بلاغة الكلام :
وأما بلاغة الكلام فهي مطابقته لمقتضى الحال
مع فصاحته ومقتضى الحال مختلف فإن مقامات
الكلام متفاوتة فمقام التنكير يباين مقام التعريف
ومقام الإطلاق يباين مقام التقييد ومقام التقديم
يباين مقام التأخير ومقام الذكر يباين مقام الحذف
ومقام القصر يباين مقام خلافه ومقام الفصل يباين
مقام الوصل ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب
والمساواة وكذا خطاب الذكي يباين خطاب الغبي
وكذا لكل كلمة مع صاحبتها مقام إلى غير ذلك
كما سيأتي تفصيل الجميع وارتفاع شأن الكلام
في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب
وانحطاطه بعدم مطابقته له فمقتضى الحال هو الاعتبار
المناسب وهذا أعني تطبيق الكلام على مقتضى الحال
هو الذي يسميه الشيخ عبد القاهر بالنظم حيث يقول
النظم تآخي معاني النحو فيما بين الكلام على حسب
الأغراض التي يصاغ لها الكلام .
فالبلاغة صفة راجعة إلى اللفظ باعتبار إفادته المعنى
عند التركيب وكثيرا ما يسمى ذلك فصاحة أيضا
وهو مراد الشيخ عبد القاهر بما يكرره في دلائل الإعجاز
من أن الفصاحة صفة راجعة إلى المعنى دون اللفظ
كقوله في أثناء فصل منه علمت أن الفصاحة
والبلاغة وسائر ما يجري في طريقهما أوصاف
راجعة إلى المعاني وإلى ما يدل عليه بالألفاظ دون
الألفاظ نفسها وإنما قلنا مراد ذلك لأنه صريح
في مواضع من دلائل الإعجاز بأن فضيلة الكلام
للفظ لا لمعناه منها أنه حكى قول من ذهب إلى
عكس ذلك فقال فأنت تراه لا يقدم شعرا حتى يكون
قد أودع حكمة أو أدبا أو اشتمل على تشبيه
غريب ومعنى نادر ثم قال والأمر بالضد إذا جئنا
إلى الحقائق وما عليه المحصلون لأنا لا نرى
متقدما في علم البلاغة مبرزا في شأوها إلا وهو
ينكر هذا الرأي ثم نقل عن الجاحظ في ذلك كلام منه
قوله والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي
والعربي والقروي والبدوي وإنما الشأن في
إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وصحة الطبع
وكثرة الماء وجودة السبك ثم قال ومعلوم
أن سبيل الكلام سبيل التصوير والصيانة وأن سبيل المعنى
الذي يعبر عنه سبيل الشيء الذي يقع التصوير فيه
كالفضة والذهب يصاغ منها خاتم أو سوار فكما أنه محال
إذا أردت النظر في صوغ الخاتم وجوده العمل ورداءته
أن تنظر إلى الفضة الحاملة لتلك الصورة أو الذهب
الذي وقع فيه ذلك العمل كذلك محال إذا أردت أن تعرف
مكان الفضل والمزية في الكلام أن تنظر في مجرد معناه
وكما لو فضلنا خاتما على خاتم بأن تكون فضة هذا أجود
أو فضة ذاك أنفس لم يكن ذلك تفضيلا له من حيث
هو خاتم كذلك ينبغي إذا فضلنا بيتا على بيت من أجل معناه
أن لا يكون ذلك تفضيلا له من حيث هو شعر وكلام
هذا لفظه وهو صريح في أن الكلام من حيث هو كلام
لا يوصف بالفضيلة باعتبار شرف معناه ولا شك أن
الفصاحة من صفاته الفاضلة فلا تكون راجعة
إلى المعنى وقد صرح فيما سبق بأنها راجعة إلى المعنى
دون اللفظ فالجمع بينهما بما قدمناه يحمل كلامه حيث
نفى أنها من صفات اللفظ على نفي أنها من صفات
المفردات من غير اعتبار للتركيب وحيث أثبت أنها
من صفاته على أنها من صفاته باعتبار إفادته المعنى
عند التركيب .
وللبلاغة طرفان :
أعلى إليه تنتهي وهو حد الإعجاز وما يقرب منه ،
وأسفل منه تبتدىء وهو ما إذا غير الكلام عنه إلى
ما هو دونه التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات ،
وإن كان صحيح الإعراب وبين الطرفين مراتب كثيرة متفاوتة ،
وإذ قد عرفت معنى البلاغة في الكلام وأقسامها ومراتبها
فاعلم أنه يتبعها وجوه كثيرة غير راجعة إلى مطابقة
مقتضى الحال ولا إلى الفصاحة تورث الكلام حسنا وقبولا .
بلاغة المتكلم :
وأما بلاغة المتكلم فهي ملكة يقتدر بها على
تأليف كلام بليغ .
وقد علم بما ذكرنا أمران : أحدهما أن كل بليغ كلاما
كان أو متكلما فصيح وليس كل فصيح بليغا ،
الثاني أن البلاغة في الكلام مرجعها إلى الاحتراز
عن الخطأ في تأدية المعنى المراد وإلى تمييز
الكلام الفصيح من غيره ،
والثاني أعني التمييز منه ما يتبين في علم متن اللغة
أو التصريف أو النحو أو يدرك بالحس وهو
ما عدا التعقيد المعنوي ،
وما يحترز به عن الأول أعني الخطأ هو (علم المعاني )
وما يحترز به عن الثاني أعني التعقيد المعنوي هو (علم البيان )
وما يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال وفصاحته
هو (علم البديع ) ،
وكثير من الناس يسمي الجميع علم البيان وبعضهم
سمى الأول علم المعاني والثاني والثالث علم البيان
والثلاثة علم البديع وهو علم يعرف به أحوال اللفظ العربي
التي بها يطابق مقتضى الحال ،
قيل يعرف دون يعلم رعاية لما اعتبره بعض الفضلاء
من تخصيص العلم بالكليات المعروفة بالجزئيات
كما قال صاحب القانون في تعريف الطب الطب علم
يعرف به أحوال بدن الإنسان .
وكما قال الشيخ أبو عمر رحمه الله : التصريف علم بأصول
يعرف بها أحوال أبنية الكلم
وقال السكاكي : علم المعاني هو تتبع خواص تراكيب
الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره
ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على
ما تقتضي الحال ذكره وفيه نظر إذ التتبع ليس بعلم
ولا صادق عليه فلا يصح تعريف شيء من العلوم به
ثم قال وأعني بالتراكيب تراكيب البلغاء .
ولا شك أن معرفة البليغ من حيث هو بليغ متوقفة
على معرفة البلاغة وقد عرفها في كتابه بقوله البلاغة
هي بلوغ المتكلم في تأدية المعنى حدا له اختصاص
بتوفية خواص التراكيب حقها وإيراد أنواع التشبيه
والمجاز والكناية على وجهها فإن أراد التراكيب في
حد البلاغة تراكيب البلغاء وهو الظاهر فقد جاء الدور
وإن أراد غيرها فلم يبينه على أن قوله وغيره مبهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بعد إذنك أستاذ حاتم الحمد
قرات الموضوع وللأسف لا أفهم كثيرا في البلاغة
ولكن لفت نظري الفقرة السابقة وأحببت ان اكتب عن أمر يمر بي كثيرا
كثيرا ما يصادفني في مواضيع منتدى منابر
كلمات ليست في محلها وكلمات لو تم استبدالها باخرى اكثر تناسب
وأبلغ في المعنى مع بقية الكلام
ولكني اخشى من المداخلة ان تخلق شيئ من الحساسية في النفوس
مع ان غياب الكلمة لا يعني ان صاحب الموضوع يجهلها
أحببت من هنا أن أفتح موضوع إستفتاء
وهو مدى قبولنا للتصحيح البلاغي
كما نتقبل التصحييح الأملائي ؟
شكرا لكل من مر من هنا..