يُطالبني بالرقصة كاملة!
سؤال يتكرر مع مطلع كل شمس:
هل يقبل الحب القسمة على ثلاثة؟!!
عندما سأل لير ابنته الصغرى عن مقدار حبها له جاء مختلفاً عما قالته الأختان اللتان أفردتاه بالحب دون غيره، أما الابنة الصغرى فكان حبها له لايقفل الباب أمام حب آخر فجاء غضبه العاصف…
إذا كان لير لم يقبل شركة في حب الأبوة، فماذا عن الحب العاطفي الخاص بين الرجل والمرأة، هل يقبل هذه القسمة الثلاثية؟!
من هذا السؤال تشكل الثلاثي المشهور، رجل وامرأتان، فلا تستوي قصص العلاقات العاطفية إلا تشابك هذه الدائرة التي كانت نبعاً ثريا لا متناهيا للأعمال الفنية يهبنا المبدعون دائما مدخلاً جديداً له، يخلق في داخلنا رغبة مشغوفة بمتابعتهم .
هذه المقدمة جاءت فور انتهائي من قراءة رواية منى الشافعي" يطالبني بالرقصة كاملة"
جاءت الرواية لتفتح هذه البوابة من زاوية جديدة، ليبقى السؤال الأول والمحوري طازجاً!
الحكاية ماقبلها ومابعدها :
أفاقت نورة من الغيبوبة بعد خمسة عشرا عاما ،فتجد زوجها متزوجا، من أعز صديقة ويتشكل واقع جديد وحدق يقلب المعادلة التي ظن الجميع أنها استقرت في موقعها مطمئنة.
وتتوزع المواقف، ومن ثم وجهات النظر التي يقدمها لنا السرد الروائي من خلال رواية ثلاثية:
تبدأ فوزية، الزوجة الثانية رواية ما أسفر عنه هذا الاستيقاظ غير المتوقع، فتبسط تلك العلاقة الحميمة بينها ونورة، تاريخا نموذجيا لصداقة امتدت، تركت الأحداث بصمتها فيه، تجوهرت وتجسدت هذه العلاقة بأمنية طفولية:" أن نتزوج نفس الرجل حتى لانفترق أبداً" ويضمنا سقف واحد ، وأصبحت هذه الأمنية حقيقة، فقد جاء اللقاء الأول مع الرجل المشترك دالاً على هذا التشابك، كانت لنظراته وجهتان، كل واحدة تقول للأخرى: أنتِ المقصودة، ليخلصا إلى( يبدو أنه يوزع النظرات بينهما) وبعد نظرة وتلميحات واجهتها فوزية بخجل وتهرب، وتصدت لها نورة بجرأة وشجاعة.
خطب يوسف نورة وتزوجا في أقل من شهرين، ويتنحى لهيب الشوق عند فوزية وينفتح المجال للصداقة، تصبح جزءا من هذه الأسرة ، ويتولد هذا الثلاثي: الزوج والزوجة والصديقة…
وجاءت غيبوبة السنوات الخمسة عشر لتنعقد تطورات هذه العلاقة، يستيقظ ذلك الساكن طوال سنوات، تزداد الحميمية والحاجة، ويتزوج يوسف من الصديقة المتفانية.
وتستقر الأمور حتى تأتي الاستفاقة، لينشأ الموقف الصامت المتوتر بين الثلاثة، الكل يريد أن يتحدث، والكل لايجرؤ على الحديث، فيأتي البديل رحلة الغوص إلى الداخل المتأمل بمعاناة لهذا الوضع الجديد.
يروي يوسف الموقف من وجهة النظر الثانية:
يقتله الصمت ويشعر" بوجع غائر وحيرة مشتعلة، يرى جسوراً من الحب لايراها غيره تربط ضفاف قلوب ملتهبة بعلامات الاستفهام:
نظرات نورة: عتاب وعناد وقلب ملتهب غضباً.
نظرة فوزية: رغبات جسد هي حلمه ورغبته.
أما يوسف فيقول :أشتهي دفء الشمس، لكنني في الوقت نفسه أتمنى ضوء القمر، أرغب أن أمشي على الأرض الجافة المريحة، لكن البحر عشقي المؤجل"
لهفة تطوق بنورة ولهفة تريد احتضان فوز …
يعود إلى نقطة البداية، الرؤية الأولى : كان منجذباً نحو الفتاتين، القدر اختار له، انجذب لذلك الأسمر الجميل وخصلات الشعر الغجية المتموجة كبحر فقد هدوءه ، وظل في داخله شوق إلى الأخرى الشقراء وعيونها كاخضرار العشب الندي…
هل فوزية نداء الجسد ونورة نداء العاطفة؟
تساؤل وتوجه في الفهم يلوح أمامنا ونحن نسمع أمنية هذه: لماذا لايكون لنا نحن الثلاثة عالم جديد، وسنفتح نوافذ جديدة؟
كان الاستيقاظ من الغيبوبة بعث لغيبوبة أخرى يتساءل يوسف متى تشرق صباحاتنا بالحب والسعادة…بالتلاقي والتسامح وبالرضا.
إنه معبّأ بالاثنتين ولكن ، من تقبل بنصف رجل؟
ويعقد العزم على أن يتحمل عبء المواجهة، فقد حان أن يرفع أحد الثلاثة صوته.
وتعرض نورة الزوجة الأولى، وجهة النظر الثالثة:
كانت بدون فوزية، نصف جسد، ونصف قلب، ونصف عقل، يلح عليها الخاطر القديم الأمنية القديمة أن يتزوجا نفس الرجل حتى لايفترقا، يثقلها تاريخ علاقة متجذرة في داخلها، ولكن، مرة أخرى: هل تقبل الأنثى، نصف رجل،؟
في مشهد جميل يتجسد الموقف في معادل مصرح بدلاتة، تتأمل قطع الثلج الثلاث الملتصقة علامة/ إشارة أزعجها التلاصق، تدمر هذا التلاصق، بالحرارة تنكمش القطع الثلاث، تنفصل تتفرق في عمق الكأس= لاتحتمل هذا الذوبان تكسر الكأس، لا أثر للقطع الثلاث!
إنها الآن تقول: لن أقبل الاعتذار ولن أسمح بالمشاركة، لستُ قاسية عليها ولكن الكبرياء.
هي أيضا بدورها، تقرر أنها ستكسر الصمت: لن تعود إلا إذا كان لها وحدها، لماذا يطالبها بالرقصة كاملة؟
وعندما نسأل أي رقصة هذه، وأي كمال منشود؟ يأتي إلينا السؤال الأول: هل يقبل الحب القسمة على ثلاثة؟
التعديل الأخير تم بواسطة ياسَمِين الْحُمود ; 05-02-2022 الساعة 06:45 AM