احصائيات

الردود
4

المشاهدات
3239
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.39

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
11-20-2013, 01:11 AM
المشاركة 1
11-20-2013, 01:11 AM
المشاركة 1
افتراضي فرصة العمر
حط بالمدينة صباحا ، يحمل في نفسه عظيم الآمال ، تلك التي يكاتبها ، يجاملها ، يلاطفها ، استولت على قلبه و أصبح هائما ، كلما هم بإبعادها عن حدائق أحلامه ، تعود لترصع الأمنيات بزهرات آمال متفتحة ، فيتراءى له الآتي جنة معطاء ، تتعانق أشجارها و تتفاخر ثمارها اليانعة ، تستمتع أحاسيسه بنغمات الطيور المغردة فيها ، يلامس ريش الطاووس ، يسبح مع البطات في أحواضها و غدرانها ، يشاغب الأرانب البرية التي تنط بين الحشائش بعيونها اللامعة . يرتشف من فنجان فطوره و يقضم من الحلوى التي أحضرها النادل بقميصه الأبيض و السروال الأزرق و الحذاء الأسود ، هنا نظر إلى لباسه التقليدي ، جلبابه الرمادي ، نعلاه الصفراوان ، محفظته الجلدية المتدلية بحزامها الأسود المفتول ، سرواله الفضفاض ، طاقيته المزركشة .
منذ ترجل من الحافلة والعيون تفترس بداوته ، كأنه إنسان قادم من الماضي السحيق ، يجوب المدينة مستفسرا عن موطن حبيبته ، يقف على مقربة من دارها ، عند البقال طلب قنينة غازية و خبزا و علبة أسماك ، رأفة بحاله قدم له البقال كرسيا خشبيا فاستوى معانقا قنينته و مزدردا طعامه . أطفال الحي يتغامزون حوله و يستفزون سكونه ، لكن رباطة جأشه ، ولسانه السريع المتحكم في ناصية اللغة سرعان ما ردع فضولهم ، وبدأت صورته البدوية تخبو وتضمحل في عقولهم ، ويستوطنها شخص تشع منه الهيبة ، فتتراجع أعناق أنانيتهم المشرئبة مطأطأة . فطن البقال إلى زبونه فسأله إن كان روحانيا ، فأومأ الرجل ذو اللحية السوداء العامرة بالإيجاب . حكى له مصابه ، فتمتم صاحبنا بلسانه بعض كلمات ، و وعده بإحضار علاجه في اليوم الموالي .
بفستانها المتناغمة ألوانه و شعرها المنسدل على ظهرها ، و حذائها ذي العقب الطويل تجوب سوق البلدة ، حاملة كيسا يحتوي علبا من العقاقير المغذية ، هذا عقار ضد التعب وهذا يساعد على الهضم و ذلك يقوي الانتباه والآخر يساعد على خفض السمنة ... جاءت من أقاصي الأرض تستفسر عن هذا المبدع ، هذا الفنان ، هذا الفارس الذي يعلو صهوة الكلمة . تعجبت أن لا أحد يعرف عبقريا بمثل هذه الصفات في البلدة . و لا أحد ينتبه إلى ما تستفسرعنه ، كل أهل البلدة يبتاعون منها الدواء و عيونهم مشدودة إلى مفاتنها ، وكل شخص يتحين فرصة دعوتها إلى مسكنه تعبيرا عن إكرام الضيف و رحمة بالمرأة ، لكنها سرعان ما تنساب متملصة من شباكهم كسمكة خبيرة بفخاخ اليم . وقفت أمام منزله ، تسللت أناملها الناعمة إلى زر بمحاداة الباب ، زغرد الجرس و فتحت امرأة في الخمسين الباب مرحبة بالضيفة ، وهي تسأل : " هل هذا منزل إبراهيم ؟ " ردت عليها الأم بالإيجاب : " نعم يا بنيتي ..." فقالت لها : " كان يتصل بشركتنا راغبا في بعض الأدوية ، فأحضرت له عينات منها : " هذا مرهم ضد آلام الظهر ، و هذا عقار ضد السمنة ، وهذا منشط الجسم .." فردت عليها الأم : " لست أدري ما ترمين إليه ياحبيبتي ، لكن إبراهيم مسافر ، وهو على كل حال ليس صيدليا ، ولا بائع أدوية ، فهو خياط ، لو أحضرت أثوابا لكان الأمر طبيعيا ."
فقالت الشابة : " لا عليك سيدتي ، سأعود عندما يرجع من السفر ، ربما كان ينوي تغيير مشروعه ، ومن يدري ربما أخطأت العنوان ، لكن يمكنك أن تحتفظي بالعينات فربما كان هو من يتصل بنا ؟ " قدمت لها الأم الشاي والحلوى و تشعب بهما الحديث ، فانهالت الجارات عليها يشترين الدواء و هي تستعلم عن كل صغيرة وكبيرة في الحي .
مساء عاد عند صاحب الدكان معتذرا أن مقامه لن يطول في المدينة لأن طارئا ألم بأسرته ، فاجأه البقال أن العديد من فتيات الحي ينشدن رؤيته ، عله يفك ما اعترى حياتهن من سوء الطالع و ما يعكر صفوهن من أصناف الحزن ، وكثرة الضغط و قلة الأفراح ، هكذا مر عبر البيوت يطرد النحس و يؤدب أرواحها الشريرة ، و يزرع الأمن في القلوب المكلومة ، أم حبيبته تشكو رفض ابنتها لكل من أتاها خاطبا رغم جمالها الفتان و روحها الطيبة و أجرتها المغرية كممرضة بارعة في مستشفى المدينة ، أقسم صاحبنا بغليظ أيمانه أنه من سيزوجها قريبا جدا .
توقفت الحافلة في طريق العودة إلى البلدة عند أحد المطاعم ليتناول ركابها العشاء ، تقدم نحو بائع الكباب و قلبه مفعم حيوية ، يتناول قطع اللحم بنشوة الفارس الغانم ، يتناهى إلى سمعه موال حب على أنغام شرقية من شريط موسيقي يهدم آخر قلاع رصانته . أنهى عشاءه و تقدمت خطواته ليتسلق درج حافلته عنما رست بجانبها حافلة أخرى ، أحس بالتي تحتضنه تتحرك و عيناه مشدودتان إلى حسناء تنزل من الأخرى وهي تتجه صوب بائع الكباب . أحس انقباضا في نفسه ، أيكون حظه يعاكسه ، تساءل إن كان فعلا سيواصل ما جاء من أجله ، أم أن قلبه سلبته التي رآها للتو ، لكن كيف سيتتبع خيوطها هذه المرة ، يعض على نواجده و تتسارع الخطط في ذهنه حتى استسلم للنوم .
يتحرش بها سائق الحافلة و هي مشغولة بالخياط ، أه خياطي الحبيب هل تستطيع خياطة جراحي ، و زخرفة ربيعي الذي كاد يذبل ، لم تستطع أن تغمض جفنها بل روحها سابحة هناك في البلدة .
دخلت غرفتها فخنقتها رائحة البخور ، فسألت أمها ، " ماذا فعلت بغرفتي ماما ؟" فقالت لها الأم ، جاء رجل ملاك إلى حيّنا ، مؤكد أنه يطرد الأرواح الشريرة و يجلب السعادة ، و يزرع الحب في النفوس ." ضحكت البنت من قول أمها و هي تعانق فيها البراءة .
في الصباح الباكر تخلص من قناعه و تقدم إلى منزله فاستقبلته أمه مبتسمة : " مرحبا حبيبي ، هذه المرة ربما أحضرت أثوابا حريرية من المدينة ، أم ستتخلى عن أحلامك ، و تغير مسارك وتتخذ لك حرفة أخرى ، ما قصة تلك التي تبيع الأدوية ؟ " رد عليها في استغراب : " ما هذه الأحجية يا أماه ؟" فأحضرت له تلك العينات وهي تقول معذرة ، هذا المرهم جربته في الليل فنمت نوما هنيئا بلا آلام ." فرد عليها : " احتفظي بها يا أمي ، سأحاول معرفة القصة كاملة ، ولكن لا تفتحي بيتك يوما لمثل هؤلاء ، الذين يبدعون الحكايات ."
فتح حاسوبه فوجد رسالة من التي علمته الحب و هي تقول " هل تقبلني زوجة يا حبيبي ؟ " طرق رأسه لحظة وهو يفكر في ملاك الحافلة ، فأخذته رعشة فكتب : " هذه فرصة عمري يا ملاكي " .


قديم 11-20-2013, 03:15 AM
المشاركة 2
عماد تريسي
من ملوك الأدب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



مع أسلوبكم القصصي الماتع و البارع , تقضي الذائقة العطشى أوقاتاً من الارتواء من غدران الأدب القصصي الرفيع و الثري .


لكم كل التقدير و الإعجاب أستاذ ياسر .


مودتي


.
.


لأنَّ الحزن هو أبو الوحي , فإنَّني لا زلتُ أبرّه !

فإن ذوتْ سنابله يوماً, رويتُه باستذكار جرحٍ آخر .

.....
قديم 11-21-2013, 12:47 AM
المشاركة 3
نادية العتيبي
سمـو القـلــم
  • غير موجود
افتراضي
شربت كثيرا من الخيال ..

اشكرك على الاستطراد

قديم 11-21-2013, 01:13 AM
المشاركة 4
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ عماد تريسي

المتعة في حضوركم سيدي ، يبتهج قلبي كلما تألقت صفحتي بوشاحكم .
و تمسح عن وجهي غيمة الترقب كلما تشرفت بطلعتكم .


ألا يا لغة العرب لا تخوني موعدي
فاصدح نبلا في رحاب النبلاء
و أسقي حيرة المتلهف متعة
من قدح شعر به القلب يصحو
و أضيئ حلكة دربه نورا
من قبس نتر به الحزن يخبو .
في رياضك يسيح منتشيا
يراقص الزهر و مع الطير يشدو

سعيد بك أستاذي
كل التقدير والاحترام





قديم 11-22-2013, 10:25 AM
المشاركة 5
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
شربت كثيرا من الخيال ..

اشكرك على الاستطراد


الأستاذة نادية العتيبي .

تعليقك ينم عن رؤية واعية للنصوص .

سيكون منبر القصة في شوق دائم لآرائك .

تقديري .




مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: فرصة العمر
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الكلم الطيب : حكمة ... دعاء ... فرصة. كمال بدر منبر الحوارات الثقافية العامة 18 03-15-2019 03:00 PM
فرصة تقدمها أكاديمية جامع الراجحي! عبده فايز الزبيدي منبر الحوارات الثقافية العامة 0 12-11-2013 01:03 PM
امنحني فرصة وحيدة.. غادة قويدر منبر البوح الهادئ 16 12-05-2011 09:56 PM

الساعة الآن 11:28 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.