قديم اليوم, 04:57 AM
المشاركة 11
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: كتاب فِـقْـــه السُـنّة في النجاة من الفتن وأحداث آخر الزمان

ومن تلك الكبائر أيضا التي تورد الإنسان مصير الطرد من رحمة الله، رذيلة (الخمر) وهي التي سماها العلماء (أم الخبائث)، لأن الخمر تذهب بالعقل وبالتالي يتورط تحت إثرها الإنسان في كل الرذائل،
وقد ورد فيها اللعن والطرد من رحمة الله ــ ليس في شاربها فحسب ــ بل في كل شخص له علاقة بها، وذلك وفق حديث النبي عليه السلام.
(لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها)
فلنا أن نتخيل فداحة إثم الخمر، وقد ذكرنا سابقا أن مدمن الخمر من الذين حرم الله عليهم الجنة، وامتد اللعن والطرد من رحمة الله إلى كل متعامل مع الخمر أو تجارتها، بداية من شاربها، وساقيها، وبائعها وعاصرها (أي الداخل في صناعتها)، ومعتصرها (من طلب صناعتها له)، وحاملها (من حملها إلى من أرادها)، والمحمولة إليه (أي كل من حملت إليه في سوق ولو لم يكن من شاربيها)، وآكل ثمنها أي التاجر وكل من جعل أمواله في تجارتها.

كذلك من أشد الآثام التي نغفل عنها، ونُمَارسها في المجتمع على أنها مباحة، بل وتجد التشجيع والتعظيم حتى من بعض أهل الفضل والعبادة والحريصين على مرضاة الله!
هذه الظاهرة هي السعي إلى الشهرة والتبذير والإسراف.
فهذه الصفات كفيلة بأن تجعل الإنسان يخسر رصيد حسناته بأن يحبط عمل الخير الذي اجتهد فيه عُمْرَه، أو أنها كفيلة بأن تأتي به ذليلا يوم القيامة جزاء على حرصه على الشهرة في الدنيا، أو أنها كفيلة بأن تجعله مع الشياطين في مستوى واحد.
ونبدأ بالنقطة الأخيرة.
فالله عز وجل يقول عن المذرين في إنفاق المال
[إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا] {الإسراء:27}
وهذا نص صريح لا جدال فيه، وحدود التبذير الحقيقية التي التزم بها النبي عليه السلام والتزم بها الصحابة، هي حدود أعلي من قدراتنا اليوم، ومن يستطيع أن يبلغها ووفقه الله لها فلا شك أنه من أهل الرضوان.
ولكننا تعلمنا من ديننا أيضا قاعدة هامة وهي:
(ما لا يُدْرك كله، لا يُتْرك جله)
ومعنى القاعدة ببساطة، أن المسلم إذا لم يستطع في أمر ما أن يطبق حدود التقوى بحذافيرها، فعلي الأقل لا يتركها كاملة، ويحاول قدر إمكانه الالتزام بمعظمها أو حتى ببعضها.
فحدود الإسراف المُحرم التي التزمها النبي عليه السلام وصحابته من بعده، كانت بإلزام الزهد الحقيقي بمعناه الصحيح.
فليس الزهد معناه ترك الطيبات ولا ترك الاستمتاع برزق الله، لكن الزهد هو أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك، وأن تتمتع بالطيبات في غير الإنفاق المبالغ فيه على المظاهر.
بالذات إن كان هذا الإنفاق المسرف على المظاهر هدفه الأساسي لفت أنظار الناس، والتعاظم عليهم بالحصول على نوادر الأمور، ومشهور الملابس والمنازل ونحوها.
فالله عز وجل أعطانا المال وأمرنا أن نخرج حقه بالزكاة والصدقة، ولكن ليس معنى إخراج حق المال أن ننفق منه على المظاهر والشهرة لمجرد حب الظهور والتعالي.
فهذه الأمور من أقبح المنكرات في الدين،
وحديثي هنا ليس مُوَجّها إلى أهل الإسراف ممن يمنعون حق الله في مالهم، فهؤلاء يرتكبون ما هو أعظم من الإسراف ألا وهو منع الزكاة والصدقات.
وهؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى في الذين اكتنزوا الذهب والفضة ولم ينفقوها في سبيل الله:
[يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ] {التوبة:35}
لكن الحديث مُوَجه في الأساس للعابدين والمتصدقين وأهل السعي في مصالح الناس، فهؤلاء لا يجوز لهم أن يُضَيّعوا حسناتهم وأعمالهم بسلوكهم مظاهر الشهرة والتميز وأنفاق الأموال في أمور لا ضرورة لها على الإطلاق، ولا هدف لها في الأصل إلا الشهرة والتميز
وقد جاء في الحديث الشريف:
(من لبس ثوبَ شهرةٍ ألبسَه اللهُ يومَ القيامةِ ثوبًا مثلَه ثم تلهبُ فيه النارُ ـــ وفي لفظٍ ــــ ثوبَ مذلَّةٍ)
وقد جاء عن (شهر بن حوشب) أنه قال:
(من ركب مشهورًا من الدواب ولبس مشهورًا من الثياب أعرض الله عنه وإن كان كريمًا)
وبالتالي،
فخطورة سلوك مظاهر الشهرة أو سرف الإنفاق والمبالغة فيه أنه يبطل أعمال الصدقات والحسنات لأهل الكرم، لأن الله تعالي لا يحب المسرفين ويكفي أنه يُعْرِض عنهم
وحتى لا يقلق بعض القراء ممن يحرصون على اقتناء المنقولات الغالية لمعيشتهم، فنقول لهم أن اقتناء الأمور عالية الثمن إن كان هدف اقتنائها هو الحاجة إليها، والرغبة في تيسير المعيشة أو تيسير العمل، فهذا مما لا شيء فيه إن شاء الله بشرط ألا يكون هناك بديلا لها ــ بنفس الكفاءة ــ أرخص سعرا.
والعلامة الفارقة الظاهرة بين حدود الإسراف وبين الضرورة، هي النية التي تحكم من يقتني هذه الأشياء، فإن كانت نيته في اقتنائها تقليد أهل البَطَر، أو التظاهر والتعالي، أو الزهو أمام الناس، فهذا هو السرف والشهرة المحرمة، أما إن كان الهدف هو رغبة الإنسان لفائدة نفسه وكان محتاجا لها فلا شيء فيه.

كذلك هنا إسراف منتشر في المجتمع، لكنه لا يحظى بانتباه الناس بالقدر الكافي، ألا وهو الإسراف في استخدام الماء العذب في غير موضع الضرورة.
فهذا من أشد المحرمات، وقد جاء عن النبي عليه السلام ما يلي:
(أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ بسَعدٍ وَهوَ يتوضَّأُ، فقالَ: ما هذا السَّرَفُ يا سَعدُ؟ قالَ: أفي الوضوءِ سَرفٌ قالَ: نعَم، وإن كنتَ على نَهْرٍ جارٍ)
فإذا كان استخدام الماء العذب بكمية كبيرة في الوضوء نفسه، لا يجوز وإن كان المتوضئ يتوضأ على نهر جار، فكيف بالإسراف في استخدام الماء في اللهو والزينة؟!
وترجع علة التحريم هنا إلى أهمية الماء العذب لكونه أساس الحياة، وهذا النهي المشدد هو من أبلغ إعجاز الإسلام ونظامه الاجتماعي القائم على حفظ الموارد العامة وعدم إهدارها في غير موضعها، والظواهر العقيمة المنتشرة في العالم اليوم توضح لنا مدى المأساة حيث تعاني دول كاملة من قلة الماء العذب للشرب، بينما تهدر دول أخري المياه العذبة في صنع ملاعب الجولف وحمامات السباحة والمنتجعات!

كذلك من السرف وجحود النعمة، الظواهر القاتلة المنتشرة في المجتمع في المبالغة في الإنفاق، بلغت حدا رهيبا تحت تأثير انتشار وتعدد أنواع الملذات حتى رأينا محتويات بعض المنازل والقصور، وتكاليف الإنفاق في حفلات الزواج تتعدي المبالغ الكافية للإنفاق على مدن بأكملها!
ويحدث هذا في نفس الوقت الذي يعاني فيه الملايين من الفقراء من شظف العيش والبحث عن قوت يوم واحد.
كما أن (الشهرة) بذاتها أصبحت هدفا استراتيجيا حتى لمن لا يجدون سبيلا إليها، فسلكوا في ذلك كافة السُبُل من المحرمات دون أدنى وازع من الدين أو الضمير، وأصبحوا يرحبون بالشهرة ولو في المحرمات أو على سبيل العرض والأخلاق، ما داموا سيصبحون نجوما في المجتمع.
أي أنهم يسعون وراء الشهرة في الكبائر، بينما الصحابة وأئمة العلم رضي الله عنهم كانوا يفرون من الشهرة في فضائل الأعمال الكبار كالجهاد في سبيل الله، ونشر العلم!!

وقد جاء في سير هؤلاء الصالحين ما نصه:
(ومن العجب أن يحج مع النبي صلى الله عليه وسلم ما يربو على مئة ألف صحابي فلم يقدر ابن حجر العسقلاني على قوة حفظه وسعة اطلاعه، ومهارة بحثه أن يجمع لنا في كتابه الإصابة أكثر من ثمانية آلاف صحابي فأين الباقون!
إنهم على منهاج قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ»
ولو كانت الشهرة منقبة تتشوق لها النفوس الكريمة لأكرم الله بها سادة الدنيا من الأنبياء والمرسلين الذين بعث منهم ما يزيد على ثلاثمائة رسول، وأكثر من مائة ألف نبي، ورغم ذلك لم يحفظ لنا القرآن سوى أسماء خمسة وعشرين رسولاً لا غير.
وقد حذر سلفنا الصالح من حب الظهور والشهرة بين الناس لمن يسعى إليها ويجعلها هدفه، وتضافرت أقوالهم المحذرة من هذا الخلق الذميم، فهذا سفيان الثوري يقول: "إياك والشهرة؛ فما أتيت أحدًا إلا وقد نهى عن الشهرة"
وقال إبراهيم بن أدهم: "ما صدق اللهَ عبدٌ أحب الشهرة"
وقَالَ أَيُّوْبُ السختياني: "مَا صَدَقَ عَبْدٌ قَطُّ، فَأَحَبَّ الشُّهرَةَ")

وكما رأينا في المقال الخطير السابق، ما ورد من أقوال الصحابة وأهل العلم في الهروب من الشهرة في أعظم أعمال الخير، حتى في مقام (صُحبة النبي عليه السلام)، فقد غاب عنا أسماء الغالبية منهم ولم نعرف منهم إلا العشر بينما هم يزيدون عن مائة ألف صحابي، وكل هذا لأنهم كانوا يفرون من الشهرة بلا مقتضي، ولهذا عرفنا منهم رواة الحديث وأصحاب المشاهد والذين نزلت فيهم آيات القرآن والسنة
بل إن الرسل والأنبياء عليهم السلام، لا نعرف منهم إلا 25 نبي ورسول، بينما عدد الرسل يربو على 315 رسولا، وعدد الأنبياء مائة وعشرين ألف نبي، وفق نص الحديث الشريف!
(عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال:
قلت: يا رسولَ اللهِ كمِ الأنبياءُ؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسه عشر جما غفيرا)
فلو كانت الشهرة أمرا مباحا أو نعمة مطلوبة، لجعلها الله لخاصة أوليائه وهم الرسل والأنبياء.

فإذا كانت الشهرة بالفضائل منهي عنها لهذه الدرجة فما بالنا بالشهرة في الرذائل!، وقد تحقق فينا قول النبي عليه السلام:
(لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرامٍ.)
وكذلك أيضا تحققت فينا نبوءة رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله:
(لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ)
ومعنى الحديث أنه في آخر الزمان، سيكون أكثر الناس حظا بالدنيا من المال والشهرة هو (اللكع ابن لكع) أي أقل الناس شأنا في المجتمع سواء من حيث فائدته للمجتمع أو من حيث الأخلاق.
ونحن لا نحتاج إلى أن نقول بأن الحديث تحقق في زماننا بحذافيره!

ولا شك أن أعظم الأمور التي يعانيها المسلم في تقواه، هي ردع شهوة الشهرة في نفسه، والتي تتفوق على كافة الشهوات الأخرى، لذلك كان لجهاد النفس في ذلك أجر عظيم، ولكي ينجح الإنسان في ردع نفسه عن فتنة الشهرة عليه أن يتذكر فقط عواقب الشهرة في إبطال حسناته، ولا شك أن حرص المسلم علي حسناته سيكون دافعا قويا جدا لذلك.
ويجب علينا أن نجدد إيماننا كلما استطعنا، وفق ما يقول النبي عليه السلام في الحديث:
(إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم)

ومعني (إن الإيمان يخلق كما يخلق الثوب) أن يعتريه القدم فيبلى كما يبلى الثوب بمرور الزمن والاستخدام.
ولهذا يجب ألا نيأس من تورطنا في حب الشهرة مرات وكَرّات، فالله يحب العبد الأواب إليه، وتجديد الإيمان يكون بتجديد العهد مع الله أن يخلع من نيته حب المظاهر والاشتهار بين الناس، وأن يحاول قدر استطاعته عدم الفتنة بمدحهم بالذات إن كان من أهل العلم أو أهل البر.

وتتبقي ملحوظة هامة جدا في هذا السياق.
وهي ضرورة بيان حدود (الشهرة المحرمة)، حتى لا يقع الإنسان في حرج إن كان معروفا بالعلم والتقوى أو بأعمال البر، ويتلقى الشكر والثناء على أفعاله وتقتدي به الناس.
فالشهرة المحرمة تختلف عن (عاجل بشرى المؤمن)، وعاجل بشرى المؤمن هي كلمات الإطراء والثناء وحب الناس لشخص فاعل الخير أو صاحب الخلق والعلم، وقد جاء هذا المفهوم من خلال حديث النبي عليه الصلاة والسلام عندما اشتكى إليه الصحابة أنهم يجدون الثناء ويخشون على دينهم الفتنة به،
(عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: "تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ")

ومعنى (عاجل بشري المؤمن) أن قبول الناس وثنائهم الحسن على أفعال المؤمن ــ دون أن يكون في نيته مسبقا الحرص على هذا الثناء ـــ فإن ثناء الناس هنا ليس من السمعة والشهرة التي تحرم الأجر، بل هو على العكس بشارة النبي عليه السلام بأن قبول الناس ومحبتهم لفعل المؤمنين هي بشارة عاجلة بقبول العمل في الدنيا يدركها المؤمن في الدنيا وتصبح علامة لوجود القبول في الآخرة
وأبسط وسيلة كي يفرق الإنسان بين الشهرة المحرمة وبين (عاجل بشرى المؤمن)، هي أن يتأمل الإنسان في نفسه ونيته، هل قام بفعله أصلا وهو يستهدف الشهرة والسمعة الحسنة بين الناس، أم أنه قام بفعله ابتغاء مرضاة الله وفي سبيله ولم يكن يهدف من وراء هذا منفعة دنيوية أو يتوقع وينتظر ثناء الناس عليه.
فإذا كانت نيته من البداية هي السعي لعمل الخير ــ سواء عرف الناس أم لم يعرفوا ــ فلا شك أن ثناء الناس إذا جاء في هذه الحالة فهو من عاجل بشري المؤمن في الدنيا.
وعاجل بشري المؤمن هي وعد الله الذي يتحقق لعباده المؤمنين، لأن أي مؤمن صالح سيجد محبة الناس من حوله وثنائهم عليه بطبيعة الحال، وهذا وفقا لقوله تعالى:
[إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا] {مريم:96}

ومعني أن الرحمن سيجعل لهم وُدا، أن المؤمنين ستكون لهم مكانة وحب وشعبية بين الناس، وقال العلامة (ابن كثير) في تفسيره لهذه الآية.
(يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات في قلوب عباده الصالحين مودة، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه)
وهذا ما عبر عنه أيضا حديث النبي عليه الصلاة والسلام:
(ِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ)

قال النووي رحمه الله:
(قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ هَذِهِ الْبُشْرَى الْمُعَجَّلَة لَهُ بِالْخَيْرِ، وَهِيَ دَلِيل عَلَى رِضَاء اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، وَمَحَبَّته لَهُ، فَيُحَبِّبهُ إِلَى الْخَلْق كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيث، ثُمَّ يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض. هَذَا كُلّه إِذَا حَمِدَهُ النَّاس مِنْ غَيْر تَعَرُّض مِنْهُ لِحَمْدِهِمْ، وَإِلَّا فَالتَّعَرُّض مَذْمُوم)
كما ينبغي للمؤمن أن ينتبه لمكر الشيطان جيدا في هذا الباب،
لأن مكر الشيطان في هذا الشأن لا يكون فقط بدفع الإنسان للبحث عن مدح الناس، بل يكون مكره أشد بالمخلصين الذين يبتغون ثواب الله بنية صادقة، فيوهمهم ويؤنب ضمائرهم بأن الناس قد عرفتهم واشتهر ذكرهم وبالتالي فإن أعمالهم صارت رياءً وسمعة.
ويهدف الشيطان من وراء ذلك إلى إيقافهم عن أفعال الخير ودفعهم للامتناع عن إفادة الناس بما يفعلون تحت تأثير خشيتهم أن يقعوا في حب الشهرة والسمعة.
فإذا حدثت الإنسان الفاعل للخير نفسه بمثل هذا فلا يمتنع أبدا عما يفعل، بل يزيد من أعمال الخير التي يفعلها ويحرص عليها ولا يلقي بالا لوساوس الشيطان في هذا الجانب.
فلولا أن أعمال المرء تفيد الناس فعلا وتحظى بقبول رب العالمين، لما جاء الشيطان كي يوسوس له بأن يوقفها
والأمر ليس صعبا على الفهم ومعرفة الفارق الدقيق.
ويستطيع الإنسان أن يستدل بنفسه على ذلك، عن طريق مراقبة مشاعره عند فعل الخير، فإن وجد نفسه قد اعتادت أن تفرح بكلام الناس عنه، بحيث إذا لم يتحدث الناس أصابه الضيق، فعليه عندئذ أن يجدد نيته المخلصة لله عز وجل،
وإذا وجد نفسه يفرح بثناء الناس لكن ثناءهم لا يمثل دافعا أو تشجيعا له في فعل الخير، بمعنى أنه يقوم بعمله في كافة الأحوال سواء عرف الناس أم لم يعرفوا، فهو هنا على الطريق الصحيح.

كذلك من الذنوب المُحبطة للعمل، التي تقع دون أي داع في المجتمع رغم خطورتها، هو الذنب الذي ثار فيه جدل عقيم على مواقع التواصل من مُشجعي الثقافة الغربية وهي آفة امتناع الزوجة عن زوجها إن أرادها لنفسه!
وكعادة التقليعات الغربية انتشر هذا المصطلح الهدام (الاغتصاب الزوجي)، في نفس الوقت الذي تظهر فيه دعواتهم الداعية والمشجعة للمجاهرة بكل الرذائل كالزنا والشذوذ!
وهذا من جملة ما جرته علينا أقلام وجدت الفرصة في هذا الجو المشحون ضد كل أحاديث النبي عليه السلام وضد ثوابت الأخلاق، فهاجموا حديث النبي عليه السلام الذي يقول فيه:
(إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح)
وهذا الحديث فيه تحذير ووعيد للمرأة ألا تمتنع عن زوجها إن أرادها لفراشه، وعلة خطورة التحذير أن الرجل بطبيعته مفتوحة أمامه أبواب المعاصي والذنوب لا سيما في ظل انهيار الأخلاق بالمجتمع، فإذا اجتمع على الرجل امتناع زوجته ورفضها له مع يُسر الزنا كانت الكارثة!


والقضية لا تحتاج جدلا طويلا.
فالحديث فيه وعيد شديد نعم، ولكن ليس فيه إجبار ــــ كما يقول دعاة الانحلال ــ للمرأة على الاستجابة القطعية لزوجها في كل وقت حتى لو لم تكن لها رغبة.
فالعلاقة الزوجية علاقة مودة وتراحم لا علاقة استعباد، وبالتالي يجوز للمرأة بالتفاهم والرضا مع زوجها أن تمتنع عنه إن أرادت فإذا رضي الزوج انتهت القضية!
فلماذا يُصِر هؤلاء الناس على أن يكون امتناع الزوجة بالرفض العنيف الموجب للعن الملائكة، ولماذا لا ينصحون ــ لو أنهم حقا لا يريدون خراب البيوت ــ بأن يتم كل هذا في إطار التفاهم.
وهذا المعني يؤكده حديث النبي عليه السلام:
(والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها)
ونقول لهؤلاء المُحَرّضين للزوجات إذا كان عندكم ما يسمي بالاغتصاب الزوجي، فلا مانع عندنا من تطبيقه بشرط أن يكون من حق الزوج إن أصرت زوجته على الامتناع عنه دون عذر أن يتزوج عليها المثني والثلاث والرباع كما أحل الله له.
ودعونا نري رأي الزوجات في هذا العرض البسيط؟!
فإن أردت أن تكوني زوجة حرة مستقلة ـــ وفق ما ينادي به هؤلاء ـــ فاقبلي باستقلال زوجك وحريته أن يجد لشهوته موضعا آخر بالحلال الذي شرعه له الله طالما أنك امتنعت عنه بغير مرضاة الله ؟!
وحقا نحن في آخر الزمان والله

يتبع إن شاء الله


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: كتاب فِـقْـــه السُـنّة في النجاة من الفتن وأحداث آخر الزمان
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسباب الفتن ودوافعها اعزاز العدناني منبر الحوارات الثقافية العامة 0 02-07-2022 12:21 AM
تعدد النيات أبوفؤاد منبر الحوارات الثقافية العامة 5 05-27-2021 02:14 AM
مفتاح النجاة نورا نور الدين منبر الحوارات الثقافية العامة 3 08-27-2013 11:31 AM

الساعة الآن 01:06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.