والمعميات .
وصار التشكيل مجرداً من الشكل .. والمضمون ايضاً . ومتمشكلون ليس إلا ..
والموسيقا عبارة عن سكتات موسيقية .. ولن ( يسكت الصمت كل هذا الصراخ).
ولن تجدينه في الصفحة الرياضية .. فخط شروع سباق الجري .. خواء البطون . والغاية شريط
باب وكيل الحصة التموينية .. ليتحول السباق إلى حلبة ملاكمة حين يتجاوز أحد المتسابقين مجاله .. ليسقط بضربة قاضية ..
والطواف بين الصفا والمروة , وركضة طويريج , رياضة روحية ..
أما لعبة السكواش الحديثة هي ان يكون المواطن بين جدار الصمت ومضرب القلق ..
والفائز والخاسر يرفع نفس الكأس.
ولن تجدينه في صفحة الوفيات .. كونه أبدي ولا يشبه باقي المخلوقات ..
وكلما ازداد القهر , وتوالت الفقدانات .. ازداد كبرياءً , وألقاً.
ولن تجدينه في صفحة الدين والشريعة .. لأن رجال الدين ( الأشاوس ) , منشغلون منذ عصور
بالأدعية والنذور والقرابين , وفن تفصيل الأقمشة الخضر , وشرعنة العهر متعة ومسياراً واشياءً اخرى ..
ومؤمنون بأن لا حي إلا الـــ ( آه ) ... و ( حيّة ) على خير العمل.
لكنك ستجدينه حتما في الصفحة الأخيرة / باب ( العاطلون والمهجرون)
سترين أُناساً متواطئين مع الأمل ببسالة فذة .. يفوحون عنبراً .. ويغسلون الهموم بالدموع
حاملين جوازات ملغاة ليستقلوا قطارات متجهة نحو المجهول
يجرجرون العكازات بالخطى
ويقتاتون على ( الكليچة ) المخبوزة في تنور الكرامة
ليناموا على أنغام النشيد الوطني ( أريد الله يبيّن حوبتي بيهم).
**************
نصيحة :
إحذري الأقتراب منهم كي لا تتهمي بالأنضمام الى تجمعات وتكتلات محظورة
وتصبحي رقماً مضافاً إلى المتهمين بالأرهاب وتهديد الأمن الدولي
وحينها ستقرأين في الجريدة ذاتها خبرا عاجلا مفاده :
شقراء تنضم الى جماعة متطرفين .. بحب الوطن