عرض مشاركة واحدة
قديم 10-14-2014, 06:22 AM
المشاركة 36
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الجزائر على كف عفريت: هل نؤمن بالتغيير ومستعدون لتحمل تبعاته؟
october 13, 2014
عن القدس العربي
انتهت مرحلة التحليل والتقييم للوضع الحالي، اللحظة لحظة حسم وترجمة «التحاليل» إلى أفعال والتحرك قبل فوات الأوان، خاصة مع تراكم السحاب الداكنة الملبدة بغيوم شؤم هالكة تتبدى من بوادر الصراع المحتدم على الاستخلاف. أجل لا يمكن لمنصف نفي النقلة النوعية التي ميزت تفكير الكثير من الصادقين والمحبين لبلدهم، حتى ممن كانوا لا يزالون يراهنون على النوايا الطيبة وسط هياكل السلطة، والذين هدهدتهم الآمال في احتمال مبادرة هؤلاء «الخيرين» داخل السلطة في إصلاح الوضع ومحاربة الفساد الذي انتشر وعم كافة مؤسسات البلاد، وبعد انقشاع الضباب، خلص معظم الذين راهنوا على السراب وراودتهم الأحلام، إلى نتيجة اليأس من احتمال «الإصلاح» الذي طال انتظارهم له. لم ينفع نصح المخلصين، ليس لأن ملامح الخراب والدمار غير واضحة لدى أصحاب القرار، بل لأن أركان هذا النظام لا يرون «الدولة الجزائرية» خارج سلطتهم وقبضتهم الحصرية حتى لو شرفت البلاد على الهلاك وتلاشت كافة أسس الدولة، وهو ما يؤشر إلى وضع متفجر ومحدق بالوطن.
هذه الحقيقة الساطعة التي برهنت عليها عقود من الممارسات وغرست في نفوس المواطنين الشعور بالإحباط والاستقالة من الشأن العام، من فرط اليأس في إمكانية التغيير، هذا الوضع جعل العديد من الوطنيين الصبورين يدقون ناقوس الخطر ويصدعون بحقيقة طالما حاولوا كبتها في داخل أنفسهم ليس جبنا ولا تعاميا وإنما أملا في تجنب الحلول الجذرية الأليمة، التي اعتبروها مسارا محفوفا بالمخاطر.
صرخة الدكتور عبد الرزاق قسوم الأخيرة التي أطلقها من خلال مقالة تحت عنوان « زفرات حائر في أمر الجزائر»، تندرج في هذا السياق، انتهى فيها صاحب المقال إلى ضرورة التغيير الجذري الكامل والشامل على مستوى كل المؤسسات، معللا ذلك بـ»عدم جدوى الترميم، وإنما المطلوب هو إعادة التصميم». لينتهي بتوجيه نداء عاجل من عمق أعماق الجزائر يقول فيه «نُهيب بكل جزائري مخلص، أن يعي خطورة الموقف، وأن يقوم بالاستجابة التي تكون في مستوى التحديات، وعلى جميع المستويات».
إن ما وصفه الدكتور قسوم دقيق وصائب إلى ابعد حد، وهو بالذات ما نبه إليه ثلة من الغيورين على بلدهم، قبل عقود، فاتُهموا بكره بلدهم والتآمر عليه، بل حتى من لا ُيشك في صدق نيتهم، اتهمهم بأنهم متهورون يخالفون سنن التغيير التدريجي والمرحلي، لكن الآن لم يعد أحد باستطاعته المكابرة والادعاء بإمكانية الترقيع والإصلاح من الداخل وبنفس الهياكل والآليات التي شكلت على مر عقود معاول للهدم والخراب، ثمة إجماع على أن الحل الوحيد هو التغيير الشامل، وإذا اتفقنا مع الدكتور قسوم وغيره من الوطنيين على ما توصل إليه من نتائج، يبقى السؤال المطروح، ماذا بعد؟ وهل الإقرار بعبثية الأمل في الإصلاح من الداخل يكفي أم أن هذه المرحلة قد تجاوزها الزمن؟
لنطرح بعد ذلك السؤال الجوهري: إذا كان الفاسدون على استعداد فعل كل ما بوسعهم للتشبث بالسلطة مهما كلف ذلك الوطن، هل المصلحون على استعداد تحمل مشقة تجسيد رؤيتهم على لأرض الواقع؟ أليس من واجبهم الآن، تحمل المسؤولية وتبعاتها، للانطلاق يد في يد، إلى جانب كل من سبقهم على هذا الدرب ودفع الثمن باهظا رغم التهم والتشكيك في نواياهم؟ إن الإفراط في التريث، قد يزيد الوضع تعفنا وخطورة، بل قد ينطبق عليه قوله تعالى «ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة»، لأن كلما استمر الوضع على حاله كلما زادت المخاطر، واستحال جبرها.
قد يسأل سائل ما مناسبة التذكير بهذا الموضع باعتباره تحصيل حاصل. الغرض هو الإشارة إلى عدم «كفاية» الإقرار بالتشخيص، خاصة بعد ملاحظتنا، منذ فترة، أن المطالبة بالتغيير الشامل لم يعد مطلب المعارضين الموصوفين بـ «الراديكاليين» وحدهم، فقد انضم إليهم العديد من التنظيمات السياسية الوطنية والإسلامية واليسارية واليمينية، على السواء، بعد أن عاشوا دهرا في كنف السلطة وآمنوا بإمكانية التغير من الداخل، وحاربوا إلى جنب هذه السلطة، خاصة بعد انقلاب كانون الثاني/يناير 92، كل من رفع صوته للمطالبة بتغيير حقيقي لا صوري، ونرى الآن حلفاء هذه السلطة، يشكلون معارضة خارج السلطة، ومعهم رؤساء حكومة من طينة هذه السلطة التي ترعرعوا في حضنها، بل هناك مسؤولون سامون حتى داخل السلطة الحالية، من طلب بضرورة التغيير الجذري وضرورة إرساء دعائم الدولة المدنية وفصل السلطات وإبعاد جهاز المخابرات من الهيمنة على دواليب الحكم، وهي كلها مطالب كانت تصنف من «الممنوعات» التي تقسم ظهر أصحابها.
لكن ما يلفت الانتباه، ويُشعِر بالتوجس أن كل هذا الأطراف «تقف» عند هذا الحد دون تجاوزه، بحيث ينحصر الحل حسبها في «مناشدة» السلطة، لإحداث هذا التغيير المنشود!
رشيد زياني شريف