احصائيات

الردود
4

المشاهدات
6281
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,710

+التقييم
0.74

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
06-04-2018, 10:41 PM
المشاركة 1
06-04-2018, 10:41 PM
المشاركة 1
افتراضي تحليل قصيدة "بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ! " للشاعرة آمال رضوان بقلم الناقد د. عبد المجيد جابر
تحليل قصيدة "بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ! " للشاعرة آمال رضوان بقلم الناقد د. عبد المجيد جابر اطميزة.
أولا: النص
مهداة إلى شرقِنا اليتسربلُ برفيرَ غُروبٍ/ في مهرجانٍ دمويٍّ ليسَ يُحَدُّ!
بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ!
مَذْهُولًا..
تَقَافَزَ بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ
يَتَقَمَّزُ .. بِحِذَاءِ غُرْبَتِي
وَفِي شِعَابِ غصَّةِ اضْمِحْلاَلِي
تَسَرْبَلَ .. مَلاَمِحَ فَجْرٍ طُفُولِيٍّ
كَمْ أَخْفَقَ .. بِخَطْوِهِ الْفَصِيحِ!
*****
خِنْجَرُ يَقَظَتِكِ .. المُذَهَّبَةِ بِأَقْمَارِكِ
غَــيَّــبَـــنِــي
فِي مَنَافِي لَيْلٍ أَعْزَلَ
مَجْبُولٍ؛
بِغُبَارِ حُلُمٍ بَرِّيٍّ
بِنُورِ خَيَالٍ كَسِيحٍ
وَبِحَلِيبِ أَرَقٍ .. تَكَلَّسَ
عَلَى نَهْدِ أَبْجَدِيَّةِ نُعَاسِي!
*****
كَمَاكِ.. وَمِنْ عَيْنِ سَمَائِكِ
قُرْصُ فَرَاغِكِ
أَ شَ عَّ نِ ي
بَتلاَتِ مَسٍّ مُقَدَّسٍ
يَلْجُمُ .. ثَرْثَرَةَ لِسَانِي الثَّقِيلِ!
*****
يَا مَنْ بِقَبْضَةِ فَقْدِكِ .. الْمَسْفُوكِ بِي
أَرْخَيْتِ .. صَمْتَ إِغْرَائِكِ
عَلَى ثَغْرِ غَدٍ حَالِمٍ
كَمْ غَفَا
بِشِرْيَانِ وَرْدِكِ النَّرْجِسِيِّ!
*****
كَيْفَ أَعْتَكِفُنِي
وَأَبَاطِرَةُ ضِيَائِي الأَحْوَلِ
تَــتَـــهَـــجَّــــى
مَبَاهِجَ غُمُوضِكِ؟
*****
أَتَتْلُوكِ مَزَامِيرَ أَمْسٍ
يَ سْ تَ عْ مِ رُ ني
أَم تَسْبِيحَةَ وَجْدٍ طَاغٍ
يَرْتَسِمُ عَلَى أُقْنُومِ لَيْلِي السَّوْسَنِيِّ؟
إلامَ
أَ
قْ
طُ
رُ
نِ
ي
رِثَاءَ فِرْدَوْسٍ نَارِيٍّ
عَلَى سَوَاحِلِ بَرَاكِينِي
لِأَطْـــفُــــــوَ هَـــــشِـــــيـــــمًا
عَلَى صَفْحَةِ صَخْرِكِ الْمَائِجِ؟
*****
أَمَا لِلْغَدِ عَيْنُ حَيَاةٍ
تُذْعِنُ لِدُخَانِ الذُّنُوبِ؟
*****
أَيَّتُهَا الْمُتْرَفَةُ .. بِجَنَاحِ مَوْجَةٍ بَتُولٍ
حَطَّتْ عَلَى شِفَاهِ زَبَدِي!
تَـــــجَـــــلْـــــبَــــبِــــي
بِوِشَايةِ بَحْرٍ
وَشْوِشِي بِخِلْخَالِكِ الْفَيْرُوزِيِّ
غَـــيْـــبُــــوبَـــــتِــــي
وَدَعِينِي .. أتَخَايَلُ مُخْتَالاً
لأَمِـــــــيــــــــــسَ
فِي هَيْكَلِ مَجْهُولِكِ الْمُنَمْنَمِ!
*****
نُبُوءَاتُ نَقَائِكِ النَّدِيَّةُ .. جَدَاوِلُ
تُــزَمْـــــزِمُـــــــنِـــــــي
تُـــغـــافِـــــلُ
بَلاَهَةَ مَوَائِدِي الْمُوحَشَة
تُــــــكَـــــــــمِّـــــــمُ
أَفْوَاهَ أَشْبَاحِ مَوَاقِدِي الذَّاهِلَة
وَتَـــخْــــتَــــلِـــسُـــنِي
مَشَارِفُ الارْتِجَافِ الْمَثْلُومَة
بِـــــــــوَاااااااابِـــــــلٍ
مِنْ قُبَلٍ مُتَبَتِّلَةٍ
تُـــــعَــــسْــــــعِــــــسُ
سَحَابَ صَلَوَاتِي الْفَاتِرَة
بمِشْطِ لَوَاعِجِ سَمَاوَاتِكِ!
*****
أَكَأَنَّمَا
تَجْدِلُنِي خُصُلاَتُ نُجُومِكِ الشَّقْرَاء
ضَفَائِرَ ضَوْءٍ
يُـــنَــــمّــــِشُــــــنِـــي
بِيَرَاعِ بِشَارَةٍ؟
أَتُـــمَـــهْـــرِجُــــنِــــي
بِأَحْضَانِ الأُقْحُوَانِ؟
من ديواني الشعري الثالث (رِحْلَةٌ إِلَى عُنْوَانٍ مَفْقُودٍ)
ثانيا: تحليل القصيدة
الإهداء:
تستهل الشاعرة قصيدتها بقولها:
مهداة إلى شرقِنا اليتسربلُ برفيرَ غُروبٍ/ في مهرجانٍ دمويٍّ ليسَ يُحَدُّ!
"بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ! "/"آمال عوّاد رضوان/"مَذْهُولًا.. "/"تَقَافَزَ بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ"/"يَتَقَمَّزُ .. بِحِذَاءِ غُرْبَتِي"/"وَفِي شِعَابِ غصَّةِ اضْمِحْلاَلِي"/"تَسَرْبَلَ .. مَلاَمِحَ فَجْرٍ طُفُولِيٍّ"/"كَمْ أَخْفَقَ .. بِخَطْوِهِ الْفَصِيحِ!".

العنوان: بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ!
وتهديها الشاعرة إلى شرقنا الذي يتسربل بالدماء، والعنوان معبر ودال على محتوى القصيدة، و"البرفير" لون مركب من الأحمر والأزرق، ولنتفكَّر معا في ساعة الغروب، وصورة ساعة الغروب في أي مجتمع تسلِب الألباب بروعة جمالها، حيث يلتقي اللون الأحمر المتمثل في النور والضياء المنبعث من أشعة الشمس مع زرقة لون السماء الصافية ببهائها ورونقها، فتنبثق صورة جمالية ساحرة، لكن في بلادنا وفي شرقنا ويا للأسف! تتشكل صورة مغايرة تتكون من اتحاد اللون الأحمر المنبعث من نور الشمس مع لون زرقة السماء ليتشكل لون أرجواني هو لون جريان الدم والقتل والفجيعة.
ولعل شاعرتنا تقصد بالبرفير اللباس الملوكي (الأرجواني والأزرق)، الذي ألبسه اليهود للسيد المسيح قبل صلبه (برفيرا كاذبا تسربل)، وتوّجوا رأسه بإكليل الشوك من أجل أن يسخروا منه قائلين: يسوع الناصري ملك اليهود...وهنا تناص ديني يتقاطع عما جاء في الإنجيل.
وترمز بالغروب بألوانه الذهبية الحمراء المتداخلة الرومانسية وقت العشاق والحالمين من اليهود، يحلمون بأرض فلسطين ويرون أنها أرض السمن والعسل...والغروب وقت اختفاء الشمس خلف الأفق؛ لتنتقل إلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية، والغرباء هم اليهود والقادمون الجدد من أصقاع الغرب إلى فلسطين، الذين وفدوا إلى فلسطين لبناء صرح المملكة اليهودية على أنقاض شعب فلسطين.
وتحرص شاعرتنا على توظيف اللون في عنوان القصيدة إن "الصور والألوان تنطلق من جوانية الشاعر، و خبرته البصرية، ووعيه التاريخي، وحفرياته الأسطورية، و تجربته النقدية، و تجواله و مشاهداته التشکيلية، وتتنوع اهتماماته بين الفنون، بحيث تصبح الصورة ليست مجرد أداة للمعرفة فحسب، وإنّما أداة للحرية أيضاً" (1).
فالحرية في شرقنا بعيدة المنال، ويُعدّ اللون الأحمر من أوائل الألوان التي عرفها الإنسان في الطبيعة، “فهو من الألوان الساخنة المستمدة من وهج الشمس واشتعال النار والحرارة الشديدة، وهو من أطول الموجات الضوئية” (2)، وهو لون البهجة والحزن، وهو لون العنف ولون المرح، والحزن و من أکثر سمات هذا اللون ارتباطه بالدم، فهو لون مخيف نفسياً ومقدس دينياً.
ويرمز الأحمر في الديانات الغربية إلي التضحيات في سبيل المبدأ والدين، وهو رمز لجهنم في کثير من الديانات، ويرمز اللون الأحمر عند الهندوس إلي الحياة و البهجة، وله علاقة بالدم عند ولادة الطفل وتدفق الدماء وبعض القبائل تلطخ المولود بالدم حتى يکون له فرصة في العيش مدة طويلة (3).
ويُعتبر العنوان علامة دالة على النص، تتصدّره، وتعرّفه، وتؤطّر كيانه اللغوي والدلالي، بل هو بمثابة لافتة إيضاحية تضيء مدلولاته وتكشف إيحاءاته، "فالعنوان هو المفتاح الذهبي إلى شفرة التشكيل، أو الإشارة الأولى التي يرسلها المبدع إلى المتلقي"(4)
وتحرص شاعرتنا في انتقائها للكلمات لتتشكل اللغة الشعرية "إن الكشف عن الجوانب الجديدة في الحياة يستتبع بالضـرورة الكشف عن لغة
جديدة"(5)
ويحرص الشعراء على لغتهم "فمنزل اللغة كمنزلة الكائن البشري وهي مـرآة فكر الشاعر، يلجأ إليها لتأكيد وجوده، وينطلق بها لتحقيق رغباته(6)
"يَتَقَمَّزُ .. بِحِذَاءِ غُرْبَتِي"/"وَفِي شِعَابِ غصَّةِ اضْمِحْلاَلِي"/"تَسَرْبَلَ .. مَلاَمِحَ فَجْرٍ طُفُولِيٍّ"/"كَمْ أَخْفَقَ .. بِخَطْوِهِ الْفَصِيحِ!".
والصهيوني قدم إلى فلسطين ببراءة الأطفال مخفيا أحلامه بتأسيس وطن قومي له على حساب شعب فلسطين.
وتتوالى الصور الشعرية: فللغربة حذاء يجمع بأطراف أصابعه أو له وثبة كالكائن الحي، وللغصة شعاب، ولملامح الفجر طفولة وبراءة، وللخطو فصاحة، والسطر كناية عن براءة اليهودي عند مقدمه لفلسطين رغم إخفائه هدفه الحقيقي وعدم مقدرته على إخفائه....
والنص يزخر بألفاظ الغربة والضياع: "بِرْفِيرُ، غُرُوبِكِ، مَذْهُولًا.. ،غُرْبَتِي، غصَّةِ، اضْمِحْلاَلِي، أَخْفَقَ .. .وتجربة الغربة والضياع...والكلام يجيء على لسان الفلسطيني المعذَّب.
ومن السمات المتلازمة في الشعر الحديث: الغربة في الكون، والمدينة، والحب، والكلمة، إضافة إلى الغربة في المكان، والزمان، والعجز، والحياة، والموت، والصمت.
ونلحظ ظاهرة تطور اللغة في القصيدة، والبعد عن لغة الحديث اليومي، والتمسك بالسياق الدرامي للغة الشعر الحديث، والتعبير بالصورة في هذا الشعر، ويزخر المقطع بالصور الفنية المتلاحقة: فلون الدم والغربة، لون أحمر ممتزجا مع اللون الأزرق، فكأن هذا المزيج شخص يجمع أو يقفز ويتوثب، وكأن للغربة حذاء يجمع الأشياء بأطراف أصابعه"يتقمّز" ، وللغصة في الحلق شعاب وأماكن، وللفجر الطفولي ملامح كملامح الرجل الضائع، وله قلب يخفق وينبض ويتحرك ويمشي ويخطو كخطو الإنسان..
وتستمر الشاعرة في إنشادها:
"خِنْجَرُ يَقَظَتِكِ .. المُذَهَّبَةِ بِأَقْمَارِكِ"/"غَــيَّــبَـــنِــي
"/"فِي مَنَافِي لَيْلٍ أَعْزَلَ"/"مَجْبُولٍ؛/"بِغُبَارِ حُلُمٍ بَرِّيٍّ"/"بِنُورِ خَيَالٍ كَسِيحٍ"/"وَبِحَلِيبِ أَرَقٍ .. تَكَلَّسَ"/"عَلَى نَهْدِ أَبْجَدِيَّةِ نُعَاسِي!"
وتزخر الانزياحات وتتزاحم في هذا المقطع:
الانزياح الإضافي :
ونجده في قولها: "خِنْجَرُ يَقَظَتِكِ" وفي قولها "فِي مَنَافِي لَيْلٍ"؛ وفي عبارة "بِغُبَارِ حُلُمٍ"وفي سطر"بِنُورِ خَيَالٍ"وفي جملة"وَبِحَلِيبِ أَرَقٍ" وفي سطر"عَلَى نَهْدِ أَبْجَدِيَّةِ نُعَاسِي"
وفي الانزياح الإضافي نجد المفاجئة التي ينتجها حصول اللامنتظر من خلال المنتظر؛ أي أن يتوقع المتلقي مضافاً إليه يتلاءم والمضاف. كأن تتوقع بعد كلمة "خِنْجَرُ" كلمة "حادّ" مثلا، لكننا نفاجأ بوجود كلمة "يَقَظَتِكِ" وهكذا دواليك حيث يصبح لدينا انزياح إضافي شعري بحت في السطور التي تحتها خط السابقة.
وتكثر أيضا في السطور ظاهرة الانزياح الدلالي، في نحو :
"خِنْجَرُ يَقَظَتِكِ .. المُذَهَّبَةِ بِأَقْمَارِكِ"وفي"فِي مَنَافِي لَيْلٍ أَعْزَلَ"/"مَجْبُولٍ؛/"ِ حُلُمٍ بَرِّيٍّ"/" خَيَالٍ كَسِيحٍ"/"وَبِحَلِيبِ أَرَقٍ .. تَكَلَّسَ"
وفي السطور السابقة نجد انزياح النعوت التي تحت كل منها خط عن منعوتها المتعارف عليها ، وإذا كان الانزياح أو الانحراف عن المعيار من أهم الظواهر التي تميز اللغة الشعرية عن السردية مع منحها شرف الشعر وخصوصيته. فإن هذا النوع من الانزياح يتسم ببعض الثيمات المصاحبة له كالابتكار والجدة والنضارة والإثارة.
فتقول ""فِي مَنَافِي لَيْلٍ أَعْزَلَ" :"أعزل" صفة والموصوف "ليل" والسامع عندما يسمع كلمة "ليل" يتوقع أن يسمع موصوفا مناسبا له ككلمة "مظلم" لكنه يفاجأ بسماع كلمة "أعزل" وهكذا دواليك في الصفات السابقة التي تحت كل منها خط.
والشاعرة توظف أسلوب الانزياح الدلالي و تهدفُ إلى إبهار المتلقِّي وشدِّه لقصيدتها، مستعملة عددًا من الوسائل في تحقيق غايتها، وما الانزياحُ إلا وسيلةٌ من هذه الوسائل، بل هو أشهرها وأهمها، وجامعها وبوتقتها التي تنصهر فيها؛ فالانزياح من الظواهر المُهمَّة في الدراسات الأسلوبية التي تقارب النص الأدبي عمومًا، والنص الشِّعري على وجه الخصوص، باعتبار أن النص الشعريَّ يُميِّز نفسه بالخروج عن المألوف.
"خِنْجَرُ يَقَظَتِكِ .. المُذَهَّبَةِ بِأَقْمَارِكِ"/"غَــيَّــبَـــنِــي
"/"فِي مَنَافِي لَيْلٍ أَعْزَلَ"/"مَجْبُولٍ؛/"بِغُبَارِ حُلُمٍ بَرِّيٍّ"/"بِنُورِ خَيَالٍ كَسِيحٍ"/"وَبِحَلِيبِ أَرَقٍ .. تَكَلَّسَ"/"عَلَى نَهْدِ أَبْجَدِيَّةِ نُعَاسِي!" :
فالصهيوني قدم لفلسطين متسلحا يقظا ليحقق حلمه، والفلسطيني البسيط أذهله ما يحصل.
"بِغُبَارِ حُلُمٍ بَرِّيٍّ"و"بنور خيال": كناية عن الحلم الصهيوني.
"غيبني: كناية عن ذهول الفلسطيني بما يحصل.
"في منافي ليل أعزل: كناية عن عدم يقظة الفلسطيني بادئ الأمر واضطرابه.
"وَبِحَلِيبِ أَرَقٍ .. تَكَلَّسَ"و"عَلَى نَهْدِ أَبْجَدِيَّةِ نُعَاسِي!": كناية عما لحق بالفلسطيني من ظلم وهوان في وقت غفلته.
وتنشد في المقطع الثالث:
"كَمَاكِ.. وَمِنْ عَيْنِ سَمَائِكِ"/"قُرْصُ فَرَاغِكِ"/"أَ شَ عَّ نِ ي"/
"بَتلاَتِ مَسٍّ مُقَدَّسٍ"/"يَلْجُمُ .. ثَرْثَرَةَ لِسَانِي الثَّقِيلِ! "
"كَمَاكِ.. وَمِنْ عَيْنِ سَمَائِكِ" وتسند الشاعرة ضمير المخاطبة الكاف إلى "كما" في قولها "كماك" وهذا اختراق في اللغة، وتقول: "وَمِنْ عَيْنِ سَمَائِكِ" صورة شعرية تصور فيها الشاعرة السماء برجل له عين تبصر، والسطر كناية عن عالم المخاطب ومحيطه وهو الصهيوني الذي يسعى لتحقيق حلمه، وتتوالى الصور الفنية، فللفراغ قرص يدور، وهذا القرص يشعّ الشاعرة ويقدم لها الضياء بل يكاد يحرقها، وهذا الشعاع كما بتلات الزهور المقدسة، وذكرت الشاعرة اللسان وأرادت به الكلام، مجاز مرسل علاقته الآلية و"تعتبر الصورة الشعرية من أهم مقومات الشعر، فهي التي تجعل المتلقي يذهب في عوالم الشاعر وخياله، وهي التي ترسم الحالة الجمالية البديلة لمكنونات الشاعر النفسية والاجتماعية والتاريخية وغير ذلك، إضافة إلى أنها أكثر الأسس والمقومات حضوراً في القصيدة الحديثة.
"وعن أهمية الصورة الشعرية في القصيدة الحديثة قال الدكتور الناقد غسان غنيم إن الصورة مفردة قد تحمل أكثر من دلالة، بحسب الحقل الذي يتناولها، فهي في حقل علم النفس تدل على إعادة إنتاج عقلية أو استعادة لذكريات مدركة، أو تتعلق بالوجدان أو مجموعة مشاهد بصرية يمكن للمرء استعادتها بدرجات متفاوتة، وهي استعادة ترتبط بنوع من الأحاسيس.‏ وأضاف غنيم: أما الدلالة الأكثر شيوعاً فهي تلك التي تتعلق بالحقل الأدبي من زاوية التعبير المجازي، وتنقسم إلى عدة أشكال، منها: البلاغية المتمثلة بالبيان أو البديع، أو أشكال المجاز اللغوي أو العقلي، والأشكال الصورية الحديثة المتمثلة بالانزياح والرمز والأسطورة.‏
واعتبر أن التعبير المجازي تركيب لغوي يتوسل المجاز أو الانزياح بشكل يستخدم علاقات المشابهة أو المجاورة أو الرمز أو المنافرة عبر التخيل الذي يستطيع جمع المتنافرات والمتباعدات لبناء تركيب قادر على الإيحاء. ولفت إلى أن النقاد والدارسين القدماء قاموا بدراسة الصورة البلاغية في النصوص الأدبية والدينية، فدرسوا الكناية والتشبيه بأنواعه والاستعارة والمجاز والصورة البديعية، التي تعتمد العلاقات اللغوية أو المعنوية كالجناس والمقابلة وسواها، ويمكن التمثيل لذلك بأنماط النصوص المختلفة الدينية والأدبية والشعرية.‏ (7)
وتستمر الشاعرة في مقطع القصيدة الرابع:
"يَا مَنْ بِقَبْضَةِ فَقْدِكِ .. الْمَسْفُوكِ بِي"/"أَرْخَيْتِ .. صَمْتَ إِغْرَائِك"/ِ
"عَلَى ثَغْرِ غَدٍ حَالِمٍ"/"كَمْ غَفَا"/"بِشِرْيَانِ وَرْدِكِ النَّرْجِسِيِّ! "
وتستهل الشاعرة هذا المقطع بالأسلوب الإنشائي أيضا، والنداء يفيد الأسى والحزن بسبب أحلام الصهاينة وأطماعهم وما يخططون له من استيلائهم على فلسطين وسيطرتهم على الشرق، وللصمت إغراء، وتصور الغد الحالم رجلا له ينام ويغفو، وللورد شريان كما للإنسان...وتتوالى الانزياحات والصور الفنية تتزاحم، فصمت الحلم يرخي ويغري، وللغد الحالم ثغر ينطق ويبتسم ويتكلم ويكشر ويغفو وينام، وله ورد وللورد شريان نرجسي.
والمقطع كناية عن الحلم الصهيوني بتحقيق وطن قومي في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، وتصوير مأساة الفلسطيني.
"والصورة الشعرية لا تقف عند حد الدور البنائي في النص الشعري، وإنما تتعداه إلى التمايز بين الشعراء في كيفية بنائها "باعتبارها عنصرًا حيويًّا من عناصر التكوين النفسي للتجربة الشعرية " (8) التي تختلف من مبدع إلى آخر، ومن ثم يكون بناؤها عند كلٍّ منهم متضمنًا لعناصر التميز والتفرد، وتغدو الصورة ـ من ثم ـ مقياسًا تقاس به موهبة الشاعر، وموضع الحكم عليه(9) ؛لأن نجاح الشاعر وفشله قرين ما يتمتع به من قدرات تصويرية تمكنه من نقل تجاربه وأحاسيسه إلى المتلقي بواسطة ملكة الخيال (10) 0
وتنشد في المقطع الخامس:
"كَيْفَ أَعْتَكِفُنِي"/"وَأَبَاطِرَةُ ضِيَائِي الأَحْوَلِ"/"تَــتَـــهَـــجَّــــى"/
"مَبَاهِجَ غُمُوضِكِ؟"
"كَيْفَ أَعْتَكِفُنِي":
وتبدأ الشاعرة هذا المقطع بالأسلوب الإنشائي، والاستفهام يفيد التعجب، فتتعجب الشاعرة من فقدها لوطنها وضياع فلسطين، فحلّ محلَّه في منطقتنا وشرقنا واقع أليم.
"وَأَبَاطِرَةُ ضِيَائِي الأَحْوَلِ"أباطرة ضيائي الأحول كناية عن حكام الدول العربية المؤتمنين على الكعبة والقرآن واللغة العربية والمقصرين عن نصرة فلسطين، وبعضهم متآمرون، والكثير من حكام الدول الكبرى ساهموا وساندوا في تحقيق الحلم الصهيوني.
فضياء الشاعرة ليس مكتملا بل هو كالرجل الأحول، وضياؤها له أباطرة تتهجى كما يتهجى تلميذ حروف كلمات يقرؤها، ولغموض الحلم مباهج تبهج وتسر القلب.
وتهتم الشاعرة بانتقاء ألفاظها، "فالألفاظ يجب أن تكون مألوفة، والجملة يجب أن تكون فصيحة لتكوين البناء الفني القوي، وتحقيق الارتباط بين الفقرات داخل البناء العام للنص الأدبي. والأفكار هي فلسفة النص، هدف النص، المدلول العقلي للنص، والعواطف تثير النفس، فعاطفة النص تثير عاطفة المتلقي وتأجيج تلك العواطف، والخيال هو القوة التي تجعل المبدع يربط بين الأشياء المختلفة. (11) .
وتستمر في قصيدتها:
"أَتَتْلُوكِ مَزَامِيرَ أَمْسٍ"/"يَ سْ تَ عْ مِ رُ ني"/"أَم تَسْبِيحَةَ وَجْدٍ طَاغٍ"/
"يَرْتَسِمُ عَلَى أُقْنُومِ لَيْلِي السَّوْسَنِيِّ؟"/
"إلامََ

قْ
طُ
رُ
نِ
ي
"/"رِثَاءَ فِرْدَوْسٍ نَارِيٍّ"/"عَلَى سَوَاحِلِ بَرَاكِينِي"/"لِأَطْـــفُــــــوَ هَـــــشِـــــيـــــمًا"/"عَلَى صَفْحَةِ صَخْرِكِ الْمَائِجِ؟"
وتستهل الشاعرة هذا المقطع بالأسلوب الإنشائي وهو الاستفهام الذي يفيد التعجب والأسى والحزن، والمتكلم الإنسان الفلسطيني المعذّب يخاطب الصهاينة:
"أَتَتْلُوكِ مَزَامِيرَ أَمْسٍ"/": وتتساءل الشاعرة على لسان الفلسطيني المسحوق، أتتلوك الأباطرة مزامير وصلوات استغفار الأمس للمملكة اليهودية السالفة؟
والمزامير كناية عن صلوات استغفار النبي والملك داود لربه بعدما استفحلت خطاياه.
وتتوالى الصور الشعرية:
فللأمس مزامير تتلو، وتستعمر، وهنا تلجأ الشاعرة لتفكيك صوامت كلمة "يستعمرني" لإطالة زمن الاستعمار ولخلق نغم يناسب إيقاع القصيدة، وللوجد تسابيحه، والتسبيحة تطغو وتسيطر، والوجد يرتسم على أقنوم "شخص" ولليل شخص سوسني وفي كلمة "سوسني" انزياح دلالي،
والاقنوم كلمة سريانية وجدتها الشاعرة مواتية لها في سطرها.
"ليلي السوسني": كناية عن حياة الفلسطيني المأساوي السوداوي المرابط والمهجَّر والمشرد منتشرا في معظم بقاع العالم كانتشار عبق السوسن.
وتفكك الشاعرة كلمة "أقطرني" لتزيد من زمن إسالة القطرات الحارقة.
"رِثَاءَ فِرْدَوْسٍ نَارِيٍّ": كناية عن ضياع وطن بفعل القوة الغاشمة.
"عَلَى سَوَاحِلِ بَرَاكِينِي": كناية عما حاق بالشعب الفلسطيني من أذى وظلم وطرد واحتلال.
"لِأَطْـــفُــــــوَ هَـــــشِـــــيـــــمًا" : كناية عن الحالة النفسية والمعيشية للشعب الفلسطيني بعد فقده لوطنه.
"عَلَى صَفْحَةِ صَخْرِكِ الْمَائِجِ؟" كناية عن جبروت وصلافة المحتل.
وتعود الشاعرة للأسلوب الإنشائي، والاستفهام يفيد التعجب، فتتعجب الشاعرة من رشح رثاء فردوس ناري، فللفردوس رثاء يقطر، وفي كلمة "فردوس" انزياح إضافي، وفي كلمة "ناري" انزياح دلالي، وفي كلمة "براكيني" انزياح إضافي، وفي كلمة "صخرك" انزياح إضافي، وفي كلمة "المائج" انزياح دلالي حيث انزاحت الصفة عن الموصوف "صخرك". وتنوع الشاعرة في أساليبها "إن الأسلوب هو طريقة الكتابة، طريقة اختيار الألفاظ، للتعبير عن المعاني بهدف التأثير والتوضيح (12)
ويتكون المضمون من الأفكار والعواطف والأخيلة والحالات النفسية (13).
والمقطع يحوي الكثير من ألفاظ وتراكيب الأسى والحزن والفقد والضياع ويشي بعاطفة حزينة باكية:
"يَ سْ تَ عْ مِ رُ ني"و"أَم تَسْبِيحَةَ وَجْدٍ طَاغٍ"و
"أُقْنُومِ لَيْلِي""إلامَ؟"و"أقْطُرُنِي"و"رِثَاءَ فِرْدَوْسٍ نَارِيٍّ" و"عَلَى سَوَاحِلِ بَرَاكِينِي"و"لِأَطْـــفُــــــوَ هَـــــشِـــــيـــــمًا"و"صَفْحَةِ صَخْرِكِ الْمَائِجِ"
وعاطفة الشاعرة قومية صادقة عميقة وثائرة قدمتها في إطار إنساني تعبّر عمّا يختلج في نفسها من مشاعر الألم والمعاناة؛ لما يتعرض له وطنها من احتلال، وما نتج عنه من قتل الأحرار وانتشار السجون والمعتقلات .
و فيها مشاعر الألم والأسى ممزوجة بمشاعر الاعتزاز بصمود الأحرار والتحدي للمحتل.
وقد استخدمت في التعبير عن مشاعرها ألفاظاً وتراكيب تحمل طاقات شعورية مكثفة عما تعانيه وكشفت عن مشاعرها.
وتعود الشاعرة للأسلوب الإنشائي والاستفهام يفيد التعجب، فتتعجب الشاعرة من رشح رثاء فردوس ناري، فللفردوس رثاء يقطر، وفي كلمة "فردوس" انزياح إضافي" وفي كلمة "ناري" انزياح دلالي، وفي كلمة "براكيني" انزياح إضافي، وفي كلمة "صخرك" انزياح إضافي، وفي كلمة "المائج" انزياح دلالي حيث انزاحت الصفة عن الموصوف "صخرك". وتنوع الشاعرة في أساليبها .
وقد استخدمت الخيال المجنح في رسم صورٍ تظهر شعورها وأحاسيسها ،وقد تدرج الخط الانفعالي في النص فقد بدا هادئاً وأخذ يرتفع مع دفقات الشاعرة الشعورية، وهو تعبر عن رفضها للمحتل وشنيع أفعاله، واعتزازها بأرضها وشرقها.
وقد استطاعت أن تؤثر في المتلقي بما يحمله النص من مشاعر صادقة تشعر بها الأديبة تجاه وطنها وتجعل المتلقي يعيش الحالة الانفعالية التي أرادت الأديبة نقلها.
وتستمر الشاعرة في شدوها:
"أَمَا لِلْغَدِ عَيْنُ حَيَاةٍ"/"تُذْعِنُ لِدُخَانِ الذُّنُوبِ؟"
وتستمر الشاعرة في استهلال مقاطعها بالأسلوب الإنشائي، والاستفهام يفيد التقرير، وتتوالى الصور الفنية، فللغد عين حياة، تذعن للدخان، وللذنوب دخان يصدر عنها.
وتنشد في المقطع الثامن:
"أَيَّتُهَا الْمُتْرَفَةُ .. بِجَنَاحِ مَوْجَةٍ بَتُولٍ"/"حَطَّتْ عَلَى شِفَاهِ زَبَدِي!
"/"تَـــــجَـــــلْـــــبَــــبِــــي"/"بِوِشَايةِ بَحْرٍ"/"وَشْوِشِي بِخِلْخَالِكِ الْفَيْرُوزِيّ"/"غَـــيْـــبُــــوبَـــــتِــــي"/"وَدَعِينِي .. أتَخَايَلُ مُخْتَالاً
"/"لأَمِـــــــيــــــــــسَ"/"فِي هَيْكَلِ مَجْهُولِكِ الْمُنَمْنَمِ! "
"أَيَّتُهَا الْمُتْرَفَةُ .. بِجَنَاحِ مَوْجَةٍ بَتُولٍ"/"حَطَّتْ عَلَى شِفَاهِ زَبَدِي!":
وتبدأ الشاعرة هذا المقطع بالأسلوب الإنشائي أيضا، والنداء يفيد الأسى والحزن والحديث على لسان الفلسطيني المغلوب على أمره، والخطاب موجه للدولة الصهيونية، فالصهاينة قدموا بقوة إلى فلسطين مسلحين بالمال والترف والفكر والتخطيط بفعل التنظيم الصهيوني الفتي حينها.
"تَـــــجَـــــلْـــــبَــــبِــــي"/"بِوِشَايةِ بَحْرٍ"/"وَشْوِشِي بِخِلْخَالِكِ الْفَيْرُوزِيّ"/"غَـــيْـــبُــــوبَـــــتِــــي"/"وَدَعِينِي .. أتَخَايَلُ مُخْتَالاً
"/"لأَمِـــــــيــــــــــسَ"/"فِي هَيْكَلِ مَجْهُولِكِ الْمُنَمْنَمِ! "
وتتوالى أفعال الأمر في هذا المقطع ثلاث مرات: "تَـــــجَـــــلْـــــبَــــبِــــي"و "غَـــيْـــبُــــوبَـــــتِــــي"و"وَدَعِينِي" : والأمر في كل يفيد الأسى والحزن بما يحيق بفلسطين.
وتتوالى الانزياحات وتتزاحم الصور الفنية، فالموج بتول كما الأزهار، وللموجة جناح كما الطائر، والمترفتة تحطّ على شفاه الزبد كما تحطّ الطائرة في مدرجها، وللشفاه زبد كما البحر أو الإنسان الثائر، وللبحر وشاية كما الواشي، ولوشاية البحر جلباب كما المرأة، وللخلخال وشوشة توشوش الشاعرة الغائبة عن وعيها من هول ما ترى وتعيش في محيطها، والشاعرة الغائبة عن وعيها تتخايل مختالة وتميس كما المجنونة في محيط عالم ظلوم، وللمجهول هيكل، فهو كبناء تارة وكرجل نمام تارة أخرى...وقد يشي الهيكل هنا بهيكل سليمان المزعوم.
ولعل أهمية الانزياح لدى الباحث تكمن فيما يحدثه من الدهشة والمفاجأة، نتيجة ” خروج التعبير عن المألوف في التركيب والصياغة والصورة واللغة، وكأن الانزياح إنما يكتسب أهميته من العلاقات الجديدة التي يقيمها التعبير بين العناصر اللغوية المختلفة، حتى يستثير دهشة، أو لذة فنية تغمر النفس – لحظة التلقي – بفيض من الأنس والسرور.
واللغة الشعرية تستند في نظرتها إلى هذه العلاقات على خرق السائد والمألوف وتعمد خلق فجوة بين اللفظ وتوقعاته من خلال تحطيم الانسجام المتوقع، وعدم الملاءمة في العلاقات الإسنادية، و"قيمة كل خاصية أسلوبية تتناسب مع حدة المفاجأة التي تحدثها طرديا، بحيث كلما كانت غير منتظرة كان وقعها على نفس المتقبل أعمق"(14)
كما أن للغة الشعر القدرة على الإيحاء بما لا تستطيع اللغة العادية أن تقوله: "فالأدب يوجد بقدر ما ينجح في قول ما لا تستطيع اللغة العادية أن تقوله، ولو كان يعني ما تعنيه اللغة العادية لم يكن مبرر لوجوده." (15)
وفي المقطع قبل الأخير تقول:
"نُبُوءَاتُ نَقَائِكِ النَّدِيَّةُ .. جَدَاوِلُ"/"تُــزَمْـــــزِمُـــــــنِـــــــي
"/"تُـــغـــافِـــــلُ"/"بَلاَهَةَ مَوَائِدِي الْمُوحَشَة
"/"تُــــــكَـــــــــمِّـــــــمُ"/"أَفْوَاهَ أَشْبَاحِ مَوَاقِدِي الذَّاهِلَة
"/"وَتَـــخْــــتَــــلِـــسُـــنِي"/"مَشَارِفُ الارْتِجَافِ الْمَثْلُومَة
"/"بِـــــــــوَاااااااابِـــــــلٍ "/"مِنْ قُبَلٍ مُتَبَتِّلَةٍ"/"تُـــــعَــــسْــــــعِــــــسُ"/
"سَحَابَ صَلَوَاتِي الْفَاتِرَة"/"بمِشْطِ لَوَاعِجِ سَمَاوَاتِكِ!"
وتستهل الشاعرة هذا المقطع بالأسلوب الطلبي للكشف عن مكنونات نفسها وتصوير مأساتها، فتسند الجداول للنبوءات، فللنقاء نبواءات نقية تزمزم وتغافل الشاعرة، والموائد تستوحش وتغافل ولها بلاهة وتكمِم، والمواقد يصيبها الذهول كما الإنسان، وللمواقد أشباح..وللارتشاف مشارف مثلومة تختلس كالمختلس وتقبِّل، وللصلوات الفاترة سحب تعسعس، وللسموات لواعج، وللواعج مشط، وتكرر الشاعرة الصائت التاء في هذا المقطع عشر مرات، ويتكرر صوتا العين والسين مرتين في كلمة "تعسعس" و"يعد تكرار الحرف- عند شعراء الحداثة المعاصرين- ظاهرة فنية تبعث على التأمل، والاستقصاء لاسيما إذا أدركنا أن تكرار الحروف ينطوي على دلالات نفسية معينة؛ منها التعبير عن الانفعال، والقلق، والتوتر، وهذا يدلل على الحالة الشعورية لدى الشاعر، ومنعرجاتها النغمية ضمن النسق الشعري الذي يتضمنه، وأبرز ما يحدثه من أثر في نفس السامع أنه يحدث نغمة موسيقية لافتة للنظر، لكن وقعها في النفس لا يكون كوقع تكرار الكلمات، وأنصاف الأبيات، أو الأبيات عامة، وعلى الرغم من ذلك فإن تكرار الصوت يسهم في تهيئة السامع للدخول في أعماق الكلمة الشعرية”(16).
فتكرار الحروف مثلا يخلق نمطا من الجمال تألفه العين و تأنسه الأذن.. (17) من جهة، ويعبر جسرين أساسين، جسر المخارج وجسر الصفات، وهذان العنصران أبرز ما يمكن أن نبحث من خلاله الإيقاع الداخلي للحرف.. (18)
. إن للغة الشعر دوراً هاماً في بناء القصيدة في الآداب الإنسانية، ولم يبتعد كولوريدج عن الحقيقة عندما قال عن لغة الشعر "إنها أعظم عنصر في بنائية القصيدة في الآداب جميعها، ففي أرضها تتجلى عبقرية الأداء الشعري، ومن لبناتها تبنى المعمارات الفنية التي تتآزر على إبداعها مجموعة عناصر متعاضدة متلائمة". (19)
وتنهي الشاعرة نصها بقولها:
"أَكَأَنَّمَا"/"تَجْدِلُنِي خُصُلاَتُ نُجُومِكِ الشَّقْرَاء"/"ضَفَائِرَ ضَوْءٍ
"/"يُـــنَــــمّــــِشُــــــنِـــي"/"بِيَرَاعِ بِشَارَةٍ؟"/"أَتُـــمَـــهْـــرِجُــــنِــــي"/
"بِأَحْضَانِ الأُقْحُوَانِ"
"تَجْدِلُنِي خُصُلاَتُ نُجُومِكِ الشَّقْرَاء" كناية عن يهود أوروبا الذين وفدوا لفلسطين محتلين، وشعرهم أشقر لا يناسب أجواء فلسطين. ويتساءل الفلسطيني قائلا: كأنما تصرعني أيها اليهودي بمجيئك وسلب أرضي ووطني.
"ضَفَائِرَ ضَوْءٍ": كناية عن أن هذا اليهودي بقدومه يكاد يحرق الفلسطيني المغلوب على أمره.
"/"يُـــنَــــمّــــِشُــــــنِـــي"/"بِيَرَاعِ بِشَارَةٍ؟"/ "أَتُـــمَـــهْـــرِجُــــنِــــي": كناية في كلٍّ عن التشويش والاضطراب الذي حصل في عقل الفلسطيني، فاليهود قدموا إلى فلسطين بادئ الأمر بصورة تخفي مطامعهم، والاستفهام هنا يفيد النفي.
"بِأَحْضَانِ الأُقْحُوَانِ" : للأقحوان معنيان، الأول: الأقحوان بلونه الأحمر وهو زهرة تعني الحياة والبعث والتعاطف والاحترام والحب والفرح والإخلاص والسعادة، وهذه الصورة التي كان يبديها اليهودي للفلسطيني أول الأمر وقبل تمكنه، والصورة الثانية: الدم ومهرجان المفرقعات النارية والغازية وهي التي انتهجها اليهود في فلسطين عندما شعروا بتمكنهم، وتصور الشاعرة الأقحوان بأمّ رءوم لها حضن.
وتكرر الشاعرة الفعل المضارع في هذا المقطع والمقطع السابق ثماني مرات:
تُــزَمْـــــزِمُـــــــنِـــــــي، وتُـــغـــافِـــــلُ، وتُــــــكَـــــــــمِّـــــــمُ،
وَتَـــخْــــتَــــلِـــسُـــنِي، وتُـــــعَــــسْــــــعِــــــسُ، يُـــنَــــمّــــِشُــــــنِـــي،
وتَجْدِلُنِي، وتُـــمَـــهْـــرِجُــــنِــــي.
وإن الفعل المضارع يمتلك الاستمرارية ويبث الحيوية و”يمتلك صفة أساسية وهي “التصريف” الذي يوحي بالحركة -التي هي صميم الإيقاع- و التناسل المفضي إلى ممكنات لا حصر لها، وإذا كنا لا نستطيع وضع قوانين ثابتة للأسماء لكثرتها، فإن الأفعال يمكن فيها ضبط ذلك من خلال الثنائيات “لازم/ متعد، ثلاثي/غير ثلاثي، مجرد/ مزيد، تام/ناقص.” ثم أيضا عبر اتصالها بالضمائر.. (20)



التعديل الأخير تم بواسطة ثريا نبوي ; 04-13-2022 الساعة 08:09 AM سبب آخر: رقن
قديم 02-21-2020, 12:28 PM
المشاركة 2
بتول الدخيل
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: تحليل قصيدة "بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ! " للشاعرة آمال رضوان بقلم الناقد د. عبد المجيد
تحليل رائع وممتع استاذي الكبير ماجد


باقة ود

تدري وش صاب الخفوق!!..فيه بعض آثار شوق..وبه جروح وبه حروق..وبه سوالف لو تروق!!.وبه نزيف بالحنايا ..من فراقك .. يا هوى قلبي الصدوق

قديم 02-26-2020, 12:20 PM
المشاركة 3
حسام الدين بهي الدين ريشو
مشرف منبر بـــوح المشـاعـر

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: تحليل قصيدة "بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ! " للشاعرة آمال رضوان بقلم الناقد د. عبد المجيد
روعة نماول
ونظرة نقدية راقية
لك التحية

قديم 05-31-2020, 08:22 PM
المشاركة 4
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: تحليل قصيدة "بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ! " للشاعرة آمال رضوان بقلم الناقد د. عبد المجيد
تحليل رائع وممتع استاذي الكبير ماجد


باقة ود

بارك الله فيك وفي مرورك الكريم وتعليقك الجميل أستاذة بتول الدخيل، ومنابر علوم اللغة ترحب بك وبقلمك الجميل...باقات ورد وتحاياي.

قديم 04-12-2022, 08:28 PM
المشاركة 5
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: تحليل قصيدة "بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ! " للشاعرة آمال رضوان بقلم الناقد د. عبد المجيد
بارك الله فيك وفي مرورك الكريم وتعليقك الجميل أستاذ حسام الدين بهي الدين ريشو، ومنابر علوم اللغة ترحب بك وبقلمك الجميل...باقات ورد وتحاياي.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: تحليل قصيدة "بِرْفِيرُ غُرُوبِكِ! " للشاعرة آمال رضوان بقلم الناقد د. عبد المجيد جابر
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التكرار والانزياح في قصيدة "هذا الصباح" للشاعرة د. منى طه، بقلم د. عبد المجيد جابر اط ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 09-24-2021 06:29 PM
الصورة الفنية والانزياح في قصيدة "سورة الماء" للشاعرة آمال القاسم، بقلم د. عبد المجيد ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 7 12-23-2019 10:09 PM
تحليل قصيدة "الصدار الذي نسجته" للعقاد بقلم الناقد: عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 11-11-2014 07:32 PM
تحليل رواية "نساء بلا ذاكرة" للقاصة هدى درويش، بقلم الناقد: عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 09-27-2014 11:14 PM
التحليل الأدبي لقصية للشاعرة: آمال رضوان. بقلم الناقد: عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 1 02-20-2013 12:31 AM

الساعة الآن 08:57 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.